حوار مع السالكين

  • Creator
    Topic
  • #492
    Tasneem
    Keymaster
    • المشاركات: 2,176

    حوار مع السالكين .. سؤال وجواب .. للسيد ( حسيني من الأصلاب )
    انقلها لكم من موقع هجر ..
    الان اقدّم الجزء الاول وان شاء الله في المنشورات القادمة اضع الجزء الثاني والثالث .. من حوارات مع السالكين

    ………………….

    حوار مع السالكين السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته إخواني وأخواتي،،،

    بناءً على رغبة الأخ طالب المريدين، أورد هذا الحوار الذي كان هو فيه،،،

    حوارات مع السالكين

    السالك 1: لقد مرت سنوات ولم تعطنا أي شيء، فقط تقول لنا عليكم بالرسالة العملية ومفاتيح الجنان، وجميع الناس في ذلك سواء، كلهم ملتزمون بالرسالة العملية ومفاتيح الجنان، فماهو الفرق بين العابد والسالك.

    حسيني من الأصلاب: لقد بينا من قبل أن السالك يعمل بالرسالة العملية ومفاتيح الجنان لكن بنية تختلف عن نية العابد، فهو يروم خرق الحجب، أما العابد فهو مستغرق في الحجب تحيط به من كل جانب وقد لايلتفت إلى وجودها ولايروم خرقها، لأن خرقها يجب عليه أولا أن يعرف ماهيتها، بالطبع إلا أن يتغمده الله بفضله.

    السالك 1: وكيف يتم خرق الحجب؟

    حسيني من الأصلاب: خرق الحجب له قوانينه، وهو يعتمد على نوعية الحجاب، فخرق الحجب الظلمانية يختلف عن خرق الحجب النورانية، فالحجب الظلمانية التي هي الذنوب فيتم بالتوبة والإنابة والمحاسبة والكفارات على التفصيل المعروف في كتب الفقه، سواء في ظلمه لنفسه أو ظلمه للناس، فيجب التكفير كل هذه الذنوب.

    السالك 2: وحجاب الشيطان؟

    حسيني من الأصلاب: بنفي الخواطر وقد يكون بسيف الذكر، ودوام التوجه إلى الله، وهناك طريقة له مذكورة في كتاب:”لب اللباب، في سير وسلوك أولي الألباب”، للسيد الطهراني (قد)، وموقعه معروف، موقع معارف إسلام، وأول منزل في ذلك هي تمييز الخواطر التي تأتي من الشيطان، والتي تأتي من النفس، والتي تأتي من الملائكة، والتي تأتي من الرحمن.

    السالك 1: وكيف يمكن تمييز الخواطر؟
    حسيني من الأصلاب: الطريقة سهلة وليست فيها أي صعوبة، لكن للأسف القليل من يلتفت إليها، خصوصا من ليس من أهل الطريق، فالشيطان يحرضك على المعصية، هذه علامته، فأي خاطرة تحرض على المعصية، قد تكون من الشيطان، وقد تكون أيضا من النفس، لكن الخواطر التي تأتي من النفس وليست من الشيطان، هي حظوظ النفس، أي ماتجد فيه راحتها من اللذائد، من المآكل والمشارب والمناكح والمراكب وغيرها، وقد تكون من المباحات، لكن أهل الغفلة تكون لديهم حالة من فناء النفس في الشيطان، فيغرقون في المعصية، وقد تسبق النفس الشيطان، كما هو واضح في حالة فرعون والطغاة، فادعى الربوبية وهو ما لم يدعه إبليس رئيس الشياطين، والخواطر التي تأتي من الملك هي التي تأمرك وتحضك على الطاعة، وقد لايعرف المرء أن هذا التحربض آت من الملائكة الملازمة له، فهو في صراع دائم، والموفق من ينتصر على كل من النفس والشيطان، والانتصار على الشيطان يتم دائما قبل الانتصار على النفس، حتى إن بعضهم يلتقي إبليس، لأنهم بعد أن يفشل جميع الشياطين في إغواء العبد، يرسلون إشارة إلى إبليس كي يحاول أن يغويه، والحكايات في ذلك كثيرة، وقد كان هذا الحقير فتح موضوعا بعنوان:”ومنهم من جمع الحكايات ولم يلخصها تلخيصا، ولم يخصص النكتة فيها تخصيصا”، لكن لم يكتمل لأسباب معروفة، فابحثوا عن مثل هذه الحكايات بين السطور في مواضعها وعلى ألسنة هذه الطائفة، أما الخاطر الذي يأتي من الرحمن فهو لايخطيء أبدا، ولايخرق سترا، ولايجاوز حداً، كما هو معلوم.

    السالك 3: إذن حجاب الذنوب يخرق بالتوبة والالتزام، وحجاب الشيطان يخرق بتمييز الخواطر والحرب الدائمة معه، فكيف حجاب النفس؟

    حسيني من الأصلاب: بتهذيبها وعدم الاستجابة لمطالبها، واتهامها بصفة دائمة، فأنا أتهم نفسي الآن وأنا أتحدث معكم، فلابد من ذلك خوفا من المكر والوقوع في خدع النفس، فخدع النفس كثيرة، فيجب مخاصمتها وأن تعرف فعلا أنها أعدى أعدائك، حتى يتمكن لك من مجاوزتها، وقهرها، وقد عرف هذا الحقير النفس في كتاب:”العرفان ومقامات أهل الولاية”، أن النفس هي جوهر أو لطيفة لم يتجل عليها الحق تعالى بجبروته فلم تنكسر، فالله سبحانه وتعالى عندما تجلى على العقل كانت التجليات كلها خيرة، فبه يهتدي العبد وبه وجب التكليف كما تعلمون، أما النفس لم يتجل عليها الحق تبارك وتعالى بجبروته فلم تنكسر فتجدها تذهب بالعبد إلى الكبر والخيلاء والتعالي، إلى آخره، والعلو في الأرض والفساد فيها كما هو الفراعنة والطغاة، ولعل من اللطائف التي يقف عليها الأولياء حين ينكشف لهم عالم الملكوت والجبروت وأهلهما، يجدهم في غاية التواضع مجبولين على ذلك، مجبرون عليه، لأن الحق تبارك وتعالى تجلى عليهم بجبروته الجبار عز وجل، ولعله لم يتجل على النفس الإنسانية لأن بها مظاهر من أسمائه كلها، فهي الهيكل الذي بناه بحكمته كما يقول الإمام الصادق عليه السلام، وفيها مجموع صور العالمين، فحقا الإنسان مع الملك ملك، فهو في عالم الشهادة منه ومن أهله، ومع الملكوت ملكوت، فمن الممكن له أن يرتقي إلى رتبة أهل الملكوت ويجالسهم ويكون منهم، ومع أهل الجبروت، من الممكن أن يكون منهم كذلك، وقد قالها أمير المؤمنين عليه السلام:”فسماهم أهل الملكوت زوارا، ودعاهم أهل الجبروت عمارا”.

    السالك 3: لماذا تصرون على استعمال كلمتي ملكوت وجبروت، وهذا من نهج العرفاء فقط، وليس في كلام غيرهم عادة؟
    حسيني من الأصلاب: قد سبق ووضح هذا الحقير في موضوع “مصطلحات العرفان العملي والفلسفة”، أن مصطلحات العرفان العملي تكاد تكون معدومة، وكلها معان من واقع القرآن الكريم التي يعرفها الجميع، كالتوبة والإنابة، والمحاسبة، والتوكل والاستقامة والثقة، والزهد والورع والاحسان إلخ، وإذا زادت بعض المصطلحات فتكون موضوعة لبعض الأحوال الشريفة التي يمرون بها، كوسيلة تفاهم فيما بينهم كما هو في كل العلوم، وكوسيلة لتعريف المريدين بمعالم الطريق بشكل نظري، قبل أن يلجوا فيه بشكل عملي، وموضوع الملكوت والجبروت لو فهمه الإنسان بوضوح سيعرف أنه طبيعي بل وضروري لوصف معالم الطريق، فالملكوت ذكر في القرآن كثيرا، والجبروت في كلام المعصومين عليهم السلام، وباختصار شديد فإن سكان الملكوت هم الملائكة، وسكان الجبروت هم الروح، قال تعالى:”ينزل الملائكة بالروح من أمره”، فالملائكة تستمد من الروح التي فوقها وأعلى منها، وقد يعبر أيضا عن الملكوت بأنه جميع عوالم الغيب تجاوزا فيكون الملكوت مقابل الشهادة، وقد عبرت الروايات بأن الروح من الملكوت، والقرآن الكريم عبر عن الروح بأنها من أمر الله، وله الخلق والأمر، وتنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر”، وقد يقول البعض بأن الأمر إما تكويني أو تشريعي ولاثالث لهما، لكن هذه الطائفة تقول أيضا بأن العالم الذي تعيش فيه الروح هو من أمر الله، فيمكن إطلاق عليه عالم الأمر، والحضرات الخمس التي تجدون الإشارة إليها في كتب هذه الطائفة (مثلا: سر الصلاة للسيد الإمام الخميني – رض)، هي الناسوت، والملكوت، والجبروت، واللاهوت، والكون الجامع الذي يجمعهم، والناسوت هو عالمنا الذي هو أيضا عالم الملك، أو عالم الشهادة، أو عالم الطبيعة، وقد تبين لكم الملكوت والجبروت، أما اللاهوت فهو عوالم الأسماء الحسنى، والكون الجامع السماء التي تجمعهم.

    السالك 1: وما علاقة ذلك بكتاب:”كيف يعطيك الإمام الحسين عليه السلام مفتاح عالم الأمر”،
    حسيني من الأصلاب: فعلا أوضحت فيه باختصار كيف أن تأييد الروح الوارد في الآية الكريمة:”وأيدهم بروح منه”، يبدأ بتأييد أصغر ثم تأييد أكبر، ثم تأييد أعظم، حتى يصل إلى التنزل، كما في الآية الكريمة:”ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده”، بل أعلى من التنزل الذي هو الإلقاء، حيث يقول الحق تبارك وتعالى:”رفيع الدرجات، ذو العرش، يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده”، وأعتقد أن الجديد في ذلك الكتاب أيضا كان لفت نظر السالك للحصول على الإلقاء من الأرواح المحلقة بفناء أبي عبد الله عليه السلام، فالكتاب يربط بين الإمام الحسين (ع)، وعالم الأمر عن طريق الفوز بالإلقاء، ولا شيء مطلوب سوى إقامة الشعائر الحسينية على ماهي عليه، وبنية خرق الحجب، لكن ينبغي الالتفات أن منزلة الإلقاء من منازل العرفاء الواصلين فقط، وليس السالكين، كما قال السيد العلامة الطباطبائي (رض) للسيد الطهراني (قد):”وقد تصبح تلك الروح مجاورة للنفس الناطقة بعد الرياضات والمجاهدات”، وواضح هنا أن “قد” حرف تقليل، فمن الممكن حتى بعد الوصول وقطع جميع منازل النفس ألا يكون قد وصل إلى تلك الرتبة من الإلقاء بهذه الكيفية.

    السالك 2: وتوالت الاتهامات بأن إلقاء الروح فقط على أهل البيت عليهم السلام، وأن تلك الأرواح هي أرواح الشهداء.
    حسيني من الأصلاب: الآيات الكريمة في الإلقاء والتنزيل تشير إلى مطلق العباد، فمن تحقق بمقام العبودية الحقة من الممكن أن يشمله اللطف بهذا الإلقاء الذي يتطلب الرياضات والمجاهدات، وقد اعتمد السيد العلامة الطباطبائي رضوان الله تعالى عليه القول الأول في تفسيره الميزان، لكن في مناقشاته مع السيد الطهراني، كشف له عن المعنى الذي يقصده الحقير، لأن هذا المعنى لأهل الخصوص.

    السالك 1: وبالنسبة أن الأرواح هي أرواح الشهداء،
    حسيني من الأصلاب: أرواح الشهداء في الملكوت فانية في روح سيدها الإمام الحسين عليه السلام، وهي أيضا فانية في أرواح عالم الجبروت، كما قال أمير المؤمنين عليه السلام لكميل (رض):”صحبوا الدنيا بأبدان أرواحها معلقة بالمحل الأعلى”، وأيضا في كلام آخر له عليه السلامِِ:”فرقت أرواحها أطراف أجنحة الأرواح”، وكل هذه تعبيرات مختلفة التنزل، الإلقاء، تعلق الأرواح بالمحل الأعلى، وفرقت أرواحها أطراف أجنحة الأرواح، ولعل التعبيرات المختلفة، تشير إلى المذاقات المختلفة للعارف الواحد، أو للعرفاء المتعددين، فاتركوا قطاع الطريق، فإن التأييد (وأيدهم بروح منه) يأتي إلى عامة المؤمنين، فما عليك إلا بالالتزام والمجاهدة للفوز بمثل هذه المقامات، كما قال الإمام الخميني:”المجاهدة حتى نزول الروح الأمرية”، في إحدى وصاياه، ثم تلعب تلك الروح بعد ذلك دور المرشد في السلوك،

