التعريف بعلم العرفان والتصوف – 15-
مقدمات توضيحية
الإجابة عن التساؤلات فيما يخص الأسفار العلمية والعملية
(السؤالين الأول والثاني)
بقلم الفقير لله تعالى: أحمد يوسف نده
(طرطوس: الخميس 2018/2/22م)
……………………………………….
ذكرنا في المنشور السابق ثلاثة أسئلة سنجيب عن اثنين منها في هذا المنشور.. وسنترك الثالث للمنشور القادم..
أما السؤال الأول فكان عن علاقة الأنبياء بتلك الأسفار العلمية والعملية..
في حين كان السؤال الثاني عن دليل هذه الأسفار وهل لها مستند في الكتاب والسنة..
.
أما الجواب عن السؤال الأول فنقول:
هذه الأسفار التي يقطعها السالك في سلوكه العلمي والعملي والتي ذكرناها في المنشورين السابقين.. هي مختصة بالبشر الذين هم دون مرتبة الأنبياء والرسل والأوصياء.. فمقام النبوة والرسالة والإمامة والوصاية هي مقام الاتصال المباشر مع الحق تعالى الذي يؤيد رسله وأنبياءه بالوحي وروح القدس والمعجزات..
فلا يظن أحد أن النبي عليه أن يسافر ويقطع هذه المراتب.. فهو الصادر الأول الذي من نوره خُلق كل خير.. وكذا بقية الأنبياء والمرسلين فهم صفوة الخلق والمتربعين على عرش الكمال الإنساني.. اختارهم الحق ليكونوا محل الرسالة والدعوة إلى التوحيد والدين الحق..
فالأسفار العلمية يحتاج إليها المنقطع عن الله تعالى كي يصل إلى الحضرة الإلهية ويتصل بالحق.. ليكون علمه علماً صحيحاً.. وعمله عملاً صالحاً.. وهذه الحاجة الموجودة عند البشر لا مكان لها عند الأنبياء.. لأن الأنبياء اتصلوا بالحق عن طريق الوحي فلا يحتاجون إلى تكامل علمي كبقية البشر.. إذ أنهم متصلون بمن هو بكل شيء عليم ولا يعزب عن علمه مثقال ذرة في السموات والأرض.. كما أنهم لا يحتاجون لأسفار عملية وسلوكية فهم الأسمى خُلقاً وصفاتاً.. بالإضافة إلى كونهم مؤيدين بالعصمة عن الخطأ.. فهم منزهون عن المعاصي والأخطاء وو…
.
أما الجواب عن السؤال الثاني:
فقد ذكرنا في منشوراتنا أدلة من الكتاب وأحاديث النبي ص وروايات العترة ع تثبت وجود علم العرفان والتصوف على مستوى العلم والعمل.. واستشهدنا بذلك في محله.. ولكننا طرحنا هذا السؤال لنلفت النظر إلى حادثة نبوية يمكننا أن نستند إلى رمزيتها لتكون بمثابة الملهم لكل من أراد السلوك في هذا العلم الشريف.. ألا وهي حادثة الإسراء والمعراج..
فهذه الحادثة عبارة عن معجزة حقيقية جرت مع النبي حيث أسرى الله به ليلاً من مكة إلى القدس حيث صلى بالأنبياء.. ثم عرج به إلى سمواته بروحه المقدسة وجسده الشريف إلى أن تجاوز مرتبة الملائكة المقربين..
.
وهذا الأمر لم يحصل ولن يحصل لأحد سوى الخاتم ص.. إلا أن للمؤمن من هذه الحادثة المباركة حصة يحصلها بروحه لا بجسده.. وذلك من باب الاقتداء بالنبي والتشبه به.. فيكون ظلاً وخليفة له في مقام التبليغ والدعوة..
فهذه الأسفار التي يقطعها السالك في قوس الصعود والتكامل إنما هي اقتداء بالإسراء والمعراج.. إلا أن إسراء ومعراج النبي كان بجسده الشريف وروحه المقدسة كما ذكرنا.. لكنه بالنسبة إلى أمته هو إسراء ومعراج روحي سلوكي..
.
ولتوضيح ذلك نقول:
– (الإسراء) هو عبارة عن السلوك والأسفار العملية التي تتميز بالعبادة والعمل.. وقد أشار تعالى إلى ذلك بقوله: (سبحان الذي أسرى بعبده).. فذكره للعبد إشارة إلى ما ذكرناه من السفرين الثاني والثالث..
– وقوله تعالى (ليلاً) إشارة إلى الحب المحرك للأسفار.. إذ أن الليل هو الوقت الذي يتفرغ الشخص عن كل مشاغل الحياة الدنيا وينفرد بمحبوبه..
– ثم قوله تعالى (من المسجد الحرام) إشارة إلى مقام النفس من حيث تعلقها بالقلب.. وهذا هو مقام التزكية والتطهير من الصفات المذمومة والتحلية بالأخلاق الحميدة وهو السفر الأول..
– وأما قوله تعالى (إلى المسجد الأقصى) وهو السفر الأخير الرابع المعبر عنه بسفر الدعوة والتبليغ.. والدليل على ذلك قوله تعالى (الذي باركنا حوله).. حيث حصل الاجتماع بالأنبياء والمرسلين.. وكلنا يعرف أنهم أئمة الدعوة إلى دين الله والمبلغين عنه رسالاته وأحكامه وشرائعه..
.
– أما (المعراج) فهو ما يعبر عنه بالأسفار العلمية.. لأن آيات القرآن المرتبطة بالمعراج في سورة النجم أكدت على مقام العلم والرؤية والشهود.. فتدبروا قوله تعالى: (والنجم إذا هوى* ما ضل صاحبكم وما غوى* وما ينطق عن الهوى* إن هو إلا وحيٌ يوحى* علَّمه شديد القوى* ذو مرةٍ فاستوى* وهو بالأفق الأعلى* ثم دنا فتدلى* فكان قاب قوسين أو أدنى* فأوحى إلى عبده ما أوحى)
– (ما كذبَ الفؤاد ما رأى) وهو مقام وحدة الوجود..
– (أفتمارونه على ما يرى) وهو مقام وجود الوحدة..
– (ولقد رآه نزلة أخرى * عند سدرة المنتهى * عندها جنة المأوى * إذ يغشى السدرة ما يغشى) وهو مقام وحدة الشهود..
– (ما زاغ البصر وما طغى * لقد رأى من آيات ربه الكبرى) وهو مقام شهود الوحدة..
وهذا الشرح ليس من باب التخمين والظن.. بل من باب التحقيق واليقين.. المعتمد على النقل والعقل.. ولكن تفصيل ذلك يعتمد على شرح هذه الأسفار.. وهذا يحتاج إلى كتب ومجلدات.. عسى أن يقدرنا الله على كتابتها في موسوعة متكاملة.. ولا أظن أن اختصارها بمنشورات فيسبوكية كفيل بإيضاحها..
………………………
وأما الإجابة عن السؤال الثالث فنتركها إلى الأسبوع القادم.. دمتم بخير والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته..