- □■ مقدمة:
● المظاهر الخلقية كانت مستجنة مستبطنة غيبية، وصارة ظاهرة في عالم الشهادة.
● ما كان ظاهرا في الصقع الربوبي كأحكام الوحدة الحقيقية، صار باطنا في المظاهر الخلقية.
● ما كان باطنا في الصقع الربوبي كالعالم صار ظاهرا في المراتب الاستجلائية.
● الوحدة غالبة في الصقع الربوبي.
● الكثرة غالبة في المظاهر الخلقية.
● لا قابلية للتعينات أن تكون مظهرا للوحدة الذاتية والكثرة الأسمائية بنحو متوازن.. لذلك اقتصى الأمر أن يكون هناك مظهر تام وكون جامع بين الوحدة والكثرة، يكون مظهرا للذات بكمالاتها كافة.
□■ مصطلح الإنسان الكامل والكون الجامع:
الإنسان الكامل: إشارة إلى بعد المظهر الكلي، وبعد الكون الجامع.
الكون الجامع : إشارة إلى البعد الظاهري في الإنسان الكامل.
المظهر الكلي : إشارة إلى البعد الباطني في الإنسان الكامل.
□■ خصائص الكون الجامع:
1. جامع بين الوجوب والإمكان.
واجب باعتباره مظهرا للجهات الوجوبية من الشؤون والأسماء الإلهية و ممكن باعتباره مظهرا للحقائق الإمكانية والصفات الخلقية.
2. جامع بين الأحدية والواحدية.
جامع للمظهرية الذات المطلقة في مقام الأحدية، وبين مظهرية الأسماء والصفات والأفعال في مقام الواحدية والمظاهر الخلقية.
3. جامع بين العبودية والربوبية.
عبد بحسب مرتبته في المظاهر الخلقية، ورب باعتباره واسطة الفيض لما هو دونه.
4. مظهر للاسم الجامع ( الله ).
□■ القيصري في شرح الفصوص ج1 ص 142:
” لما تقرر: أن لكل من الأسماء الإلهية صورة في العلم مسماة بالماهية والعين الثابتة، وأن لكل واحد منها صورة خارجية مسماة بالمظاهر والموجودات العينية، وأن تلك الأسماء أرباب تلك المظاهر وهي مربوباتها، وعلمت أن الحقيقة المحمدية صورة الاسم الجامع الإلهي وهو ربها ومنه الفيض والاستمداد على جميع الأسماء.
فاعلم أن تلك الحقيقة هي التي ترب صور العالم كلها بالرب الظاهر فيها الذي هو رب الأرباب؛ لأنها هي الظاهرة في تلك المظاهر، كما مر. فبصورتها الخارجية المناسبة لصور العالم التي هي مظهر الاسم الظاهر ترب صور العالم، وبباطنها ترب باطن العالم؛ لأنه صاحب الاسم الأعظم وله الربوبية المطلقة…. وهذه الربوبية إنما هي من جهة حقيتها لا من جهة بشريتها، فإنها من تلك الجهة عبد مربوب محتاج إلى ربها، كما نبه سبحانه بهذه الجهة بقوله: قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي ، وبقوله: وأنه لما قام عبدالله يدعوه .
فسماه عبدالله تنبيها على أنه مظهر لهذا الاسم دون اسم آخر، ونبه بالجهة الأولى بقوله: وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى، فأسند رميه إلى الله.
ولا تتصور هذه الربوبية إلا بإعطاء كل ذي حق حقه، وإفاضة جميع ما يحتاج إليه العالم. وهذا المعنى لا يمكن إلا بالقدرة التامة والصفات الإلهية جميعها، فله كل الأسماء يتصرف بها في هذا العالم حسب استعداداتهم.
ولما كانت هذه الحقيقة مشتملة على الجهتين: الإلهية والعبودية، لا يصح لها ذلك أصالة [ مع قطع النظر عن ظهور اسم الله فيه ]، بل تبعية وهي الخلافة، فلها الإحياء والإماتة، واللطف والقهر، والرضا والسخط، وجميع الصفات؛ ليتصرف في العالم وفي نفسها وبشريتها أيضا؛ لأنها أي البشرية منه أي من العالم.
