التعريف بعلم العرفان والتصوف – 8-
مقدمات توضيحية
(المقدمة السادسة): الأخطاء التي يرتكبها المريدون
بقلم الفقير لله تعالى: أحمد يوسف نده
الخميس 4-1-2018
……………………………………….
قد تسمع بعض المغالطات مِن بعض مَن يسلك في هذا العلم على يد بعض المربّين الذين يحتاجون للتربية.. أو على يد من يدّعي الوصول إلا أنه لم يصل إلا إلى طريق مسدود.. فعاد أمثال هؤلاء إلى الخلق يدَّعون الهداية والتزكية.. فلا يأخذون مريديهم إلا إلى الجدار الذي قطع طريقهم ومنع تكاملهم.. هذا الجدار الذي صُنعت حجارته من الانحرافات الناتجة عن هوى النفس ومخالفة الشرع ومعاداة العلم.. فوقفوا عنده يندبون حظهم ويتباكون على حجارته.. عسى أن تحدث فيه كوة تنقذهم من الانقطاع.. فعندها لا تستغرب أن تسمع من مريدي هؤلاء المنقطعين بعض المواعظ المنكوسة.. والنصائح التي لا تُوصل إلا إلى جدران وسدود تمنع من التكامل والارتقاء.. فمن هذه المواعظ والمغالطات التي قد تسمعها:
.
(أولاً)- أن الإنسان العارف الواصل يسقط عنه التكليف ولم يعد مخاطباً بالشريعة.. فالشريعة إنما هي فقط لتهذيب النفوس الجامحة ولجم الهمج من العامة.. وهذا البطل لم يعد بحاجة إلى الشرع المحمدي لأن نفسه مهذَّبة.. وهو يعيش حالة الفناء والمحق والسكر في جمال الحضرة الربانية.. فلا مجال للعبادة والتكاليف الشرعية في تلك الحالة المستمرة إلى مماته..
.
ولا أفضح سراً إذا قلت لكم.. أن هذا المربّي الذي لا تربية له إنما بدأ يزرع هذا الكلام في رؤوس أتباعه.. كي يبرّر لهم تقصيره في إقامة الواجبات ومخالفة الأوامر وتجاوز النص..
.
والرد عليهم لا يحتاج لمؤونة: فهذا المسكين لا يدري أن ما يعيشه ليس حالة فناء بل حالة فوبيا وصرع وجنون.. وسقوط التكليف عنه ليس نتيجة الوصول إلى جناب الحق بل لفقدانه أدنى مقومات العقل.. ودخوله زمرة المجانين المخبولين أو زمرة البهائم المعتوهين.. فمن لا عقل له فلا تكليف عليه.. لأن مناط التكليف هو العقل.. فالعاقل هو المكلَّف..
.
وقد يحتج هؤلاء بأن هناك عرفاء أكابر قالوا بأن الواصل يسقط عنه التكليف.. فهذا يدل على جهلهم بكلام العرفاء ومقاصدهم.. فسقوط التكليف عند العارف لا يعني إلغاء الشريعة والعبادة.. بل هو إلغاء لمصطلح التكليف الذي فيه معنى للجهد والمشقة والتعب.. أما الواصل فلا يجد مشقة في عبادته لأنه يستلذ بمناجاة الحق الذي وصل إليه.. فلا تكون العبادة تكليفاً.. بل تصبح راحة.. وهذا هو معنى قول الرسول الأكرم: (أرحنا يا بلال)..
.
وكيف يدعي سقوط العبادة عاقل ونحن نجد أكمل الخلق وسيد المرسلين محمد صلى الله عليه وآله ومن بعده الأئمة ع قد التزموا بالشرع المحمدي حتى آخر يوم في حياتهم؟؟!! فهل كانوا قاصرين عن الوصول لما وصل إليه هذا البائس المعتوه؟؟!! أم أن الأمر بالعكس تماماً.. فكلما اقتربوا من الحضرة الإلهية كلما زادت طاعتهم وعبادتهم وسجودهم وتذللهم للرب المعبود؟؟!! فمن أراد أن يكون مربي ومرشد عليه أن يكون مقتدياً بالنبي الأكرم وأهل بيته الطاهرين..
.
(ثانياً)- وقد تسمع أيضاً من البعض أن العلم الصوفي والعرفاني هو علم وهبي يأتي الإنسان وهو جالس في صومعته من غير كسب ولا جد ولا تحصيل علمي.. وكأنّ صديقنا أصبح من زمرة الأنبياء حتى يتنزّل عليه الوحي.. مع أننا نجد أن هذا حال فقط من اختصَّهم الله بالعصمة وأيدهم بروح القدس..
.
والرد عليهم يتم عن طريق التنبه إلى أن الإنسانية قد بلغت الذروة في تلقّي الوحي الإلهي بعد نزول القرآن وتدوين أحاديث النبي وروايات العترة.. فانفتح بذلك باب العقل على مصراعيه لفهم النص الديني.. وبالتالي فالواجب على من أراد الدخول في زمرة العلماء من أمة محمد ص أن يطلب العلم ويدرسه ويحفظه ويترقّى في مراتبه على يد أهل العلم الحقيقيين المختصين.. وذلك حتى يتمّم درجات العلوم النقلية والعقلية.. فعندها تُفتح له أبواب العلوم الذوقية ليرى بالله ويسمع به..
.
فلا يظن أحدهم أننا ننكر العلم الوهبي اللدني.. ولكن ننكر حصول مثل هذا العلم لأهل الكسل والجهل والتواكل.. بل هو علم يتحقق لمن كان كاملاً في علوم النقل والعقل.. تتلمذ في مسيرته العلمية على يد العلماء الثقات وطلب العلم من معدنه.. فأصبح مستحقاً لهذه المقامات..
.
ولنا في التاريخ أمثلة كثيرة على من ادعى العلوم الوهبية بدون تعمق في العلوم العقلية والنقلية.. فصدرت منه شطحات وانحرافات كانت عبارة عن وساوس شيطانية وليس وحي ملكوتي.. أما أكابر العرفاء كالجنيد رضي الله عنه فقد حسم الموقف بقوله المشهور: (علمنا هذا مشيد على الكتاب والسنة).. أي علومه الذوقية والوهبية واللدنية جاءت مؤيدة بالشواهد القرآنية ومبنية على هدي النبي صلوات الله وسلامه عليه..
.
وسنترك باقي المغالطات والأخطاء والشبهات والانحرافات للمنشور القادم منعاً من الإطالة.. دمتم بخير والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته…
…………………………………………….