الحجة الشرعية لعلم العرفان والتصوف

  • Creator
    Topic
  • #1426
    Tasneem
    Keymaster
    • المشاركات: 2,176
    التعريف بعلم العرفان والتصوف – 10 –
    مقدمات توضيحية
    (المقدمة السابعة): الحجية الشرعية لعلم العرفان والتصوف
    بقلم الفقير لله تعالى: أحمد يوسف نده
    الجمعة 2018/1/19
    ……………………………………….
    قد يتساءل البعض.. هل هناك أصل للعرفان والتصوف في الكتاب والسنة وأحاديث العترة؟؟ أم أنه محدث وبدعة في الدين؟؟
    وهذا سؤال أساسي في مسيرتنا.. لأنه إن لم يكن لهذا العلم أصل في شريعة خاتم المرسلين فنحن بغنى عنه ولا حاجة لنا به.. لأن أمور الدين والارتقاء والتكامل والمعارف تؤخذ أولاً عن أهل العصمة ومهبط الوحي.. فهل أشار النبي الأكرم ص وأهل بيته لهذا العلم أم لا؟
    .
    في البداية علينا الإشارة إلى أن الاصطلاح قد يتغير بتغير الزمان.. فالعلوم الدينية نشأت في حضن الشريعة المحمدية وكانت عبارة عن آيات قرآنية وأحاديث نبوية وامامية.. إلا أنه مع الزمن تطورت وكُتبت فيها المصنفات.. فهُذّبت وبُوّبت ضمن فصول وأبواب ومناهج.. وصار لها أسماء خاصة بها كعلم التفسير وعلم أصول الفقه وعلم السيرة وعلوم القرآن وعلم العقيدة وو…
    وعلم العرفان والتصوف كبقية العلوم الإسلامية.. نشأ علماً وعملاً على يد النبي ص الذي علّمه لأهله وصفوة أصحابه..
    وسنقوم هنا بذكر الأدلة التي تثبت وجود علم آخر خلف العلوم الإسلامية المعروفة.. ألا وهو علم التصوف بقسميه النظري والعملي..
    .
    وأول ما نبدأ به هو قوله تعالى: ((هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين)).. فالآية بينت أن للرسول ص وظائف أربعة: تلاوة القرآن وتعليم الكتاب وتعليم الحكمة وتزكية النفوس..
    1- فتلاوة الآيات هو تبليغهم آيات القرآن الكريم كما أنزلها الوحي على قلبه ص..
    2- وتعليمهم الكتاب هو ما نسميه بالسنة النبوية التي تشرح تلك الآيات وتفسرها وتبين الأحكام الإسلامية من عقائد وعبادات ومعاملات وبيان ما هو خاص وعام أو محكم ومتشابه أو ناسخ ومنسوخ لقوله تعالى ((وأنزلنا إليك الذكر لتبيّن للناس ما نُزّل إليهم))..
    3- أما التزكية فهو ما نسميه اليوم بالتصوف العملي المتمثل بالتحلي بالأخلاق النبوية الفاضلة فقد قال ص: (إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق)..
    4- وأما تعليم الحكمة فهو ما نسميه اليوم بالعرفان النظري الذي اختص به النبي ص الخواص من أهل بيته وأصحابه.. فقد روي عن الرسول ص قوله: (نحن معاشر الأنبياء أمرنا أن نكلم الناس على قدر عقولهم).. وهذا هو معنى الحكمة أي أن يعطي كل شخص على قدره وطاقته.. وهذا مختص بالعلوم اللدنية..
    ويدل على ذلك قول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع: (علمني رسول الله من العلم ألف باب ينفتح لي من كل باب ألف باب).. فهذا سنخ من العلوم يختلف عن تلك العلوم الحصولية الكسبية التي تأتي بالتدريس العادي والقراءة والكتب.. فهو من سنخ العلم اللدني الذي قال فيه رسول الله ص: (العلم نورٌ وضياءٌ يقذفه الله في قلوب أوليائه، ونطق به على لسانهم)..
    .
    ومن آيات القرآن الكريم قصة سيدنا موسى مع الخضر عليهما السلام وهو الذي قال فيه تعالى ((فوجدا عبداً من عبادنا آتيناه رحمةً من عندنا وعلَّمناه من لدنَّا علما))..