وبكاؤه عليه السلام وضجره وضيق صدره لا ينافي ما ذكرنا من الربوبية والخلافة فإنه بعض مقتضيات ذاته وصفاته، ولا يعزب عن علمه مثقال ذرة في السماء ولا في الأرض من حيث مرتبته ….
والحاصل: أن ربوبيته للعالم بالصفات الإلهية [ أي بظهورها فيها ] التي له من حيث مرتبته وعجزه ومسكنته وجميع ما يلزمه من النقائص الإمكانية من حيث بشريته الحاصلة من التقيد والتنزل إلى العالم السفلي ليحيط بظاهره خواص العالم الظاهر، وبباطنه خواص العالم الباطن، فيصير مجمع البحرين ومظهر العالمين، فتنزله أيضا كماله، كما أن عروجه إلى مقامه الأصلي كماله، فالنقائص أيضا كمالات باعتبار آخر يعرفها من تنور باطنه وقلبه بالنور الإلهي “.
” ويؤيد ما ذكرنا قول أمير المؤمنين ولي الله في الأرضين قطب الموحدين علي بن أبي طالب عليه السلام في خطبة كان يخطبها للناس: أنا نقطة باء بسم الله، أنا جنب الله الذي فرطتم فيه، وأنا القلم، وأنا اللوح المحفوظ، وأنا العرش، وأنا الكرسي، وأنا السماوات السبع والأرضون …..”
” ولذلك قيل: الإنسان الكامل لا بد أن يسري في جميع الموجودات كسريان الحق فيها “
● مما تقدم:
– الإنسان الكامل بحسب باطنه يكون مظهرا للتجلي الأول.
– الإنسان الكامل بحسب باطنه يكون مظهرا لمقام التفصيل والعالم بكل ما في العالم من مراتب ودرجات وعوالم.
– الإنسان الكامل له جمعية اعتدالية لا الوحدة تقهر الكثرة، ولا الكثرة تقهر الوحدة.
– مظهر الإنسان الكامل هو النبي الخاتم بالأصالة وخلفاؤه المعصومين بالتبعية.
□■ لماذا لا يكون المظهر الأتم في التعينات ؟
في التعين الأول: رغم جامعيته لجميع المراتب لكن لا توجد فيه كثرة، يوجد علم إجمالي من غير تفصيل.
في التعين الثاني: رغم جامعيته لجميع صور الأشياء المتمايزة ولكن يوجد علم تفصيلي علمي فقط لا عيني.
في عالم الأرواح والمثال : يوجد علم عيني تفصيلي فقط، ولا يوجد علم عيني وإجمالي.
المظهر الأتم لابد أن يكون جامعا لكمالات الكل على نحو الوحدة، وهذا لا يكون إلا في النشأة الإنسانية.
□■ الإنسان الكامل مدبر العالم وعلة بقائه:
أهل البيت عليهم السلام: ” لو خلت الأرض طرفة عين من حجة لساخت بأهلها “
الإمام الصادق عليه السلام: ” قلت : لأي شيء يحتاج إلى النبي والإمام؟ فقال: لبقاء العالم على صلاحه، وذلك أن الله عز وجل يرفع العذاب عن أهل الأرض إذا كان فيها نبي أو إمام، قال الله عز وجل ( وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم )”.
القيصري: ” إن الكامل هو سبب إيجاد العالم وبقاء العالم وكمالاته “
□■ وجود الإنسان الكامل ضرورة تكوينية يقتضيها النظام الإلهي الأحسن:
عند المتكلمين:
قاعدة اللطف:واجب على الله تعالى في حكمته ولطفا منه بعباده إرسال رسول يكون كاملا في خلقه ويأخذ بيد الناس ويوصلهم نحو الهداية الإلهية.
عند الفلاسفة:
وجود هذا المخلوق ضروري لوصوله للعقل المستفاد أو العقل بالفعل.
عند العرفاء:
وجود الإنسان الكامل ضروري لسبب كونه المظهر الأتم للحق تعالى، لأن الحق أراد أن يرى ذاته في غيره بكل كمالاتها.
” خلقت الأشياء لأجلك وخلقتك لأجلي “
□■ الإنسان الكامل مظهر الاسم الجامع الله:
– الأسماء الإلهية بعد أن تتنزل من مقام الوحدة والاندماج إلى مقام الكثرة يحدث تنازع بينها بسبب اقتضاءاتها المختلفة.
