□ الفرق والافتراق بين الحلول والإشراق

  • Creator
    Topic
  • #1447
    Tasneem
    Keymaster
    • المشاركات: 2,176
    بوارق وإشراقات في العرفان والتصوف -1-
    (الفرق والافتراق بين الحلول والإشراق)
    بقلم الفقير لله تعالى: أحمد يوسف نده
    (طرطوس: الخميس 22-3-2018م)
    ……………………………………………..
    وعدنا الأخوة والأصدقاء أن نقدم مقتطفات من أبحاث علوم العرفان والتصوف.. ومنذ فترة نبهني أحد الأصدقاء إلى منشور تعرض لفكرة مهم.. ولن أذكر اسم صاحبه.. لأن المهم هو مناقشة الفكرة نفسها.. وبما أنها تصب في صلب أبحاثنا هذه.. أردت الإضاءة عليها.. والأمر لا يخلو من فائدة عرفانية عميقة..
    …………………………….
    جاء في ذاك المنشور ما يلي: ((تتذكرون جميعاً نظرية فيثاغورث وهي مربع الوتر في مثلث قائم الزاوية = مجموع مربعي الضلعين الآخرين… فإذا افترضنا أن المثلث متساوي الساقين وطول ضلعه (1) سيكون مربع الوتر = (2) و بالتالي طول الوتر = (جذر العدد2) = (2√)..
    حتى الآن لا مشكلة في الأمر.. ولكن إن جذرنا العدد (2) سنجد أنفسنا أمام مُعضلة وهي أن هذا الجذر لا ينتهي ولا يتكرر.. فهو (1.1414213562373095).. والقسمة عادة إما ان تنتهي عند رقم أو أنها تتكرر بارقام بعينها فنكتفي بالتكرار.. وهنا نلاحظ أن جذر العدد (2) لا ينتهي.. ما أقوله هنا للتأمل الفلسفي وليس الرياضي أن الوتر كما ترون بالصورة منتهٍ لأن له طرفان (بداية ونهاية) أليس كذلك؟ فكيف يكون المتناهي لا متناهٍ؟
    هنا بالذات أقول اللامتناهي كامن في المتناهي.. أي أن أيّ شيء ضئيل الحجم في الوجود فيه الكون كله… وهو يكاد أن يُطابق القول: (وتزعم أنك جُرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر) ولعل في هذا سرَّ (الحلول) في التصوف. وهنا أكتشف وجود الله في الكون وفينا)) /انتهى الاقتباس/
    ……………………………
    ولكن نحن نعلم أن الحلول باطل.. فأين المشكلة؟ وأين تكمن المغالطة؟؟
    للجواب على ذلك نقول: المغالطة الفلسفية في ذلك تكمن في أننا لا نفرق بين الأعداد التي تتزايد أرقامها قبل الفاصلة.. وبين تلك التي تتزايد أرقامها بعد الفاصلة.. فمهما زادت الأرقام بعد الفاصلة فإن العدد لن يصل إلى الرقم (2) في مثال الوتر.. فالأرقام التي تتزايد بعد الفاصلة تعني فلسفياً أن هذا الشيء قابل للقسمة.. وقابليته للقسمة لا يقف عند حد..
    .
    وهنا أيضاً علينا التمييز بين القابلية للقسمة في العقل وبين القابلية للقسمة في الواقع.. أما في العقل فإن القسمة لا تقف عند حد.. وكلما تابعنا التقسيم العقلي وصلنا إلى رقم جديد بعد الفاصلة.. وهذا راجع إلى صفة الاتصال بين الأعداد..
    أما في الواقع الخارجي فإن عملية التقسيم ستصل إلى مرحلة لا يمكننا بعدها إجراء تقسيم واقعي.. لأننا سنصل في النهاية إلى ذرات ثم إلى نوى الذرات ثم إلى الجسيمات الأولية ألا وهي الالكترونات والكواركات.. وهذه الجسيمات لا يمكن تقسيمها في الواقع الخارجي.. وهذا راجع إلى صفة الانفصال بين مكونات الأجسام..
    .
    والخلاصة مما سبق: أن الوتر المحدود من طرفيه.. هو محدود ومتناهي بالفعل والواقع.. ولكنه (لا متناهي بالقوة).. ولا تنافي بين القولين.. ولكن لا يمكننا أن نقول أنه (لامتناه بالفعل).. لأن ذلك يناقض قولنا أنه محدود ومتناهي بالفعل..
    وكم هناك فرق بين (اللامتناهي بالقوة) و(اللامتناهي بالفعل).. ومن هنا نجد أن كبار الفلاسفة والحكماء عبروا عن الواجب تعالى بأنه (فوق ما لا يتناهى بما لا يتناهى وجوداً وحقيقةً وشدةً وفعلاً).. كي لا يقعوا في مثل هذه الشبهات..
    .
    ومن هنا فإن قولنا بحلول (اللامتناهي) في (المتناهي) يصبح قولاً مجازياً ولا يجوز حمله على الحقيقة.. إذ لا يمكن أن يحوي المتناهي بالفعل شيئاً لا متناهياً بالفعل.. لا بل إن المتناهي لا يحوي متناهياً أكبر منه فكيف يحوي لا متناهي..
    .
