الأصل والسبب لنشـوء المغـالطـات فـي عـلم التصوف
2- الحلقة الثانية: تفكيك المصطلحات وشرحها
بقلم الفقير لله تعالى: أحمد يوسف نده
طرطوس- الشيخ بدر: 14-11-2016م
……………………………………………………….
ما المقصود من العقل؟؟…. ما المقصود من الإيمان؟؟
.
ذكرنا في المنشور السابق ما حدث للحضارة المسيحية في العصور الوسطى… وأنهم لما وقفوا أمام السؤال الخطير: (إذا تعارض العقل والإيمان فأيهما نقدم؟) فجاء الجواب: نقدِّم الإيمان…
فكان ذلك سبب انحطاطهم وتخلفهم أمام الحضارة الإسلامية التي كان عقلها يعمل في شتى العلوم الإسلامية بدون استثناء…
هذه المقولة التي تشبه المقولة الرائجة في أوساطنا (اترك العقل… ودع القلب يعمل) ..
.
واليوم سنسأل السؤال الذي لم يطرحه الفلاسفة والقديسيون المسيحيون: (هل يتعارض العقل مع الإيمان أصلاً؟)
بل وهناك سؤال قبله: (عن أي عقل تتحدثون؟.. وعن أي إيمان؟.. وعن أي قلب؟)
أي لا بد من تحرير محل النزاع حسب الاصطلاح العلمي.. أي أن نعرف العقل ثم الإيمان… ثم نوضح هذه المقولة وأنها لا تنطبق على الدين الإسلامي لوجود فارق كبير بين الإسلام والمسيحية:
.
1- (الإيمان): هو الأثر القلبي الناتج عن التعلق بالنص الديني وتصديقه..
والنص الديني عند المسيحيين هو ما جاء في كتابهم المقدس من عهد قديم وجديد (توراة وانجيل)
فعندما حصلت الانقسامات بين المسيحيين في تفسير طبيعة السيد المسيح وتفسير الثالوث وتفسير العشاء الأخير وقضية تحول دم المسيح خمرا وجسده خبزا بعد تلاوة قداديس وصلوات معينة… وكذلك عندما واجه المسيحيون الفكر الإسلامي المنتشر في بقاع الأرض.. حاولت كل فرقة مسيحية تأييد نفسها بالدليل والبرهان العقلي.. كما حاولوا الدفاع عن كنيستهم تجاه المد الفكري الإسلامي..
إلا أن العقل خذلهم والبرهان وقف خصيمهم… فصاروا أمام أحد أمرين:
إما الرضوخ لقانون العقل والدخول في دين الإسلام…
أو البقاء على المسيحية بالاعتماد على المقولة الشهيرة والشعار البراق (ادعس على العقل وتحلى بالإيمان)…
.
2- (العقل): ليس المراد منه العقل الموجود عند الأطفال والذي يؤمن بالخيالات والخرافات… ولا العقل الذي يعتمد على الموروث والتقاليد بغثها وسمينها… ولا العقل الملوَّث بالهوى والمتبع للشهوات والعصبيات…
بل هو العقل الناضج الواعي الذي يضع أي قضية تحت النقد والتحليل السليم.. الذي لا يتبنى أي قضية بدون دليل.. الذي يعتمد على البديهيات وقوانين الفكر وقواعد المنطق السليم والبرهان في الإثبات أو النفي..
.
3- وهنا نجيب عن هذا السؤال: (هل يتعارض العقل مع الإيمان؟):
وهنا نقول وبكل وضوح وصراحة ويقين: إن هذا العقل الناضج السليم لا يتعارض مع الإيمان والنص الديني بأي شكل من الأشكال..
.
فإن سألت: إذاً كيف تعارض العقل مع الإيمان المسيحي؟
قلت لك: لأن النص الديني في الكتاب المقدس (التوراة والإنجيل) ليس هو النص الإلهي ولا النص الذي جاء به السيد المسيح ع.. بل أغلبها نصوص بولس الرسول.. لأن الإنجيل والتوراة تم تحريفها.. وبالتالي خرجت عن إطار النص الديني وأصبحت عبارة عن أقوال البشر وخرافاتهم وأوهامهم وأساطيرهم.. والبشر خطاؤون.. وفي حالة الخطأ البشري يحصل التعارض مع العقل والبرهان السليم..
.
وهنا نسأل: إذا تعارض العقل الناضج مع الخرافة.. ماذا نفعل؟
الجواب العلمي والمنطقي والحضاري: ادعس على الخرافة وتمسَّك بالعقل لأنه سيهديك إلى الدين الصحيح والإيمان الحق..
.
وبهذا نصل إلى معالجة المقولة التي فتكت وستفتك بالعالم الإسلامي وهي: (دع العقل وتمسك بالقلب)… وسنتكلم عن علاقة هذه المقولة بالسؤال السابق.. ولكن سنتدع هذا البحث إلى غد كي لا نطيل عليكم..
دمتم بخير والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته..
………………………..