– كل إسم يريد أن يظهر بمظهره من غير الالتفات إلى الأسماء الأخرى.
– العقل مظهر اسم العليم، الحيوان مظهر اسم الحي، الخيال مظهر اسم المصور.
– الاسم الأعظم هو الواجد لجميع الآثار الموجودة عند جميع الأسماء والصفات.
– الإنسان الكامل هو المظهر الأتم للاسم الأعظم وهو خليفة الله تعالى.
– الإنسان الكامل تظهر فيه جميع الأسماء على نحو الاعتدال.
– الإنسان الكامل يسيطر على جميع الأسماء فتكون كالأعضاء والآلات له.
– جميع الآثار الموجودة في الاسم الأعظم موجودة عند خليفة الإسم الأعظم.
– مثل ( الإماتة، الإحياء، الرزق، القبض، البسط، …. )
وفي قوله تعالى (( وعلم آدم الأسماء كلها )) إشارة إلى هذه الخلافة الأسمائية.
□■ اشكالات على نظرية الإنسان الكامل:
*الإشكال الأول* الواجب تعالى يعقل الأشياء كلها علما اجماليا في التعين الأول، ويعقل الأشياء كلها تفصيلا في النفس الرحماني أو العقل الأول، فما هي الضرورة لمظهرية الإنسان الكامل وجعله غاية الخلق ؟؟
الجواب:
– هناك فرق بين رؤية الشيء نفسه بنفسه ورؤيته نفسه في شيء آخر كالمرآة.
– فعندما يرى نفسه بنفسه لا يوجد تميز للمظهر عن الظاهر.
– ولا توجد استقلالية للمظهر على الظاهر.
– فهنا لا تظهر أحكام المظهر، لأنه لا يوجد مظهر أصلا حتى تظهر أحكامه.
– بخلاف رؤيته نفسه في أمر آخر يكون متميزا في الوجود عينا وحسا.
القيصري في شرح الفصوص ج1 ص 217:
” ليس رؤية الشيء نفسه بنفسه في نفسه، كرؤية نفسه في شيء آخر يكون له ذلك الشيء مثل المرآة؛ وذلك لأن المرآة لها خصوصية في ظهور عين ذلك الشيء، وتلك الخصوصية لا تحصل بدون تلك المرآة، ولا بدون تجلي ذلك الشيء لها، كاهتزاز النفس والتذاذها عند مشاهدة الإنسان صورته الجميلة في المرآة، الذي هو غير حاصل له عند تصوره لها ( لنفسه )، وكظهور الصورة المستطيلة في المرآة المستديرة مستديرة، والصورة المستديرة في المرآة المستطيلة مستطيلة، وكظهور الصورة الواحدة في المرايا المتعددة متعددة، وأمثال ذلك”
□■ روايات في الإمامة والخلافة الإلهية:
1. أصول الكافي، باب نادر جامع في فضل الإمام وصفاته:
” هل يعرفون قدر الامامة ومحلها من الامة فيجوز فيها اختيارهم ،إن الامامة أجل قدرا وأعظم شأنا وأعلا مكانا وأمنع جانبا وأبعد غورا من أن يبلغها الناس بعقولهم ، أو ينالوها بآرائهم ، أو يقيموا إماما باختيارهم ، إن الامامة خص الله عزوجل بها إبراهيم الخليل عليه السلام بعد النبوة والخلة مرتبة ثالثة وفضيلة شرفه بها وأشاد بها ذكره ، فقال : ” إني جاعلك للناس إماما ” فقال الخليل عليه السلام سرورا بها : ” ومن ذريتى ” قال الله تبارك وتعالى : ” لا ينال عهدي الظالمين ” . فأبطلت هذه الآية إمامة كل ظالم إلى يوم القيامة وصارت في الصفوة ثم أكرمه الله تعالى بأن جعلها في ذريته أهل الصفوة والطهارة فقال : ” ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلة وكلا جعلنا صالحين * وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين فلم تزل في ذريته يرثها بعض عن بعض قرنا فقرنا حتى ورثها الله تعالى النبي صلى الله عليه وآله ، فقال جل وتعالى : ” إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين ” فكانت له خاصة فقلدها صلى الله عليه وآله عليا عليه السلام بأمر الله تعالى على رسم ما فرض الله ، فصارت في ذريته الاصفياء الذين آتاهم الله العلم والايمان ، بقوله تعالى : ” قال الذين اوتوا العلم والايمان لقد لبثتم في كتاب الله إلى يوم البعث فهي في ولد علي عليه السلام خاصة إلى يوم القيامة ، إذ لا نبي بعد محمد صلى الله عليه وآله فمن أين يختار هؤلاء الجهال . إن الامامة هي منزلة الانبياء ، وإرث الاوصياء ، إن الامامة خلافة الله وخلافة الرسول صلى الله عليه وآله ومقام أمير المؤمنين عليه السلام وميراث الحسن والحسين عليهما السلام
