الحقيقة المحمدية كلام ابن عربي

  • Creator
    Topic
  • #517
    Tasneem
    Keymaster
    • المشاركات: 2,176

    لحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين

    الحقيقة المحمدية

    سط الباب وبيانه ومن الله التأييد والعون اعلموا أن المعلومات أربعة الحق تعالى وهو الموصوف بالوجود المطلق لأنه سبحانه ليس معلولاً لشيء ولا علة بل هو موجود بذاته والعلم به عبارة عن العلم بوجود ووجوده ليس غير ذاته مع أنه غير معلوم الذات لكن يعلم ما ينسب إليه من الصفات أعني صفات المعاني وهي صفات الكمال وأما العلم بحقيقة الذات فممنوع لا تعلم بدليل ولا ببرهان عقلي ولا يأخذها حد فإنه سبحانه لا يشبه شيأ ولا يشبهه شيء فكيف يعرف من يشبه الأشياء من لا يشبهه شيء ولا يشبه شيأ فمعرفتك به إنما هي أنه ليس كمثله شيء ويحذركم الله نفسه وقد ورد المنع من الشرع في التفكر في ذات الله ومعلوم ثان وهو الحقيقة الكلية التي هي للحق وللعالم لا تتصف بالوجود ولا بالعدم ولا بالحدوث ولا بالقدم هي في القديم إذا وصف بها قديمة وفي المحدث إذا وصف بها محدثة لا تعلم المعلومات قديمها وحديثها حتى تعلم هذه الحقيقة ولا توجد هذه الحقيقة حتى توجد الأشياء الموصوفة بها فإن وجد شيء عن غير عدم متقدم كوجود الحق وصفاته قيل فيها موجود قديم لاتصاف الحق بها وإن وجد شيء عن عدم كوجود ما سوى الله وهو المحدث الموجود بغيره قيل فيها محدثة وهي في كل موجود بحقيقتها فإنها لا تقبل التجزي فما فيها كل ولا بعض ولا يتوصل إلى معرفتها مجردة عن الصورة بدليل ولا ببرهان فمن هذه الحقيقة وجد العالم بوساطة الحق تعالى وليست بموجودة فيكون الحق قد أوجدنا من موجود قديم فيثبت لنا القدم وكذلك لتعلم أيضاً أن هذه الحقيقة لا تتصف بالتقدم على العالم ولا العالم بالتأخر عنها ولكنها أصل الموجودات عموماً وهي أصل الجوهر وفلك الحياة والحق المخلوق به وغير ذلك وهي الفلك المحيط المعقول فإن قلت إنها العالم صدقت أو إنها ليست العالم صدقت أو إنها الحق أو ليست الحق صدقت تقبل هذا كله وتتعدد بتعدد أشخاص العالم وتتنزه بتنزيه الحق وإن أردت مثالها حتى يقرب إلى فهمك فانظر في العودية في الخشبة والكرسي والمحبرة والمنبر والتابوت وكذلك التربيع وأمثاله في الأشكال في كل مربع مثلاً من بيت وتابوت وورقة والتربيع والعودية بحقيقتها في كل شخص من هذه الأشخاص وكذلك الألوان بياض الثوب والجوهل والكاغعد والدقيق والدهان من غير أن تتصف البياضية المعقولة في الثوب بأنها جزء منها فيه بل حقيقتها ظهرت في الثوب ظهورها في الكاغد وكذلك العلم والقدرة والإرادة والسمع والبصر وجميع الأشياء كلها فقد بينت لك هذا المعلوم وقد بسطنا القول فيه كثيراً في كتابنا الموسوم بإنشاء الجداول والدوائر ومعلوم ثالث وهو العالم كله الأملاك والأفلاك وما تحويه من العوالم والهواء والأرض وما فيها من العالم وهو الملك الأكبر ومعلوم رابع وهو الإنسان الخليفة الذي جعله الله في هذا العالم المقهور تحت تسخيره قال تعالى وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعاً منه فمن علم هذه المعلومات فما بقي له معلوم أصلاً يطلبه فمنها ما لا نعلم إلا وجوده وهو الحق تعالى وتعلم أفعاله وصفاته بضرب من الأمثلة ومنها ما لا يعلم إلا بالمثال كالعلم بالحقيقة الكلية ومنها ما يعلم بهذين الوجهين وبالماهية والكيفية وهو العالم والإنسان وصل كان الله ولا شيء معه ثم أدرج فيه وهو الآن على ما عليه كان لم يرجع إليه من إيجاده العالم صفة لم يكن عليها بل كان موصوفاً لنفسه ومسمى قبل خلقه فلما أراد وجود العالم وبدأه على حد ما علمه بعلمه بنفسه انفعل عن تلك الإرادة المقدسة بضرب تجل من تجليات التنزيه إلى الحقيقة الكلية انفعل عنها حقيقة تسمى الهباء هي بمنزلة طرح البناء الجص ليفتح فيها ما شاء من الأشكال والصور وهذا هو أول موجود في العالم وقد ذكره علي بن أبي طالب رضي الله عنه وسهل بن عبد الله رحمه الله وغيرهما من أهل التحقيق أهل الكشف والوجود ثم إنه سبحانه تجلى بنوره إلى ذلك الهباء ويسمونه أصحاب الأفكار الهيولى الكل والعالم كله فيه بالقوة والصلاحية فقبل منه تعالى كل شيء في ذلك الهباء على حسب قوته واستعداده كما تقبل زوايا البيت نور السراج وعلى قدر قربه من ذلك النور يشتد ضوء وقبوله قال تعالى مثل نوره كمشكاة فيها مصباح فشبه نوره بالمصباح فلم يكن أقرب إليه قبولاً في ذلك الهباء إلا حقيقة محمد صلى الله عليه وسلم المسماة بالعقل فكان سيد العالم بأسره وأول ظاهر في الوجود فكان وجوده من ذلك النور الإلهي ومن الهباء ومن الحقيقة الكلية وفي الهباء وجد عينه وعين العالم من تجليه وأقرب الناس إليه علي بن أبي طالب وأسرار الأنبياء أجمعين وأما المثال الذي عليه وجد العالم كله من غير تفصيل فهو العلم القائم بنفس الحق تعالى فإنه سبحانه علمنا بعلمه بنفسه وأوجدنا على حد ما علمنا ونحن على هذا الشكل المعين في علمه ولو لم يكن الأمر كذلك لأخذنا هذا الشكل بالاتفاق لا عن قصد لأنه لا يعلمه وما يتمكن أن نخرج صورة في الوجود بحكم الاتفاق فلولا أن هذا الشكل المعين معلوم لله سبحانه ومراد له ما أوجدنا عليه ولم يأخذ هذا الشكل من غيره إذ قد ثبت أنه كان ولا شيء معه فلم يبق إلا أن يكون ما برز عليه في نفسه من الصورة فعلمه بنفسه علمه بنا أزلاً لا عن عدم فعلمه بنا كذلك فمثالنا الذي هو عين علمه بنا قديم بقدم الحق لأنه صفة له ولا تقوم بنفسه الحوادث جل الله عن ذلك وأما قولنا ولم وجد وما غايته يقول الله عز وجل “وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون” فصرح بالسبب الذي لأجله أوجدنا وهكذا العالم كله وخصصنا والجن بالذكر والجن هنا كل مستتر من ملك وغيره وقد قال تعالى في حق السموات والأرض “ائتيا طوعاً أو كرهاً قالتا أتينا طائعين” وكذلك قال “فأبين أن يحملنها” وذلك لما كان عرضاً وأمّا لو كان أمراً لأطاعوا وحملوها فإنه لا تتصور منهم معصية جبلوا على ذلك والجن الناري والإنس ما جبلا على ذلك وكذلك من الإنس أصحاب الأفكار من أهل النظر والأدلة المقصورة على الحواس والضرورات والبديهيات يقولون لابد أن يكون المكلف عاقلاً بحيث يفهم ما يخاطب به وصدقوا وكذلك هو الأمر عندنا العالم كله عاقل حي ناطق من جهة الكشف بخرق العادة التي الناس عليها أعني حصول العلم بهذا عندنا غير أنهم قالوا هذا جماد لا يعقل ووقفوا عندما أعطاهم بصرهم والأمر عندنا بخلاف ذلك فإذا جاء عن نبي أن حجراً كلمه أو كتف شاة أو جذع نخلة أو بهيمة يقولون خلق الله فيه الحياة والعلم في ذلك الوقت والأمر عندنا ليس كذلك بل سر الحياة في جميع العالم وإن كل من يسمع المؤذن من رطب ويابس يشهد له ولا يشهد إلا من علم هذا عن كشف عندنا لا عن استنباط من نظر بما يقتضيه ظاهر خبر ولا غير ذلك ومن أراد أن يقف عليه فليسلك طريق الرجال وليلزم الخلوة والذكر فإن الله سيطلعه على هذا كله عيناً فيعلم أن الناس في عماية عن إدراك هذه الحقائق فأوجد العالم سبحانه ليظهر سلطان الأسماء فإن قدرة بلا مقدور وجوداً بلا عطاء ورازقاً بلا مرزوق ومغيثاً بلا مغاث ورحيماً بلا مرحوم حقائق معطلة التأثير وجعغل العالم في الدنيا ممتزجاً مزج القبضتين في العجنة ثم فصل الأشخاص منها فدخل من هذه في هذه من كل قبضة في أختها فجهلت الأحوال وفي هذا تفاضلت العلماء في استخراج الخبيث من الطيب والطيب من الخبيث وغايته التخليص من هذه المزجة وتمييز القبضتين حتى تنفرد هذه بعالمها وهذه بعالمها كما قال الله تعالى “ليميز الله الخبيث من الطيب ويجعل الخبيث بعضه على بعض فيركمه جميعاً فيجعله في جهنم” فمن بقي فيه شيء من المزجة حتى مات عليها لم يحضشر يوم القيامة من الآمنين ولكنه منهم من يتخلص من المزجة في الحساب ومنهم من لا يتخلص منها إلا في جهنم فإذا تخلص أخرج فهؤلاء هم أهل الشفاعة وأمّا من تميز هنا في إحدى القبضتين انقلب إلى الدار الآخرة بحقيقته من قبره إلى نعيم أو إلى عذاب وجحيم فإنه قد تخلص فهذا غاية العالم وهاتان حقيقتان راجعتان إلى صفة هو الحق عليها في ذاته ومن هنا قلنا يرونه أهل النار معذباً وأهل الجنة منعماً وهذا سر شريف ربما تقف عليه في الدار الآخرة عند المشاهدة إن شاء الله وقد نالها المحققون في هذه الدار وأما قولنا في هذا الباب ومعرفة أفلاك العالم الأكبر والأصغر الذي هو الإنسان فأعني به عوالك كلياته وأجناسه وأمراؤه الذين لهم التأثير في غيرهم وجعلتها مقابلة هذا نسخة من هذا وقد ضربنا لها دوائر على صور الأفلاك وترتيبها في كتاب إنشاء الدوائر والجداول الذي بدأنا وضعه بتونس بمحل الإمام أبي محمد عبد العزيز ولينا وصفينا رحمه الله فلنلق منه في هذا الباب ما يليق بهذا المختصر فنقول أن العوالم أربعة العالم الأعلى وهو عالم البقاء ثم عالم الاستحالة وهو عالم الفناء ثم عالم

