- This topic has 4 replies, 1 voice, and was last updated 5 months, 2 weeks ago by .
-
Topic
-
حوار مع السالكين .. سؤال وجواب .. للسيد ( حسيني من الأصلاب )
انقلها لكم من موقع هجر ..
الان اقدّم الجزء الاول وان شاء الله في المنشورات القادمة اضع الجزء الثاني والثالث .. من حوارات مع السالكين………………….
حوار مع السالكين السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته إخواني وأخواتي،،،
بناءً على رغبة الأخ طالب المريدين، أورد هذا الحوار الذي كان هو فيه،،،
حوارات مع السالكين
السالك 1: لقد مرت سنوات ولم تعطنا أي شيء، فقط تقول لنا عليكم بالرسالة العملية ومفاتيح الجنان، وجميع الناس في ذلك سواء، كلهم ملتزمون بالرسالة العملية ومفاتيح الجنان، فماهو الفرق بين العابد والسالك.
حسيني من الأصلاب: لقد بينا من قبل أن السالك يعمل بالرسالة العملية ومفاتيح الجنان لكن بنية تختلف عن نية العابد، فهو يروم خرق الحجب، أما العابد فهو مستغرق في الحجب تحيط به من كل جانب وقد لايلتفت إلى وجودها ولايروم خرقها، لأن خرقها يجب عليه أولا أن يعرف ماهيتها، بالطبع إلا أن يتغمده الله بفضله.
السالك 1: وكيف يتم خرق الحجب؟
حسيني من الأصلاب: خرق الحجب له قوانينه، وهو يعتمد على نوعية الحجاب، فخرق الحجب الظلمانية يختلف عن خرق الحجب النورانية، فالحجب الظلمانية التي هي الذنوب فيتم بالتوبة والإنابة والمحاسبة والكفارات على التفصيل المعروف في كتب الفقه، سواء في ظلمه لنفسه أو ظلمه للناس، فيجب التكفير كل هذه الذنوب.
السالك 2: وحجاب الشيطان؟
حسيني من الأصلاب: بنفي الخواطر وقد يكون بسيف الذكر، ودوام التوجه إلى الله، وهناك طريقة له مذكورة في كتاب:”لب اللباب، في سير وسلوك أولي الألباب”، للسيد الطهراني (قد)، وموقعه معروف، موقع معارف إسلام، وأول منزل في ذلك هي تمييز الخواطر التي تأتي من الشيطان، والتي تأتي من النفس، والتي تأتي من الملائكة، والتي تأتي من الرحمن.
السالك 1: وكيف يمكن تمييز الخواطر؟
حسيني من الأصلاب: الطريقة سهلة وليست فيها أي صعوبة، لكن للأسف القليل من يلتفت إليها، خصوصا من ليس من أهل الطريق، فالشيطان يحرضك على المعصية، هذه علامته، فأي خاطرة تحرض على المعصية، قد تكون من الشيطان، وقد تكون أيضا من النفس، لكن الخواطر التي تأتي من النفس وليست من الشيطان، هي حظوظ النفس، أي ماتجد فيه راحتها من اللذائد، من المآكل والمشارب والمناكح والمراكب وغيرها، وقد تكون من المباحات، لكن أهل الغفلة تكون لديهم حالة من فناء النفس في الشيطان، فيغرقون في المعصية، وقد تسبق النفس الشيطان، كما هو واضح في حالة فرعون والطغاة، فادعى الربوبية وهو ما لم يدعه إبليس رئيس الشياطين، والخواطر التي تأتي من الملك هي التي تأمرك وتحضك على الطاعة، وقد لايعرف المرء أن هذا التحربض آت من الملائكة الملازمة له، فهو في صراع دائم، والموفق من ينتصر على كل من النفس والشيطان، والانتصار على الشيطان يتم دائما قبل الانتصار على النفس، حتى إن بعضهم يلتقي إبليس، لأنهم بعد أن يفشل جميع الشياطين في إغواء العبد، يرسلون إشارة إلى إبليس كي يحاول أن يغويه، والحكايات في ذلك كثيرة، وقد كان هذا الحقير فتح موضوعا بعنوان:”ومنهم من جمع الحكايات ولم يلخصها تلخيصا، ولم يخصص النكتة فيها تخصيصا”، لكن لم يكتمل لأسباب معروفة، فابحثوا عن مثل هذه الحكايات بين السطور في مواضعها وعلى ألسنة هذه الطائفة، أما الخاطر الذي يأتي من الرحمن فهو لايخطيء أبدا، ولايخرق سترا، ولايجاوز حداً، كما هو معلوم.السالك 3: إذن حجاب الذنوب يخرق بالتوبة والالتزام، وحجاب الشيطان يخرق بتمييز الخواطر والحرب الدائمة معه، فكيف حجاب النفس؟
