الأصل والسبب لنشـوء المغالطات فـي علم التصوف
7- الحلقة السابعة: الثمرة والنتيجة من هـذه الأبحاث
بقلم الفقير لله تعالى: أحمد يوسف نده
طرطوس- الشيخ بدر: 19-11-2016م
……………………………………………………….
أخواني وأحبابي كان المقصد من هذه الحلقات توضيح بعض الملابسات والمغالطات حول علم التصوف.. هذا العلم المهجور والبئر المعطلة في عالمنا الإسلامي…
وتوصلنا إلى أن قضية تعطيل العقل هي سبب لكل المغالطات.. الأمر الذي يؤدي إلى انحرافات ومزالق مرعبة.. فهذا العلم رأس العلوم وهو يمثل الطابق العلوي في البناء الإسلامي المتكامل.. والوقوع من الطابق العلوي أخطر بكثير من الوقوع من الطوابق السفلى..
وأنا لم أكتب هذا عبثاً بل لأني شاهدت وعن قرب كثير من هذه الترهات والخرافات والخزعبلات والعقائد المنحرفة والأفكار الضالة المشوشة.. بالإضافة إلى وجود من يدعو إلى تعطيل العقل ومحاربته حتى في أوساطنا العلمية والدينية.. لا بل أن أحد دكاترة الفيزياء الذي درَّسني في جامعة دمشق كان تابعاً لأحد الطرق الصوفية وقال لنا بالحرف: (العقل صندوق بويا) وأشار إلى رأسه.. ثم قال عليكم بالقلب وأشار إلى صدره..
هذا دكتور في الفيزياء فكيف الحال بالعوام؟.. هذا ولم أخبركم عن غيره وغيره.. فهل علمتم يا أحبائي خطورة هذا الأمر؟؟ هل تعرفتم على أحد أسباب التخلف في مجتمعاتنا؟؟
وما علم هؤلاء المساكين أن القلب هو القوة المحركة والدافعة والجاذبة والمولدة لأي نشاط.. ولكنها بدون عقل تكون عمياء.. لا بل قد تؤدي إلى ضلال وضياع وتشتت إن لم يسيطر على حركتها العقل الواعي السليم الناضج.. فالقلب كالمحرك في المركبة.. ولكن المركبة بحاجة أيضاً إلى ربان ومركز قيادة وتحكم وتوجيه وهذه هي مهمة العقل.. فإن غابت القيادة ضاعت المركبة وغرقت وهلكت.. أو خضعت لغزو فكري وتحكم من قبل الآخرين..
.
العقل يا أخواني يجب أن يكون مصاحباً لك في سفرك وسيرك وسلوكك ومعراجك وتقرُّبك من الحضرة الإلهية.. وأما القلب فهو قطب جاذب: فإما أن يكون سلبي فيجذب الإنسان إلى الدنيا والخلود للأرض.. أو قطب إيجابي يجذب العبد إلى مصدر الكمال وعالم البقاء.. فهو يساعد العقل في سلوكه وسيره…
……………………….
وهنا علينا التمييز بين قسمين رئيسيين في التصوف:
.
1- التصوف العملي وتزكية النفس وتربية الأخلاق: فهذه هي التي تهتم بالقلب.. وذلك لتنقية هذا المجرى والمنفذ والقناة والباب من الصدأ والشوائب والتعلقات الدنيوية عن طريق العبادة والذكر والعمل الصالح والمجاهدة و.. مما يؤدي إلى صفائه ليستعد لاستقبال ما يصدر عن عالم النور والملكوت..
.
2- العرفان النظري: وهو الذي يتوجه إلى تقوية العقل وتغذيته وإنارته ليتعقل ويفهم ويتدبر ما يرد عليه من أنوار..
ولكن العرفان النظري لا يثمر بدون مقدمات وشروط يجب على العقل أن يراعيها في سلوكه وهي: دراسة المنطق وعلم الكلام والعقيدة الإسلامية والفلسفة الإلهية…
.
فإن قال أحدهم: هذا تكليف بما لا يُطاق.. كيف يدرس الإنسان كل هذه العلوم؟!!
فنقول له: نحن نتكلم على من يريد أن يصبح داعياً إلى الله ومبلغاً عنه ووارثاً محمدياً وعارفاً صوفياً ومربياً ومرشداً وعالماً بالدين.. أما عامة الناس فيكفيهم تعلم أصول العقيدة والتمكن منها لتجنب الشبهات.. ثم عليهم بتزكية النفس للوصول إلى الاطمئنان والابتعاد عن الشهوات ومهالك الدنيا..
.