    التعمير وهو عالم البقاء والفناء ثم عالم النسب وهذه العوالم في موطنين في العالم الأكبر وهو ما خرج عن الإنسان وفي العالم الأصغر وهو الإنسان فإما العالم الأعلى فالحقيقة المحمدية وفلكها الحياة نظيرها من الإنسان اللطيفة والروح القدسي ومنهم العرش المحيط ونظيره من الإنسان الجسم ومن ذلك الكرسي ونظيره من الإنسان النفس ومن ذلك البيت المعمور ونظيره من الإنسان القلب ومن ذلك الملائكة ونظيرها من الإنسان الأرواح التي فيه والقوى ومن ذلك زحل وفلكه نظيره من الإنسان القوة العلمية والنفس ومن بذلك المشتري وفلكه نظيرهما القوة الذاكرة ومؤخر الدماغ ومن ذلك الأحمر وفلكه نظيرهما القوة العاقلة واليافوخ ومن ذلك الشمس وفلكها نظيرهما القوة المفكرة ووسط الدماغ ثم الزهرة وفلكها نظيرهما القوة الوهمية والروح الحيواني ثم الكاتب وفلكه نظيرهمما القوة الخيالية ومقدم الدماغ ثم القمر وفلكه نظيرهما القوة الحسية والجوارح التي تحس فهذه طبقات العالم الأعلى ونظائره من الإنسان وأمّا عالم الاستحالة فمن ذلك كرة الأثير وروحها الحرارة واليبوسة وهي كرة النار ونظيرها الصفراء وروحها القوة الهاضمة ومن ذلك الهواء وروحه الحرارة والرطوبة ونظيره الدم وروحه القوة الجاذبة ومن ذلك الماء وروحه البرودة والرطوبة نظيره البلغم وروحه القوة الدافعة ومن ذلك التراب وروحه البرودة واليبوسة نظيره السوداء وروحها القوة الماسكة وأما الأرض فسبع طباق أرض سوداء وأرض غبراء وأرض حمراء وأرض صفراء وأرض بيضاء وأرض زرقاء وأرض خضراء نظير هذه السبعة من الإنسان في جسمه الجلد والشحم واللحم والعروق والعصب والعضلات والعظام وأما عالم التعمير فمنهم الروحانيون نظيرهم القوى التي في الإنسان ومنهم عالم الحيوان نظيره ما يحس من الإنسان ومنهم عالم النبات نظيره ما ينمو من الإنسان ومن ذلك عالم الجماد نظيره ما لا يحس من الإنسان وأما عالم الذهب فمنهم العرض نظيره الأسود والأبيض والألوان والأكوان ثم الكيف نظيره الأحوال مثل الصحيح والسقيم ثم الكم نظيره الساق أطول من الذراع ثم الأين نظيره العنق مكان للرأس والساق مكان للفخذ ثم الزمان نظيره حركت رأسي وقت تحريك يدي ثم الإضافة نظيرها هذا أبي فأنا ابنه ثم الوضع نظيره لغتي ولحني ثم أن يفعل نظيره أكلت ثم أن ينفعل نظيره شبعت ومنهم اختلاف الصور في الأمهات كالفيل والحمار والأسد والصرصر نظير هذا القوة الإنسانية التي تقبل الصور المعنوية من مذموم ومحمود هذا فطن فهو فيل هذا بليد فهو حمار هذا شجاع فهو أسد هذا جبان فهو صرصر والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.

