الوحدة الشخصية للوجود
□■ الفرق بين المنهج العرفاني والمنهج الحكمي:
هناك فارقاً أساسياً بين منهج العرفاء وبين منهج الحكماء هذا الفارق الأساسي ينطلق من هذه النقطة وهي أن العرفاء يرون أن الأصل هو الوحدة، و الكثرة أمر وجداني فطري لا ينكره إلا مكابر من هنا ينصب كل جهد العارف على توجيه الكثرة وكيف يمكن أن تنسجم هذه الكثرة مع تلك الوحدة… أما المنهج المشائي فإنه يرى أن مسألة الكثرة مما لا ريب فيها ولا توجد وراء هذه الثرة وحدة.
■ إذا اعتقد الإنسان أن الوجود والموجود واحد حقيقية فهذا المنهج والفكر فكر عرفاني, وإذا اعتقد أن الوجود والموجود متكثر حقيقية, فهذا الفكر فكر فلسفي.
■ يرى بعض العرفاء أن الكثرة كثرة وهمية لا اعتبار لها، من قبيل ( كسراب بقيعة يحسبه الضمآن ماء ) ويلزم من هذا نفي الشرائع، والملل، وإنزال الكتب، وإرسال الرسل، ويكذبهم الحس والعقل، وهذا أما من غلبة الوحدة عليهم، وأما من مداخلة الشيطان..
■ يرى البعض الآخر من العرفاء أن الكثرة اعتبارية ولكن اعتبارية نفس أمرية لها منشأ انتزاع.
□■ ما هي النسبة بين الكثرة والوحدة، ما هي النسبة بين هذه الموجودات وبين مبدأ هذه الموجودات؟
□ الاحتمال الأول:
نسبة الوجود النفسي إلى وجود نفسي آخر، وأحدهما لا يؤثر في الآخر.
□ الاحتمال الثاني:
أن كل هذه الموجودات لها وجود نفسي إلا أن نسبتها إلى الله سبحانه وتعالى أي إلى المبدأ هو نسبة العرض إلى موضوعه .
■ مثال الغزالي لتقريب الوحدة الشخصية:
عندما نضع يدنا على أي واحد من أفراد الإنسان نقول أنه واحد وهذه الوحدة وحدة حقيقية، وليست صناعية.. هذه الوحدة سنخ وحدة يمكن أن تنسجم مع الكثرة، فيها كثرة حقيقية فالنفس شيء والبدن شيء آخر.. وعندما نأتي إلى البدن فإن القلب شيء والأعضاء شيء والرأس شيء وأجزاء أخرى أشياء أخرى.. وهكذا عندما نأتي إلى النفس نجد أن النفس فيها قوى فإن العاقلة شيء، والمتخيلة والمتوهمة، والحاسة، والخيال، والقوى الباطنية والظاهرية..هذه كلها متعددة لكن كلها موجودة بوجود واحد.. وليس الواحد هنا هو هذا الجمع العددي لهذه الأجزاء، بل هو شي إذا أراد أن يظهر في هذا يظهر بصورة العقل وإذا أراد أن يظهر في هذا يظهر بصورة الباصرة.. والباصرة ليست هي النفس ..
النفس إذا أرادت أن تقوم بعمل فكري هذا العمل الفكري نسميه العقل، إذا أرادت أن تقوم بعمل شهوي، نسميه قوة شهوية.. ولكن ليس أن النفس مجموع العاقلة والشهوية والغضبية، بل هي حقيقية وراء هذه الامور التي تظهر تارة هنا وتارة هنا..
…………….
العرفاء يعتقدون أن كل عالم الوجود هو وجود واحد حقيقية، وهذا الذي نعبر عنه بعالم العقل, عالم المثال, عالم الشهادة, عالم الإنسان الكامل, عالم الصقع الربوبي، هذه كلها مراتب هذا الوجود الواحد، وليست حقيقية هذا الوجود الواحد، يعني وراء هذه المراتب هناك حقيقية وشيء تارة تظهر بهذا الظهور نسميه أحديه وأخرى يظهر بهذا الظهور نسميه واحديه وأخرى يظهر بهذا الظهور نسميه العقل، نسميه المثال، وهذا لا يعني أن هذا العالم مجموع هذه الامور، لا ، هناك حقيقية هذه الحقيقية تارة تظهر بهذا الشكل أو بهذا الشكل..
………………
الوجود من حيث هو هو غير الوجود الخارجي وغير الوجود الذهني إذ كل منهما مرتبة من مراتبه، وظهور من ظهوراته، و شأن من شؤونه..