    السالك 2: ماعلاقة مقام إلقاء الروح بمقام المحدثين؟
    حسيني من الأصلاب: مقام المحدثين موجود في كتب جميع المسلمين، ومع ذلك فإن كثيرا من العلماء يعتقدون أن تحديث الملائكة للعبد مستحيل وقوعه، وأنه ضرب من الخيالات، لكن المتأمل لترتيب المقامات وينظر إلى ترتيبه سيجد أن قبله عشرات المقامات (التوبة، الزهد، الورع، التوكل، الاستقامة، إلخ،،،)، ويفترض أن العبد قد طواها وتحقق بها على حقيقتها، فليس من الممكن أن يتركه الحق تبارك وتعالى أسيرا للخيالات والأوهام، فقد قال تعالى:”والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا”، فهل من الممكن أن يتحقق العبد بمعنى ستين آية من آيات القرآن الكريم أو أكثر ويتركه الحق تبارك وتعالى للضلال والأوهام والخيالات، إن الذين يتوهمون ذلك وإن كانوا علماء، عليهم أولا أن يسألوا أنفسهم:”لماذا خلق الله العباد”، سيقولون:”ليعبدوه”، وتأكد أنك إذا اقتربت من الحق، يقترب منك أكثر، وهذا المعنى معروف ومفهوم ومتصور، فالحق تبارك وتعالى قريب من الجميع، لكننا نحن بعيدون عنه، ففي عالم المادة، إذا كان ألف قريبا من باء، فباء قريب من ألف (يطلق عليها أهل الرياضيات علاقة تماثلية)، لكن الوضع ليس كذلك مع الحق تبارك وتعالى:”ونحن أقرب إليه من حبل الوريد”، فتبين أن أهم حجاب يجب خرقه هو حجاب النفس،”حتى تخرق أبصار القلوب حجب النور، فتصل إلى معدن العظمة”، فإذا تم خرق حجاب النفس يتم الوصول إلى حجب النور، التي خرقها يحتاج إلى لطف إلهي، والصعق إثر الجلال حال اللحظ”، كما في المناجاة، وقد بين الحقير مناقشة مستفيضة للصعق وعلاقته بالدهش في موضوع:”الحياة العرفانية”، وقد كانت هناك مواضيع عديدة عن الدهش ومتاعب كثيرة واجهناها لكن كانت هناك فوائد أيضا، فثقوا تماما بكلمة الأكابر من هذه الطائفة:” ليس هناك إلا اليقين”، وقولهم:”كلما كان من الله، كان مقرونا باليقين”، والحق تبارك وتعالى لايترك عبده الصادق في قصده سدى، فهو يعرف أن العبد ابن عالم الطبيعة والمادة، فمع تلك الإلقاءات تحدث مع كرامات مادية واقعية تؤكد الكرامة المعنوية (الإلقاء) تثبيتا من سبحانه وتعالى:”يثبت الله الذين آمنوا…”

    السالك 1: وكيف يتم خرق حجاب النفس؟
    حسيني من الأصلاب: بالطبع هذا سؤال مهم جدا، والعداء المستمر لطائفة العرفاء منع من ظهور إجابة مثل هذا السؤال وغيره بصورة واضحة في الكتب، لكن العرفاء المحققين – انظر شواهد التحقيق – قد تصدوا لموضوع خرق الحجب، ودرسوه تفصيلا، ونذروا أعمارهم معرفة قوانيه وقواعده، وليس ذلك انتقاصا من غيرها من المدارس التي تصدت لدراسة علوم أهل البيت عليهم السلام الأخرى، لكن هذا الأمر كان الشغل الشاغل لهؤلاء الفقهاء، فأصبح لتلك المدرسة في موضوع خرق الحجب مايمكن التعبير عنه بتراكم خبرات كبير، من الممكن للمريدين والمبتدئين من السالكين الاستفادة منه، ومعرفة معالم الطريق بشكل نظري، قبل الولوج فيه بشكل عملي كما قلت سابقا، لكن قطاع الطريق حالوا بين إشاعة علم خرق الحجب بين الناس، فظل مكتوما في صدور هذه الطائفة، فحرمونا من الحصول على أي كتاب للسيد القاضي (رض)، والميزان بكبره ليس فيه أي عرفان لنفس السبب، وأنتم تعلمون ذلك، بل منكم من يجول في كتب السيد العلامة الطباطبائي (رض) بحثا عن المطالب العرفانية النفيسة فلايجدها والسبب في كل ذلك قطاع الطرق.

    على أية حال من الممكن تصنيف مقامات السلوك إلى المقامات التي تخرق الحجب بالفعل، أي التي تحدث الفتوحات، والتنزلات، والإلقاءات الغيبية المشار إليها، وهناك مقامات أخرى تمهد لذلك، فالتوبة، والإنابة، والزهد، والتوكل، والتفويض، والاستقامة، كلها مقامات تمهيدية ضرورية، وبتعبيرهم مقامات السفر الأول، لكن أهم مقام في خرق الحجب هو سيف العفة، الذي يؤدي الالتزام به إلى القفزات المعنوية الكبيرة، والحكايات في ذلك كثيرة، راجعوا مثلا حكاية الشيخ رجب على الخياط، في كتاب:”كيمياء المحبة”، وحكاية العارف المتبتل (حيث نودي:”من أنت، يامن أدهش الملك والملكوت، لقد بسطت خمينيا”)، في موضوع:”شواهد التحقيق”، لهذا الحقير.

    وسبب ذلك أن العفة تقف في الطريق المقابل لقوى النفس، فإذا حدثت معك حادثة كان فيها اختبار لعفتك ستجد انقلابا معنويا عظيما، على قدر أدائك في الاختبار، وإذا لم يحدث أي تطور معنوي فاعلم أن هناك مشكلة ما في قوة سلوكك، فهذا قانون طبيعي منطقي يعمل به تداخل عالم الشهادة مع عالم الملكوت، انتصرت على حجاب تلو الآخر، جاء حجاب النفس، انتصرت على نفسك، انكشف الحجاب تلقائيا، كما تلقي بشيء من أعلى فإنه يسقط إلى الأرض بفعل الجاذبية، كذلك في الفيزياء لكل فعل رد فعل، مساو له في المقدار، مضاد له في الاتجاه، فقد قلت لك أن القفزة المعنوية التي ستحدث لك ستكون بمقدار أدائك في الاختبار، فلو نفرت من قوى النفس والشيطان الشهوية نفورا شديدا، سيأتيك الفتح شديدا.

    السالك 3: ماذا يحدث عند خرق الحجب، وماهو الفتح؟
    حسيني من الأصلاب: قد مر التعبير بالتنزل، وبالإلقاء وبالتعليق بالمحل الأعلى، إلى آخر التعبيرات القرآنية والروايات الشريفة، لكن لتوضيح ذلك أكثر ينبغي الإشارة أن حواس الأنسان الخمس، ينشأ الحق تبارك وتعالى لكل حاسة قوى ترتفع بها من عالم الطبيعة إلى عالم ماوراء الطبيعة، أي من عالم الشهادة إلى عالم الغيب، لعل تكون البداية بلمع نور أزلي، أو سماع نداء أولي، كما في كلام بعض العرفاء، ففي كلام أمير المؤمنين عليه السلام:”قد لمع له لامع كثير البرق”، (راجع موضوع الحياة العرفانية)، لذلك جعلوا ظهور هذا البرق هو بداية السفر الثاني، كما أن اليقظة بداية السفر الأول، وقالوا بأن البرق إذن لدخول هذا الطريق، لأن السفر الأول يمارسه العابد والسالك، لكن السفر الثاني (بعد ظهور البرق) يختص به السالك دون العابد.

    فعادة أول ظهور البرق يلمع لك عند صلاة الليل، أو في أوقات المناجاة، أو عند الوضوء، يكون أوائل بداية الكشف، وكذلك يمكن حدوثه لبقية الحواس، بتفاوت بين السالكين وبعضهم، لكن الفتح والإلقاء شيء آخر لاتجوز الإشارة إليه.

    السالك 2: كلما سألناك عن شيء قلت لايجوز، ولاتعطينا شيئا أبدا.
    حسيني من الأصلاب: قد بدأتم في هذا الحديث التعرف على الطريق بشكل نظري، لأني شعرت بالحزن العميق حين وجدت إحدى الأخوات تسير في الطريق ثمانية وعشرين عاما وتبحث عن مرشد، وهي حتى الان لاتعرف معالم الطريق ولو بشكل نظري، فأنا أعلمكم الان معالم الطريق بشكل نظري إشفاقا على ما أجد فيه من أحوال المؤمنين والمؤمنات الصادقين والصادقات، ولكنه ليس تصديا للإرشاد إطلاقا، بصورة مباشرة، أو غير مباشرة، فالذي يفتش عما تقول هذه الطائفة الآن باعتبارت معينة قد تأتي الإشارة إليها في موضعها:”أستاذك علمك”.

    والسيف الذي أهم من سيف العفة، ويلتقي معه في الأهمية، هو سيف المحبة الذي له آثار عجيبة في السلوك بصفة عامة وفي خرق الحجب بصفة خاصة، والمقصود بالمحبة هنا محبة الله عز وجل، وكل مايربطك به، فيكون أولا رسوله وأهل بيته عليهم السلام، لكن بالطبع محبة صادقة صافية، وليست مجرد دعوى، وتنحق بالطاعة، والتعظيم والمتابعة، والموالاة، والتوكل على الله عز وجل، إلى آخره، كما هو معروف، لكن الخاص بهذه الطائفة محبة المريد للمرشد، لدرجة فناء المريد في المرشد، التي ينكرها البعض، لكنهم لايعرفون أنها من أساس الارتباط بأهل البيت عليهم السلام، فهي واضحة بين أهل البيت (ع) وأتباعهم، لكننا في عصر الغيبة الكبرى فكيف لها أن تتم، دعوني أبين لكم، السالك حينما يرتبط بالرابطة المعنوية بالمحبة مع المرشد (بالطبع إذا كان مرشدا حقيقيا)، فالمرشد مرتبط بمرشده مسلسلا حتى أهل البيت عليهم السلام، فتكون سلسلة كاملة كل واحد منهم متفان في الآخر تفانيا كاملا، فقوة السلسلة في أضعف نقطة فيها، وهذا قانون فيزيائي، ويسري هنا أيضا، فهذا التفاني في المحبة يعكس أمرا هاما، بأنهم جميعهم حقيقة واحدة في الأزل، تكثرت لظروف طارئة في عالم الطبع، ثم ستعود إلى حقيقتها في عالم البرزخ، فكل منهم يرى نفسه صورة من الآخر، بالرغم من البعد الزماني والمكاني

    السالك 3: وهل كل عارف يكون قد التقى بالإمام الحجة (عج)؟
    حسيني من الأصلاب: بالطبع من مراتب اليقين أن تلتقي بإمامك، فإذا لم يكن قد التقى به، فليعلم أنه لم يتم المنازل، فإذا كان يعتقد أنه أتمها وبالفعل لم يلتق به، فتلك مفارقة، فعليه مراجعتها وتحقيقها، ثم تصحيح التحقيق، وإن شاء الله تعالى يوفق لذلك الشرف العظيم، وبالطبع لايذكر ذلك ولايلتفت إليه، ولاينشغل به، تفرغا إلى عمارة الوقت، لكن ما لم أجد أي إشارة إليه في الكثير من الحكايات عن اللقاء بالإمام الحجة أرواحنا له الفداء، ولعلها أغلى مايحدث للعبد في كل سيره المعنوي؟

    السالك 2: ماهو؟
    حسيني من الأصلاب: الأثر الباقي بعد رؤيته عجل الله تعالى فرجه الشريف، فتذكر صورته وبقائها في مخيلة العبد نعيم لاينعم به إلا من تشرف بهذا اللقاء، رزقنا الله وإياكم هذا الشرف العظيم، وهو عجل الله تعالى فرجه الشريف لن يأتي لأحد يعلم أنه سيذهب للناس يدعي مقاما معينا، ولا حتى يذكر لأقرب المقربين لديه بأن ذلك حدث، فأنتم تعلمون أن لكل مقام آثارا قد تزول وقد تبقى، لكن الآثار المتبقية للقائه –عج – التي قد تكون فقط استرجاع صورته الشريفة في مخيلته، فيها الشفاء من كل داء، وفيها النور الذي يضيء ظلمات السماوات والأرض، ويكفي ذلك للإشارة..

    السالك 1: وكيف يمكن أن يحصل لنا ذلك الشرف؟
    حسيني من الأصلاب: الدرجة الأولى في ذلك استيفاء درجة عامة المؤمنين بالارتباط المعنوي من خلال دعاء الندبة ودعاء العهد والزيارة (التي لايؤمن بها البعض – حتى هذه الدرجة من الارتباط ينكرونها)، ثم الارتباط به عن طريق ركوب المحبة المذكورة، فيجب عليه أن تنطبق عليه شروط المحبين المعروفة من أن يكون ذلك هو همه الوحيد، (يسهر الليالي يفكر فيه، ويؤثر ذلك على حياته ومعاشه)، ثم أن يضطر إليه كما تضطر الأم إلى وليدها إذا فقدته، ثم صحة الاضطرار، فبعد أن يحدث له الاضطرار يذهب لتصحيحه.

    السالك 2: وكيف يكون تصحيح الاضطرار؟
    حسيني من الأصلاب: بأن يستوي عنده أن يلقاه وألا يلقاه، في تأثيره في درجة إيمانه، فإذا اجتمع الاضطرار الذي لايخلو من علة، وصححها بتصحيح الاضطرار، يلقاه بإذن الله تعالى، فيعلو في مراتب اليقين، وتحدث البركات والمبايعات والفتوحات.

    السالك 1: هناك الاضطرار وتصحيح الاضطرار؟
    حسيني من الأصلاب: هذا سائر في كل المقامات حتى نهاية الوصول، فهناك التوبة وتصحيح التوبة، الذي لايحدث إلا بالارتفاع عنها، التوكل وتصحيح التوكل، والتصحيح الفعلي لايتم إلا في السلوك الثاني أي السلوك بعد الوصول، كما قال هذا الحقير في:”العرفان ومقامات أهل الولاية”، والفرق بين العارف والثابت، والثابت أول منازله الذي قطع منازل السلوك مرتين، وراجع أيضا:”شواهد التحقيق”، لأن نهاية السلوك بعد الوصول هي الرجوع إلى البداية، لكن عمل السالك في كلتا الحالتين يختلف اختلافا كثيرا، وبين الحالتين بون شاسع، لأن عمله في الحالة الأولى عمله بنفسه، وفي الحالة الثانية عمله بالحق، فعمله عمل حقيقي، وشتان بين الوصول الثاني والوصول الأول، كما في شواهد التحقيق، والواقف يكون قد دار في المنازل وطواها اثنين وسبعين مرة حتى يصل إلى مقام “بشرط اللائية”، المشار إليه في كتاب:”العرفان ومقامات أهل الولاية”.