    ومن هنا نفهم قوله تعالى ((يؤتي الحكمةَ من يشاء * ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً * وما يذَّكّر إلا أولو الألباب)) لأنها هي العلم الذي يرتقي بالإنسان في سفره نحو الحق جل جلاله.. وهي التي تورث اليقين الذي لا يتزلزل..
    .
    وأما الأحاديث النبوية فمن ذلك الحديث الصحيح.. عن عمر بن الخطاب قال: بينما نحن جلوس عـند رسـول الله ص ذات يوم.. إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب.. شديد سواد الشعر.. لا يرى عليه أثـر السفر.. ولا يعـرفه منا أحـد.. حتى جـلـس إلى النبي ص فـأسند ركبـتيه إلى ركبتـيه ووضع كفيه على فخذيه وقـال: (يا محمد أخبرني عن الإسلام).. فقـال رسـول الله ص: (الإسـلام أن تـشـهـد أن لا إلـه إلا الله وأن محمد رسول الله وتـقـيـم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت اليه سبيلا).. قال: صدقت.. فعجبنا له، يسأله ويصدقه؟ ‍‍‍‍‍‍
    ثم قال: فأخبرني عن الإيمان.. قال ص: (أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الاخر وتؤمن بالقدر خيره وشره).. قال: صدقت..
    ثم قال: فأخبرني عن الإحسان.. قال: (أن تعبد الله كأنك تراه… فإن لم تكن تراه فإنه يراك)..
    قال: فأخبرني عن الساعة.. قال: (ما المسؤول عنها بأعلم من السائل).. قال: فأخبرني عن أماراتها.. قال: (أن تلد الأم ربتها، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان) ثم انطلق.. فلبثت ملياً.. ثم قال ص: (يا عمر أتدري من السائل؟).. قلت: الله ورسوله أعلم.. قال ص: (فإنه جبريل اتاكم يعلمكم دينكم)..
    .
    – والذي يهمنا من هذا الحديث أن هناك محاورة بين جبريل عليه السلام والخاتم صلوات الله عليه وآله.. يسأله عن مراتب الدين ومقاماته الثلاث: وهي الإسلام ثم الإيمان ثم الإحسان..
    فالإسلام هو ما نعبر عنه بالاصطلاح العلمي: بالفقه الشرعي المتمثل بالإقرار بالشهادتين والعبادات..
    والإيمان هو علم العقيدة المتمثلة بالإيمان بالتوحيد والنبوة والملائكة والكتب السماوية والمعاد..
    وأما الإحسان فهو علم العرفان والتصوف المتمثل بقسميه العملي وهو التحقق القلبي بمقام العبادة والمراقبة والأخلاق.. والنظري المعبر عنه بالرؤية والعيان والشهود والذوق..
    .
    وكذلك ما جاء على لسان الإمامين الباقر والصادق عليهما السلام وبيانهما لمراتب علومهم فقالوا: (علمنا صعب مستصعب.. لا يحمله إلا ملك مقرب أو نبي مرسل أو مؤمن امتحن الله قلبه بالإيمان).. وقالوا: (علمنا صعب مستصعب.. لا يحمله لا ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا مؤمن امتحن الله قلبه بالإيمان) فقيل للإمام من يحمله؟ فقال: (نحن نحتمله)..
    .
