*39* فيها يفرق كل أمر حكيم

  • Creator
    Topic
  • #1330
    Tasneem
    Keymaster
    • المشاركات: 2,176
    بسم الله الرحمن الرحيم
    اللهم صلي على محمد وآل محمد
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ

    تخيّل وجود طاولة مستديرة كبيرة ،، وأن الأنفس العليا تجتمع حولها كل ليلة تتباحث في ما الذي سيتم تبديله من القدر الموقوف من الأحداث ،، وما الذي سيبقى على تقديره ،، وما الذي سيستتبع تبديل بعض الاقدار ،، وكيف سيتم تقديرها من جديد مرة أخرى ،،،

    فالأحداث المقرر التنزل بها على الأرض ليست ثابتة أبدا،، فهي كما قلنا سابقا يجب أن تتبدل يوميا واسبوعيا وشهريا وسنويا تبعا لاعمال العباد اليومية،،

    يمكنك أن تشبه الأحداث على الأرض كقِدْرٍ مملوء بالأحداث التي تغلي ،، فيوما هي بالاسفل وباليوم الاخر هي بالاعلى ،، وبيوم أخر تتبخر أو تتبدل صورها بعد ان كانت موجودة ضمن تلك المقادير التي كانت مقدرة حتى الليلة الماضية

    فلا يوجد شيء ثابت من تلك الاقدار الموقوفة في محله أبدا فلا يمكن تغييره أو تبديله،،

    فكل قدر منها على الإطلاق يمكن تبديله بآخر ،،، فمن مستوى النفوس العليا كل قدر موقوف ممكن تبديله ،، فهي اساسا من تجتمع يوميا على هذه الطاولة المستديرة وتقرر فيما بينها كيف سيتم اخراج الاحداث  لليوم التالي بمقاديرها الجديدة،،

    والآن بعد هذه المقدمة لنتخيل وجود شخصيتين ،،

    شخصية منهما تعرف كيف تجري الأحداث ومن يستطيع أن يغير له بعض صور تلك الأحداث اليومية والسنوية بشكل مباشر

    والشخصية الاخرى تجهل ، أو لا تعرف بهذا النظام وتعيش حياتها تماما كيفما تحدث لها وامامها وعليها كل يوم

    فكيف ستكون حينها اوضاع كل من تلك الشخصيتين حينها؟

    قبل ذلك يجب أن أقول أن ارتباطنا بانفسنا العليا التي تربينا في عالم الامر هو كارتباطنا في عالم الخلق بابوينا واعمامنا وخوالنا ،، وبالجار وبالاستاذ وبمدير المدرسة وبمدير الشرطة ،، وبحاكم المنطقة وبحاكم المدينة،،  وبخليفة البلد وبخليفة الأرض و بالاسم المكنون المخلوق خليفة المعنى المعبود في كل الكون بكله وكليله ،، وبالله المعنى المعبود

    فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ،،

    وعليه فمن حق الأباء والامهات على الأبناء أن يطلب منهم الأبناء أولا جميع حاجاتهم قبل كل من ذكرناهم من بعدهم ،،

    فهذا هو حقهم الطبيعي التكويني الذي اوكله رب العالمين لهم حين جعلهم آباء لهؤلاء الأبناء

    فالابن لا يستطيع ان يطلب مصروفه اليومي او ملابسه المدرسية او ملابس العيد من الاستاذ او من حاكم المدينة او حتى من رب العالمين قبل أن يطلبها من أبويه اولا ، او ان يتوقع الحصول عليها عن طريقهما ،،

    لأنهم في عالم الخلق هم المسؤلين المباشرين عن تربيته ورعايته

    كذلك فمن الطبيعي أن التلميذ يطلب العلم من الاستاذ وليس من الحاكم او من ابيه

    والموظف يرتبط بمديره القريب وليس بالوزير ،،

    وهكذا تجري الامور حسب تراتبية وظيفية مقدّرة تقديرا دقيقا ،، وذلك حفظا للنظام ،

    واعطاء كل ذي حق منهم حقه وعلى قدر منزلته ومرتبته الوجودية التي وصل لها

    وإذا انتقلنا من عالم الخلق لاصل وجودنا في عالم الأمر فإننا سنرى أنّ المسؤولة فيه عن تربيتنا ورعايتنا كنفوس مطمئنة خالدة لا تموت أبدا وانما تعود وتجاور ربها ،، سنجدها انها هي أنفسنا العليا،

    فهي أروحنا التي نفخت فينا من روحها لترسلنا في عوالم متعددة لنعبد الله فيها بصور مختلفة هي من ترشدنا إليها ،، وهي من ستعلّمنا كيف نعبد الله فيها