إن الامامة زمام الدين ، ونظام المسلمين ، وصلاح الدنيا وعز المؤمنين ، إن الامامة أس الاسلام النامي ، وفرعه السامي بالامام تمام الصلاة والزكاة والصيام والحج والجهاد ، وتوفير الفئ والصدقات وإمضاء الحدود والاحكام ، ومنع الثغور والاطراف . الامام يحل حلال الله ، ويحرم حرام الله ، ويقيم حدود الله ، ويذب عن دين الله ويدعو إلى سبيل ربه بالحكمة ، والموعظة الحسنة ، والحجة البالغة ،
الامام كالشمس الطالعة المجللة بنورها للعالم وهي في الافق بحيث لا تنالها الايدي والابصار .
الامام البدر المنير ، والسراج الزاهر ، والنور الساطع ، والنجم الهادي في غياهب الدجى وأجواز البلدان والقفار ، ولجج البحار الامام الماء العذب على الظماء والدال على الهدى ، والمنجي من الردى ، الامام النار على اليفاع ، الحار لمن اصطلى به والدليل في المهالك ، من فارقه فهالك الامام السحاب الماطر ، والغيث الهاطل والشمس المضيئة ، والسماء الظليلة ، والارض البسيطة والعين الغزيرة ، والغدير والروضة .
الامام الانيس الرفيق ، والوالد الشفيق ، والاخ الشقيق ، والام البرة بالولد الصغير ومفزع العباد في الداهية النآد الامام أمين الله في خلقه ، وحجته على عباده وخليفته في بلاده ، والداعي إلى الله ، والذاب عن حرم الله .
الامام المطهر من الذنوب والمبرا عن العيوب ، المخصوص بالعلم ، المرسوم بالحلم ، نظام الدين ، وعز المسلمين وغيظ المنافقين ، وبوار الكافرين . الامام واحد دهره ، لا يدانيه أحد ، ولا يعادله عالم ، ولا يوجد منه بدل ولا له مثل ولا نظير ، مخصوص بالفضل كله من غير طلب منه له ولا اكتساب ، بل اختصاص من المفضل الوهاب فمن ذا الذي يبلغ معرفة الامام ، أو يمكنه اختياره ، هيهات هيهات ، ضلت العقول وتاهت الحلوم ، وحارت الالباب ، وخسئت العيون وتصاغرت العظماء ، وتحيرت الحكماء وتقاصرت الحلماء ، وحصرت الخطباء ، وجهلت الالباء ، وكلت الشعراء ، وعجزت الادباء وعييت البلغاء ، عن وصف شأن من شأنه ، أو فضيلة من فضائله ، وأقرت بالعجز والتقصير وكيف يوصف بكله ، أو ينعت بكنهه ، أو يفهم شئ من أمره ، أو يوجد من يقوم مقامه ويغني غناه لا كيف وأنى ؟ وهو بحيث النجم من يد المتناولين ، ووصف الواصفين ، فأين الاختيار من هذا ؟ وأين العقول عن هذا ؟
وأين يوجد مثل هذا ؟ ! أتظنون أن ذلك يوجد في غير آل الرسول محمد صلى الله عليه وآله كذبتهم والله أنفسهم”
2. عن الإمام الصادق عليه السلام : ( إِنّ الله تعالى أوضح بأئمّة الهدى من أهل بيت نبيّنا عن دينه ، وأبلج بهم عن سبيل منهاجه ، وفتح بهم عن باطن ينابيع علمه ، فمن عرف من أُمّة محمّد ( صلى الله عليه وآله ) واجب حقّ إِمامه ، وجد طعم حلاوة إِيمانه ، وعلم فضل طلاوة إِسلامه ؛ لأنّ الله تعالى نصب الإمام علَماً لخلقه ، وجعله حجّة على أهل مواده وعالمه ، وألبسه تعالى تاج الوقار ، وغشاه من نور الجبّار ، يمدّ بسبب من السماء لا ينقطع عنه مواده ، ولا ينال ما عند الله إِلاّ بجهة أسبابه .