    من كتاب الفتوحات

Viewing 13 replies - 1 through 13 (of 13 total)
  • Author
    Replies
  • #518
    Tasneem
    Keymaster
    • المشاركات: 2,176

    تعالى في مزاجه من التركيب .
    فلذلك لم يبعث نبي منهم إلا لقوم معينين ،
    لأنه على مزاج خاص مقصور ، وأن سَيْدَنَا
    مُحَمَدْاً صَلَىْ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ بعثه الله برسالة عامة إلى جميع الناس كافة ، .
    وما قَبِلَ مثل هذه الرسالة العامة إلا لكونه على مزاج عام ،
    يحتوي على مزاج كل نبي ورسول .
    فمزاجه : أعدل الأمزجة كلها، ونشأته أقوم النشآت أجمعها.
    فإذا علمت هذا ، وأردت أن ترى الحق تعالى على أكمل ما ينبغي أن يظهر به لهذه النشأة الإنسانية ، فألزم الإيمان والإتباع له صَلَىْ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ ،واجعله مثل المرآة أمامك .
    وقد علمت أن الله تعالى لابد أن يتجلى لسَيْدَنَا مُحَمَدْاً صَلَىْ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ في مرآته :
    أكمل ظهور وأعدله ، وأحسنه لما هي عليه مرآته من الكمال .
    فإذا أدركت الحق تعالى في مرآته صَلَىْ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ
    تكون قد أدركت منه ما لم تدركه في غير مرآته صَلَىْ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ .
    ألا ترى ــ في باب الإيمان ــ بما جاء به من الأمور التي نسب الحق تعالى نفسه بها على لسان الشرع ــ بما تحيله العقول ، ولولا الشرع والإيمان به لما قبلنا ذلك من حيث نظرنا العقلي .
    فكما أعطانا بالرسالة والإيمان : ما قصرت العقول التي لا إيمان لها عن إدراكها ذلك من جانب الحق تعالى ، كذلك أعطانا ما قصرت أمزجتنا مرائي قلوبنا ـ عند المشاهدة ــ عن إدراك ما تجلى في مرآته صَلَىْ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ أن تدركه في مرآتها.
    وكما آمنت به في الرسالة غيباً : شهدته عند التجلي عيناً .
    فقد نصحتك وأبلغت لك في النصيحة ،
    فلا تطلب مشاهدة الحق تعالى إلا في مرآته صَلَىْ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ .
    واحذر أن تشهد النبي ــ صَلَىْ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ ــ أو تشهد ما تجلى في مرآته من الحق في مرادك ، فإنه ينزل بك ذلك عن الدرجة العالية .فالزم الإقتداء به ، والإتباع له ـــ صَلَىْ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ ــ ولا تطأ مكاناً لا ترى فيه قدم نبيك صَلَىْ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ .
    فضع قدمك على قدمه { يعني اتبع آثاره صَلَىْ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ في كل صغيرة وكبيرة } إن أردت أن تكون من أهل الدرجات العلا ، والشهود الكامل في المكانة الزلفى ، والله الموفق .

