أثر العرفان والتصوف على المجتمع

  • Creator
    Topic
  • #1424
    Tasneem
    Keymaster
    • المشاركات: 2,176
    التعريف بعلم العرفان والتصوف -7-
    مقدمات توضيحية
    (المقدمة الخامسة): أثر العرفان والتصوف على المجتمع والدولة
    بقلم الفقير لله تعالى: أحمد يوسف نده
    الخميس 28-12-2017
    ……………………………………….
    قد يتساءل بعض الذين قرأوا منشوراتنا السابقة عن أهمية هذا العلم وعلاقته بالمجتمع والدولة؟؟ وقد استغرب البعض الآخر ربط هذا العلم بالتطور والتقدم… فهو من العلوم الدينية.. فما علاقته بالتطور والتكنولوجيا والحضارة؟؟!!
    .
    طبعاً تنتج النظرة السطحية الساذجة في تناول مثل هذه القضايا.. من الجهل الذي هو أصل الأزمات التي تعاني منها منطقتنا.. فوجب علينا البيان والتوضيح ليزول الالتباس:
    .
    لقد بينا فيما سبق أهمية هذا العلم على المستوى الفردي وأنه سبب لتكامل النفس البشرية في سيرها إلى الحق جل جلاله وتقربها منه بما يحقق السعادة الأبدية.. واليوم سنبين أهمية الاهتمام بهذا العلم على المستوى الاجتماعي.. وآثار إهماله..
    .
    أما الاهتمام بعلم العرفان والتصوف على الوجه الصحيح وبما يوافق الكتاب والسنة.. فإنه يؤدي إلى نشر ثقافة التوكل على الله والأخذ بالأسباب ونبذ التواكل والتكاسل.. ويهدف إلى شحذ الهمم عند الشباب بواسطة العرفاء الحكماء الذين سيصبحون مصدر ثقة بين أبناء المجتمع وملجأ للشباب.. فالعارف الصوفي يتسع قلبه للجميع من مخطئ وعاصي ومذنب.. وقلبه المليء بالمحبة سيمكنه من النظر إلى أبناء الشعب على أنهم أشخاص يحتاجون للهداية والنصح والرعاية والاهتمام والحوار والنقاش.. فلا يعاملهم بفظاظة وعنف واستحقار.. بل يكون كالأب الحنون الذي يُحزنه خطأ أبنائه ويُسعده نجاحهم.. وبهذا تقوى الصلة والثقة بين المرشد وبين عموم الشعب.. فالناس ليسوا سيئين بالفطرة.. ولكنهم لم يروا القدوة الصالحة التي يتمثلون بها.. وإن قال أحدهم ألا تكفي قصص الأنبياء كمثال للقدوة؟ قلنا: هذه القصص تبقى بمقام السمع أي غير مشاهدة.. وقلنا سابقاً أن ما يؤثر في الأخلاق هو المشاهدة والمعاشرة ليس فقط السماع..
    .
    والتصوف والعرفان إذا انتشر كثقافة وممارسة بين أبناء الوطن.. فإنه سيكون سبباً لتعميق ثقافة المحبة وتقبل الآخرين واحترامهم والنظر إليهم بمنظار قطب العرفاء وأمير الموحدين علي بن أبي طالب ع الذي قال عن الآخر: (إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الإنسانية)… فتكون هذه النظرية قابلة للتطبيق والحياة وليست مجرد شعارات نرددها بلا ممارسة.. ولا يخفى عليكم الاثر الايجابي لمثل هذه النظرة على المجتمع..
    .
    أما إهمال هذا العلم: فإنه سيؤدي إلى تحجُّر قلب من يدعي الهداية والوعظ.. وسيوقع الفقيه في أوحال الحرفية والجمود خلال عملية تفسير النص الديني.. مما يجعله ينظر بفظاظة وقسوة تجاه أبناء جلدته.. فيجلدهم بلسانه ومواعظه وسوط كلماته.. ويتهم هذا بالكفر وذاك بالفسق وآخر بالزندقة ورابع بالنفاق.. مما يجعل الآخرين يهزون رؤوسهم تجاهه دون أن يكون لكلامه أثر يوقظ طاقاتهم ويحرر أفكارهم.. ولنا في جماعة الوهابية في مملكة الرمال السعودية خير مثال.. فمحاربتهم للتصوف ووسمهم لأتباعه بالشرك.. جعلهم رمزاً للتحجر والقسوة والفظاظة والتكفير والتطرف في المجتمع.. وأصبحت قنواتهم مصدراً لنشر الحقد والكراهية والقتل بين المسلمين..
    .