حسيني من الأصلاب: بتهذيبها وعدم الاستجابة لمطالبها، واتهامها بصفة دائمة، فأنا أتهم نفسي الآن وأنا أتحدث معكم، فلابد من ذلك خوفا من المكر والوقوع في خدع النفس، فخدع النفس كثيرة، فيجب مخاصمتها وأن تعرف فعلا أنها أعدى أعدائك، حتى يتمكن لك من مجاوزتها، وقهرها، وقد عرف هذا الحقير النفس في كتاب:”العرفان ومقامات أهل الولاية”، أن النفس هي جوهر أو لطيفة لم يتجل عليها الحق تعالى بجبروته فلم تنكسر، فالله سبحانه وتعالى عندما تجلى على العقل كانت التجليات كلها خيرة، فبه يهتدي العبد وبه وجب التكليف كما تعلمون، أما النفس لم يتجل عليها الحق تبارك وتعالى بجبروته فلم تنكسر فتجدها تذهب بالعبد إلى الكبر والخيلاء والتعالي، إلى آخره، والعلو في الأرض والفساد فيها كما هو الفراعنة والطغاة، ولعل من اللطائف التي يقف عليها الأولياء حين ينكشف لهم عالم الملكوت والجبروت وأهلهما، يجدهم في غاية التواضع مجبولين على ذلك، مجبرون عليه، لأن الحق تبارك وتعالى تجلى عليهم بجبروته الجبار عز وجل، ولعله لم يتجل على النفس الإنسانية لأن بها مظاهر من أسمائه كلها، فهي الهيكل الذي بناه بحكمته كما يقول الإمام الصادق عليه السلام، وفيها مجموع صور العالمين، فحقا الإنسان مع الملك ملك، فهو في عالم الشهادة منه ومن أهله، ومع الملكوت ملكوت، فمن الممكن له أن يرتقي إلى رتبة أهل الملكوت ويجالسهم ويكون منهم، ومع أهل الجبروت، من الممكن أن يكون منهم كذلك، وقد قالها أمير المؤمنين عليه السلام:”فسماهم أهل الملكوت زوارا، ودعاهم أهل الجبروت عمارا”.
السالك 3: لماذا تصرون على استعمال كلمتي ملكوت وجبروت، وهذا من نهج العرفاء فقط، وليس في كلام غيرهم عادة؟
حسيني من الأصلاب: قد سبق ووضح هذا الحقير في موضوع “مصطلحات العرفان العملي والفلسفة”، أن مصطلحات العرفان العملي تكاد تكون معدومة، وكلها معان من واقع القرآن الكريم التي يعرفها الجميع، كالتوبة والإنابة، والمحاسبة، والتوكل والاستقامة والثقة، والزهد والورع والاحسان إلخ، وإذا زادت بعض المصطلحات فتكون موضوعة لبعض الأحوال الشريفة التي يمرون بها، كوسيلة تفاهم فيما بينهم كما هو في كل العلوم، وكوسيلة لتعريف المريدين بمعالم الطريق بشكل نظري، قبل أن يلجوا فيه بشكل عملي، وموضوع الملكوت والجبروت لو فهمه الإنسان بوضوح سيعرف أنه طبيعي بل وضروري لوصف معالم الطريق، فالملكوت ذكر في القرآن كثيرا، والجبروت في كلام المعصومين عليهم السلام، وباختصار شديد فإن سكان الملكوت هم الملائكة، وسكان الجبروت هم الروح، قال تعالى:”ينزل الملائكة بالروح من أمره”، فالملائكة تستمد من الروح التي فوقها وأعلى منها، وقد يعبر أيضا عن الملكوت بأنه جميع عوالم الغيب تجاوزا فيكون الملكوت مقابل الشهادة، وقد عبرت الروايات بأن