    ويؤكد ذلك حديث الإمام علي ع لكميل: (عن كميل بن زياد النخعي قال: أخذ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع بالكوفة بيدي.. فأخرجني حتى انتهينا إلى ناحية الجبَّانة.. فلما أصحَرْنا جلَسَ، ثم تنفَّس الصُّعداء.. ثم قال: يا كميل بن زياد إن هذه القلوب أَوعية.. فخيرُها أوعاها فاحفَظْ عني ما أقول لك: الناس ثلاثةٌ: فعالمٌ ربَّانيٌّ، ومتعلِّمٌ على سبيلِ نجاةٍ، وهمجٌ رعاعٌ أتباعُ كلِّ ناعقٍ، مع كلِّ ريحٍ يميلون، لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجؤوا إلى ركنٍ وثيقٍ….) إلى أن قال عليه السلام: (اللهم بلَى، لا تخلو الأرض من قائمٍ لله بحجةٍ إما ظاهرًا مشهورًا، وإما خائفًا مغمورًا؛ لئلا تبطل حججُ الله وبيّناته، وكم وأين أولئك؟! أولئك والله هم الأقلُّون عددًا والأعظمون عند الله قدرًا، بهم يدفع اللهُ عن حججِه حتى يؤدوها إلى نظرائهم؛ ويزرعوها في قلوب أشباههم، هجم بهم العلم على حقيقة الأمر، فباشروا روحَ اليقين، فاستسهلوا ما استَوْعَرَ منه المُترفُون، وأَنِسُوا بما استوحشَ منه الجاهلون، وصحبوا الدنيا بأبدانٍ أرواحها معلَّقة بالمنظر الأعلى.. يا كميل، أولئك خلفاءُ الله في أرضه ودعاته إلى دينه.. هَاهْ، هَاهْ شوقًا إلى رؤيتِهم)..
    .
    وفي حديث آخر: سأل كميل بن زياد أمير المؤمنين علي ع: (ما الحقيقة؟).. فقال الإمام علي ع: (ما لك والحقيقة؟).. فقال كميل: (أولست صاحب سرك؟) فقال ع: (بلى، ولكن أخاف أن يطفح عليك ما يرشح مني).. فقال كميل: (أو مثلك يخيب سائلاً؟).. إلى آخر الحديث..
    .
    فهذا العلم ليس هو علم الأحكام الشرعية من وضوء وطهارة وأحكام صلاة وصيام ونكاح ومعاملات.. وليس هو من قبيل المعارف الأساسية المطلوب تحصيلها للجميع في توحيد الله ومعرفة أنبيائه واليوم الآخر.. بل هو سنخ آخر من العلوم لا يحملها إلا من تدرَّج في المعراج العلمي على يد السادة العرفاء لبلوغ مقام الكشف والإشراق.. عن طريق صقل مرآة النفس فتنعكس عليها أنوار الملكوت وتتجلى لها حقائق اللاهوت.. فتصل إلى مقامات علم اليقين وعين اليقين وحق اليقين.. المعبر عنها بلسان أهل الاختصاص بالطريقة والحقيقة والدقيقة.. فإن اجتاز تلك المراتب وصل إلى حقيقة حق اليقين المعبر عنها بالرقيقة..  
    .
    وقد دل القرآن على هذه المراتب حيث قال تعالى ((كلا لو تعلمون علم اليقين * لترونَّ الجحيم * ثم لترونَّها عين اليقين)).. والثالثة جاءت في قوله تعالى ((إن هذا لهو حق اليقين)) وقوله تعالى ((وإنه لحق اليقين)).. وأما سبب ذكر (حق اليقين) مرتين دون غيرها فليس هذا مكانه.. وأما الرابعة فقد جاءت في السنة النبوية في الحديث أنه جاء حارثة إلى النبي ص.. فقال له النبي ص: (كيف أصبحت يا حارثة؟).. قال: (أصبحت يا رسول الله مؤمناً حقاً).. قال: (يا حارثة إن لكل حق حقيقة فما حقيقة إيمانك؟).. قال: (عزفت نفسي عن الدنيا فأسهرت ليلي وأظمأت نهاري وكأني أنظر إلى ربي عز وجل على عرشه بارزا وكأني أنظر إلى أهل الجنة في الجنة يتنعمون وأهل النار في النار يعذبون).. فقال له: (يا حارثة عرفت فالزم) ثم قال: (من أحب أن ينظر إلى عبد قد نور الإيمان في قلبه فلينظر إلى حارثة)..
    .
    وفي هذه الأدلة كفاية لمن أراد سلوك الطريق والسفر إلى الحق والارتقاء في معراج الكمال… ولأهمية هذا المقام سنقوم في المنشور القادم بذكر أقوال بعض الحكماء والعرفاء في بيان شرف هذا العلم ومكانته وأهميته.. ليزداد الطالب رغبة في تحصيله وطلبه.. دمتم بخير والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته…
    …………………………………
  • The forum ‘التعريف بعلم التصوف والعرفان – أحمد نده’ is closed to new topics and replies.