ولا يقبل الله أعمال العباد إِلاّ بمعرفته ، فهو عالم بما يرد عليه من ملتبسات الدجى ، ومعميات السنن ، ومشتبهات الفتن ، فلم يزل الله تعالى مختارهم لخلقه ، من ولد الحسين ( عليه السلام ) من عقب كلّ إِمام إِماماً ، يصطفيهم لذلك ويجتبيهم ، ويرضى بهم لخلقه ويرتضيهم ، كلّما مضى منهم إِمام نصب لخلقه من عقبه إِماماً ، عَلماً بيّناً ، وهادياً نيّراً ، وإِماماً قيّماً ، وحجّة عالماً ، أئمّة من الله يهدون بالحقّ وبه يعدلون ، حجج الله ودعاته ، ورعاته على خلقه ، يدين بهداهم العباد ، وتستهلّ بنورهم البلاد ، وينمو ببركتهم التلاد .
جعلهم الله حياة للأنام ، ومصابيح للظلام ، ومفاتيح للكلام ، ودعائم للإسلام ، جرت بذلك فيهم مقادير الله على محتومها ، فالإمام هو المنتجب المرتضى ، والهادي المنتجى ، والقائم المرتجى ، اصطفاه الله بذلك ، واصطنعه على عينه في الذرّ حين ذرأه ، وفي البرية حين برأه ، ظلاً قبل خلق الخلق نسمة عن يمين عرشه ، محبواً بالحكمة في عالم الغيب عنده ، اختاره بعلمه ، وانتجبه لطهره .
بقيّة من آدم ( عليه السلام ) ، وخيرة من ذرّية نوح ، ومصطفى من آل إِبراهيم ، وسلالة من إِسماعيل ، وصفوة من عترة محمّد ( صلى الله عليه وآله ) ، لم يزل مرعيّاً بعين الله يحفظه ويكلأه بستره ، مطروداً عنه حبائل إِبليس وجنوده ، مدفوعاً عنه وقوب الغواسق ، ونفوث كلّ فاسق ، مصروفاً عنه قوارف السوء ، مبرأً من العاهات ، معصوماً من الفواحش كلّها ، معروفاً بالحلم والبرّ في يفاعه ، منسوباً إلى العفاف والعلم والفضل عند انتهائه ، مسنداً إليه أمر والده ، صامتاً عن المنطق في حياته ، فإذا انقضت مدّة والده إلى أن انتهت به مقادير الله إلى مشيّته ، وجاءت الإرادة من الله فيه إلى محبّة ، وبلغ منتهى مدّة والده ( صلى الله عليه وآله ) ، فمضى وصار أمر الله إليه من بعده ، وقلّده دينه ، وجعله الحجّة على عباده ، وقيّمه في بلاده ، وأيّده بروحه ، وآتاه علمه ، وأنبأه فصل بيانه ، ونصبه عَلماً لخلقه ، وجعله حجّةً على أهل عالمه ، وضياءً لأهل دينه ، والقيّم على عباده ، رضي الله به إِماماً لهم ، استودعه سرّه ، واستحفظه علمه ، واستخبأه حكمته ، واسترعاه لدينه ، وانتدبه لعظيم أمره ، وأحيى به مناهج سبيله ، وفرائضه وحدوده .
فقام بالعدل عند تحيّر أهل الجهل ، وتحيير أهل الجدل ، بالنور الساطع ، والشفاء النافع ، بالحقّ الأبلج ، والبيان اللائح من كل مخرج ، على طريق المنهج الذي مضى عليه الصادقون من آبائه ( عليهم السلام ) ، فليس يجهل حقّ هذا العالم إِلاّ شقي ، ولا يجحده إِلاّ غوي ، ولا يصدّ عنه إِلاّ جريء على الله تعالى )