    فمثلا على كوكبنا هذا بعضنا يعبد الله يوم الأحد وقبل الأكل والنوم

    وبعضنا يعبده يوم السبت بصور مختلفة

    وبعضنا يعبده كل يوم خمس مرات ويوم الجمعة

    بعضنا يعبده بقتل الآخرين

    وبعضنا يعبده باستعبادهم

    وبعضنا يعبده برحمتهم

    وبعضنا يعبده على جبل

    وآخر يعبده في مغارة

    وبعضنا يفضّل ان يعبده في البيت فقط وليس مع الذين يعبدونه جماعة

    وبعضنا يعبده بالتقليد

    وبعضنا يعبده طمعا
    وبعضنا يعبده خوفا

    وبعضنا يعبده حبا

    بعضنا من خلال النار
    وبعضنا من خلال الماء

    وبعضنا يعبده من خلال الشمس والقمر والنجوم

    وبعضنا في مسجد
    وبعضنا في كنيسة
    وبعضنا في معبد

    ووووووووو والقائمة لن تنتهي ابدا

    فكل انواع وصور العبادة لله والممكن ظهورها تقوم الملائكة والروح بالتنزل بصورها واحداثها على هذه الأرض بعد أن تقوم فيما بينها على تلك الطاولة المستديرة بتفصيلها والاتفاق عليها بكل تفاصيلها الدقيقة

    ((هذه الطاولة ذكرتها هنا فقط لتصوير الوضع وتقريبه للاذهان وربما لا وجود حقيقي لها))

    فأنفسنا العليا عقولها ليست محدودة مثل عقولنا فلا تستطيع ان تفكر سوى بأمر واحد في كل حين ،،

    بل اننا نستطيع أن نشبهها بكمبيوترات ذكية حيّة فائقة القدرة والسرعة ،، وهي تتصل ببعضها البعض عن طريق سجلات أكاشا أو الكتاب التكويني او العقل الكوني الذي يربط الجميع ببعضهم البعض ، فتستطيع ان ترتب الاحداث وان تعيد حسابات ترتيبها مرة اخرى واخرى واخرى بلمح البصر ،،

    وان تصدر الاوامر الجديدة وأن توصلها لكل المنفذين من الملائكة والروح ايضا بلمح البصر

    فهذه الأنفس العليا بالاضافة لعلو قدراتها فهي ايضا لها ارتباط ونفاذ مباشر بحقل المعلومات الكوني او العقل الكلي الذي يربط الجميع مع بعضهم البعض فتأخذ منه ما تشاء من المعلومات وتنزل بها أيضا ما تشاء ،،

    وهذه الأنفس العليا جاء وصفها مرة في رواية أمير المؤمنين عليه السلام بأنها جوهرة حية او مدركة بالذات ((هذا مقطع من الرواية)):

    ((فقال: يا مولاي وما النفس اللاهوتية الملكوتية الكلية؟

    فقال: قوة لاهوتية جوهرة بسيطة حية بالذات أصلها العقل منه بدت وعنه دعت وإليه دلت وأشارت وعودتها إليه إذا كملت وشابهته، ومنها بدأت الموجودات وإليها تعود بالكمال فهو ذات الله العليا وشجرة طوبى وسدرة المنتهى وجنة المأوى، من عرفها لم يشق، ومن جهلها ضل سعيه وغوى .

    ومرة أخرى في رواية أخرى وصفها بالقول أنها:::

    والكلية الإلهية لها خمس قوى : بقاء في فناء ، ونعيم في شقاء ، وعز في ذل ، وفقر في غناء ، وصبر في بلاء ،
    ولها خاصيتان : الرضا والتسليم
    وهذه التي مبدئها من الله وإليه تعود ،

    قال الله تعالى : ( ونفخت فيه من روحي ) وقال تعالى : ( يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية))) …إنتهى النقل وليس الرواية

    فالنفس الناطقة القدسية وهي نفسها النفس المطمئنة

    عندما يموت البدن ويفنى ،،

    وتفنى النفس الحسية الحيوانية بعد ذلك عندما ترجع لما منه صدرت وتتحد وتفقد هويتها به

    ستعود  النفس الناطقة القدسية اخيرا لتجاور هذه النفس الكلية الإلهية التي تربيها وترعاها

    ونستطيع أن نصف هذه النفس الكلية الالهية الجوهرة البسيطة بأنها شجرة مستقلة لكنها متصلة إتصال مباشر بالعقل الكوني ومن خلاله بجميع الانفس العليا الاخرى

    وجميع النفوس الناطقة القدسية او النفوس المطمئنة التابعة لهذه النفس الكلية الالهية الجوهرة البسيطة ،، أو الشجرة،، هي كالعقد المنتشرة على سوق وفروع واغصان هذه الشجرة

    والتي منها ستنبت وتخرج الأوراق في كل عام ،، والتي هي الابدان المادية التي تفنى وتموت وتتحلل لترجع للارض ،، تماما كما يحدث لاوراق الشجر بعد ان تكمل عليها دورة حياتها كاملة

    فكلما مات بدن من الابدان في عالم الخلق سقطت ورقة من اوراق تلك الشجرة الإلهية في عالم الأمر

    بينما العقدة باقية على الغصن ومنها ستخرج ورقة اخرى في السنة المقبلة

    فنحن على مستوى الأبدان كأوراق تنمو على فروع شجرة إلهية من تلك الأشجار الإلهية الكثيرة والتي جذورها كلها متصلة بالعقل الكوني تأخذ منه ما تحتاجه من المعلومات

    ولقد جاء في الاثر ما يشبه هذى المعنى

    (إن الله خلق الأنبياء من أشجار شتّى ، وخلقني وعلياً من شجرة واحدة، فأنا أصلها وعلي فرعها وفاطمة لقاحها والحسن والحُسين ثمرها،)

    (الناس من شجر شتى وأنا وعلي بن أبي طالب من شجرة واحدة)

    (وقوله صلى الله عليه وآله لبريدة : لا تبغض عليّا فإنه مني وأنا منه ، وإنّ الناس خُلقوا من شجرٍ شتّى وخُلقت أنا وعليّ من شجرة واحدة .)