فإن قلت: طالما أن طريق التزكية يوصل إلى عالم الغيب والملكوت ليستقبل أنوار الله والجبروت.. فما الحاجة لهذا التعب العلمي والنظري وقواعد المنطق والفلسفة؟ فالعلم اللدني والوهبي يغني عن العلم الكسبي والنظري.. ومن ينفتح قلبه لعالم النور كيف نخاف عليه من الشبهات والبدع والضلالات؟
الجواب: ومن قال لك أن كل ما يرد عليك من واردات عند السلوك العملي هو من عالم النور.. فهناك وساوس إبليسية وأوهام شيطانية وهواجس نفسانية قد ترد بين الحين والآخر على القلب.. كقوله تعالى ((وما هو بقول شيطان رجيم)).. فدلَّنا أن هناك قول للشيطان.. وهذه الإيحاءات ليست من عالم الشهادة حتى تميزها بل هي غائبة عنك خافية عليك.. ولا يميزها إلا العقل المتحقق بالعلوم العقلية لرد الشبهات والشطحات.. أو المتعمق بالعلوم الشرعية لدفع البدع والانحرافات والإباحيات والأعمال المخالفات..
.
أما قرأت قوله تعالى: وقوله تعالى: ((ونقلِّب أفئدتهم وأبصارهم)).. وقوله تعالى: ((ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا)).. وحديث النبي (ص): (ما من قلبٍ إِلاَّ بينَ أُصبعين من أصابع الرَّحمن إن شاء أن يُقيمه أَقامه وإِن شاء أن يُزيغه أزاغه).. فالحياة الدنيوية فيها تغير وتحول وهموم وامتحانات واختبارات.. فإن لم يكن عقله ثابتاً ودينه صحيحاً وربُّه عليه راضياً فإنه سيقع فريسة ما يرد على قلبه.. ومن هنا نعرف أهمية هذا الدعاء (اللهم ثبِّت علينا العقل والدين)..
لهذا ينصح العلماء الأفاضل بعدم دخول باب التصوف والعرفان إلا بعد التحقق من العلوم العقلية والتمكن من العلوم الشرعية.. وبذلك يضمن الإنسان سلامة العقل وصحة الدين.. فهذا هام جداً لمن يريد أن يصبح عارفاً صوفياً ومربياً له مريدين ومرشداً للسالكين..
.
أما المريد إن لم يكن من أهل التخصص والعلم الديني فلا يجوز له أن يسنَّ عملاً ولا أن يطرح فكراً بدون الرجوع لذلك المربِّي العالم والسيد الكامل.. وللأسف فإن الكثير من طلبة العلم الذين لم يتحققوا بالعلوم العقلية والعقائدية والشرعية يظنون أنهم من أهل الكمال فيغترون بأنفسهم.. ويُدخلون في الدين ما ليس منه.. وما ذلك إلا لجهل مركب أو هوى متبع أو ميل لدنيا وشهرة وحب الأنا..
.
فإن قلت: هناك كثير من الأمور التي لم تدركها عقولنا.. فلولا تسليم القلب لضللنا..
قلنا: هذا صحيح بالنسبة للعوام.. أما العلماء فهم أمام حالتين:
– الأولى: إدراك الجزئيات والغيبيات وكيفية حصول المعجزات وجميع الحوادث الكونية.. فهو أمر ممتنع على العقل البشري.. ولا أحد أصلاً يريد أن يدرك كل الجزئيات والحوادث في الكون.. ولا أحد يطالبك بذلك حتى الملحد..
.
– والثانية: معرفة القضايا الكلية والقوانين الأساسية والنواميس الكونية والحقائق الدينية.. فهذا لا يجوز تغييب العقل فيها.. وعدم إطلاع عقلك عليها لأنك لم تطلع على القرآن وعلى علوم محمد وآل محمد ع.. ألم يقل الله تعالى ((اليوم أكملت لكم دينكم))… ألم يقل رسول الله ص: (إني تارك فيكم ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبداً.. كتاب الله وعترتي أهل بيتي).. وقال الإمام علي ع: (سلوني قبل أن تفقدوني).. وقال أئمة الحق ع لأولئك الشخصين: (شرِّقا أو غرِّبا لن تجدا علماً إلا عندنا أهل البيت)…
……………………..
الخلاصة:
إن كل ما أشرنا إليه في منشوراتنا حول المغالطات من سلوكيات خاطئة واعتقادات منحرفة وجهالات مركبة وطقوس منحرفة ورقصات وعربدات وتحضير جن وأرواح.. ما هي إلا نتيجة إغلاق العقل وفقدان العالِم المربي والوارث النبوي.. الجامع بين مقامي العقل والشرع.. وتصدّي الجهلة لهذا المقام المحمدي..
وبذلك أكون قد أجبت عن سؤالي في بيان أصل هذه المغالطات.. ويبقى علينا في خاتمة هذه الأبحاث أن نبين لكم المنهجين المتباينين في علم التصوف والعرفان.. لتعرفوا الفرق بين المنهج القويم والمنهج المعوج.. فإلى غد وحلقة جديدة بعون الله تعالى.. والسلام عليكم ورحمة الله…
………………………