    #519
    Tasneem
    Keymaster
    • المشاركات: 2,176

    التنبيه الرابع
    اعلم أن الحق تعالى لما تجلى بذاته لذاته بأنوار السبحات الوجهية من كونه عالماً ومريداً ، فظهرت الأرواح المهيمنة بين الجلال والجمال ، وخلق ــ في الغيب المستور الذي لا يمكن كشفه لأحد من المخلوقين ــ العنصر الأعظم ،
    وكان هذا الخلق دفعة واحدة من غير ترتيب سببي ، وما منهم روح يعرف أن ثم سواه ، لفنائه في الحق بالحق .
    ثم أنه تعالى أوجد بتجل آخر من غير تلك المرتبة المتقدمة : أرواحاً متحيزة في أرض بيضاء ، وهيمهم فيها بالتسبيح و التقديس ، لا يعرفون أن الله تعالى خلق سواهم . وكلٍ منهم على مقام من العلم بالله تعالى والحال . وهذه الأرض خارجة عن عالم الطبيعة ، وسميت أرضاً نسبة مكانية لهذه الأرواح المتحيزة، ولايجوز عليها التبديل { لأن التبديل الذي قاله الله تعالى
    ” يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات ” هي أرضنا وسماؤنا }ولا يجوز كذلك أبد الآباد ، لما سبق في علم الله تعالى .
    وللإنسان الكامل في هذه الأرض : مثال ، وله فيهم حظ ، وله في الأرواح الأولى مثال الآخر ، وهو في كل عالم على مثال ذلك العالم .
    ثم إن هذا العنصر الأعظم له التفاته مخصوصة إلى عالم التدوين والتسطير ، ولا وجود لذلك العالم في العين ، وهذا العنصر المشار إليه : أكمل موجود في العالم .
    ولولا عهد الستر الذي أُخِذَ على أهل هذه الطريقة لبسطنا الكلام فيه ، وبينا كيفية تعلق كل ما سوى الله تعالى به ، فأوجد ما قال الوارد عند تلك الإلتفاته : ” العقل الأول ” وقيل فيه ” الأول ” ، لأنه أول عالم التدوين والتسطير .
    وتلك الإلتفاته ،إنما كانت للحقيقة الإنسانية ، التي لها الكمال من هذا العالم ،
    فكان المقصود من خلق العقل وغيره إلى أسفل عالم المركز :
    أسباباً مقدمة لترتيب نشأته كما سبق في العلم ـ ومملكته ممتدة ، قائمة القواعد والنيابة عن الله تعالى ،فلا بد من تقدم وجود العالم ــ الذي هو مملكته ــ عليه ، وأن يكون هو آخر موجود بالفعل ، وان كانت له الأولية بالقصد .
    فعين الحقيقة المحمدية هي المقصودة ، وإليه توجهت العناية الكلية
    فهو عين الجمع الموجود ، والنسخة العظمى ، والمختصر الأشرف الأكمل في مبانيه صَلَىْ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ .

    #520
    Tasneem
    Keymaster
    • المشاركات: 2,176

    التنبيه الخامس
    اعلم أن الوجود واحد { أي وجود الحق تبارك وتعالى هو الوجود الحق }
    وله ظهور {بمعنى المظاهر } وله بطون ، وهو الأسماء ،
    وله برزخ جامع ، فاصل بينهما ، ليتميز الظهور عن البطون ،
    والبطون عن الظهور ، وهو: الإنسان الكامل صَلَىْ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ .
    فالبطون مرآة الظهور . والظهور مرآة البطون . وما بينهما فهو مرآة لهما :
    جملة وتفصيلاً .
    واعلم : كما أنه بين ذات الحق تعالى وذات الإنسان الكامل مضاهاة وبين علمه وعلمه مضاهاة وأن كل ما فيها مجمل فهو فيها مجمل .
    وكل ما فيها مفصل فهو فيها مفصل .فكذلك بين القلم وروح الإنسان الكامل مضاهاة .
    وبين اللوح وقلبه مضاهاة . وبين العرش وجسمه مضاهاة .
    وبين الكرسي ونفسه مضاهاة . وكل منهما مرآة لما يضاهيه .
    فكل ما في القلم مجمل …. فهو في روحه مجمل .
    وكل ما في اللوح مفصل … فهو في قلبه مفصل .
    وكل ما في العرش مجمل … فهو في جسمه مجمل .
    وكل ما في الكرسي مفصل … فهو في نفسه مفصل .
    فالإنسان الكامل : جامع لجميع الكتب الإلهية و الكونية .
    فكما أن علم الحق تعالى بذاته مستلزم لعلمه بجميع الأشياء ،
    وأنه يعلم جميع الأشياء{ التي هو خلاصتها لأن العلم بكل شيء لله وحده }
    من علمه بذاته ، فكذلك نقول : حق الإنسان الكامل :إذ علمه بذاته …..
    { الضمير في “بذاته” راجع إلى الإنسان الكامل } مستلزم لعلمه بجميع الأشياء ،وأنه يعلم جميع الأشياء من علمه بذاته ، ” فمن عرف نفسه عرف ربه ” ــ وعرف جميع الأشياء .
    وأنظر إلى قوله تعالى : ” الم ذلك الكتاب لا ريب فيه ” …
    فالألف يشار بها إلى الذات الأحدية من حيث أنه أول الأشياء .
    واللام : يشار به إلى الوجود المنبسط على الأعيان الوجودية …
    والميم : يشار به إلى الكون الجامع ، وهو الإنسان الكامل .
    فالحق تعالى ، والعالم ، والإنسان الكامل : كتاب لا ريب فيه
    والله تعالى أعلم.

    #521
    Tasneem
    Keymaster
    • المشاركات: 2,176

    التنبيه السادس

    اعلم أن مقام المحبة أعلى المقامات والأحوال ، وهو الساري فيها ،

    وكل مقام أو حال قبلها فلها يراد . وكل مقام أو حال بعدها فمنها يستفاد ،

    لأنه : مقام أصل الوجود وسيده ، ومبدأ العالم وممده{ إمداد الأصل لفرعه }وهو سَيّدَنْا مُحَمّدٌ صَلَىْ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ .الذي اتخذه الله حبيباً كما اتخذ غيره خليلاً { سيدناإبراهيم }.فمن حقيقة هذا السيد : تفرعت الحقائق كلها : علواً وسفلاً ،فأعطى الله تعالى أعلا المقامات ــ وهو المحبة ــ : لأصل الموجودات ،وهو سَيّدَنْا مُحَمّدٌ صَلَىْ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ .
    وأعلم أن طلب الاتصاف بأوصاف الألوهية حجاب التحقق بهذا في الجملة

    { يعني أن من يطلب الاتصاف بأوصاف الألوهية جملة : لا يمكن له ذلك }

    كما كان سيدنا مُحَمّدٌ صَلَىْ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ الذي كان من ربه تعالى في القرب ” بأدنى من قاب قوسين ” ثم أصبح وليس عليه أثر من ذلك ، لأنه ما ورد عليه أمر لم يكن فيه ، ولا ورد عليه شيء لم يكن في فطرته وأما غيره

    ــ وهو موسى صَلَىْ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ ــ فإنه لمّا ورد عليه أمر غريب

    : ورد عليه أمر أثّر فيه فكان يبرقع على وجهه من النور الذي كان ..