الروح من الملكوت، والقرآن الكريم عبر عن الروح بأنها من أمر الله، وله الخلق والأمر، وتنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر”، وقد يقول البعض بأن الأمر إما تكويني أو تشريعي ولاثالث لهما، لكن هذه الطائفة تقول أيضا بأن العالم الذي تعيش فيه الروح هو من أمر الله، فيمكن إطلاق عليه عالم الأمر، والحضرات الخمس التي تجدون الإشارة إليها في كتب هذه الطائفة (مثلا: سر الصلاة للسيد الإمام الخميني – رض)، هي الناسوت، والملكوت، والجبروت، واللاهوت، والكون الجامع الذي يجمعهم، والناسوت هو عالمنا الذي هو أيضا عالم الملك، أو عالم الشهادة، أو عالم الطبيعة، وقد تبين لكم الملكوت والجبروت، أما اللاهوت فهو عوالم الأسماء الحسنى، والكون الجامع السماء التي تجمعهم.السالك 1: وما علاقة ذلك بكتاب:”كيف يعطيك الإمام الحسين عليه السلام مفتاح عالم الأمر”،
حسيني من الأصلاب: فعلا أوضحت فيه باختصار كيف أن تأييد الروح الوارد في الآية الكريمة:”وأيدهم بروح منه”، يبدأ بتأييد أصغر ثم تأييد أكبر، ثم تأييد أعظم، حتى يصل إلى التنزل، كما في الآية الكريمة:”ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده”، بل أعلى من التنزل الذي هو الإلقاء، حيث يقول الحق تبارك وتعالى:”رفيع الدرجات، ذو العرش، يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده”، وأعتقد أن الجديد في ذلك الكتاب أيضا كان لفت نظر السالك للحصول على الإلقاء من الأرواح المحلقة بفناء أبي عبد الله عليه السلام، فالكتاب يربط بين الإمام الحسين (ع)، وعالم الأمر عن طريق الفوز بالإلقاء، ولا شيء مطلوب سوى إقامة الشعائر الحسينية على ماهي عليه، وبنية خرق الحجب، لكن ينبغي الالتفات أن منزلة الإلقاء من منازل العرفاء الواصلين فقط، وليس السالكين، كما قال السيد العلامة الطباطبائي (رض) للسيد الطهراني (قد):”وقد تصبح تلك الروح مجاورة للنفس الناطقة بعد الرياضات والمجاهدات”، وواضح هنا أن “قد” حرف تقليل، فمن الممكن حتى بعد الوصول وقطع جميع منازل النفس ألا يكون قد وصل إلى تلك الرتبة من الإلقاء بهذه الكيفية.السالك 2: وتوالت الاتهامات بأن إلقاء الروح فقط على أهل البيت عليهم السلام، وأن تلك الأرواح هي أرواح الشهداء.
حسيني من الأصلاب: الآيات الكريمة في الإلقاء والتنزيل تشير إلى مطلق العباد، فمن تحقق بمقام العبودية الحقة من الممكن أن يشمله اللطف بهذا الإلقاء الذي يتطلب الرياضات والمجاهدات، وقد اعتمد السيد العلامة الطباطبائي رضوان الله تعالى عليه القول الأول في تفسيره الميزان، لكن في مناقشاته مع السيد الطهراني، كشف له عن المعنى الذي يقصده الحقير، لأن هذا المعنى لأهل الخصوص.السالك 1: وبالنسبة أن الأرواح هي أرواح الشهداء،
حسيني من الأصلاب: أرواح الشهداء في الملكوت فانية في روح سيدها الإمام الحسين عليه السلام، وهي أيضا فانية في أرواح عالم الجبروت، كما قال أمير المؤمنين عليه السلام لكميل (رض):”صحبوا الدنيا بأبدان أرواحها معلقة بالمحل الأعلى”، وأيضا في كلام آخر له عليه السلامِِ:”فرقت أرواحها أطراف أجنحة الأرواح”، وكل هذه تعبيرات مختلفة التنزل، الإلقاء، تعلق الأرواح بالمحل الأعلى، وفرقت أرواحها أطراف أجنحة الأرواح، ولعل التعبيرات المختلفة، تشير إلى المذاقات المختلفة للعارف الواحد، أو للعرفاء المتعددين، فاتركوا قطاع الطريق، فإن التأييد (وأيدهم بروح منه) يأتي إلى عامة المؤمنين، فما عليك إلا بالالتزام والمجاهدة للفوز بمثل هذه المقامات، كما قال الإمام الخميني:”المجاهدة حتى نزول الروح الأمرية”، في إحدى وصاياه، ثم تلعب تلك الروح بعد ذلك دور المرشد في السلوك،السالك 2: ماعلاقة مقام إلقاء الروح بمقام المحدثين؟