    السالك 3: ألا ترون أن هذا الكتاب صعب أن يفهم؟
    حسيني من الأصلاب: بالطبع، أحيانا أكتب باللغة الرمزية مجبرا لا مخيرا، فلو تم التصريح عن كل المعاني التي فيه سنواجه بكل أنواع الاتهامات، فقد رأيتم التهم التي واجهنا بها البعض في مقام يسهل تصوره كمقام الدهش، من هذه التهم يقولون بأنك تقول بمعاينة الملائكة وهذا لايحدث لأهل البيت عليهم السلام، وقد رأى الجميع أن الجنود الصهاينة الكفار قد عاينوا الملائكة، فليراجعوا، وينظروا ويتأملوا.

    فقالوا بأن الأئمة عليهم السلام لايرون الملائكة اعتمادا على روايات لايفهمون سياقها ولايطابقونها مع القرآن الكريم، فالسيدة مريم عليها قال تعالى:”فتنمثل لها روحنا بشراً سوياً”، فكيف يحدث هذا للسيدة مريم ولايحدث للأئمة عليهم السلام، وبالطبع فالسيدة مريم عليها السلام محدثة:”,إذ قالت الملائكة …”لكن عظم المهمة المنوطة بها اقتضى التجسد، اقتضى تجسد الملك أو الروح، ويخبرها”.

    فالعبد السالك يرى الملائكة كما يقول أمير المؤمنين عليه السلام:”قد لمع لامع كثير البرق”، فهذا البرق ليس ضوءا كهربائيا أو حراريا، بل هو من الملكوت، واعتبار التجسد من عدمه له قوانينه وقد حدث في الحرب الأخيرة بين حزب الله والكيان الصهيوني والحروب التي تسبقها، بل وفي الكثير من حروب المسلمين، وقد نطق به محكم التنزيل في واقعة بدر، وهناك تهم كثيرة لاداعي للإشارة إليها، لكن لا أنكر أنه قد كانت فوائد كثيرة للكتابة على الانترنت، فعندنا كنت بالامارات، التقبت بالفضلاء الذين تركوا حياتها المرفهة وتفرغوا لطلب العلم في قم مع الالتزام بالسير والسلوك المعنوي فضلا عن مشاركات الكثيرين المحبين للطريق، ويشهد الله أني لم أكتب إلا لحل مشكلة أو توضيح شبهة أو تحت إلحاح شديد، فكل تلك الكتابات أصحابها الحقيقيون هم المشاركون، وليس هذا الحقير الذي ليس عنده سوى بضاعة مزجاة.

    السالك 1: هل حينما يلتقي الإمام الحجة (عج) يعتبر عارفا كاملا واصلا قد قطع جميع المنازل؟
    حسيني من الأصلاب: ليس بالضرورة، فالإمام عليه السلام يلتقي عامة المؤمنين أيضا، للحكم بأنه قد طوى جميع المنازل، يجب فحص حالته وأحواله بالكامل، وبعد لقاء الإمام الحجة (عج)، يولد من جديد فيقرأ القرآن يجد له معاني جديدة، ويقرأ الأدعية والزيارات والروايات، فيجد لها معاني في نفسه لم تكن موجودة فيبدأ في ربط تلك المعاني الجديدة بعضها ببعض، ومقارنتها بالمعاني التي كانت لديه فيعلم أنه كان في وهم، كما قال أمير المؤمنين عليه السلام لكميل رضوان الله تعالى عليه:”محو الموهوم، مع صحو المعلوم”، حين سأله:”ما الحقيقة؟”، وقد بحثها هذا الحقير في سبعة عشر رابط موجودة على هذا الموقع، وماشعرت قط أني أشبعتها بحثا، بل شعور بالتقصير في حقها، كما هو الواقع في حق القرآن والروايات المعصومية.

    السالك 2: ومن الذي يقوم بذلك الفحص والتقييم؟
    حسيني من الأصلاب: عارف آخر أعلى منه، لكن ليس في العرفان إجازة أو استجازة، أو شهادة أو تأهيل كما يظن البعض ويعتقد.

    السالك 1: قد يقول البعض بأن المعاني العرفانية ليست موجودة في كلام أهل البيت عليهم السلام.
    حسيني من الأصلاب: المتأمل في فقرات المناجاة المذكورة، بل في جميع الأدعية المعصومية سيجد بوضوح أنها كلها تدور حول المعاني العرفانية من كشف، فتارة التعبير بالصعق في المناجاة، الذي هو نفسه التعبير:”واسلك بي مسلك أهل الجذب” – دعاء الإمام الحسين (ع) يوم عرفة، فالصعق والجذب اسمان لمعنى واحد بمذاق مختلف، وفي تعبير آخر بالقذف:”العلم نور يقذفه الحق في قلب من يشاء”، وتعبير القرآن بالتنزل:”إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة…”، والتعبير بالإلقاء المتقدم ذكره، والتعبير بتعلق الأرواح بالمحل الأعلى، وبفرقت أرواحها أطراف أجنحة الأرواح، والتعبير بسماهم أهل الملكوت زوارا، ودعاهم أهل الجبروت عمارا، والتعبير بكشف سبحات الجلال من غير إشارة، والتعبير بجذب الأحدية لصفة التوحيد، وإلى أوكار المكاشفة يأوون، فمن وصل فقط إلى مقام البرق، ويقرأ الأدعية والزيارات والمناجاة، سيجد أن العرفان الكشفي الشهودي الوجداني هو مدارها من البداية حتى النهاية، لكن المنكر لمقامات أولياء الله تعالى تراه يدفع هذه المعاني، فقد وجدتم من يقول بأن الجذب في دعاء عرفة دعاء الامام الحسين عليه السلام غير وارد بهذا المعنى، ورأيتم من ينكر الدعاء كله بسبب هذه الكلمة، ورأيتم من يقول بأن المناجاة الشعبانية هي من إنشاء الصوفية، وهاهم أربعة عشر قرنا والصوفية لايملكون عشر معشارها كما يتضح للمتتبع أنهم لايملكون سوى أشياء من خليط مبتذل، لكن للأسف هذا هو الوضع الذي نعيش فيه.

    السالك 3: فلنرجع إلى خرق الحجب، فعلمنا أن هناك سيفي العفة والمحبة، فهل هناك غيرهما؟
    حسيني من الأصلاب: هناك أيضا سيف مهم في غاية الأهمية، وهو سيف الإيثار، فإيثارك أخاك فيه انتصار على قوى النفس، وقد يكون صعبا على النفس في بعض الأحيان، فالشكر في المحاب لايخرق الحجاب، لكن الشكر في المكاره قد يخرقه، لأنه ضد قوى النفس، والذين يذوقون خرق الحجب بسبب الابتلاءات، يحبون الابتلاءات، فعند المرة التالية، يكون الحب أكثر وأكثر إلى أن يستمتع بالابتلاءات، والفتوحات المصاحبة لها.

    كلما حل بي من الدهر فاقة،،، فتحت لها باب المسرة والبشر
    وقلت لها أهلا وسهلا ومرحبا،،، فوقتك عندي أحظى من ليلة القدر

    السالك 2: ماهي أهم مشكلة في إنكار خط العرفان؟
    حسيني من الأصلاب: المشكلة الرئيسية أن الكثير لايعرف تعريف العرفان، وماهو موضوعه، والكثير يخلط بين العرفان النظري والعملي، فقد وجدتم أني أستخدم تعبير العرفان العملي الكشفي الشهودي الوجداني، لتوضيح الالتباس.

    السالك 1: إذن ماهو العرفان؟
    حسيني من الأصلاب: بشكل عام إن كل بحث عن أسماء الله وصفاته وأفعاله بحث عرفاني، لكن هذا التعريف ليس كافيا لأن علم الكلام يبحث في ذلك أيضا، وأيضا الفلسفة.

    السالك 2: وماهي المشتركات والفوارق بينهم؟
    حسيني من الأصلاب: هناك طلبة يرغبون بدراسة الحاسوب، ويجدون في كثير من الكليات شهادة بكالوريوس في علوم الحاسوب، وشهادة أخرى في هندسة الحاسوب، وشهادة في نظم المعلومات، وشهادة في الشبكات، وشهادة في الانترنت، فمن الذي يستطيع أن ينصح الطلبة بالتوجه إلى أي من هذه وتلك ومعرفة الفوارق والمشتركات والتداخلات بين كل هذه التخصصات، لابد من بروفسور جامع لهندسة الحاسوب وعلومه، لكن الموجود عادة من يعلم هذه دون تلك، فالذي يستطيع أن يجيب عن الفرق بين البحوث العرفانية والكلامية والفلسفية، لابد لديه من فكرة تفصيلية عنهم جميعا، ومن الممكن أن يكون لدى طلبة العلم تصور عام لجميع العلوم الإسلامية وتداخلاتها وتشابكها.

    فهناك مشكلة نابعة من أن يظن البعض أن العرفاء يأخذون عقائدهم بالاعتماد على الكشف، ويعتمدون الكشف في مقابل علم الكلام الذي هو علم أصول الدين وهذا اعتقاد خاطئ، ويظن البعض بأنهم يعتبرون الكشف في مقابل العقل والنقل وهذا خاطيء، كما يظن أيضا البعض بأن هناك من يأخد عقائده من الفلسفة وهذا غير صحيح أيضا، فالعقل يدلك على النقل، فالعقل يدلك على صحة نسبة القرآن الكريم لله عز وجل، وهو يدلك على صدق رسول الله والمعصومين عليهم السلام، والعرفاء يأخذون عقائدهم من علم الكلام وأصول الدين كسائر الفقهاء، فالبحث في صفات الله عز وجل وأسمائه وأفعاله بحث كلامي إذا اعتمد على العقل والنقل وهو بحث فلسفي إذا اعتمد على العقل فقط، فمتى إذن يكون بحثا عرفانيا، يكون بحثا عرفانيا إذا كان ذلك البحث ثمرة كشف، لكن الكشف حجة فقط على صاحبه، فإذا استطاع إقامة البرهان عليه بالعقل، فيكون قد أقام برهانا فلسفيا على ماثبت بالكشف، وإذا اعتمد على النقل يكون قد أقام برهانا كلاميا على ماثبت بالكشف، ولعل أول من استطاع أن يثبت ما ثبت بالعقل بواسطة الكشف، وأن يثبت بالكشف ماثبت بواسطة العقل هو صدر الحكماء المتألهين، وشيخ العرفاء الواصلين، الملا صدرا، صدر الدين الشيرازي، في الأسفار الأربعة، وقد أحكمها السيد العلامة الطباطبائي (رض) في بداية الحكمة ونهاية الحكمة، وبفضله – نفعنا الله ببركات أنفاسه الزكية – أصبحت في مناهج الحوزة، ولايزال في مشاريع هذا الحقير نقل هذه القدرة الفلسفية الجبارة إلى الغرب كما كان يتمنى الشهيد السعيد مرتضى مطهري (رض)، حيث يقول في أسس الفلسفة، أنه من بين الآلاف الذين ينذرون أعمارهم لفهم الأسفار الأربعة، قلة قليلة على عدد الأصابع تستطيع الوصول إلى ذلك، ويعزو هذا الحقير السبب في ذلك لأنه يحتاج إلى سير وسلوك كامل حتى الوصول لفهم مطالبه، وأيضا إلى قدرة (رياضية إن صح التعبير، والبعض يسميها فلسفية أو منطقية)، لمتابعة البراهين الفلسفية الطويلة، وهذا يحتاج إلى تدريب رياضي في استخدام المنطق والقدرة في الرياضيات المتقدمة تفيد جدا في ذلك لإقامة البراهين ومتابعتها، وعلة منكري الفلسفة أنهم لايستطيعون متابعة البراهين العقلية الفلسفية ويشعرون بخشونتها في مقابل الاستدلال الروائي، لكن حين تكون المائتا مسألة للشيخ الرئيس ابن سينا لم يتمكن فيها من إثبات المعاد بشكل عقلي صرف، وقد تمكن ملا صدرا (رض) من ذلك، فهذا فخر تفتخر به الحضارة الإسلامية عن غيرها، فكثير من الحضارات يثبت حياة بعد الموت لكن باستدلال نقلي فقط، وهذا مايحاول نقله هذا الحقير إلى مؤسسة كيرت جودل للمنطق والرياضيات والفلسفة بفيينا.

    تبقى هنا مسألة في الفرق بين الحكمة المشائية والحكمة الإشراقية، وبين العرفان النظري والعملي، وباختصار الحكمة المشائية التي تعتمد البرهان العقلي، والحكمة الإشراقية التي تعتمد البرهان الكشفي، والحكمة المتعالية، حكمة ملا صدرا هي التي وفقت بين الاثنين، والعرفان النظري هو ثمرة العارف من سيره وسلوكه، مثلا العلم الذي يصحبه من تحققه بمقام التوكل، فمقام التوكل مقام عملي أثمر علما، فيكون ذلك العلم هو العرفان النظري المتولد من تحققه بمقام التوكل، وكذلك بقية المقامات، فمثلا العلم المتولد من إلقاء الروح، أو العلم المتولد من الصعق إثر الجلال حال اللحظ (راجع المناجاة)، أو العلم الذي يصحبه عند الإفاقة من الصعق، فكل ذلك علم عرفان نظري يصحب العارف من عرفانه العملي أي سيره وسلوكه المعنوي، وقد يأتي باحث يبحث هذا العلم في كشف غيره، فهو باحث في العرفان النظري، فالذي يبحث بشكل نظري دون سير وسلوك في نتائج كشف غيره يكون باحثا في العرفان النظري، وقد يبحث عارف عملي في كشف غيره للمقارنة، كما يحدث عند مطالعة العرفاء للفتوحات المكية وفصوص الحكم مثلا، فهم لايطالعونها كي يأخذوا عقائدهم منها، كما يتوهم البعض، وهناك فرق أيضا بين الحكمة (الفلسفة) الإشراقية وبين العرفان العملي فكلاهما يستخدم البرهان الكشفي لكن موضوع العرفان هو الله وأسماؤه وصفاته وأفعاله، وموضوع الفلسفة جميع الموجودات، فهناك أمور مشتركة وأمور مختلفة.

