من المغالطات التي يقع فيها المبتدئ في التصوف -1-
(الجهل بقدر النفس الإنسانية وحقيقتها)
الفقير لله تعالى أحمد يوسف نده
طرطوس – الشيخ بدر: 7-11-2016
………………………………………………………..
علم التصوف والعرفان والتحقق بمقام الإحسان.. هو من العلوم الإسلامية العظيمة.. بل هو روح تلك العلوم..
ولكن وللأسف تجد بعض الذين يدَّعون أنهم من الكاملين في مراتب السلوك والتصوف.. يجلدون ذاتهم وينفرون من نفوسهم.. بدعوى أنهم وصلوا لمقام الفناء في الحضرة الربانية..
فتجدهم يتبرؤون من أنفسهم.. وإذا نظروا في المرآة لعنوا حالهم.. مستدلين في ذلك بقول المصطفى ص: (أعدى عدوك نفسك التي بين جنبيك)..
وما علم هؤلاء أنهم واقفون عند جدار الكشف والوجدان.. يسترقون السمع بلا عيان.. لم يركنوا إلى ركن وثيق.. وليس لهم مرشد في هذا الطريق..
.
فيا أيها اللاعن نفسه والمتبرئ من ذاته… اعلم أن الأمر ليس حيث ما ذهبت بك الظنون.. بل هو سر مكنون.. ونحن نشير إليه بما تسمح به هذه المتون:
اعلم أن السالك إلى الله تعالى.. يشاهد نفسه في عدة لحاظات:
أولها هو لحاظ نفسه مع خالقها.. والثاني لحاظها مع إخوانها من السالكين.. والثالث لحاظها مع بقية الخلق.. والرابع لحاظها بنفسها لنفسها..
.
1- (فأما لحاظها مع باريها): فالحق في ذلك أن يرى فقره وحاجته وعبوديته للباري جل وعلا… وفي هذا المقام يفنى العبد عن مشاهدة الأغيار ويلاحظ نفسه بالافتقار… ليدوم له تجلي القيوم الجبار..
.
2- (وأما لحاظها مع إخوانه العارفين السالكين): فهو أن يلحظها بمقام المحبة والخدمة والرحمة.. أي: يحب نظيره.. ويخدم من هو أعلى منه.. ويرحم من كان أدنى منه.. متمثلاً قوله تعالى ((أشداء على الكفار رحماء بينهم))..
.
3- (وأما لحاظها مع بقية الخلق): فهو أن يرى نفسه غنيا بالله.. عزيزا بالله.. قويا بالله.. يحب في الله.. ويبغض في الله.. متجللاً بكبرياء الله.. متمثلاً قوله تعالى ((ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين))..
.
4- (وأما لحاظها بنفسها لنفسها): فهو أن يعرف نفسه ليعرف ربه.. ويحب نفسه العابدة لله.. ويحب لها المزيد من الارتقاء والتقرب من الحضرة الإلهية.. كي يعيش لذة العشق الإلهي وجنة القرب الرباني.. فتكون نفسه راضية مرضية.. متحققا بقوله تعالى ((يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي)).. وهذه هي جنة معرفة النفس عند ارتقائها في عالم القدس.. فيكون كما قال الرسول (ص) في حق سلمان المحمدي ع: (الخلق يشتاقون إلى الجنة والجنة تشتاق لسلمان).. فالعارف بالله يعيش الجنة في الدنيا قبل الآخرة… لأن جنة المعرفة والحب والخير والنور والعلم والتقوى بين جنبيه وفي قلبه وعقله وروحه ووجدانه….
.
أما بيان حديث الرسول (ص): (أعدى عدوك نفسك التي بين جنبيك).. فليس الأمر كما ذهب هؤلاء.. من معاداة النفس واستحقارها.. بل هذا الحديث موجَّه لأحد شخصين:
.
1- شخص لا مكان له بين أهل التصوف.. يعيش حياته المادية في المأكل والمشرب والمنكح فقط… فنفسه المقصودة هنا هي قوته الغضبية والشهوية… وهي الجهة السفلى من عالم النفس.. وهي التي يمَّم هذا المسكين وجهه تجاهها.. فكانت عدوَّته.. لأنها منعته من المعرفة والعبادة وبلوغ المقام الإنساني العالي.. فجذبته لعالم البهيمية والحيوانية..
.
2- أو شخص ظنَّ أنه من أهل السلوك والعرفان.. فاغتر بكثرة عبادته.. وكثرة ما تعلم.. وكثرة ما أنعم الله عليه.. فكان سبباً لتكبُّره على إخوانه.. فزاد ذلك في تمرده وطغيانه.. فحجبه الله عنه بعلمه وعبادته.. وما عرف أن العبادة والعلم إن لم تورثا التواضع والحلم فهي حجة على صاحبها.. ولعنةٌ على حاملها..
.
وفي ذلك كفاية لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.. والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته..
………………