حسيني من الأصلاب: مقام المحدثين موجود في كتب جميع المسلمين، ومع ذلك فإن كثيرا من العلماء يعتقدون أن تحديث الملائكة للعبد مستحيل وقوعه، وأنه ضرب من الخيالات، لكن المتأمل لترتيب المقامات وينظر إلى ترتيبه سيجد أن قبله عشرات المقامات (التوبة، الزهد، الورع، التوكل، الاستقامة، إلخ،،،)، ويفترض أن العبد قد طواها وتحقق بها على حقيقتها، فليس من الممكن أن يتركه الحق تبارك وتعالى أسيرا للخيالات والأوهام، فقد قال تعالى:”والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا”، فهل من الممكن أن يتحقق العبد بمعنى ستين آية من آيات القرآن الكريم أو أكثر ويتركه الحق تبارك وتعالى للضلال والأوهام والخيالات، إن الذين يتوهمون ذلك وإن كانوا علماء، عليهم أولا أن يسألوا أنفسهم:”لماذا خلق الله العباد”، سيقولون:”ليعبدوه”، وتأكد أنك إذا اقتربت من الحق، يقترب منك أكثر، وهذا المعنى معروف ومفهوم ومتصور، فالحق تبارك وتعالى قريب من الجميع، لكننا نحن بعيدون عنه، ففي عالم المادة، إذا كان ألف قريبا من باء، فباء قريب من ألف (يطلق عليها أهل الرياضيات علاقة تماثلية)، لكن الوضع ليس كذلك مع الحق تبارك وتعالى:”ونحن أقرب إليه من حبل الوريد”، فتبين أن أهم حجاب يجب خرقه هو حجاب النفس،”حتى تخرق أبصار القلوب حجب النور، فتصل إلى معدن العظمة”، فإذا تم خرق حجاب النفس يتم الوصول إلى حجب النور، التي خرقها يحتاج إلى لطف إلهي، والصعق إثر الجلال حال اللحظ”، كما في المناجاة، وقد بين الحقير مناقشة مستفيضة للصعق وعلاقته بالدهش في موضوع:”الحياة العرفانية”، وقد كانت هناك مواضيع عديدة عن الدهش ومتاعب كثيرة واجهناها لكن كانت هناك فوائد أيضا، فثقوا تماما بكلمة الأكابر من هذه الطائفة:” ليس هناك إلا اليقين”، وقولهم:”كلما كان من الله، كان مقرونا باليقين”، والحق تبارك وتعالى لايترك عبده الصادق في قصده سدى، فهو يعرف أن العبد ابن عالم الطبيعة والمادة، فمع تلك الإلقاءات تحدث مع كرامات مادية واقعية تؤكد الكرامة المعنوية (الإلقاء) تثبيتا من سبحانه وتعالى:”يثبت الله الذين آمنوا…”السالك 1: وكيف يتم خرق حجاب النفس؟
حسيني من الأصلاب: بالطبع هذا سؤال مهم جدا، والعداء المستمر لطائفة العرفاء منع من ظهور إجابة مثل هذا السؤال وغيره بصورة واضحة في الكتب، لكن العرفاء المحققين – انظر شواهد التحقيق – قد تصدوا لموضوع خرق الحجب، ودرسوه تفصيلا، ونذروا أعمارهم معرفة قوانيه وقواعده، وليس ذلك انتقاصا من غيرها من المدارس التي تصدت لدراسة علوم أهل البيت عليهم السلام الأخرى، لكن هذا الأمر كان الشغل الشاغل لهؤلاء الفقهاء، فأصبح لتلك المدرسة في موضوع خرق الحجب مايمكن التعبير عنه بتراكم خبرات كبير، من الممكن للمريدين والمبتدئين من