    فإذن توجد أشجار إلهية عديدة كلها أشجار الهية عظيمة ،، لكن شجرة العالين هي أفضل الأشجار

    وكلها نفوس عليا إلهية عظيمة ،، لكن لا بد أن توجد نفس عليا هي أعظمها

    وكل تلك الأشجار الالهية هي من تُنبت اوراقها النابتة على فروعها وسوقها واغصانها فترعاها وتربّيها وتعلّمها وترسم طريقها لها لكي تُظهر بها ومن خلالها عبادة الله في الوجود وتعرفهم الله وصفاته

    ومن يعرف أنه يتصل بنفس عليا تربيه وتقرر له كل يوم ما سيحصل معه وله اليوم او غدا أو بعد سنة ،، فإنه سيحاول أن يكون على اتصال دائم بها،،

    يسلم عليها ، يناجيها

    ويطلب منها أن تفاصل من أجله،
    وأن تخطط من أجله،

    ويرجوها أن تدخله في الخطط اليومية والسنوية التي تقوم بالاتفاق عليها مع بقية الانفس العليا بتجارب جميلة يجد نفسه منجذب للعيش بها ولتجربتها حسيّا ،،

    وما ذلك عليها بعسير

    ومع انتباهه انه شخصيا يوجد له هدف محدد من اجله قد ارسلته نفسه العليا في هذا الكوكب من اجل تحقيقه ومعايشته ،،

    فكل انسان ميسر لما هو من اجله قد خُلق ،،

    اقول مع انتباهه لذلك يجب أن يكون ذكيا في ما يطلبه،،

    يجب أن يعرف ما هو الممكن طلبه وتغييره وما هو ليس ممكن،،

    ويجب أن يقبل بما فصلته له وان يعيشه عن طيب خاطر

    لكن وبنفس الوقت فانه يستطيع ان يطلب منها ما يواسيه في حياته القصيرة هذه لتخفف عنه بعض مشاكله وتيسر عليه القادم من الأيام

    ويجب ان يعرف كذلك انه توجد خطة كبيرة وشاملة لكل الأنفس المجتمعة في الزمان والمكان الواحد ،،وأنه يجب عليه ان يعيشها بتمامها تماما كما ستعيشها بقية النفوس ،،

    لكنه ولأنها يعرف كيف تجري الامور سيستطيع ان يطلب ان يغير بعض التفاصيل الصغيرة داخل تلك الخطة الكبيرة

    أمّا الذي لا يعرف كيف تجري الامور فإنه سيعيشها تماما كما تم تفصيلها له،،

    طبعا النفس العليا ستستفيد منه تمام الاستفادة ،،

    فهو سيعيش كل المشاعر التي تريد أن تحصل عليها منه مهما كانت تلك المشاعر قاسية او صعبة،،

    فمن سيعيشها برضى ستسعد به نفسه العليا ،، ومن سيعيشها بسخط ستسعد به ايضا

    فجميع المشاعر بالنسبة لها هي مشاعر جميلة وجيّاشة ،، لكن أكثر من سيثيرها ويزيد فخرها هم من سيختارون أن يعبدوا الله من خلال التفكّر لا التقليد،،
    ومن سيعبدون الله سرا في جوف الليل،،

    فعبادة الليل ستتفاخر الأنفس العليا فيما بينها بمن اختار منّا كانفس ناطقة قدسية في عالم الخلق أن يعبده سرا في جوفه ،، فيجعلون لهم انوار تضيء ليلا من الأرض فيراها أهل السماء،،

    فالمراقبون ،،، وهم اهل السماء من الملائكة والروح وربهم

    انهم يراقبون الأرض ليلا ونهارا ويعملون على تحقيق تلك المقادير تماما كما تم تنزيلها ،،، لكنهم ليلا سيتفاخرون أيضا فيما بينهم

    فهذا نوري أنا وهذا أيضا نوري أنا وهذا هو أيضا نوري أنا

    هكذا في عالم الأمر ستتفاخر الارواح والملائكة فيما بينها بأنوارها الأرضية

    لإننا رسلهم في عالم الخلق لنعبد الله فيه بأجساد أروحها معلقة بالملأ الأعلى وهم ارواحنا

    وصلى الله على خير خلقه أجمعين محمد وآله الطيبين الطاهرين

  • The forum ‘بحوث طالب التوحيد’ is closed to new topics and replies.