- This topic has 13 replies, 1 voice, and was last updated 5 months, 2 weeks ago by .
-
Topic
-
لحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
الحقيقة المحمدية
سط الباب وبيانه ومن الله التأييد والعون اعلموا أن المعلومات أربعة الحق تعالى وهو الموصوف بالوجود المطلق لأنه سبحانه ليس معلولاً لشيء ولا علة بل هو موجود بذاته والعلم به عبارة عن العلم بوجود ووجوده ليس غير ذاته مع أنه غير معلوم الذات لكن يعلم ما ينسب إليه من الصفات أعني صفات المعاني وهي صفات الكمال وأما العلم بحقيقة الذات فممنوع لا تعلم بدليل ولا ببرهان عقلي ولا يأخذها حد فإنه سبحانه لا يشبه شيأ ولا يشبهه شيء فكيف يعرف من يشبه الأشياء من لا يشبهه شيء ولا يشبه شيأ فمعرفتك به إنما هي أنه ليس كمثله شيء ويحذركم الله نفسه وقد ورد المنع من الشرع في التفكر في ذات الله ومعلوم ثان وهو الحقيقة الكلية التي هي للحق وللعالم لا تتصف بالوجود ولا بالعدم ولا بالحدوث ولا بالقدم هي في القديم إذا وصف بها قديمة وفي المحدث إذا وصف بها محدثة لا تعلم المعلومات قديمها وحديثها حتى تعلم هذه الحقيقة ولا توجد هذه الحقيقة حتى توجد الأشياء الموصوفة بها فإن وجد شيء عن غير عدم متقدم كوجود الحق وصفاته قيل فيها موجود قديم لاتصاف الحق بها وإن وجد شيء عن عدم كوجود ما سوى الله وهو المحدث الموجود بغيره قيل فيها محدثة وهي في كل موجود بحقيقتها فإنها لا تقبل التجزي فما فيها كل ولا بعض ولا يتوصل إلى معرفتها مجردة عن الصورة بدليل ولا ببرهان فمن هذه الحقيقة وجد العالم بوساطة الحق تعالى وليست بموجودة فيكون الحق قد أوجدنا من موجود قديم فيثبت لنا القدم وكذلك لتعلم أيضاً أن هذه الحقيقة لا تتصف بالتقدم على العالم ولا العالم بالتأخر عنها ولكنها أصل الموجودات عموماً وهي أصل الجوهر وفلك الحياة والحق المخلوق به وغير ذلك وهي الفلك المحيط المعقول فإن قلت إنها العالم صدقت أو إنها ليست العالم صدقت أو إنها الحق أو ليست الحق صدقت تقبل هذا كله وتتعدد بتعدد أشخاص العالم وتتنزه بتنزيه الحق وإن أردت مثالها حتى يقرب إلى فهمك فانظر في العودية في الخشبة والكرسي والمحبرة والمنبر والتابوت وكذلك التربيع وأمثاله في الأشكال في كل مربع مثلاً من بيت وتابوت وورقة والتربيع والعودية بحقيقتها في كل شخص من هذه الأشخاص وكذلك الألوان بياض الثوب والجوهل والكاغعد والدقيق والدهان من غير أن تتصف البياضية المعقولة في الثوب بأنها جزء منها فيه بل حقيقتها ظهرت في الثوب ظهورها في الكاغد وكذلك العلم والقدرة والإرادة والسمع والبصر وجميع الأشياء كلها فقد بينت لك هذا المعلوم وقد بسطنا القول فيه كثيراً في كتابنا الموسوم بإنشاء الجداول والدوائر ومعلوم ثالث وهو العالم كله الأملاك والأفلاك وما تحويه من العوالم والهواء والأرض وما فيها من العالم وهو الملك الأكبر ومعلوم رابع وهو الإنسان الخليفة الذي جعله الله في هذا العالم المقهور تحت تسخيره قال تعالى وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعاً منه فمن علم هذه المعلومات فما بقي له معلوم أصلاً يطلبه فمنها ما لا نعلم إلا وجوده وهو الحق تعالى وتعلم أفعاله وصفاته بضرب من الأمثلة ومنها ما لا يعلم إلا بالمثال كالعلم بالحقيقة الكلية ومنها ما يعلم بهذين الوجهين وبالماهية والكيفية وهو العالم والإنسان وصل كان الله ولا شيء معه ثم أدرج فيه وهو الآن على ما عليه كان لم يرجع إليه من إيجاده العالم صفة لم يكن عليها بل كان موصوفاً لنفسه ومسمى قبل خلقه فلما أراد وجود العالم وبدأه على حد ما علمه بعلمه بنفسه انفعل عن تلك الإرادة المقدسة بضرب تجل من تجليات التنزيه إلى الحقيقة الكلية انفعل عنها حقيقة تسمى الهباء هي بمنزلة طرح البناء الجص ليفتح فيها ما شاء من الأشكال والصور