    على أن الفائدة الحقيقية للعرفان العملي باتت خفية بسبب الاضطهاد المتواصل، وقد قالها السيد العلامة الطباطبائي (رض):”إن تلك الحرية التي أخذناها من الكفار…” بما معناه هي التي أشاعت نوعا من حرية الاعتقاد، فقد سألوني كثيرا ماهي فائدة هذه المكاشفة، ماهو هذا العلم، فأقول لهم هي نفس الفائدة من لقاء الامام الحجة (عج)، هي اليقين، فلعلمكم مايعرف بعلم اليقين، وعين اليقين، وحق اليقين، على ثلاث رتب واقعا هي رتب كثيرة جدا، وكل درجة من درجات اليقين يعلوها درجات أخرى إلى ما لانهاية، والذي يتوهم أنه قد فهم عالم الملكوتِ، وتداخله مع عالم الشهادةِ، سيصاب بصدمة العزةِ، وإضافة إلى اليقين، تحديث الملائكة والمكاشفة والفتوحات، لتعليم العبد الحكمة، قال تعالى:”يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا”، والأهم كل هذا الاتصال بالملكوت وجميع مايرد منه هي رسائل حب من الحق تعالى للعبد، فيتلذذ بالعبودية ويذوق طعمها ويعرفها على حقيقتها، فالقليل من عاين حب أهل البيت عليهم السلام إياه، والأقل من يشعر بأن الله بالفعل يحبه ويعطف عليه وإن كان توفيق الطاعة أول درجات ذلك الحب، فإقبال الحق تبارك وتعالى على العبد، يحل كل مشاكله، ويرفع جميع أسباب المعاناة، وبالعرفان العملي تأتي الإجابات التي تستعصي على العقل والنقل، وتأتي بالكشف، مثل لماذا أنا مبتلى بهذا البلاء، لماذا أنا أعاني بالفقر والفاقة، لماذا هذا البلاء، ويعلم

Viewing 4 replies - 1 through 4 (of 4 total)
  • Author
    Replies
  • #497
    Tasneem
    Keymaster
    • المشاركات: 2,176

    الجزء الثاني ..

    تكملة …

    ، مثل لماذا أنا مبتلى بهذا البلاء، لماذا أنا أعاني بالفقر والفاقة، لماذا هذا البلاء، ويعلم العبد أن الحق تبارك وتعالى قد خلق الخلق للسعادة الدائمة والمطلقة، وأن كل هذه البلاءات كانت وسيلة ضرورية للوصول إلى تلك السعادة والسلام النفسي والداخلي، أو بتعبير عرفاني أدق، تكشف للعبد ذنوبه التي جاء بها من عالم الذر يحملها إلى هذه الدار فيعاقب عليها لتأخره في قوله “بلى” – آية عالم الذر – فينقي نفسه منها نقاء ضروريا للوصول، ومن أهل السلوك من يستغفر ربه على تلك الذنوب، والأهم من ذلك كله – على شرف الوصول إلى كل ذلك – هو حياته المستقبلية في البرزخ والقيامة، وقد سبق لهذا الحقير أن أوضح تلك المقامات فيما يحدث للسالك أثناء الموت الإرادي أو الاختياري من معاينة حياته المستقبلية في البرزخ والقيامة، فيرى مصداق الآيات الروايات في حالته الخاصة، ويظل يزداد يقينا بعد يقين حتى يأتيه ملك الموت، فتكون تجربة الموت ليست جديدة عليه ويمر من خلالها آمنا مطمئنا، كالذي يسلك طريقا يعرفه، وقد يظن البعض ومن العلماء طبعا أن هذه مجرد تخيلات، لكني رددت هذا القول مسبقا بأن الحق تبارك وتعالى لايمكن أن يترك العبد للخيالات والأوهام بعد أن تحقق ولو فقط بمقامات السفر الأول من التوبة والإنابة والتوكل والاستقامة، فإذا تحقق العبد بالفعل في تلك المقامات وكان مصداقا لها فقد أوجب الحق تعالى العدل على نفسه إذ يقول:”والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا”، فما يكشفه الحق تعالى لبصره أو لسمعه أو خلاف ذلك يكون حقا محضا مطابقا للواقع وفقنا الله تعالى لذلك بإذنه وببركة رسول الله وأهل بيته عليهم السلام وأنفاس الأولياء.

    السالك 1: اتهمكم البعض بالحديث عن مقام إلقاء الروح كثيرا، وأن السيد الإمام الخميني (رض)، لم يذكره.
    حسيني من الأصلاب: قد تقدم الذكر بأنه قال:”المجاهدة حتى نزول الروح الأمرية”، في مقدمات إحدى وصاياه، وقد تكلم فيما هو أعلى من ذلك بكثير، على الرغم من أن نزول الروح الأمرية يعد من مقامات العرفاء الكمل الواصلين، إلا أنه تكلم في مقام “بشرط اللائية”، الذي هو تجل غيبي أحدي صادر عن الحرف الثالث والسبعين من الاسم الأعظم إلا أن الاسم مستأثر، وهذا مقام لاوجه لمقارنته بذاك، وقد أطلق هذا الحقير مقام الواقف الذي هو أعلى من الثابت والثابت أعلى من العارف، على قدر دورته في منازل السلوك فالعارف الواصل قد يكون دار مرة واحدة في المنازل فقط، فوصل، والثابت يبدأ بالسير للمرة الثانية، وكما قلت لاوجه للمقارنة بين الوصول الثاني والوصول الأول، ومقام بشرط اللائية فقط للواقف الذي يكون قد طوى المنازل (أو دار فيها لأنها حلقة، فالنهاية هي الرجوع إلى البداية) اثنين وسبعين مرة عدة حروف الاسم الأعظم، وتأتيه تجليات من الاسم المستأثر.

    السالك 3: هل لدى العارف الاسم الأعظم؟
    حسيني من الأصلاب: هو عليه التكليف الشرعي والذوبان في التكليف الشرعي، وإن كانت لديه أية مواهب فعليه ألا يفكر فيها وألا يتوجه إليها مطلقا – ألا ترون أنه عليه اثنين وسبعين برزخا يجب عبورها – فأي عمر من الإنس يكفي لطي كل تلك البرازخ، فمهما إذا سار سيتبقى عليه الكثير، نعم بعضهم عنده الاسم الأعظم بالقوة، وقد يبسط عليه أي يصير عنده الاسم الأعظم بالفعل، وقد تقدم موضوع كامل منفصل بعنوان:”شعائر استلام وتسليم الاسم الأعظم”، لكن هذا البسط من القوة إلى الفعل لايحدث إلا عند التكليف بمهام معينة، فهو يتم رغما عنه، وتستغل الدولة الإلهية الحاكمة على العالم بقيادة الإمام الحجة (عج) مواهبه فيما تراه صالحا لها، بمعنى أن يعمل لصالحها دون أن يشعر أو بشعوره، بواسطة واحدة بينه وبين الأبدال، أو بعدة وسائط، وخدمة الأبدال ليست من مقام الواصل مرة واحدة قط، لكن التشرف باللقاء الحجة (عج) للواصل مرة واحدة، بل لمطلق المؤمنين كما لايخفى، وهذه من أجل رحمات الله تبارك وتعالى، فلقاؤه تحول تام في قدرات العبد العقلية ودرجة إيمانه ويقينه.

    السالك 1: هل العارف تطوى له الأرض؟
    حسيني من الأصلاب: هناك حالات طي الأرض تكون سحرا أو تخيلا، وقد جاءت هذا الحقير حالة من طي الأرض تحدث لصاحبها قهرا وهو أحد طلاب العلم صغار السن في قم، فكلما أراد الذهاب إلى موضع وجد نفسه فيه، ويصحبه حالة من الرعب والخوف في منتهى الشدة، ولعلها من الهيبة المعروفة بهيبة الإجلال، وكان يريد حلا لحالته، وقد وفقه الله تبارك وتعالى وأصبح يشرح الأسفار في تلك السن الصغيرة، ومما يجب معرفته للجميع أنه في تلك الحالة (إذا وجد السالك نفسه في رعب قد قذف في جبال نائية) الاستغاثة بغير الامام الحجة (عج) من المعصومين لاتجدي (إلا إذا استثناه الله برحمته) لأن القانون هو الاستغاثة بالامام الحجة (عج) لأنه الحاكم على مغناطيسية الكرة الأرضية وقد تقدم موضوع كامل منفصل بذلك تم تفسير كيف أنه – عجل الله تعالى فرجه الشريف – الحبل المتصل بين الأرض والسماء، وتم تفسير كيف تسيخ الأرض بمن عليها إذا انقطع عنها الإمام (عج) ولو لساعة واحدة، وفي هذه الحالة بالذات تكون الاستغاثة بالامام الحجة (عج) عبارة عن طلب طاقة كهرومغناطيسية منه لنقلك من مكان إلى مكان، وقد تفاجأ بانتقال أحد السادة إليك فتتم الحالة دون خوف أو رهبة، حتى التمكن، فهم يأخذونك تدريجيا من درجة إلى أخرى، حتى الاطمئنان الكامل، والذي ينتقل إليك يبعث إليك بإشارة أيضا كهربية أو مغناطيسية، فيمكن القول عنها بكهرومغناطيسية، وبذلك يتم إرسال واستقبال الطاقات، وبالطبع يحدث ذلك بتمكن مع الأبدال في تأدية عملهم كما هو مفهوم من الروايات الشريفة، لكن الأبدال لايمد الله في عمرهم ويبدل لهم، فبتلك الطريقة يتم تدريب الطبقة التي ستحل محلهم، الذين يتصلون مع بعضهم البعض اتصالا ملكوتيا الذي هو أقوى من الاتصال المادي كما تعلمون، والذي يحدث معه مثل تلك الأحداث بالصورة المذكورة يرى بحق كيف يتحكم الإمام (عج) تحكما مطلقا في نقل المادة والطاقة والنفس البشرية من مكان إلى مكان، فتكون بمثابة استعراض عسكري خاص له لزيادة يقينه بأنه في طريق الحق، وأن كل القوى الاستكبارية في العالم من الممكن أن تضيع بأقل من حرف واحد من فيه.

    السالك 3: والكيفية التي تعمل بها هذه الدولة الإلهية الخفية التي تحكم العالم؟
    حسيني من الأصلاب: لا أحد يعلم كيفية التدبير الكامل، لكن هناك الأمر النازل في ليلة القدر، مثلا بإزالة ملوك واستخلاف آخرين، ويتم ذلك بما يسميه هذا الحقير:”بروتوكول القوى الوهمية”، وهي تحكم الإمام الحجة (عج) ومن يخدمونه في أفكار الآخرين فيتحكمون في أفكار الحكام من حيث لايشعرون بشن حرب في مكان، أو إيقافها في مكان بحساب الكيفية في الأمر النازل في ليلة القدر، وقد بعلم الأبدال أتباعهم التحكم في القوى الوهمية للآخرين لاستخدامها في أحوال محددة مثلا قد يكون أحد المؤمنين مطاردا، فيتحكمون في القوى الوهمية لمن يطارده ويصرفونه عنه، وهناك حكايات بهذا المعنى للمتتبعين، لكن لاينبغي إطلاقا محاولة تعلم شيء من هذا القبيل، فهو انحراف كامل، أما إذا علموك ذلك دون طلب منك فهو صحيح، وإذا لقيت أحدا (أو حدث معك موقف) وظننت أنه الإمام الحجة (عج) أو أحد أتباعه، فلاتسأل من أنت، أو ما اسمك، أو من أين؟، ولاتسأل إطلاقا أنك تريد أن تتعلم كذا أو كذا، وتذكر حين سأل نوح (ع) ربه:”إن ابني من أهلي”،،، قد ضاع عنه مقام معين ورتبة معينة، وقول الله تعالى:”إن الله كان على كل شيء حسيبا”،،،

    السالك 1: ماهو العلم اللدني؟
    حسيني من الأصلاب: العلم اللدني للإمام عليه السلام يختلف تماما عن العلم اللدني المتاح للسالك، فلاينبغي المقارنة مع المعصومين في مقام العلم أو غيره، لكن يطلق أيضا العلم اللدني على العلم المتولد أثناء الإلقاءات المشار إليها، مثال سهل لتوضيح المطلب، لو ألقى على عبد ملائكة يريدون أن ينفذوا مهمة معينة، وتفاجأوا بأشياء لم يكونوا مستعدين لها، وغير مؤهلين للتعامل معها، فيطلبون مساعدة من العوالم التي أعلى منهم في تنفيذها، فمجرد حدوث ذلك الارتباك بين الملك والملكوت ومعرفة العبد كيف يتم الاتصال بين سلسلة العوالم مع بعضها، ففي عدة دقائق يكون قد علم بما لايمكن تحصيله في آلاف الكتب وآلاف المحاضرات.

    أخوكم،،،

    الحقير المتطفل على مائدة الآل،
    والماثل بأعتابهم لخدمة النعال،

    حسيني من الاصلاب

    #498
    Tasneem
    Keymaster
    • المشاركات: 2,176

    لجزء الثالث ..

    تكملة ..