    لأنه يأخذ بأبصار الناظرين { يريد أن يقول : أن سَيّدِنْامْوْسَىْ صَلَىْ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ أُضّفِيَّ عليه النور وقت المناجاة ، وكانت على الأرض ،

    وأما سَيّدَنْا مُحَمّدٌ صَلَىْ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ فلم يظهر فيه شيء من الأنوار لمّا رجع إلى الأرض ، لأنها كانت فيه صَلَىْ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ جبلها الله تعالى فيه ..

    ولذلك قال عمرو بن العاص رضي الله عنه :

    ” والله ما ملأت عيني من رسول الله صَلَىْ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ قط

    ولو طلب مني وصفه ما استطعت } والله أعلم .

    #522
    Tasneem
    Keymaster
    • المشاركات: 2,176

    لتنبيه السابع

    اعلم أن الإنسان لكامل : كتاب جامع لجميع الكتب الإلهية ،لأنه نسخة العالم الكبير .فمن حيث روحه وعقله : كتابٌ عقليٌ يسمى أم الكتاب .ومن حيث نفسه : يسمى كتاب المحو الإثبات .فهي ــ الصحف المكرمة المرفوعة المطهرة ــ التي لا يمسها ولا يدرك أسرارها ومعانيها إلا المطهرون من الحجب الظلمانية .
    وما ذكرنا من الكتب . إنما هي أصول الكتب الإلهية .

    وأما فروعها: فكل ما في الوجود : تنتقش فيه أحكام الموجودات ،فهي أيضاً كتب إلهية . والله سبحانه وتعالى أعلم

    التنبيه الثامن

    اعلم أن رب الأرباب هو الحق تعالى ــ باعتبار الاسم الأعظم والتعين الأول . هو منشأ جميع الأسماء . وغايةالغايات . ومتوجه الرغبات .والحاوي لجميع المطالب كلها ، وإليه الإشارة بقول الله تعالى لرسولهِ صلى الله عليه وسلم :”

    وأن إلى ربك المنتهى ” لأنه صلى الله عليه وسلم مظهر التعين الأول .

    فالربوبية المختصة به { رب + ك كاف الخطاب }هي هذه الربوبية العظمى

    واعلم أن لكل اسم من الأسماء الإلهية : صورة في العلم مسماة ب ” الماهية ”

    و ” العين الثابتة ” .

    ولكل اسم منها أيضاً صورة في الخارج مسماة بالمظاهر والموجودات الغينية ، وتلك الأسماء : أرباب تلك المظاهر .

    فالحقيقة المحمدية : صورة لاسم ” الله ” الجامع لجميع الأسماء الإلهية ،

    الذي منه الفيض على جميعها ، فهو تعالى ربه .فالحقيقة المحمدية التي ترب

    { تجمع } صورة العالم كلها بالرب الظاهر فيها ، الذي هو رب الأرباب .

    فبظاهرها : ترب ظاهر العالم ، وبباطنها ترب باطن العالم ، لأنه صاحب الاسم الأعظم { أي المختص به } وله الربوبية المطلقة{الجمع المطلق}وهذه الربوبية إنما له من جهة مرتبته ، لا من جهة بشريته فإنه من هذه الجهة عبدٌ مربوب : محتاجٌ إلى ربه سبحانه وتعالى .

    #523
    Tasneem
    Keymaster
    • المشاركات: 2,176

    التنبيه التاسع

    اعلم أن القطب الذي عليه مدار أحكام العالم وهو مركز دائرة الوجود ــ
    من الأزل إلى الأبد ــ واحد : باعتبار حكم الكثرة المتعدد .

    فالنبي في كل عصر هو قطبه ، وعند انقضاء نبوة التشريع بإتمام دائرتها ،
    انتقلت القطبية إلى الأولياء مطلقاً .

    فلا يزال في هذه المرتبة واحد منهم ، قائم في هذا المقام ،
    ليحفظ الله تعالى به هذا الترتيب والنظام ، إلى أن يظهر خاتم الأولياء ،
    الذي هو خاتم الولاية المطلقة …..
    { وهو سيدنا عيسى صلى الله عليه وسلم } . والله أعلم .

    التنبيه العاشر

    اعلم أن الحق تعالى تجلى لذاته بذاته ،
    وشاهد جميع صفاته وكمالاته في ذاته .وأراد أن يشاهدها في حقيقة تكون كالمرآة .
    فأوجد الحقيقة المحمدية التي هي أصل النوع الإنساني في الحضرة العلمية
    { أي في علم الله تعالى } فوجدت حقائق العالم كلها بوجودها وجوداً إجمالياً.
    ثمَ أوجدهم فيها وجوداً تفصيلياً . فصارت أعياناً ثابتة .
    فأعيان العالم في العلم والعين . وكمالاتها : إنما حصلت بواسطة الحقيقة المحمدية
    ــ صلى الله عليه وسلم

    #524
    Tasneem
    Keymaster
    • المشاركات: 2,176

    لتنبيه الحادي عشر

    اعلم لأن الحقيقة المحمدية صلى الله على صاحبها وسلم :
    هي الحادث الأزلي والنشأ الدائم .. أما حدوثه الزماني : فلعدم إقتضاء ذاته الوجوب ..

    { أي أن الذات المحمدية ليست موجودة لذاتها ولكنها موجودة بإيجاد الله تعالى لها فالواجب الوجود هو الله تعالى وحسب } وأما حدوثه الزماني :
    فلكون نشأته العنصرية مسبوقة بالعدم الزماني ..

    وأما أزليته فبالوجود العلمي { يعني في علم الله تعالى } فعينه الثابته في العلم : أزلية ، وكذا الوجود العيني الروحاني ، لأنه غير زماني ،
    والفرق بين أزلية الأعيان الثابتة ف] العلم والأرواح المجردة ،
    وبين أزلية الحق تعالى ، هو : أن أزليته تعالى تحت نعت سلبي
    : ينفي افتتاح الوجود عن عدم { يقول أن الله تبارك لا أول لوجوده ،
    لأن من له أولية فقد سبقه العدم } لأنه تعالى عين الوجود .

    وأزليتها { الضمير راجع إلى الأعيان والأرواح } هو : دوام وجودها بدوام وجود الحق تعالى { لأن الله جعلها كذلك } مع افتتاح وجودها من العدم { أوجدها من العدم ، وبقاؤها بإبقاء الله تعالى لها } لكن وجودها من غيرها { وهو الله }
    وأما دوامه وأبديته فلبقائه ببقاء موجده تعالى : دنيا وأخرى .
    وأما كونه كلمة فاصلة ، فلأنه هو الذي يفصل بين الأرواح وصورها في الحقيقة
    .. وإن كان الفصل بينهما ملكاً معيناً فإنه بحكمه : يفصل بينهما .

    وكذلك هو الجامع بينهما، لنه هو الخليفة الجامع للأسماء ومظاهرها
    ، فلما وجد هذا الكون الجامع ، تم العالم بوجوده الخارجي ،
    لأنه روح العالم المدبرة له ، والمتصرفة فيه {تصريف إمداد لا تصريف خلق وإيجاد }
    وإنما تأخرت نشأته العنصرية في الوجود العلني ،
    لأنه لما كانت عينه في الخارج مركبة من العناصر المتأخر وجودها عن الأفلاك وأرواحها وعقولها : وجب أن يوجد قلبه ،
    لتقدم الجزء على الكل بالطبع .
    وكون هذا الكامل : ختماً على خزانة الدنيا فهو ختم على خزانة الآخرة
    { لأنه أوتي الشفاعة العظمى للفصل بين الخلائق يوم القيامة
    صلى الله عليه وسلم }ختماً أبدياً : فيه دليل على أن التجليات الإلهية
    لأهل الآخرة بواسطته صلى الله عليه وسلم ،
    والمعاني المفصلة لأهلها متفرعة من مرتبته ومقام جمعه أبداً ، كما تفرعت أزلاً ،
    فما للكامل من كمالات في الآخرة : لا نهاية لها . والله أعلم .

    #525
    Tasneem
    Keymaster
    • المشاركات: 2,176

    التنبيه الثاني عشر

    اعلم أن إطلاق الصورة على الله تعالى ــ عند أهل النظر ــ
    إنما هو مجاز لا حقيقة ، إذا لا تستعمل حقيقته إلا في المحسوسات دون المعقولات .
    وأما عند المتحققين ، فإنها تستعمل في وصف الله تعالى حقيقة ،
    لأن العالم بأسره : صورة الحضرة الإلهية تفصيلاً
    { لأن الله تعالى خالق لا بد له من مخلوق ورازق لابد له من مرزوق وقادر لابد له من مقدور }

    والإنسان الكامل صورة الحضرة الإلهية جمعاً
    { أي الذي اجتمعت فيه كل الصفات الإلهية ، فما فصله الله في العالم :
    جمعه فيه صلى الله عليه وسلم }

    قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” إن الله خلق آدم على صورته ”
    .. { والصورة هاهنا معنوية لا صورة تخاطيط }
    فالنشأة الإنسانية حازت صورة الحضرة الإلهية ورتبة الأرواح الروحانية { الملائكة } .
    وبجسمه حاز رتبة الأجسام .

    فرتبته : حازت رتبة الجمع والإحاطة ولهذا قامت حجة الله على الملائكة . لإحاطته صلى الله عليه وسلم بما لم يحيطوا بعلمه ….
    { أي أنه أعلم من الملائكة لأن علمه مستمد من علمه تبارك وتعالى }
    …والله سبحانه وتعالى أعلم .

    #526
    Tasneem
    Keymaster
    • المشاركات: 2,176

    التنبيه الثالث عشر :

    اعلم أن كلا من الظاهر والباطن : ينقسم على قسمين :
    باطن مطلق ، وباطن مضاف

    وظاهر مطلق ، وظاهر مضاف .

    فأما الباطن المطلق ،

    فهو : الذات الإلهية وصفاتها ، والأعيان الثابتة في علم الله تعالى .

    والباطن المضاف هو : عالم الأرواح ، فإنه ظاهر بالنسبة إلى الباطن المطلق ،
    وباطن بالنسبة إلى الظاهر المطلق ، وهو عالم الأجسام .

    فلذلك أنشأ الله تعالى : صورة الإنسان الكــامل :
    الظاهرة من حقائق العالم وصوره .
    وأنشأ صورته الباطنة على صورته تعالى ، فلذلك قال :
    ” كنت سمعه وبصره ” .

    وأنشأ صورته الباطنة على صورته تعالى. فلذلك قال ” كنت سمعه وبصره ) .

    فكما أن هوية الحق تعالى سارية في آدم ـ صلى الله عليه وسلم ــ
    كذلك هو ( أي الروح والسر : على الصورة التي قدر الله تعالى )
    سار في كل موجود في العالم .

    لكن سريانه وظهوره في كل حقيقة من حقائق العالم ،
    إنما هو بمقدار استعداده .
    واعلم أن لكل فرد من الأفراد الإنسانية : نصي من الخلافة ،
    به يدير ما يتعلق من أمر نفسه أو غيره ، وهو ” سمعه ” الذي ورثه من والده الأكبر ،
    الذي هو الخليفة صلى الله عليه وسلم .

    #527
    Tasneem
    Keymaster
    • المشاركات: 2,176

    التنبيه الرابع عشر :

    اعلم أن سيدنا محمدا صلى الله عليه وسلم اختص بمقام الجمع ،

    فجاء بقول الله تعالى ” ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ” فمقامه جامع بين الوحدة والكثرة وبين الجمع والتفصيل ، والتنزيه والتشبيه ،

    بل جامع لجميع المقامات الأسمائية ، فجمع الله تعالى في قوله ” ليس كمثله شيء ” بين إثبات المثل ، وبين نفيه في آية واحده ، بل في نصفها . وبسبب هذا الجمع والتنزيه والتشبيه ، قال صلى الله عليه وسلم : ” أوتيت جوامع الكلم ” .