وهذا هو أول موجود في العالم وقد ذكره علي بن أبي طالب رضي الله عنه وسهل بن عبد الله رحمه الله وغيرهما من أهل التحقيق أهل الكشف والوجود ثم إنه سبحانه تجلى بنوره إلى ذلك الهباء ويسمونه أصحاب الأفكار الهيولى الكل والعالم كله فيه بالقوة والصلاحية فقبل منه تعالى كل شيء في ذلك الهباء على حسب قوته واستعداده كما تقبل زوايا البيت نور السراج وعلى قدر قربه من ذلك النور يشتد ضوء وقبوله قال تعالى مثل نوره كمشكاة فيها مصباح فشبه نوره بالمصباح فلم يكن أقرب إليه قبولاً في ذلك الهباء إلا حقيقة محمد صلى الله عليه وسلم المسماة بالعقل فكان سيد العالم بأسره وأول ظاهر في الوجود فكان وجوده من ذلك النور الإلهي ومن الهباء ومن الحقيقة الكلية وفي الهباء وجد عينه وعين العالم من تجليه وأقرب الناس إليه علي بن أبي طالب وأسرار الأنبياء أجمعين وأما المثال الذي عليه وجد العالم كله من غير تفصيل فهو العلم القائم بنفس الحق تعالى فإنه سبحانه علمنا بعلمه بنفسه وأوجدنا على حد ما علمنا ونحن على هذا الشكل المعين في علمه ولو لم يكن الأمر كذلك لأخذنا هذا الشكل بالاتفاق لا عن قصد لأنه لا يعلمه وما يتمكن أن نخرج صورة في الوجود بحكم الاتفاق فلولا أن هذا الشكل المعين معلوم لله سبحانه ومراد له ما أوجدنا عليه ولم يأخذ هذا الشكل من غيره إذ قد ثبت أنه كان ولا شيء معه فلم يبق إلا أن يكون ما برز عليه في نفسه من الصورة فعلمه بنفسه علمه بنا أزلاً لا عن عدم فعلمه بنا كذلك فمثالنا الذي هو عين علمه بنا قديم بقدم الحق لأنه صفة له ولا تقوم بنفسه الحوادث جل الله عن ذلك وأما قولنا ولم وجد وما غايته يقول الله عز وجل “وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون” فصرح بالسبب الذي لأجله أوجدنا وهكذا العالم كله وخصصنا والجن بالذكر والجن هنا كل مستتر من ملك وغيره وقد قال تعالى في حق السموات والأرض “ائتيا طوعاً أو كرهاً قالتا أتينا طائعين” وكذلك قال “فأبين أن يحملنها” وذلك لما كان عرضاً وأمّا لو كان أمراً لأطاعوا وحملوها فإنه لا تتصور منهم معصية جبلوا على ذلك والجن الناري والإنس ما جبلا على ذلك وكذلك من الإنس أصحاب الأفكار من أهل النظر والأدلة المقصورة على الحواس والضرورات والبديهيات يقولون لابد أن يكون المكلف عاقلاً بحيث يفهم ما يخاطب به وصدقوا وكذلك هو الأمر عندنا العالم كله عاقل حي ناطق من جهة الكشف بخرق العادة التي الناس عليها أعني حصول العلم بهذا عندنا غير أنهم قالوا هذا جماد لا يعقل ووقفوا عندما أعطاهم بصرهم والأمر عندنا بخلاف ذلك فإذا جاء عن نبي أن حجراً كلمه أو كتف شاة أو جذع نخلة أو بهيمة يقولون خلق الله فيه الحياة والعلم في ذلك الوقت والأمر عندنا ليس كذلك بل سر الحياة في جميع العالم وإن كل من يسمع المؤذن من رطب ويابس يشهد له ولا يشهد إلا من علم هذا عن كشف عندنا لا عن استنباط من نظر بما يقتضيه ظاهر خبر ولا غير ذلك ومن أراد أن يقف عليه فليسلك طريق الرجال وليلزم الخلوة والذكر فإن الله سيطلعه على هذا كله عيناً فيعلم أن الناس في عماية عن إدراك هذه الحقائق فأوجد العالم سبحانه ليظهر سلطان الأسماء فإن قدرة بلا مقدور وجوداً بلا عطاء ورازقاً بلا مرزوق ومغيثاً بلا مغاث ورحيماً بلا مرحوم حقائق معطلة التأثير وجعغل العالم في الدنيا ممتزجاً مزج القبضتين في العجنة ثم فصل الأشخاص منها فدخل من هذه في هذه من كل قبضة في أختها فجهلت الأحوال وفي هذا تفاضلت العلماء في استخراج الخبيث من الطيب والطيب من الخبيث وغايته التخليص من هذه المزجة وتمييز القبضتين حتى تنفرد هذه بعالمها وهذه بعالمها كما قال الله تعالى “ليميز الله الخبيث من الطيب ويجعل الخبيث بعضه على بعض فيركمه جميعاً فيجعله في جهنم” فمن بقي فيه شيء من المزجة حتى مات عليها لم يحضشر يوم القيامة