    كما أن عدم فهم العرفان والتصوف سيؤدي بالبعض إلى الإيمان بفكرة التواكل والتكاسل.. فعندما يسمع احدهم بمباحث التوحيد الأفعالي وأن كل ما في الكون لا يكون إلا بمشيئة الله وإرادته.. فيفهم من ذلك الجبر… وأنه لا حول لنا ولا قوة.. وأن ما يحصل في العالم من أحداث وسياسات وظلم وديكتاتورية وفساد إنما هو إرادة إلهية لا يمكن تغييرها وعلينا أن نتعايش معها.. فهذا الفكر الخطير القاتل لروح الإبداع هو الذي سيجعل من الدين أفيون الشعوب.. مع أن الدين ليس كذلك.. ولكن الفهم الخاطئ لهذه الأفكار العرفانية قد توقع المجتمعات بالجهل لقرون كما حدث في زمن طواغيت بني أمية حينما نشروا عبر وعَّاظهم نظرية الجبر وأن الحاكم ظل الله في الأرض حتى لو كان فاسقاً.. ولم ينتهِ الأمر بخلفاء الدولة العثمانية التي كرَّست هذا الجهل بما يصب بمصلحتهم وتثبيت حكمهم..
    .
    فإن قال أحدهم: نحن لا نحتاج للعرفان ولا للتصوف.. فهذه أوروبا تطورت وتقدمت بدون هذه المقدمات؟
    قلنا له: إن مجتمعاتنا الشرقية مجتمعات متدينة بفطرتها وطبيعتها.. وللدين أثر كبير في حياتها الاجتماعية.. فأي تغيير في مجتمعاتنا الشرقية لا بد أن يكون للدين دور فيه شئنا أم أبينا… فالارتقاء في المجتمع الشرقي أو الانحدار لا يكون بمعزل عن الدين.. والعرفان والتصوف هو أكثر العلوم تأثيراً في المجتمع لأنه يلامس العقل والقلب والوجدان والمشاعر.. بل له أثر على بقية العلوم الأخرى.. فالفقيه المتصوف ينظر نظرة إصلاحية للمجتمع بخلاف الفقيه اللا متصوف الذي هو حال أغلب فقهاء ومشايخ الإرهاب الذين نفخوا في بوق الفتنة خلال السنوات الماضية..  
    .
    فإن قال أحدهم: إن هذا كلام خيالي وإنشائي وشعر يدغدغ الوجدان ولا واقع له؟؟
    قلنا له: إن هذا الأمر واقعي وليس خيالي.. وهناك أمثلة معاصرة تدل على صحة كلامنا.. فثورة المجاهد والعارف بالله الشيخ صالح العلي قدسه الله أكبر مثال على ثورة الإيمان والدين والوطنية  في وجه الاحتلال والطغيان والاغراءات..
    والثورة الإسلامية في إيران كانت بإلهام العارف والفيلسوف الخميني.. هذا الشخص الذي تحدى قوى الاستكبار وأسقط أسوأ نظام ملكي في المنطقة.. فكان ملهماً لشعبه في هذه الثورة التي جعلت من إيران دولة نووية..
    ولا ننسى ما فعل المفتي الصوفي الشيخ أحمد كفتارو تحت رعاية القيادة السورية وبإشراف مباشر من الرئيس العظيم حافظ الأسد.. لمواجهة التمدد الإخواني والتوسع الوهابي في ثمانينيات القرن الماضي.. حيث تم تفعيل دور معهد أبو النور لنشر الفكر الوسطي الأشعري الصوفي عن طريق استقطاب الطلاب من كافة البلاد الإسلامية كأندونيسيا والهند وروسيا وباكستان وتونس والمغرب وليبيا وأفريقيا لتعليمهم المحبة والوسطية التي تشتهر بها بلاد الشام.. ثم تعيدهم إلى بلادهم لنشر هذا الفكر الوسطي بعيداً عن تطرف الأعراب وتكفيرهم..
    .
    ولكن ارتفاع أسعار النفط وظهور الثروات الهائلة في بلاد الخليج ساهم في نشر الفكر الوهابي العفن في بلاد المسلمين.. وقد رأينا ذلك من أواخر الثمانينات والتسعينيات وبداية القرن الواحد والعشرين.. حيث تطورت السلفية الدعوية لتصبح سلفية جهادية تمثلت في منظمات إرهابية كالقاعدة والنصرة وداعش.. فهذا الإرهاب المسلح كله كان نتيجة ذاك الفكر المسموم الآتي من بلاد قرن الشيطان..
    .
    لذلك إن أردنا التطور والارتقاء في كافة مجالات الحياة فإن ذلك لن يكون إلا عن طريق الفكر الواعي السليم والدين الحقيقي الذي أنزله الله على نبيه.. ورأس هذا الفكر والدين هو علم العرفان والتصوف الذي يربط الإنسان بمصدر العلم والقدرة في الوجود ألا وهو الحق سبحانه وتعالى..
    وبهذا تم بيان أهمية هذا العلم اجتماعياً بعد بيان أهميته على المستوى الفردي.. وفي المنشور القادم سنبين الأخطاء التي نسمعها من بعض المريدين.. دمتم بخير والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته..
    ……………………………………………….
  • The forum ‘التعريف بعلم التصوف والعرفان – أحمد نده’ is closed to new topics and replies.