    تكملت حوار مع السالكين ٢

    استجابة إلى الأخ العزيز الأذل الأحقر، الذي طلب التوسع في موضوع خرق الحجب، فمن الممكن القول:
    من الممكن تقسيم الحجب إلى نوعين بشكل عام: الحجب الظلمانية، والحجب النورانية، فتكون الذنوب والشيطان والنفس تحت الحجب الظلمانية، وأهل البيت عليهم السلام والأسماء الحسنى الحجب النورانية، والعلم أيضا من الحجب النورانية (قيل أنه الحجاب الأكبر)، فلابد أولا من فهم ماهية كل حجاب، ثم الدخول فيه، ثم خرقه، والفرق بين العابد والسالك، أن العابد لايروم خرق الحجاب، وقد لايدري بوجوده أيضا، ولايعرفه، ولايهتم أن يعرفه، أما السالك فعليه أن يعرف طبيعة كل حجاب من تلك الحجب، فالحجب الظلمانية كالذنوب، يتم خرقها بالتوبة والإنابة على التفصيل المعروف في كتب الأخلاق، والسير والسلوك، والشيطان لاسلطان له على العبد إلى الوسوسة، ومن أوائل منازل التحقيق في السير والسلوك – كما تقدم في المواضيع السابقة – هي معرفة الخواطر ومصادرها التي الشيطان والملائكة والنفس والرحمن، فمن المهم أن يعرف السالك وساوس الشيطان وكيفية التغلب عليها من أجل خرق ذلك الحجاب، وبالطبع كما هو معلوم عند أهل المعرفة أن التغلب على الشيطان أسهل بكثير جدا من التغلب على النفس الخبيثة التي لها خدع كثيرة جدا، وحيل عديدة، يصعب أحيانا على السالك التعرف عليها ومحاصرتها، فخرق حجاب الشيطان أسهل بكثير من خرق حجاب النفس، فالانحراف الذي يحدث للسالكين غالبا ما يكون بسبب خدع النفس وليس الشيطان، والذي يقوى في سلوكه يأتي له إبليس بنفسه (أي يتمثل له)، حيث يبعث الشياطين إشارة إلى سيدهم أنهم لم يقدروا عليه فليتقدم هو بنفسه لكي يحاول التغلب عليه وإغوائه، وبالتوبة ولكي يحاول التغلب عليه وإغوائه، وبالتوبة والإنابة وذكر الله عز وجل الدائم على التفصيل السلوكي، يتم التغلب على وسوسة الشيطان إلى الأبد، ويكون بينه وبين السالك برزخ لايستطيع خرقه، أما حجاب النفس التي تهوى اللذيذ من المآكل والمشارب والمراكب والمناكح، من الممكن تدريبها بالرياضة على الزهد في كل هذه اللذائذ التي يطلق عليها أحيانا بحظوظ النفس، وهذا أيضا من شأن الزهاد، وليس فقط أهل السير والسلوك، أما مايبتلى به السالك فيما بعد، حين ينتقل من مرحلة المجاهدة إلى مرحلة المشاهدة، وتأتيه المكاشفات وتستديم معه، ويترقى إلى مرحلة المشاهدة، يبتلى بحالة علو على الآخرين، وهذا أيضا من المفاسد التي تفسد سيره وسلوكه، وتجعل تلك الشواهد الغيبية حجة عليه بدلا من أن كانت له، فإنما سميت الآيات والكرامات والمكاشفات والمشاهدات وأمثالها جميعا بالشواهد، لأنها تشهد للسالك بصحة سيره وسلوكه إلى الحق تبارك وتعالى، لكن من تعالى بها على الآخرين ولو لم يتلفظ بذلك (أي كان ذلك باطنا في نفسه)، أصحبت حجة عليه، وخدع النفس للسالكين كثيرة جدا، وإلا لما وجد الانحراف كثيرا من جرائها، فمن الصعب جدا فعلا تهذيب النفس دون المرشد الصحيح القاطع لجميع منازل النفس، وهناك اختبارات كثيرة يمر بها العبد يتم تمحيصه فيها حيث الكثير من المزالق، ومنها حب التفوق على الأقران، وكثيرا مايبتلى أهل العلم بذلك، فلكي تخرق حجاب النفس لابد لك أن تعلم ماهيتها وطبيعتها وحيلها وخدعها، لكي لاتقع في واحدة منها، لكن النفس الناطقة الإنسانية لها سبعة لطائف المعروفة عند هذه الطائفة بأقاليم العشق السبعة: (العقل، النفس، القلب، الروح، السر، الخفي، الأخفى)، ويقابلها في الكونالمشكاة، المصباح، الزجاجة، الكوكب، الشجرة، النار، النور)، راجع “العرفان ومقامات أهل الولاية”، لهذا الحقير فإن لكل من تلك اللطائف (في النفس الإنسانية – الكون الصغير، والكون – النفس الإنسانية الكبيرة)، لكل منها باب مستقل قد نشرحه إن شاء الحق تبارك وتعالى، ولاتخلط بين النفس الناطقة ذات اللطائف السبعة، والنفس التي هي إحدى تلك اللطائف، وفي التناظر بين هؤلاء السبعة وأولئك السبعة الآخرين، تناظر في السير والسلوك بطي منازل النفس، وبالسير والسلوك في العوالم الغيبية، على الأقسام المبينة بآية النور المباركة، ومن الممكن أيضا عمل تناظر بين السلوك في تلك المراتب السبعة (سواء مراتب النفس أو مراتب الكون)، مع السلوك في الحضرات الخمس (الناسوت، الملكوت، الجبروت، اللاهوت، الكون الجامع)، أو السماوات السبع والملأ الأعلى، أو الحضرة الواحدية والأحدية، وخرق حجاب النفس لايتم إلا بالصعق المشار إليه في المناجاة (راجع موضوع: الحياة العرفانية، لهذا الحقير)، وهو الصعق إثر الجلال حال اللحظ، فبعد أن تتم الإفاقة – بتوفيق الله تعالى وعنايته – يكون قد تم خرق هذا الحجاب وتم المحق والطمس للنفس، لكن حدوث ذلك لايمنع من الانحراف حتى بعد الوصول، أي إنه من الممكن أن يكون هناك عارف ثم ينحرف، وليس فقط سالك ثم ينحرف، كما يعتقد البعض، مثل مقولة أحدهم:”إنما رجع من رجع من الطريق، أما الذي يصل فلايرجع أبداً”، فإن تلك المقولة تفندها الآية الكريمة:”والذي آتيناه آيتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين،،، إلخ”، فيتضح من ذلك أن خدع النفس قد تستمر ولها مفعول حتى بعد الوصول، لذلك تجد العارفين المحققين كلما ارتفعوا درجة عند الله طلبوا من الحق تبارك وتعالى أن يحطهم عند أنفسهم (الدعاء – للإمام زين العابدين عليه السلام)، وإن تعرفت على أحدهم تجده في منتهى الحذر، ليس في كل فعل وقول، فإن ذلك حال المؤمنين التوابين، بل حتى في كل فكر وخيال، كما هو معروف عن نهج هذه الطائفة (راجع باب نفي الخواطر – رسالة لب اللباب، في سير وسلوك أولي الألباب، للسيد الطهراني، موقع معارف إسلام)، فإنه بنفي الخواطر ومجاهدة الخيال يتبين السالك الحقيقي، وبين مدعي السلوك، وليس بالمكاشفات والمشاهدات، بالطبع على تفصيل فليراجعه في موضعه، فإذا علمت أن النفس التي عرفها هذا الحقير مرة بأنها لطيفة لم يتجل عليها الحق تعالى بجبروته فلم تنكسر، علمت أن الصعق إثر الجلال حال اللحظ هو الذي يكسرها، فيكون حجاب النفس قد خرق، وهذه الطائفة التي خرقت حجاب النفس يشار إليها أحيانا بـ “أرباب الصحو بعد المحو”، راجع مثلا “سر الصلاة – صلاة العارفين”، وعلمت أيضا أنه حتى بعد خرق ذلك الحجاب لابد أن تكون في غاية الحذر، لأن احتمال الانحراف وارد أيضا، وفيما يلي سأحاول أن أسير بك في أقاليم العشق السبعة، وكل منها كإحدى الحجب، ولنحاول أن نفهم طبيعة الحجاب، ثم كيفية خرقه، وماهي العلامة على حدوث ذلك الخرق بالفعل (كالصعق للنفس مثلا)، وكيفية التأكد من صحة ذلك الخرق، فهل أن ذلك الخرق خرق حقيقي أم وهم وخيال، فمثلا:

    1. العقل: حجاب العقل، هو حجاب العلم، وعند هذه الطائفة أن العلم إنما هو الحجاب الأكبر، فكيف يمكن توضيح أن حجاب العلم هو حجاب العقل، إذ أن العلوم العامة الجلية، إما عقلية، وإما نقلية، وأساس النقل يرجع إلى العقل، فلولا سلطان العقل لكان الاحتجاج بالنقل مصادرة، فثبوت صحة صدور القرآن الكريم عن الحق تبارك وتعالى يرجع إلى العقل لا النقل، فإذا كان العلم هو الحجاب الأكبر، لكان أيضا العقل هو الحجاب الأكبر، لكن هذا التعبير غير دقيق، فعبادة الحق تبارك وتعالى إنما تتم بالعقل، تعتمد كل الاعتماد على العقل، وإنما قوامها بالعقل، لكن العقل لايوصل إلى ماتشير إليه المناجاة من الصعق إثر الجلال حال اللحظ، فأولئك السالكون الذين يرمون الوصول إلى تلك الرتبة من الصعق، لن يكون العقل كافيا للوصول إليها، لكنه ضروري من أجلها، فبتعبير المناطقة وباختصار:”العقل شرط ضروري للوصول، لكنه غير كاف”، إذن فلماذ يقولون بأن العلم هو الحجاب الأكبر، ذلك لأن الاصطلاحات اللفظية، مهما تم وضع معان لها، ومهما حدث تصور لتلك المعاني على المصاديق، وبناء علاقات ثم علاقات بين هذه المصطلحات وتلك، ثم بين هذه المعاني وتلك، وهذه التصورات وتلك، وهذه المصاديق وتلك، وهذه الاستدلالات وتلك، للوصول إلى هذه النتائج أو تلك، فإنما كل ذلك حجب في حجب، وليست هي الحقيقة، لكن كما تقدم فهي شرط ضروري لكنه غير كاف، إذن فهناك سؤال متى يحدث خرق حجاب العلم؟ الجواب: بالشهود، إذا حصل للعبد شهود حقيقي أي ليس توهما أو خيالا، فإنه بذلك يكون قد بدأ في خرق حجاب العلم، من هنا يتضح ما يحدث لبعض أولياء الله حين يفتح الله عليهم في الخطابة مثلا حيث يستطيعون الخطابة دون تحضير وذلك إنما للهج ألسنتهم بذكر الله دائما، ففكرهم يتقلب من مطالب إلى مطالب، التي تكون في غاية البساطة والكلية، (راجع مثلا كثرة حالات التجرد التي كان يمر بها السيد الحداد (رض)، الروح المجرد)، فالمواهب العلمية القوية الكثيرة المفاجئة دليل على خرق حجاب العلم، مع حدوث الشهود، وكما قيل:”ترك الكتب، وخرق الحجب”، وحديثنا عن خرق الحجب، أما ترك الكتب فليس مطلقاِ، كما أشار ذلك الحقير مسبقا، بأن الكتب تهيأ القلب إلى السلوك نحو المحبوب، وتعرف العبد ولو قليلا بعالم ماوراء الطبيعة، وقد وضع هذا الحقير شرطا لمطالعة تلك الكتب، مثل بداية الحكمة، ونهاية الحكمة، والأسفار الأربعة، وهو الحصول على درجة تمكن المريد في المنازل:”أن تجتمع له صحة قصد تسيره، ولمع شهود يحمله، وسعة طريق تروحه”، فالشهود الذي يلمع للسالك يجعله يفهم المعاني التي وراء تلك المصطلحات والألفاظ، ذلك لأن المصنف عارف من العرفاء بالطبع.
    2. النفس: تبين فيما أعلاه أن النفس هي لطيفة لم يتجل عليها الحق تبارك وتعالى بجبروته فلم تنكسر، وقد تقدم في المواضيع السابقة أن السالك إلى الحق تبارك وتعالى بقدم المعرفة إذا وصل إلى العالم الجبروت، يندهش من تواضع أهله، وإنما ذلك لأن الحق تبارك وتعالى قد تجلى عليهم بحبروته فانكسرت نفوسهم، للحد الذي يمكن معه القول بأن تلك اللطيفة ليست في تركيبهم على الإطلاق (هذا شرح قول الأمير (ع)، فسماهم أهل الملكوت زوارا، ودعاهم أهل الجبروت عمارا)، وتبين أيضا فيما سبق أن حجاب النفس لايتم خرقه إلا بالصعق إثر الجلال حال اللحظ، ثم الإفاقة، ثم الحذر، والتفصيل في خدع النفس وحيلها يحتاج إلى كلام يفوق المسموح به في هذه المناسبة بكثير.
    3. القلب: هو حرم الله تعالى، فلابد من تنقيته وتصفيته من سواه، واعتبار أن أي شيء سوى الله تعالى من الكدورات التي تمنع خرق ذلك الحجاب، بل دخول ذلك الحجاب هو دخول حجاب نوارني، فلايمكن دخوله إلا بعد التوبة والإنابة والمحاسبة والتوكل، وألا يكون قلبه متعلقا بأي شيء سوى الله، إلا بما هو يكون طريقا إليه سبحانه وتعالى، فدخول ذلك الحجاب إنما هو مقام الصفاء، أي بعدم بقاء أي كدورة بالقلب، فعند بلوغك تلك الحالة تكون قد دخلت حجاب القلب، ولايتم خرقه إلابعد أن ينزل الله تعالى عليه السكينة، (هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين)، وتلك السكينة، كما عبرت الآية، إنما هي موهبة من الحق تبارك وتعالى، لايمكن اكتسابها إلا بتوفيق الله تعالى وعنايته، وهي عبارة عن ملائكة لله تسكن عبد القلب وتحدثه وتلقي عليه الحكمة، كما يلقي الملك الحكمة على قلوب الأنبياء، ولاتظن أن تلك المرتبة من نهايات منازل السلوك، بل هي مرتبة متوسطة، فهي أقل من الصعق بكثير، وللأسف أن الكثير من العلماء يعتقد بأنه من المستحيل أن الملائكة تحدث العبد، على أن هناك روايات بهذا المعنى، لكن يقطعون الطريق على أنفسهم من استغلال الوقت واستثماره في الفوز بتلك السكينة، أما بالنسبة أن حديث هؤلاء الملائكة هو خيال وتوهم أم حقيقة، فقد تقدم ذلك البحث بالتفصيل، وخلاصته أن الحق تبارك وتعالى لايمكن أن يترك عبده الصادق المخلص أسيرا للخيالات والأوهام، بعد صحة سيره وسلوكه، وبعد مجموعة من الكرامات المعنوية، يحدث له الحق تبارك وتعالى، كرامة حسية مادية أمامه، تؤكد له أن في الطريق الصحيح، وأنه على الحق، وأن مقام المحدثين هو مقام حقيقي قد بلغه، وبالطبع فإن العبد لايقيم نفسه في مقام، إلا بعد أن يقيمه الحق تبارك وتعالى فيه، وعليه أن يراجع ويطابق ويصحح مع مرشده الكامل، ومن الأفضل مع مدرسته، أو أفراد من عرفائها الكاملين المحققين – هناك فرق بين العارف الكامل والعارف المحقق، فالعارف الكامل دار في المنازل مرة واحدة، والعارف المحقق مرتين أو أكثر، والثابت كذلك، أو أكثر وأعلى من كل أولئك الواقف، راجع:”العرفان ومقامات أهل الولاية”، لهذا الحقير – فمن الأفضل أن يعرض شواهده على عارف محقق، بعد أن يعرضها على عارف كامل، للنقد والتحليل، والجرح والتعديل، أو في كلام هذه الطائفة، لتحقيق معرفة العلل، لكل مقام من المقامات، فخلاصة القول في مقام القلب:”دخول مقام القلب بمقام الصفاء، وخرقه بمقام المحدثين”.
    4. الروح: الدخول في حجاب الروح إنما يتم بعد مقام المحدثين “السكينة”، والترقي في ذلك المقام خطوة خطوة، ثم العبور من مقام المحدثين في عالم الملكوت، إلى مقام المحدثين في عالم الجبروت، الذي أشار إليه الأمير (ع):”وسماهم أهل الملكوت زوارا، ودعاهم أهل الجبروت عمارا”، فيلاحظ الفرق بين هذين المقامين اللذين بينهما اتحاد وتماثل في كونهما “محدثين”، ومختلفين في كونهما “ملكوت”، “وجبروت”، بذلك اتضح أن مقام القلب في عالم الملكوت، ومقام الروح في عالم الجبروت، لمن يريد أن يضع تناظرا بين السير في أقاليم العشق السبعة، والسير في الحضرات الخمس، ثم مقارنتها بالأسفار الأربعة، والمنازل الاثنى عشر، أو الألف، أما الخروج من هذا الحجاب فلايتم إلا بإلقاء الروح، “رفيع الدرجات، ذو العرش، يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده”، وهذا من مقامات العرفاء الواصلين، أي مقامات الأحدية وليس الواحدية، فدخول هذا المقام في الواحدية، والخروج منه في الأحدية بعد الوصول، أي بعد الصعق والإفاقة، وقد يتحقق مع الصعق والإفاقة في بعض الحالات، التي لابد من دراستها وتحقيقها وتمحيصها، حتى يتم الجزم بأنه قد تجاوز هذا المقام أو ذاك، وقد يستاءل هنا سائل:”ماهو دوره مع أهل البيت عليهم السلام، في كل تلك المراحل والمقامات”، الجواب:”العلاقة مع أهل البيت عليهم السلام تبدأ قبل السلوك، كما هي لغير السالك، فيدرس حياتهم ومصائبهم وتاريخهم عليه السلام، وقد يتوسع في دراسة مقاماتهم الغيبية التي حباهم الله بها بشكل نظري، فكل ذلك يحدث مع السالكين وغيرهم، لكن مثلا الذي يصل إلى مقام القلب الموضع أعلاه، فهو يدخله بالصفاء والكشف والشهود، لكنه لايخرج منه إلا إذا بلغ مقام المحدثين، فهنالك سيعرف أهل البيت عليهم السلام في عالم الملكوت، لكنه لن يعرف ذلك من الآيات والروايات، سيعرف ذلك من أهل الملكوت أنفسهم، فكما أن لهم عليهم السلام، صورة ملكية ناسوتية، ولدوا في المكان الفلاني، وماتوا في المكان الفلاني، سيعرف حقيقتهم في عالم الملكوت، من أهل الملكوت أنفسهم، وذلك عند الخروج من مقام القلب، أما في مقام الروح، فسيعرف حقيقتهم المتجلية في عالم الجبروت، أيضأ من أهل الجبروت أنفسهم، وليس عقلا ولانقلا، لكنه ليس له أن يبوح بذلك، بل يدرج تلك الشواهد في منازل العلم، أي إنه قد يحصل على حقيقة عنهم عليهم السلام من الملكوت أو الجبروت، فلايحدث بها أحدا إلا حينما يجد ما يطابقها في الروايات الشريفة، وفي كل الحالات، لاينطق أبدا عن الكيفية التي يرى بها هذه الحقائق، فحينما يتعلم من أهل الملكوت أو الجبروت، يرى ويشاهد آلاف الروايات بطريقة كلية بسيطة واضحة، ويراها يفسر بعضها بعضا، “وسماهم أهل الملكوت زوارا، ودعاهم أهل الجبروت عمارا”، ولعل هذا مايشابه ماحدث للعارف المحقق السبزواري (رض) – راجع جمال السالكين – حين أتوا له بحديث وقالوا له أنه عن الإمام الصادق (ع)، فقال لهم:”إني أشم في هذا الحديث،،،، نواصل بقية الموضوع في وقت لاحق – لضيق الوقت، ونعتذر لذلك،،،

