التعريف بعلم العرفان والتصوف – 13-
مقدمات توضيحية
(المقدمة العاشرة): الأسفار النظرية العرفانية الأربعة
بقلم الفقير لله تعالى: أحمد يوسف نده
(طرطوس: الخميس 8 – 2 – 2018م)
……………………………………….
أسس صدر المتألهين حكمته المتعالية في كتابه المشهور باسم (الأسفار الأربعة).. وهي أسفار نظرية عقلية جعلها مطابقة للأسفار العملية الأربعة.. حيث تعبر عن سفر السالك من الخلق إلى الحق.. ثم سفره الثاني من الحق إلى الحق بالحق.. وسفره الثالث من الحق إلى الخلق بالحق.. وأخيراً سفره الرابع من الخلق إلى الخلق بالحق..
.
إلا أن هذا التقسيم الرباعي هو عبارة عن أسفار أربعة في علم واحد ومرتبة واحدة هو علم الفلسفة وفق مدرسة الحكمة المتعالية.. وبالتالي فهي كلها من بدايتها إلى نهايتها تمثل سفراً واحداً للسالك وهو السفر في مرحلة تعلّمه للفلسفة الصدرائية.. فقام ملا صدرا بتقسيم هذه المرتبة إلى أربعة أقسام بإزاء الأسفار الأربعة لدى الصوفية..
.
ونحن نقول بلغة تخصصية: إن هذه الأسفار الأربعة هي أسفار عرضية تقع في مرتبة واحدة من مراتب المعرفة الإلهية.. أي أن هذه الأسفار الأربعة ليست إلا سفراً واحداً في مرتبة واحدة.. وهناك مراتب أخرى طولية وأسفار أعلى ومراتب أسمى يقطعها السالك في سفره العلمي العرفاني.. وليست هذه المرتبة إلا أدنى تلك المراتب.. ونحن سنشير إليها من باب الاطلاع عليها.. أما دخول ميدانها.. فلا أظن الكتب والمجلدات تحتملها حتى يحتملها هذا الفيسبوك..
.
إن للمعرفة مقامات أربع.. وكل مقام له مباحثه وقضاياه ومعارفه التي يسافر فيها السالك.. ومنه ينتج لدينا أسفاراً أربعة طولية.. تعادل مقامات المعرفة الأربع.. وهذه المقامات الأربع للمعرفة التي يتم فيها السفر العرفاني هي:
.
1- المرتبة الأولى: وهي مقام التحقق من (وحدة الوجود المفهومي) لا المصداقي
…………………….
وهذا هو مقام (الفلاسفة المتألهين).. فمن يسافر هذا السفر العلمي ويتحقق من مباحث الوجود ويصل إلى مباحث الفلسفة الإلهية ومعرفة واجب الوجود وصفاته وأفعاله.. فيعرف الله بالأسماء والصفات الذاتية والفعلية.. وعندها يكون قد قطع السفر الأول..
ولا أقصد من (وحدة مفهوم الوجود) هي (وحدة الوجود) التي تعني بأن الموجودات الخارجية كلها واحدة.. بحيث يكون الحق الواجب هو الخلق الممكن والعياذ بالله.. بل نقصد منه وحدة مفهوم الوجود..
أي أن معنى الوجود في قولنا (الله موجود) هو نفس المعنى الذي نفهمه من قولنا (السماء موجودة والأرض موجودة والإنسان موجود).. فالوجود في القضية الأولى لها نفس المعنى المفهوم والمتعقل من القضية الثانية.. ألا وهو التحقق في الخارج.. فالله تعالى متحقق في الخارج وموجود.. وكذلك العالم والمخلوقات موجودة ومتحققة في الخارج..
وليس مقصدنا من ذلك أن الله وموجودات العالم هو شيء واحد والعياذ بالله.. وإلا لبطلت الشرائع وانتفى تفاضل الأشخاص والمراتب.. وأصبح عابد الصنم مصيباً والموحد مخطئاً.. وهذا هو الكفر والشرك بالله..
فهو وإن كان المفهوم من الوجود واحد… إلا أن مصداق وجود الباري مغاير لغيره.. فهو تعالى واجب بذاته ولامتناه وغني.. في حين أن مصاديق باقي الموجودات دون ذلك الوجود الواجبي.. لأنها ممكنة ومحدودة ومتناهية وفقيرة..
.
2- المرتبة الثانية: وهي مقام التحقق من (وجود الوحدة)
……………………..
وهذا هو مقام (العرفاء الموحّدين).. والسفر في هذا المقام يوصل السالك إلى التحقق بمقام (الوحدة الحقة الحقيقة) والتي هي مقام الواجب وهي الأسمى من الوحدة العددية.. فعندها يعرف السالك الله بالأسماء والصفات الخبرية.. ويعرف أن الوجود الحق لا يطلق إلا على حضرة الواجب سبحانه.. وأما الخلق فليس لهم إلا مقام الظل القائم بالغير..
.
3- المرتبة الثالثة: وهي مقام التحقق من (شهود الوحدة)
…………………….
وهذا هو مقام (الأولياء الربانيين).. والسفر في هذا المقام يوصل السالك إلى مشاهدة الأنوار والتجليات.. فيعرف الأسماء والصفات بالله.. بعد أن كان يعرف الله بالأسماء والصفات.. حيث يرجع صفة المرتبة إلى صاحب المرتبة بتجريد المتجلي عن أحوال تلك المراتب النازلة.. وهو مقام ((شهود الكثرة في عين الوحدة))..
.
4- المرتبة الرابعة: وهي مقام التحقق من (وحدة الشهود)
……………………….
وهذا هو (مقام الأقطاب وحجج الله على خلقه) الذين شربوا من عين الحياة واستقرت أنفسهم في سفن النجاة.. فصاروا أهلاً لتلقي الإكسير.. وهو شهود الحق في الخلق من غير حلول ولا اتحاد.. فيعرف الخلق بالله.. ويكون متحققاً بقول أمير الموحدين علي ابن أبي طالب كرم الله وجهه: (ما رأيت شيئاً إلا ورأيت الله قبله وبعده ومعه).. وقوله عليه السلام: (داخل في الأشياء بلا ممازجة وخارج عنها بلا مزايلة).. وهو مقام ((شهود الوحدة في عين الكثرة))..
.
وفي قبال هذه الأسفار العلمية العرفانية توجد أسفار عملية سلوكية نتركها للمنشور القادم.. دمتم بخير والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته..
………………
(ملاحظة): نرجو ممن يريد التعليق أن يقرأ المنشور جيداً كي لا نضطر لتكرار الكلام..