    أي جمع الحقائق والمعارف ولهذا جمع الله تعالى له في القرآن جميع ما أنزله من المعاني في كتب الأنبياء صلى الله عليه وسلم وعليهم ،فدعا أمته إلى : الظاهر في عين الباطن ، وإلى الباطن في عين الظاهر ، وإلى الوحدة في عين الكثرة ، وإلى الكثرة في عين الوحدة .

    وما دعاهم وما دعاهم إلى الغيبة والوحدة وحدها: إلى المشاهدة والكثرة وحدها والله أعلم .

    التنبيه الخامس عشر :

    اعلم أن الأنبياء صلى الله عليهم وسلم ، وورثتهم رضي الله عنهم
    : خدم الأمر الإلهي مطلقا ، سواء كان الأمر موافقا للإرادة أو مخالفا لها بل هم في نفس الأمر خادمون لأحوال الممكنات ، من حيث إرشادهم إلى مصالح دينهم ودنياهم ، ومنعهم مما يضر دينهم ودنياهم .

    وهذا الإرشاد والخدمة منهم ( الأنبياء ): لهم ( لمن أرسلوا إليهم ):
    إنما هي من مقتضيات أعيانهم وأحوالهم الثابتة العلمية دون وجودهم الخارجي .

    فانظر ما أعجب هذا الأمر ، من أن خادم الأمر الإلهي يكون خادما للممكنات ،
    مع جلالة قدره عند الله تعالى .

    والرسل صلى الله عليهم وسلم : خادموا الأمر التكليفي بالحال ، كإتيانهم بالعبادات والأفعال المثبتة لطريق الحق : ليقتدي بهم ، وبالقول ، كالأمر بالإيمان ، والنهي عن الكفر والعصيان ، وبيان ما يثابون عليه ، ويعاقبون عليه ، وليسوا بخادمين الإرادة ( لتعلق الإرادة بالله تعالى ) ، بل كانوا يساعدونهم فيه . والله تعالى أعلم .

    #528
    Tasneem
    Keymaster
    • المشاركات: 2,176

    التنبيه السادس عشر :

    ( في معنى قول الشيخ حكمة فردية في كلمة محمدية ــ الفصوص ) :

    إنما كانت حكمة فردية ، لإنفراده صلى الله عليه وسلم بمقام الجمعية الإلهية ، الذي ما فوقه إلا مرتبة الذات الأحدية ، لأنه صلى الله عليه وسلم :
    مظهر لاسم الله تعالى الأعظم الجامع للأسماء كلها .

    ولأنه أول ما فاض بالفيض الأقدس من الأعيان : عينه الذاتية وأول ما وجد بالفيض الأقدس من الأكوان روحه فحصل بالذات الأحدية والمرتبة الإلهية ،
    وعينه الثابتة الفردية الأولى .

    واعلم أن أول الأفراد الثلاثة : ما زاد عليها ، فهو صادر منها .
    وهذه الأفراد الثلاثة المشار إليها في الوجود ، هي :

    الذات الأحدية ، والمرتبة الإلهية ، والحقيقة المحمدية ،
    المسماة بــ ” العقل الأول ” .

    ولما كانت تعطى الفردية الأولى بما هو مثلث الشيء قال صلى الله عليه وسلم : ” حبب إلي من دنياكم ” بما فيه من التثليث ، وجعلت المحبة التي هي أصل الوجود ظاهرة فيه ، ف ذكر النساء ، ثم الطيب ،

    ثم قال : ” وجعلت قرة عيني في الصلاة
    ” وإنما حبب النساء إليه صلى الله عليه وسلم
    : لكمال شهود الحق فيهن ، إذ لا يشاهد الحق تعالى مجردا عن المواد أبدا ،
    فإن الله تعالى غنيٌ بذاته عن العالمين ولا نسبة بينه تعالى مجردا عن المواد .

    فإذا كان الأمر من هذا الوجه ممتنعا ، ولم تكن المشاهدة إلا في مادة : فشهود الحق تعالى في النساء أعظم الشهود وأكمله في حالة النكاح الموجب لفناء المحب في المحبوب . وأعظم الوصلة الجماع .

    وهو نظير التوجه الإلهي على خلقه على صورته ،
    ليخلف فيرى فيه مثال صورته .
    كذلك النكاح : يتوجه لإيجاد ولده على صورته ، بنفخ بعض روحه فيه ــ يعني النطفة ــ ليشاهد عينه في مرآة ابنه ( أي ليشاهد الرجل نفسه في ابنه )
    من بعده ، فصار النكاح المشهود نظير النكاح الأصلي الأزلي
    ( أي المقدر في الأزل ) ، فظاهر صورة الإنسان : ” خلقٌ موصوف بالعبودية ” ، و ” باطنهُ حق ” ، لأنه من روح الله تعالى الذي يدبر ظاهرهُ ويربيه ( لأن بدن الإنسان قائم بالروح : والروح من أمر الله تعالى ) ،
    إذ هو الظاهر بصورته الروحانبية .

    #529
    Tasneem
    Keymaster
    • المشاركات: 2,176

    التنبيه السابع عشر :

    اعلم أن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لما خلق عبدا بالأصالة :
    لم يرفع رأسه قط إلى السيادة مراعاة لما تقتضيه ذاته من العبودية الذاتية ، الحاصلة من التعيين والتقييد ، وحفظا للأدب مع الحضرة الإلهية .

    بل لم يزل ساجدا لحضرته، متذللاً لربه تعالى ، واقفا في مقام عبوديته ،
    ورتبة إنفعاليته حتى أوجد الله تعالى من روحه الأرواح ومظاهرها جميعا ،
    لأنه صلى الله عليه قال :

    ” أول ما خلق الله تعالى نوري الذي سماه ” عقلا ” بقوله ” أول ما خلق الله تعالى العقل ” . فأعطاه رتبة الفاعلية ، بأن جعله خليفة متصرفاً
    ( تصرف إمداد لا تصرف إيجاد ) في الوجود العيني معطيا لكلمن العالم كماله .
    فالروح المحمدي ، هو المظهر الرحماني الذي استوى على العرش / فتعم رحمته على العالمين ، كما قال الله تعالى : ” وما أرسلناك إلا رحمةً للعالمين ” ــ والله أعلم .

    التنبيه الثامن عشر :
    اعلم أن دحية الكلبي كان أجمل أهل زمانه، وأحسنهم صورة ، فكان نزول جبريل على سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم في صورته ، إعلاماً من الله تعالى : أنه ما بيني وبينك يا محمد سفير إلا صورة الحسن والجمال ، وهي التي لك عندي .
    فيكون ذلك له بشرى حسياً ولا سيما أن أتى( أي جبريل ) بأمر الوعيد والزجر / فتكون تلك الصورة الجميلة تسكن منه ما يحركه قهر ذلك الوعيد . والله أعلم .

    التنبيه التاسع عشر :

    وأعجب ما عندنا من العناية الإلهية التي صحت لنا بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم : اذ كل واحد من الرسل ( صلى الله عليهم وسلم ) يحشر جزئ الحكم ( أي يحشر معهم للشهادة على قومه الذين أرسل إليهم ) لاقترانه بطائفة مخصوصة .
    والقطب منا : ليس كذلك ( يعني لا يقف مثل هذا الموقف ) فإنه عام ،
    جامع لكل من في زمانه من بر وفاجر ،
    وإن كان إرثه عيسويا أو موسويا ( أي فيه من صفات سيدنا عيسى أو سيدنا موسى ) فلا يقدح ذلك فيه ، فإنه من مشكاةٍ محمدية ، فله المقام الأعم ،
    وقد نبه عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله عن طائفة من أمته ــ : ” ليسوا بأنبياء يغبطهم الأنبياء ” صلى الله عليهم وسلم ،
    للبركة المحمدية التي نالتهم من مقامه الأعم .

    #530
    Tasneem
    Keymaster
    • المشاركات: 2,176

    التنبيه العشرون :

    في بيان المعاني الواردة من قول سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم : بأن الحق تعالى ” وضع يده بين كتفيه ، وأنه أحس ببرد أنامله بين ثدييه ، فعلم ما في السماوات وما في الأرض ” .

    اعلم أن الحق تعالى منزه عن اليد الحسية وأناملها، وإنما عي يد امتنان واصطفاء ، بإفاضة أنوار النبوة والرسالة والولاية على جوهره حتى شاهد ببصيرته وبصره العوالم كلها : أولها وأخرها ،
    ظاهرها وباطنها ، كلياتها وجزئياتها ، دنيا وأخرى ،
    ولذلك أخبرنا صلى الله عليه وسلم بالأوائل والأواخر : ”
    بما كان ويكون في الدنيا والآخرة ”
    لأن الحضرة الكونية كلها صارت أمام بصيرته وبصره ،
    حتى أنه كان صلى الله عليه وسلم ” يرى من وراءه كما يرى من أمامه ”
    وإنما خصص وضع اليدين بين الكتفين ، لأن النور الإلهي لا يأتي إلى من خصصه الله تعالى إلا من ورائه .
    وأما برد الأنامل التي أحس بها بين ثدييه صلى الله عليه وسلم ،
    فهو عبارة عن اللذة التي حصلت له ،
    بما كشفه الله تعالى له من الأمور الغيبية وظهورها له ، وهذا كله إنما بمقتضى مرتبته .
    وأما من حيث بشريته ، فقال صلى الله عليه وسلم :
    ” أني أمرت أن أحكم بالظاهر ، والله متولي السرائر ” وأمثال من الستر عليه في بعض الأمور ، إنما هو لأمر عارض اقتضاه الحكم الإلهي ، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم : ” لست أنسى ، ولكن أنسى لأسن ” .. والله أعلم .

    التنبيه الحادي والعشرون والأخير :

    اعلم أن النبي هو الذي يأتيه الملك بالوحي من عند الله ، يتضمن ذلك الوحي : شريعة يتعبده الله تعالى بها في نفسه ، فإن بعث إلى غيره كان رسولا .
    فتارة ينزل الملك بالوحي على قلبه .
    وتارة يأتيه على صورة حسية من خارج ، فيلقى فما يجاء به على أذنه فيسمعه .
    وتارة على بصره فيحصل له من النظر مثل ما يحصل له من السمع سواء .
    وكذلك سائر القوى الحسية .
    وهذا باب قد أغلق بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، ولا سبيل أن نتعبد الله تعالى بشريعة ناسخة لهذه الشريعة .
    وإذا نزل عيسى صلى الله عليه وسلم ، فإنما يحكم بهذه الشريعة المحمدية ، وهو خاتم أولياء هذه الأمة ، فإن من شرف سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم : أن الله ختم ولاية أمته بنبي رسول مكرم .
    وهو ( سيدنا عيسى ) يحشر يوم القيامة مع الرسل : رسولا ، ومع هذه الأمة : وليا تابعا .
    والياس كهذا المقام أيضا .
    وأما حالة أنبياء أولياء هذه الأمة فهو كل شخص أقامه الله تعالى في تجل من تجلياته ، وأقام له مظهر محمد صلى الله عليه وسلم ،
    ومظهر جبريل صلى الله عليه وسلم ، وهو يلقي خطاب الأحكام المشروعة : لمظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيسمع صاحب هذا المشهد جميع ما تضمنه الخطاب من الأحكام المشروعة الظاهرة في الأمة المحمدية ، فيرى نفسه وقد وعي جميعها ،
    وعلم صحتها علم اليقين ، بل عين اليقين ، فأخذ حكم هذا النبي ، وعمل به على بينة من ربه تعالى . فهؤلاء هم أنبياء أولياء هذه الأمة ، ولا ينفردون بشريعة قط ،
    ولا يكون الخطاب بها إلا بتعريفهم : أن هذا هو شرع محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم . وهذا آخر ” التنبيهات ” نفعنا الله بها آمين .

    التعليقات بين الأقواس للشيخ عبد الرحمن حسن محمود من شيوخ الأزهر

    وصلي الله على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم

Viewing 13 replies - 1 through 13 (of 13 total)
  • You must be logged in to reply to this topic.