    أخوكم،،،

    الحقير المتطفل على مائدة الآل،
    والماثل بأعتابهم لخدمة النعال،

    حسيني من الأصلاب،،،

    فالعارف السبزواري قال لهم:”لكني أشم في هذا الحديث نفس الإمام الباقر (ع)”، فأحضروا له كتابا فوجدوا الحديث عن الإمام الصادق (ع)، لكن حين كشفوا في الوسائل وجدوه عن الإمام الباقر (ع)، فالسؤال هنا كيف استطاع الوصول إلى ذلك الكشف، وهو حضور القوى المعنوية للإمام (ع) لديه حين ذكر حديثه، فإن ذلك متيسر للعرفاء المحققين – راجع شواهد التحقيق، ومقام الثابت – العرفان ومقامات أهل الولاية.

    السر: مقام المحدثين، في مقام اللاهوت، راجع باب المصاحبة (مصاحبة جند الملكوت)، وباب المجاورة (مصاحبة جند الجبروت)، وباب الملازمة (مصاحبة جند اللاهوت)، في “العرفان ومقامات أهل الولاية”، وراجع “كيف يعطيك الإمام الحسين (ع) مفتاح عالم الأمر”، لمعرفة كيفية تفاعل الجبروت مع اللاهوت، وضبط ذلك بحساب الأبجد، وقطعا هذا الأمر غير متيسر إلا بالكشف، حيث حسينيال من جند الجبروت (الروح التي بفناء أبي عبد الله –ع )، وهو يستمد من اسمي الله تبارك وتعالى “الأحد الصمد”، وقد تبين لك ذلك من الرقم 169.

    من هنا يتضح أنه لدى المحققين من هذه الطائفة القدرة على وضع معنى قلبي للفظ ما، (في مقابل المعنى العقلي الذهني التصوري التصديقي)، فالمعنى القلبي معنى للفظ، لكن مدلوله وتصوره يقع في عالم الملكوت، ولايستطيع السالك الوصول إلى ذلك، إنما هذه المنزلة تأتيه في السلوك الثاني أو الثالث، أي السلوك بعد الوصول مقام المحقق أو الثابت أو ماهو أعلى من ذلك، فالكلمة الواحدة في عالم الملكوت تعدل مجلدات في عالم الملك، وكذلك الكلمة الواحدة في عالم الجبروت تعدل مجلدات في عالم الملكوت، وهكذا مع عالم اللاهوت، وقد تقدم بحث مشابه لذلك في موضوع “مفتاح قراء كتاب سر الصلاة”، والعلاقة بين اللفظ والمعنى في عالم الغيب وعالم الشهادة، وهناك أيضا بحث مرتبط بذلك وهو أن الروح لها مقام الجامعية (عالم الجبروت)، بينما الملائكة ليست كذلك، في عالم الملكوت، لذلك ورد في القرآن الكريم، الملائكة بلفظ الجمع بينما الروح بلفظ المفرد، راجع مناقشات التلميذ والعلامة (الشمس الساطعة)، وبعد المعنى في عوالم الملك والملكوت والجبروت واللاهوت، قد يكون هناك لفظ له معنى غيبي أحدي فوق كل تلك العوالم، ولعل هذا قول السيد القاضي (رض):”أنا عندي علم تلك الكلمة”، وهي الكلمة التي يقولها الإمام الحجة (عج) لأصحابه عند الظهور فيأتون إليه من كل بقاع الأرض، فيتكلم بها فينصرفون إلى مواقعهم، راجع الروح المجرد والشمس والساطعة، لمعرفة الرواية، معرفة قول السيد القاضي (رض)، والعجيب في الأمر أن مشايخ الطريق بعد السيد القاضي (رض)، إذا وفقهم الحق تبارك وتعالى لمعرفة تلك الكلمة (مع مراعاة الفرق الشاسع بين معرفة الكلمة كلفظ، وكعلم تلك الكلمةِ)، فإنهم يضحكون من فرط الدهش، إذ إنها من أكثر الكلمات المتداولة على ألسنة الفقهاء في كل يوم، بل في كل ساعة، لكنك الآن فهمت، أن تلك الكلمة إنما يتداولونها بمعناها العقلي الذهني التصوري التصديقي المعروف في اللغة والأصول (علاقة الوضع بين اللفظ والمعنى)، بينما هذا المعنى هنا في القول:”أنا عندي علم تلك الكلمة”، هو المعنى الغيبي الأحدي، الذي هو فوق المعنى اللاهوتي، الذي هو فوق الجبروتي، الذي هو فوق الملكوتي، الذي لايبلغه عالم الملك على الإطلاق، ومن هؤلاء الذين ضحكوا في ذلك الموقف العارف المتبتل حين حدث معه ارتباك بين الملك والملكوت، فكانت تلك الكلمة تستخدم من قبلهم لاستعادة التوازن معه ومعهم، راجع قصة العارف المتبتل في أوائل موضوع:”شواهد التحقيق”، وكما أن في علم تلك الكلمة ضحك يفوق جميع سعادات الدنيا والآخرة، لكن فيها حزن أيضا كذلك.

    فلنلخص مامضى أن العقل حجاب العلم ويخرق بالشهود، والقلب يدخل فيه بالصفاء ويخرقه بمقام المحدثين في الملكوت، والروح مقام المحدثين في الجبروت، والسر مقام المحدثين في اللاهوت، وكل تلك العوالم الأربعة وكونها الجامع لها هي الحضرة الواحدية، في مقابل الحضرة الأحدية، ولايعبر البرزخ بين الواحدية والأحدية إلا بالصعق ثم بالإفاقة منه بعد ذلك، ومقام إلقاء الروح من مقامات الأحدية كما تقدم، فيكون مقام المحدثين في عالم الجبروت (حجاب الروح)، رقيقة من رقائق هذا المقام.

    من هنا يتضح أنه قد نوقش العقل والقلب والروح والسر وبقي الخفي والأخفى، وهذان الاثنان لن نتمكن من الخوض فيهما إلا بشرح كتاب العرفان ومقامات أهل الولاية، لعل الله يوفق من أجل ذلك، فالكتاب له عدة سنوات ومكتوب بلغة رمزية من الصعب فهمها، وكنت قد أتمنى أن أتركه لكي يشرحه أحد بعدي، والله الموفق.

    ويتبقى أيضا بحث وهو مقارنة أقاليم العشق السبعة (العقل، النفس، القلب، الروح، السر، الخفي، الأخفى)، والعوالم الغيبية على ماوردت في آية النور المباركة (المشكاة، المصباح، الزجاجة، الكوكب، الشجرة، النار، النور)، ولعل أول ما نحاول شرحه في كتاب:”العرفان ومقامات أهل الولاية”، هو ذلك البحث،

    قسم الجواهر
    باب العقل، باب النفس،باب القلب، باب الروح، باب السر، باب الخفي، باب الأخفى

    29. باب العقل
    العقل اسم لجوهر، هو نقطة دائرة الوجود.
    عقل الحياة، لعارف ولي، أصبح حياً بحياة الحق، فعقله في النور.
    العقل الكلي، للجواهر القدسية، التي هي لطائف صنع الحق تبارك وتعالى.
    العقل الأول، هو عقل العقول، الخلافة المحمدية، والولاية العلوية، السارية في العوالم الغيبية.

    30. باب النفس
    النفس اسم لجوهر النفس الناطقة، الذي لم يتجلَ الحق عليه بجبروته، فلم ينكسر‍‍‍‍‍‍‍‌‌‌!
    نفس عارف اندكت إنيتها، فلبست جلباب الحياة، وغشاها نور الوجود.
    نفس ثابت، ادخرها الحق لأنها نفس كليه، فيستضيء بها أهل الملكوت.
    نفس واقف، جازت النسبة، بينها وبين العقل، فأصبحت نفساً في عقل، وعقلا في نفس.

    31. باب القلب
    طائفة وقف قلبهم في المناجاة، في بحار المكاشفة يسبحون، وفي ميادين المعاينة يصولون، فأولئك المقربون.
    ثم طائفة اندهشت من نور قلوبهم العقول المجردة، فأنشدوا فيهم الإرغنونات المطربة.
    ثم طائفة أذهل قلوبهم الكروبيين، فهاموا مع الملائكة المهيمة، في أقاليم العشق السبعة المتيمة.

    32. باب الروح
    الروح اسم لموجود من عالم الأمر، “وأيدهم بروح منه”.
    روح جامعة لعالم الملكوت ومادونه، من سعة لطف الباري أنها تؤيد عباده.
    روح هي الوجود المنبسط، انبسطت على العقول المجردة، والطيور القدسية.
    روح الأرواح، الوجود الساري، العقل الأول، القلم الأعلى، الخلافة المحمدية.