السالكين الاستفادة منه، ومعرفة معالم الطريق بشكل نظري، قبل الولوج فيه بشكل عملي كما قلت سابقا، لكن قطاع الطريق حالوا بين إشاعة علم خرق الحجب بين الناس، فظل مكتوما في صدور هذه الطائفة، فحرمونا من الحصول على أي كتاب للسيد القاضي (رض)، والميزان بكبره ليس فيه أي عرفان لنفس السبب، وأنتم تعلمون ذلك، بل منكم من يجول في كتب السيد العلامة الطباطبائي (رض) بحثا عن المطالب العرفانية النفيسة فلايجدها والسبب في كل ذلك قطاع الطرق.على أية حال من الممكن تصنيف مقامات السلوك إلى المقامات التي تخرق الحجب بالفعل، أي التي تحدث الفتوحات، والتنزلات، والإلقاءات الغيبية المشار إليها، وهناك مقامات أخرى تمهد لذلك، فالتوبة، والإنابة، والزهد، والتوكل، والتفويض، والاستقامة، كلها مقامات تمهيدية ضرورية، وبتعبيرهم مقامات السفر الأول، لكن أهم مقام في خرق الحجب هو سيف العفة، الذي يؤدي الالتزام به إلى القفزات المعنوية الكبيرة، والحكايات في ذلك كثيرة، راجعوا مثلا حكاية الشيخ رجب على الخياط، في كتاب:”كيمياء المحبة”، وحكاية العارف المتبتل (حيث نودي:”من أنت، يامن أدهش الملك والملكوت، لقد بسطت خمينيا”)، في موضوع:”شواهد التحقيق”، لهذا الحقير.
وسبب ذلك أن العفة تقف في الطريق المقابل لقوى النفس، فإذا حدثت معك حادثة كان فيها اختبار لعفتك ستجد انقلابا معنويا عظيما، على قدر أدائك في الاختبار، وإذا لم يحدث أي تطور معنوي فاعلم أن هناك مشكلة ما في قوة سلوكك، فهذا قانون طبيعي منطقي يعمل به تداخل عالم الشهادة مع عالم الملكوت، انتصرت على حجاب تلو الآخر، جاء حجاب النفس، انتصرت على نفسك، انكشف الحجاب تلقائيا، كما تلقي بشيء من أعلى فإنه يسقط إلى الأرض بفعل الجاذبية، كذلك في الفيزياء لكل فعل رد فعل، مساو له في المقدار، مضاد له في الاتجاه، فقد قلت لك أن القفزة المعنوية التي ستحدث لك ستكون بمقدار أدائك في الاختبار، فلو نفرت من قوى النفس والشيطان الشهوية نفورا شديدا، سيأتيك الفتح شديدا.
السالك 3: ماذا يحدث عند خرق الحجب، وماهو الفتح؟
حسيني من الأصلاب: قد مر التعبير بالتنزل، وبالإلقاء وبالتعليق بالمحل الأعلى، إلى آخر التعبيرات القرآنية والروايات الشريفة، لكن لتوضيح ذلك أكثر ينبغي الإشارة أن حواس الأنسان الخمس، ينشأ الحق تبارك وتعالى لكل حاسة قوى ترتفع بها من عالم الطبيعة إلى عالم ماوراء الطبيعة، أي من عالم الشهادة إلى عالم الغيب، لعل تكون البداية بلمع نور أزلي، أو سماع نداء أولي، كما في كلام بعض العرفاء، ففي كلام أمير المؤمنين عليه السلام:”قد لمع له لامع كثير البرق”، (راجع موضوع الحياة العرفانية)، لذلك جعلوا ظهور هذا البرق هو بداية السفر الثاني، كما أن اليقظة بداية السفر الأول، وقالوا بأن البرق إذن لدخول هذا الطريق، لأن السفر الأول يمارسه العابد والسالك، لكن السفر الثاني (بعد ظهور البرق) يختص به السالك دون العابد.فعادة أول ظهور البرق يلمع لك عند صلاة الليل، أو في أوقات المناجاة، أو عند الوضوء، يكون أوائل بداية الكشف، وكذلك يمكن حدوثه لبقية الحواس، بتفاوت بين السالكين وبعضهم، لكن الفتح والإلقاء شيء آخر لاتجوز الإشارة إليه.
السالك 2: كلما سألناك عن شيء قلت لايجوز، ولاتعطينا شيئا أبدا.