    لذلك عدل أكابر الحكماء والعرفاء عن الحلول الباطل وقالوا بالإشراق والانعكاس.. وهذه الفكرة هي التي توافق مثالنا الرياضي.. إذ أن (المتناهي بالفعل) يمكنه أن يسع (اللامتناهي بالقوة).. من خلال انعكاس اللامتناهي بالفعل الموجود خارجاً على مرآة (المتناهي).. فنظرية الإشراق والانعكاس الأكثر انطباقاً على حالتنا الصوفية الموافقة للعقل والنقل..
    .
    هذا هو الدليل العقلي على إبطال الحلول.. وسنقدم لكم الدليل النقلي لنرى ثمرة هذا البحث وفائدته في فهم الروايات:
    – عن الإمام الصادق عليه السلام قال: (قيل لأمير المؤمنين عليه السلام: هل يقدر ربك أن يدخل الدنيا في بيضة من غير أن يصغِّر الدنيا أو يكبر البيضة ؟) فأجاب الإمام جواباً حقيقياً واقعياً برهانياً فقال ع: (إن الله تبارك وتعالى لا يُنْسَب إلى العجز، والذي سألتني لا يكون)..
    وهذا هو الجواب المحكم.. إذ أن الصغير لا يسع الكبير ليس لعجز في الخالق والفاعل بل لقصور القابل.. والكبير لا يحل في الصغير.. فلو وسع الصغير الكبير لما كان صغيراً.. ولو دخل الكبير في الصغير لما كان كبيراً.. ولكن السائل كان ملتفت فقال بشرط ألا تكبر البيضة ولا تصغر السموات..
    وهذا الكلام ينفي الحلول تماماً فاللامتناهي لا يحل في المتناهي.. ليس لعجز في اللامتناهي.. بل لقصور المتناهي عن الإحاطة باللامتناهي..
    فإن قلت: لماذا لا يحل في المتناهي جزء من اللامتناهي.. قلنا هذا يمكن إن كان اللامتناهي هو العدد.. أما الواجب فهو وإن كان لا متناهياً إلا أنه بسيط أحدي جزء أصم لا تركيب فيه ولا أجزاء له حتى ينقسم.. تعالى الله عن أوهام المتوهمين.. فهذا الحديث ينفي الحلول نفياً قاطعاً..
    .
    – أما الرواية الأخرى التي تثبت نظرية العرفاء الموحدين في الاشراق فهي:
    عن محمّد بن إسحاق قال: (إنَّ عبد الله الدّيصاني) وهو من الملاحدة المعروفين (سأل هشام بن الحكم) وهو من تلامذة الإمام الصَّادق.. فقال له: (ألك ربّ؟) فقال: (بلى).. قال: (أقادر هو؟) قال: (نعم، قادر قاهر).. قال: (يقدر أن يدخل الدّنيا كلّها في البيضة.. لا تكبر البيضة ولا تصغر الدّنيا؟)
    قال هشام: (النّظرة).. فقال له: (قد أنظرتك حولاً ) أي أعطيتك مهلة سنة كاملة للتَّفكير.. ثم خرج عنه، فركب هشام إلى أبي عبد الله الصادق ع فاستأذن عليه، فأذن له، فقال له: (يا ابن رسول الله.. أتاني عبد الله الدّيصاني بمسألة ليس المعوَّل فيها إلا على الله وعليك).. فقال له أبو عبد الله:  (عمَّاذا سألك؟).. فقال: (قال لي: كيت وكيت)..
    فقال أبو عبد الله ع:  (يا هشام، كم حواسّك؟).. قال: (خمس).. قال: (أيّها أصغر؟).. قال: (النّاظر) أي البؤبؤ..
    قال: (وكم قدر النّاظر؟).. قال: (مثل العدسة أو أقلّ منها).. فقال له: (يا هشام، انظر أمامك وفوقك، وأخبرني بما ترى؟).. فقال: (أرى سماءً وأرضاً ودوراً وقصوراً وبراري وجبالاً وأنهاراً)..
    فقال له أبو عبد الله ع): إنَّ الّذي قدر أن يدخل الّذي تراه العدسة أو أقلّ منها.. قادر على أن يدخل الدّنيا كلّها البيضة.. لا تصغر الدّنيا ولا تكبر البيضة)..
    فهذا جواب جدلي يريد به إلجام الخصم ودحضه والظهور عليه.. وفي هذا الجواب إشارة إلى حقيقة الانعكاس.. إذ أن الرؤية البصرية قائمة على مبدأ الانعكاس في الضوء.. وهي تثبت ما قلناه من أن الكمال الذي يسعى إليه العارف هو أن يجلي مرآة نفسه بالعلم والعمل حتى تصبح مصقولة وقابلة لعكس ما يشرق عليها من فيض الكمالات الإلهية والمعارف الربانية والمنح القدسية..
    .
    ووفق هذه النظرية يمكننا فهم الحديث القدسي الذي استنكره الكثيرون: (ما وسعني أرضي ولا سمائي ووسعني قلب عبدي المؤمن).. وهذه السعة ليست حلول مكاني أو اتحاد ذاتي .. وإنما هي إشراق فيض وانعكاس صفات..
    وبنفس الطريقة نفهم القول المنسوب لأمير المؤمنين علي ع: (وتزعم أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر).. فهذا لا يدل على الحلول كما فهم البعض.. بل يدل على أن النفس الإنسانية هي التي تعكس جميع مراتب الوجود من العقل والمثال والمادة.. وهذا هو سر استخلاف آدم في الأرض..
    نعتذر عن الإطالة.. دمتم بخير والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته..
    ……………………………………..
  • The forum ‘التعريف بعلم التصوف والعرفان – أحمد نده’ is closed to new topics and replies.