    33. باب السر
    السر اسم لجوهر من جواهر النفس الناطقة، “يعلم السرّ وأخفى”.
    فطائفة أشرق سرهم، وفاض وجودهم، وعزت علومهم، فلم يلتفتوا لملكوت، ولم يقفوا على جبروت، أو أعيان اللاهوت.
    ثم طائفة، عقولهم، ونفوسهم، وروحهم، سرٌ، يضيئ سرهم لأهل السماوات.
    ثم طائفة استسروا عن سرهم، حيث لا خلق ولاأمر، في حتف الحتوف.

    34. باب الخفي
    الخفي اسم لجوهر من عجائب النفس الناطقة.
    خفي عارف يبكي للحصول، على ما بعد الوصول، يالغاية المأمول!
    خفي ثابت هائم في قاع بحر القدر، عند لمعان الحواميم، من حيات وحيتان.
    خفي واقف زار نفسه في الأزل، فحدثته بما كان منه في الأول، فاستظل به في الظل.

    35. باب الأخفى
    الأخفى اسم لجوهر من جواهر النفس الناطقة، لايعلم فحواها خلق ولا أمر.
    أخفىً لعارف، في ظل الوجود، بعد غاية الشهود، لأمد ممدود.
    ثم أخفىً لثابت، بعد استقرار الثبوت، والنظر في علم الوقوف، في خضم الحتوف.
    ثم أخفىً لواقف، في جمال نور الأنس، مع أرواح عالم القدس، ومناغاة طيور الهمس.

    قسم النور
    باب المشكاة، باب المصباح، باب الزجاجة، باب الكوكب، باب الشجرة، باب النار، باب النور

    36. باب المشكاة
    المشكاة اسم لجوهر من جواهر ظل الوجود المطلق.
    مشكاة عارف، لعلم لدنيّ، في مقام سنيّ، واندكاك إنيّ.
    مشكاة ثابت، تحيط بالعلوم الكونية، لاستكمال الولاية التكوينية، مافوق السماوات العلية.
    مشكاة واقف، وهي مشكاة الله، التي هي مثل نوره، من عجائب موجودات الحق تبارك وتعالى.

    37. باب المصباح
    مصباح عارف، يستضيء بنوره، لفتح الفتوح، لالتياع الروح، للقدوس السبوح.
    مصباح ثابت، خلص من الغير، وغرق في بحر القدر، فاستنارت به الفكر.
    مصباح واقف، هو مصباح الله، الذي هو في المشكاة، وهو آية من آياته.

    38. باب الزجاجة
    زجاجة عارف، نظرها في الجبروت، فارتدت إلى الملكوت، وأعيان اللاهوت.
    زجاجة ثابت، في عوالم انطباق الخلافة المحمدية، على إطباق الولاية العلوية.
    زجاجة واقف، هي حقيقة الزجاجة، وكنه الخلافة، وغاية الولاية.

    39. باب الكوكب
    كوكب عارف، من ظل الوجود، وجفون الشهود، لأبد الخلود.
    كوكب ثابت، من عالم الأمر، لتدبير ظل الوجود، من بطن العدم.
    كوكب واقف، هو كوكب الكواكب، يحوى مجرات الأزل، في عالم الطبع وغيره،كعضو واحد.

    40. باب الشجرة
    شجرة عارف، أينعت ثمارها، أُكلا بعد أُكل، فالتذّ بها، فياللذوق!
    شجرة ثابت، ثبت في أركان الولاية، مع سر الملازمة، ومطالعة الوقفة.
    شجرة واقف، وهي الشجرة الفضية، لأهل الولاية العلوية، والخلافة المحمدية.

    41. باب النار
    نار عارف، وهي نار الشوق، لأهل الذوق، لبلوغ مافوق.
    ثم نار ثابت، للطير إلى بشرط اللائية، واضمحلال كل ماهية، نحو العزة العلية.
    ثم نار واقف، هي سويداء قلب الوقفة، بها تقوم، وحولها تدور.

    42. باب النور
    نور العارف، وهو نور الوجود، والفيض الإلهي، من الحضرة الأحدية المقدسة.
    نور الواقف، من الفيض الأقدس، نزولا إلى الفيض المقدس، بعد صحة التمكين.
    نور الواقف، وهو نور من ماء القدس، الذي هو سرّ الماء المضاف بالتربة الحسينية المباركة، شاربه صاحب نفس الأنفاس، من كفي القمر عباس.

    لعل الله يوفني للتصدي لشرح هذه الفقرات على أنها حجب النور، داخل النفس الإنسانية الناطقة وفي عوالم الغيب والشهادة، والآن لابد من بحث مرتبط وهو الأسماء الحسنى كحجب نورانية، وأيضا أهل البيت عليهم السلام كحجب نورانية، ثم بيان كيفية خرق هذه الحجب، وخرق كل حجاب منها كرتب جميع المقامات في السير والسلوك، سواء الأول أو التالي، وهي الرتب المعروفة الثلاثة:
    1. أخذ القاصد في السير.
    2. دخوله في الغربة.
    3. حصوله على المشاهدة الجاذبة لعين التوحيد في طريق الفناء.

    ونوضح ذلك بأمثلة: مثلا إذا كان هناك سالك مريض بمرض ما، ففي الرتبة الأولى يظل يتقرب إلى الحق تبارك وتعالى بشتى الطرق وهذا هو أخذه كقاصد في سيره وسلوكه إلى الحق تبارك وتعالى، ثم بعد ذلك يشعر بغربة أي بانفراد في نفسه عمن سواه، من شدة حالته الروحية وقربه من الحق تبارك وتعالى وعبادته للحق تبارك وتعالى من جهة اسمه الشافي، ثم يتفانى في اسم الله تعالى الشافي حتى يحدث له الفناء، وعلامته عدم شهود سوى الحق، فإذا حصل على الجذب فهو أو الصعق ثم أفاق منه، فهو بالحق فعلا عبد الشافي، فقد خرق ذلك الحجاب النوراني. واربط بين الصعق والإفاقة من جهة، والفناء والبقاء من جهة، أو السكر والصحو من جهة أخرى.

    وأيضا من الممكن أن يحدث ذلك للسالك مع اسم الله الرزاق، في بحثه عن رزقه حتى يصير عبد الرزاق، بالصعق والإفاقة أيضا.

    وإذا حدث له ذلك مع الأسماء كلها أصبح “عبد الله”، – طائفة لم ينسبوا إلى اسم، لأنهم انتسبوا إلى الأسماء كلها، فهنا مقام الأحدية بعكس من انتسب إلى اسم الله الشافي أو الرزاق، فإنه في مقام الواحدية.

    وبالنسبة لأهل البيت عليهم السلام كحجب نوارنية، يتم خرق الحجاب بنفس تلك الرتب الثلاثة، فمثلا في ذكرى عاشوراء، يتفاعل مع الإمام الحسين عليه السلام، حتى يحدث له الفناء، من شدة الحب والتعلق، وهناك فرق بين الفناء في عالم الغيب وعالم الشهادة، وهناك فرق بين الفناء في المعصوم في عالم الملكوت، وعالم الجبروت، وعالم اللاهوت، والفناء فيه ومعه في الأحدية، وقد تقدم البحث في مقام المحدثين في عالم الملكوت “حجاب القلب”، يتم التعرف على حقيقة المعصوم (ع) الملكوتية، وفي مقام المحدثين في عالم الجبروت “حجاب الروح”، يتم التعرف على حقيقة المعصوم (ع) الجبروتية، وفي مقام المحدثين في عالم اللاهوت “حجاب السر” يتم التعرف على حقيقة المعصوم (ع) في عالم اللاهوت، ثم بعد ذلك حقيقتهم في الحضرة الأحدية، فانين فيها، فيفنى فيهم ومعهم، فهو سالك سائر إلى الحق تبارك وتعالى وهم عليهم السلام رؤساء قوافل السير إليه عز وجل، ولايتم مقام معرفة المعصوم على حقيقته الغيبية بفروعها المشار إليها في السلوك الأول، لكن يتم ذلك في مقام التحقيق بالانتهاء من السلوك الثاني، ثم تصحيح التحقيق بعد ذلك، وقد تمت الإشارة فيما قبل في العلاقة الغيبية مع المعصوم التي تحدث في مقام المحدثين في الحضرة الواحدية، والعلاقة الغيبية مع المعصوم عند إلقاء الروح، فلابد من التمييز بين المقامين وأن العلاقة عند إلقاء الروح أعلى بكثير، ذلك لأنك في علاقتك مع المعصوم أنك خادمه، أما علاقتك مع الروح فهي التي تخدمك، وقد تقدمت في مواضيع أخرى كثيرة، الفوائد اللاحقة من إلقاء الروح مثل نقل صورة حب الحق تبارك وتعالى للعبد، وتعليمه إياه الحكمة، وأيضا مهم جدا تعريفه بحياته المستقبلية بشكل تفصيلي، لأنه مهما إذا وجد في الروايات من تفاصيل حول حياته البرزخية، إلا أن تلك الإلقاءات والتنزلات تعطيه التفاصيل الخاصة به وبحياته البرزخية، التي لها انعكاسات من الأزل، أي حياته في عوالم ماقبل هذا العالم، فيكون قد عرف نفسه، أي عرف حقيقته، من الأزل إلى الأبد، “من عرف نفسه، فقد عرفه”، التي لازال علماء قد شابت لحاهم ويسخرون من ذلك أشد السخرية، وأنه لاطريق لمعرفة الله سوى معرفة المعصومين عليهم السلام، أما الآن فقد عرفت كيفية السلوك في النفس وفي عوالم الغيب بصحبة المعصومين عليهم السلام، وأنه لايمكنك معرفة المعصومين إلا إذا عرفت نفسك، أو أنك تعرفهم مع معرفة نفسك، فكلما ازدادت معرفتك بنفسك في الأزل والأبد، عرفت معها حقيقة المعصومين عليهم السلام الغيبية في عوالم الملكوت، والجبروت، واللاهوت، كما تقدم في البحث.

    والآن ننتقل لما وعدنا به الأخوة من شرح لكتاب “العرفان ومقامات أهل الولاية”، وقد تكون بداية الشرح ليست من بدايته، بما يناسب الموضوع الحالي وهو خرق الحجب، فنبدأ بقسم الجواهر،،،

    29. باب العقل
    العقل اسم لجوهر، هو نقطة دائرة الوجود.
    عقل الحياة، لعارف ولي، أصبح حياً بحياة الحق، فعقله في النور.
    العقل الكلي، للجواهر القدسية، التي هي لطائف صنع الحق تبارك وتعالى.
    العقل الأول، هو عقل العقول، الخلافة المحمدية، والولاية العلوية، السارية في العوالم الغيبية.

    الجواهر جمع جوهرة، وإحدى كل منها هو لطيفة من لطائف النفس الإنسانية الناطقة، وهو نقطة دائرة الوجود، لأن أول ماخلق الحق تبارك وتعالى هو العقل كما في الروايات، وذلك لايتعارض مع كون نور النبي (ص) هو أول ماخلق الحق تبارك وتعالى، لأنه لابد أن هذا النور كان يعبد الله في الأزل، ولاسبيل لتلك العبادة أن تقع إلا بالعقل، فلايتقدم أحدهما (النور والعقل) على الآخر، فاتضح أن الروايتين ليستا متعارضتين.

    عقل الحياة، هو عقل العارف الواصل الولي، لأن مادون ذلك المقام هو ميت وليس بحي، “الناس نيام، إذا ماتوا انتبهوا”، أو لأن تلك الحياة هي الحياة التي أرادها الحق تبارك وتعالى لعباده، فعلمت من ذلك أن الحياة مقام يناسب مقام الإفاقة بعد الصعق إثر الجلال حال اللحظ، المشار إليه في المناجاة الشريفة، فهو في مقام التمكن، أي في غاية الاستقرار، وبما أنه لم يفق من صعقته إلا بعناية إلهية خاصة، فحياته (إفاقته من صعقته) هي حياة بالحق، وصعقته كانت بتجلي الحق تبارك وتعالى عليه بآية من آياته، فتبين أن عقله في النور، فعقله عنده نور يجذب به العقول الأخرى، من هناك يتضح لك استيلاء طائفة من العرفاء على العلوم الاستدلالية لأن قدراتهم العقلية تشتد بمنح الله تعالى عليهم، فالمسألة التي يحتاج برهانها إلى عشرة مراحل، يرون كل تلك المراحل على أنها مرحلة واحدة، ولعل كتابي بداية الحكمة، ونهاية الحكمة، خير مثال على ذلك، وتأمل في تعثر السيد العلامة الطباطبائي (رض) في الفهم عند صغره، حين قال له أستاذه:”لاتعطل نفسك، ولاتعطلنا”، فذهب إلى جبل، وحدثت معه حادثة، فكتب في نفس الليلة حاشية على حاشية أبي داوود على السيوطي، نفس الكتاب الذي كان متعثرا فيه، راجع الشمس الساطعة، ولتراجع أيضا شروط مطالعة تلك الكتب التي بيناها فيما أعلاه.

    العقل الكلي، للجواهر القدسية، التي هي لطائف صنع الحق تبارك وتعالى.

    العقل الكلي: اسم للعقل في عالم الغيب، وليس في عالم الشهادة، فهو ليس بالعقل البشري، بل العقول الكلية، هي عقول سكان الملكوت من ملائكة، وأهل الجبروت من روح، وأعيان اللاهوت، فالعقل الكلي إشارة جامعة إلى كل تلك العقول، ومن المسائل التي لابد للسالك أن يحلها مع مرشده معرفة ترتيب العقل الغيبي الذي يخاطبه في سلسلة العقول الكلية، فأولا إلى أي عالم من العوالم ينتمي ذلك العقل (الملكوت، الجبروت، اللاهوت)، ثم سلسلة ترتيب ذلك العقل مع العقول الأخرى إذا كانوا من نفس العالم، وهذا بحث مهم إذا تمت مخاطبته (“مقام المحدثين”) عن طريق عقلين مختلفين (ملكين مختلفين إذا كان من عالم الملكوت، أو روح وروح أخرى ذات جامعية أعلى منها إذا كان في عالم الجبروت، أو اثنين من أعيان اللاهوت أحدهما متقدم على الآخر)، فأولا نسبة العقل إلى أي عالم من العوالم، ثم بعد ذلك ترتيبه في ذلك العالم بالنسبة لغيره، راجع وطابق في كتاب:”كيف يعطيك الإمام الحسين (ع) مفتاح عالم الأمر”، حيث كان التأكيد على أن الروح الملقاة على قبر أبي عبد الله عليه السلام، ترتيبها في العقول الكلية متقدم على غيرها، راجع تلك النسبة بين العقول الكلية، مع نسبة القلم إلى اللوح الذي هو بحث آخر مرتبط بذلك البحث.