من الآمنين ولكنه منهم من يتخلص من المزجة في الحساب ومنهم من لا يتخلص منها إلا في جهنم فإذا تخلص أخرج فهؤلاء هم أهل الشفاعة وأمّا من تميز هنا في إحدى القبضتين انقلب إلى الدار الآخرة بحقيقته من قبره إلى نعيم أو إلى عذاب وجحيم فإنه قد تخلص فهذا غاية العالم وهاتان حقيقتان راجعتان إلى صفة هو الحق عليها في ذاته ومن هنا قلنا يرونه أهل النار معذباً وأهل الجنة منعماً وهذا سر شريف ربما تقف عليه في الدار الآخرة عند المشاهدة إن شاء الله وقد نالها المحققون في هذه الدار وأما قولنا في هذا الباب ومعرفة أفلاك العالم الأكبر والأصغر الذي هو الإنسان فأعني به عوالك كلياته وأجناسه وأمراؤه الذين لهم التأثير في غيرهم وجعلتها مقابلة هذا نسخة من هذا وقد ضربنا لها دوائر على صور الأفلاك وترتيبها في كتاب إنشاء الدوائر والجداول الذي بدأنا وضعه بتونس بمحل الإمام أبي محمد عبد العزيز ولينا وصفينا رحمه الله فلنلق منه في هذا الباب ما يليق بهذا المختصر فنقول أن العوالم أربعة العالم الأعلى وهو عالم البقاء ثم عالم الاستحالة وهو عالم الفناء ثم عالم
التعمير وهو عالم البقاء والفناء ثم عالم النسب وهذه العوالم في موطنين في العالم الأكبر وهو ما خرج عن الإنسان وفي العالم الأصغر وهو الإنسان فإما العالم الأعلى فالحقيقة المحمدية وفلكها الحياة نظيرها من الإنسان اللطيفة والروح القدسي ومنهم العرش المحيط ونظيره من الإنسان الجسم ومن ذلك الكرسي ونظيره من الإنسان النفس ومن ذلك البيت المعمور ونظيره من الإنسان القلب ومن ذلك الملائكة ونظيرها من الإنسان الأرواح التي فيه والقوى ومن ذلك زحل وفلكه نظيره من الإنسان القوة العلمية والنفس ومن بذلك المشتري وفلكه نظيرهما القوة الذاكرة ومؤخر الدماغ ومن ذلك الأحمر وفلكه نظيرهما القوة العاقلة واليافوخ ومن ذلك الشمس وفلكها نظيرهما القوة المفكرة ووسط الدماغ ثم الزهرة وفلكها نظيرهما القوة الوهمية والروح الحيواني ثم الكاتب وفلكه نظيرهمما القوة الخيالية ومقدم الدماغ ثم القمر وفلكه نظيرهما القوة الحسية والجوارح التي تحس فهذه طبقات العالم الأعلى ونظائره من الإنسان وأمّا عالم الاستحالة فمن ذلك كرة الأثير وروحها الحرارة واليبوسة وهي كرة النار ونظيرها الصفراء وروحها القوة الهاضمة ومن ذلك الهواء وروحه الحرارة والرطوبة ونظيره الدم وروحه القوة الجاذبة ومن ذلك الماء وروحه البرودة والرطوبة نظيره البلغم وروحه القوة الدافعة ومن ذلك التراب وروحه البرودة واليبوسة نظيره السوداء وروحها القوة الماسكة وأما الأرض فسبع طباق أرض سوداء وأرض غبراء وأرض حمراء وأرض صفراء وأرض بيضاء وأرض زرقاء وأرض خضراء نظير هذه السبعة من الإنسان في جسمه الجلد والشحم واللحم والعروق والعصب والعضلات والعظام وأما عالم التعمير فمنهم الروحانيون نظيرهم القوى التي في الإنسان ومنهم عالم الحيوان نظيره ما يحس من الإنسان ومنهم عالم النبات نظيره ما ينمو من الإنسان ومن ذلك عالم الجماد نظيره ما لا يحس من الإنسان وأما عالم الذهب فمنهم العرض نظيره الأسود والأبيض والألوان والأكوان ثم الكيف نظيره الأحوال مثل الصحيح والسقيم ثم الكم نظيره الساق أطول من الذراع ثم الأين نظيره العنق مكان للرأس والساق مكان للفخذ ثم الزمان نظيره حركت رأسي وقت تحريك يدي ثم الإضافة نظيرها هذا أبي فأنا ابنه ثم الوضع نظيره لغتي ولحني ثم أن يفعل نظيره أكلت ثم أن ينفعل نظيره شبعت ومنهم اختلاف الصور في الأمهات كالفيل والحمار والأسد والصرصر نظير هذا القوة الإنسانية التي تقبل الصور المعنوية من مذموم ومحمود هذا فطن فهو فيل هذا بليد فهو حمار هذا شجاع فهو أسد هذا جبان فهو صرصر والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.
من كتاب الفتوحات
- You must be logged in to reply to this topic.