    العقل الأول، هو عقل العقول، الخلافة المحمدية، والولاية العلوية، السارية في العوالم الغيبية.

    قد تم فيما أعلاه أنه أول ماخلق الحق تبارك وتعالى هو العقل، وهو نور النبي (ص)، لذلك صح التعبير بأن العقل الأول هو نور النبي (ص)، ورتبة كل مخلوق في الكون، هي نسبة عقله إلى تلك النسبة، فالأقرب لها الأمير (ع)، وإذا راعيت مقام الجامعية بين العوالم الغيبية المشار إليه أعلاه، بأن المتكثرات في عالم الملكوت متحدات في عالم الجبروت (تمت الإشارة إلى ذلك أعلى

    #499
    Tasneem
    Keymaster
    • المشاركات: 2,176

    لجزء الرابع ..

    تكملة حوار مع السالكين
    للسيد حسيني من الاصلاب

    العقل الأول، هو عقل العقول، الخلافة المحمدية، والولاية العلوية، السارية في العوالم الغيبية.

    قد تم فيما أعلاه أنه أول ماخلق الحق تبارك وتعالى هو العقل، وهو نور النبي (ص)، لذلك صح التعبير بأن العقل الأول هو نور النبي (ص)، ورتبة كل مخلوق في الكون، هي نسبة عقله إلى تلك النسبة، فالأقرب لها الأمير (ع)، وإذا راعيت مقام الجامعية بين العوالم الغيبية المشار إليه أعلاه، بأن المتكثرات في عالم الملكوت متحدات في عالم الجبروت (تمت الإشارة إلى ذلك أعلاه في علاقة اللفظ بالمعنى بالمفهوم الغيبي)، والمتكثرات في عالم الجبروت متحدات في عالم اللاهوت، واربط أيضا هذا البحث مع ورود لفظ الملائكة في القرآن الكريم بصيغة الجمع، بينما الروح بصيغة المفرد (أي مقام الجامعية المشار إليه أعلاه)، فتبين لك صحة التعبير عن نور النبي (ص) بـ “عقل العقول”، لأنه يحويها كلها بلحاظ مقام الجامعية المذكور، والنسبة أيضا بين أي عقل (بشري كان أم غيبي) بنسبته من عقل العقول، حيث كان الرسول (ص) أول من قال:”بلى” – آية عالم الذر:”وإذ أخذ ربك من بني آدم ذريتهم، وأشهدهم على أنفسهم، ألست بربكم، قالوا بلى”، فنسبة عقلك من عقل العقول، هي نسبة قولك:”بلى”، من قول رسول الله (ص) إياها، وذلك هو حد رتبتك التي لايمكن أن تتخاطاها إلا أن يشاء الله، راجع باب الأسماء:”العرفان ومقامات أهل الولاية”، قد نوفق إلى شرحه وربطه بذلك فيما بعد.

    16. باب الأسماء
    باب يشار به إلى أسماء الحق، وأسماء العبد في الأزل.
    اسم أزلي، لعبد عارف بالحق، كوشف بحقيقته وكنهه، على صفحة الأبد.
    اسم لعبد ثابت، وصل فثبت، ظفر باسمه الأزلي، فاستسرّ، فذهل حين كاشفه الحق باسم لاحق.
    اسم لأسماء لعبد واقف، جمع صور العالمين، فظفر بحقيقته التي انطوى فيها العالم الأكبر.

    . باب النفس
    النفس اسم لجوهر النفس الناطقة، الذي لم يتجلَ الحق عليه بجبروته، فلم ينكسر‍‍‍‍‍‍‍‌‌‌!
    نفس عارف اندكت إنيتها، فلبست جلباب الحياة، وغشاها نور الوجود.
    نفس ثابت، ادخرها الحق لأنها نفس كليه، فيستضيء بها أهل الملكوت.
    نفس واقف، جازت النسبة، بينها وبين العقل، فأصبحت نفساً في عقل، وعقلا في نفس.

    الشرح: النفس اسم لجوهر النفس الناطقة، الذي لم يتجلَ الحق عليه بجبروته، فلم ينكسر‍‍‍‍‍‍‍‌‌‌!

    تقدم الكلام في هذا التعريف، واتضح لك أن النفس لاتنكسر إلا بالصعق إثر الجلال حال اللحظ، ثم الإفاقة مع الحذر من خدع النفس الكثيرة، فتبين لك أن هذا التعريف مستقى من العرفان العملي الكشفي الشهودي الوجداني، فهو ليس تعريفا فلسفيا للنفس على الإطلاق، وليس تعريفا نظريا بأي حال من الأحوال، بل هو تعريف يريد أن يؤكد على أن النفس هي أعدى عدوك، لماذا لأن جبروت الله لم يتجل عليها، فلم تنكسر، فمن الممكن أن تسير من الكبر والخيلاء إلى منتهى الفساد في الأرض، واتضح لك كيفية انكسارها.

    نفس عارف اندكت إنيتها، فلبست جلباب الحياة، وغشاها نور الوجود.
    الأنا من الأنانية، وهو تعبير عن النفس، “قال أنا خير منه”، إبليس اللعين، وتهذيب النفس وترويضها، هو أول خطوة في هذا السير، ومعرفة مكائد النفس وحيلها وخداعها، لكن الإنية تختلف عن الأنانية، وهي قابعة بالقلب لاتفارقه، ولاتطهير للقلب منها إلا بالتجلي والصعق، ثم الإفاقة مع الحذر، كما في المناجاة الشريفة، فعند ذلك من الممكن القول بأن الإنية قد اندكت بتأثير صعق الحق تبارك وتعالى لها، فلاتتخيل أن النفس هي الأنا والأنانية فقط، بل أكثر من ذلك بكثير، فالأنانية يذكرها ويتكلم عنها العارفون وغيرهم، أما الإنية فهي من خصائص هذه الطائفة.

    “فلبست جلباب الحياة”
    تقدم في باب العقل، “عقل الحياة”، والحياة مقام من مقامات السلوك (راجع المنازل مثلا)، وقيل أنه مقام يناسب الإفاقة من الصعق، أو الصحو، أو البقاء، لكن هنا لبست النفس جلباب الحياة، لأنها استجابت لنداء الحق تبارك وتعالى:”يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم”، أي إنكم ميتون، لكن تلك النفس بالرياضة والمجاهدة والمشاهدة ثم التجلي والصعق والإفاقة، لبست جلباب الحياة، فهي نفس لعقل حي، وهذه الطائفة يشار إليها بأرباب الصحو بعد المحو، مثلا راجع كيفية ركوعهم وسجودهم في سر الصلاة للسيد الإمام (رض).

    “وغشاها نور الوجود”
    الوجود هنا اسم لمعنيين، الوجود بمعنى حقيقة عوالم الغيب والشهادة، وعبر عنه بالنور، لأنه كله في آية النور، وعوالمها السبعة (المشكاة، المصباح، الزجاجة، الكوكب، الشجرة، النار، النور)، فنفس هذا العارف، التي لبست جلباب الحياة، وغشاها نور الوجود، قد غشاها نور المشكاة والمصباح والزجاجة، وكل هذه العوالم السبعة، فكما قيل لك من قبل أن السلوك في النفس وفي عوالم الغيب، مع المعصومين (ع) لكن برئاستهم.
    والمعنى الآخر للوجود، الذي هو الظفر بحقيقة الشيء، وهذا الوجود له نور وهو العلم اللدني الذي يحصله عند الإفاقة من الصعق.

    #500
    Tasneem
    Keymaster
    • المشاركات: 2,176

    لجزء الخامس …

    تكملة الحوار

    كلامك على النساء شبه مستحيل

    دار هذا الحوار من قبل زهرة الياسمين
    كانت تطرح استفساراتها
    والاخ حسيني من الاصلاب يجيبها

    زهرة الياسمين
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    كلامكم أن المرأة لا بد أن يكون استاذها من المحارم أو زوجها جعل موضوع السلوك للمرأة بمساعدة الاستاذ شبه مستحيل فنادر جدا ان يكون للزوجان نفس الذوق العرفاني
    وإن وجد فلا نستطيع أن نرتب أن تنتظر المرأة حتى يصل هذا الزوج إلى درجة أن يكون مرشدا لها ، فكلامك هنا يدعوا النساء إلى اليأس
    النقطة الثانية أنه إذا كان هذا العارف العاشق لله لا يستطيع أن يوصل امرأة سائرة في طريق الله إلى بر الأمان مهما كان يقتضيه هذا السير من قرب وتدخل في الروح فاسمح لي على هذا المعلم أن يبدأ من جديد
    أما كلامكم عن تأيد الامام الحسين (ع ) للسالك وأخذ الأمر منه فهو جميل وان لم تبدوا لي الطريقة واضحة كثيرا
    وليست سهلة كما تعتقدون ، قد تبدوا لكم سهله لأنكم استنتجتموها بناء على مجموع الافكار والحقائق الواضحة في ذهنكم ، وهي ليست من نوع البديهيات التي يلتفت لها العقل بسهولة ، وقد يصعب على بعض الاخرين فهمها أو تذوقها
    فهلا اوضحت اكثر ، ويا حبذا لو تستخدم الاسلوب البسيط المعاصر حتى نتحقق من صحة الفهم وحتى يستطيع كل إنسان كائنا ما يكون تعليمه ان يفهم
    خاصة انها طريقة خاصة بكم فلستم ملزمون باستخدام اسلوب السابيقين
    إذا ممكن وضع خطة أوليه مبسطه لضرب مثال على طريقة استخدام هذا الاسلوب..
    تأيد الله أاو تأييد الحسين (ع) يتجلى للإنسان في كل الأمور لو التفت الإنسان إلى هذا في حياته ورأى عين الله عليه تحفظه وترعاه في كل أوان وشعر بهذه الرعاية وتملكته مشاعر الشكر لهذا المنعم العظيم
    أنا أرى رعاية الله لي عندما طرحت هذا السؤال وأرسل الله لي مجموعة من الأخوان المحبين السائرين مثلك وغيرك وأنا متأكدة أاني سأجد ما أريد لأني تعودت من الله أن لا يضع في طريقي شيء لا تكون لي مصلحة فيه شكرا لك واكمل علني اجد عندك ماريد

    جواب حسيني من الاصلاب

    شكرا لكم على ردكم علي، أتوكل على الحق تبارك وتعالى، واصلي وأسلم على نبيه وآله كثيراً، فأقول:

    1. لم تلتفتي حضرتك أن المرشد من الممكن أن يكون امرأة، وهن موجودات في كل زمان ومكان.

    2. لم تلتفتي حضرتك أن هناك شرطاً أساسياً في علاقة المريد بالشيخ، وهو فناء المريد في الشيخ، أي محبة مفرطة شديدة لابد أن تكون بينهما، فنجد أن صورة الشيخ لاتكاد تفارق المريد في حله وترحاله.

    3. من الممكن مراجعة أحوال القوم في ذلك، علاقة السيح محمد الحسين الطهراني بأستاذه السيد هاشم الحداد، والعلامة الطبطائي مع الميرزا القاضي، رضوان الله تعالى عليهم أجمعين

    4. الحصول على المرشد، قد لايكون ليس باليسير، كما قال القاضي (رض)، قد يمضي فيه السالك نصف عمره.

    5. السؤال الآن ماهو الشرط الضروري والكافي للحصول على المرشد.

    هذا الشرط، عند هذه الطائفة هو الوصول إلى مقام المضطر، وأعتقد أنك لن تجدي شيئا مكتوباً في هذا المقام.

    قال تعالى:”أمن يجيب المضطر إذا دعاه، ويكشف السوء…”
    فلابد للمريد أن يضطر للشيخ، اضطرار الأم لوليدها إذا فقدته، عندئذ يحصل عليه، قال تعالى:”والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا”….

    وفققك الله للحصول على ذلك، ويجب أيضا بيان:

    6. كيف تحدث الصحبة والمصاحبة بين الرجل والمرأة الغريبين لهذه الدرجة، كيف يصحبها في حالة السكر، حتى تصبح من أرباب الصحو، المشار إليه بالصحو بعد المحو، الحركة التي قام بها الأخوند حسين قلي همداني لأحد تلامذته… (رض).

    7. في العرفان هناك دروس للعامة، حتى دخولها بحدود وقيود، ثم دروس للخاصة، ثم دروس لخاصة الخاصة، حيث تحدث البركات التي تربط الشيخ بالمريد وتجعل علاقتهما بأخص الخصوص.

    8. أصحاب القلوب من مشايخ العرفاء ممن وصلوا إلى مقام التجرد يعرفون تلاميذهم قبل مجيئهم، وقد يكون قبل ولادتهم في هذه الدار، بل ويعرفون مقامات السلوك التي يصلون إليها، وإحدى الحكايات، حينما وصل السيد الحداد إلى السيد القاضي، وقبل يده، قال له القاضي:”وصلت!!!!”،،، عقبالك، رضي الله عنهم.

    9. كلام حضرتك أن طريقتي في الحصول على مفتاح عالم الأمر من الإمام الحسين، عليه السلام، غير واضح، حاولت الإيضاح على قدر ما أستطيع، لكن هذا هو مشرب القوم.

    حسيني من الأصلاب

Viewing 4 replies - 1 through 4 (of 4 total)
  • You must be logged in to reply to this topic.