حسيني من الأصلاب: قد بدأتم في هذا الحديث التعرف على الطريق بشكل نظري، لأني شعرت بالحزن العميق حين وجدت إحدى الأخوات تسير في الطريق ثمانية وعشرين عاما وتبحث عن مرشد، وهي حتى الان لاتعرف معالم الطريق ولو بشكل نظري، فأنا أعلمكم الان معالم الطريق بشكل نظري إشفاقا على ما أجد فيه من أحوال المؤمنين والمؤمنات الصادقين والصادقات، ولكنه ليس تصديا للإرشاد إطلاقا، بصورة مباشرة، أو غير مباشرة، فالذي يفتش عما تقول هذه الطائفة الآن باعتبارت معينة قد تأتي الإشارة إليها في موضعها:”أستاذك علمك”.والسيف الذي أهم من سيف العفة، ويلتقي معه في الأهمية، هو سيف المحبة الذي له آثار عجيبة في السلوك بصفة عامة وفي خرق الحجب بصفة خاصة، والمقصود بالمحبة هنا محبة الله عز وجل، وكل مايربطك به، فيكون أولا رسوله وأهل بيته عليهم السلام، لكن بالطبع محبة صادقة صافية، وليست مجرد دعوى، وتنحق بالطاعة، والتعظيم والمتابعة، والموالاة، والتوكل على الله عز وجل، إلى آخره، كما هو معروف، لكن الخاص بهذه الطائفة محبة المريد للمرشد، لدرجة فناء المريد في المرشد، التي ينكرها البعض، لكنهم لايعرفون أنها من أساس الارتباط بأهل البيت عليهم السلام، فهي واضحة بين أهل البيت (ع) وأتباعهم، لكننا في عصر الغيبة الكبرى فكيف لها أن تتم، دعوني أبين لكم، السالك حينما يرتبط بالرابطة المعنوية بالمحبة مع المرشد (بالطبع إذا كان مرشدا حقيقيا)، فالمرشد مرتبط بمرشده مسلسلا حتى أهل البيت عليهم السلام، فتكون سلسلة كاملة كل واحد منهم متفان في الآخر تفانيا كاملا، فقوة السلسلة في أضعف نقطة فيها، وهذا قانون فيزيائي، ويسري هنا أيضا، فهذا التفاني في المحبة يعكس أمرا هاما، بأنهم جميعهم حقيقة واحدة في الأزل، تكثرت لظروف طارئة في عالم الطبع، ثم ستعود إلى حقيقتها في عالم البرزخ، فكل منهم يرى نفسه صورة من الآخر، بالرغم من البعد الزماني والمكاني
السالك 3: وهل كل عارف يكون قد التقى بالإمام الحجة (عج)؟
حسيني من الأصلاب: بالطبع من مراتب اليقين أن تلتقي بإمامك، فإذا لم يكن قد التقى به، فليعلم أنه لم يتم المنازل، فإذا كان يعتقد أنه أتمها وبالفعل لم يلتق به، فتلك مفارقة، فعليه مراجعتها وتحقيقها، ثم تصحيح التحقيق، وإن شاء الله تعالى يوفق لذلك الشرف العظيم، وبالطبع لايذكر ذلك ولايلتفت إليه، ولاينشغل به، تفرغا إلى عمارة الوقت، لكن ما لم أجد أي إشارة إليه في الكثير من الحكايات عن اللقاء بالإمام الحجة أرواحنا له الفداء، ولعلها أغلى مايحدث للعبد في كل سيره المعنوي؟السالك 2: ماهو؟
حسيني من الأصلاب: الأثر الباقي بعد رؤيته عجل الله تعالى فرجه الشريف، فتذكر صورته وبقائها في مخيلة العبد نعيم لاينعم به إلا من تشرف بهذا اللقاء، رزقنا الله وإياكم هذا الشرف العظيم، وهو عجل الله تعالى فرجه الشريف لن يأتي لأحد يعلم أنه سيذهب للناس يدعي مقاما معينا، ولا حتى يذكر لأقرب المقربين لديه بأن ذلك حدث، فأنتم تعلمون أن لكل مقام آثارا قد تزول وقد تبقى، لكن الآثار المتبقية للقائه –عج – التي قد تكون فقط استرجاع صورته الشريفة في مخيلته، فيها الشفاء من كل داء، وفيها النور الذي يضيء ظلمات السماوات والأرض، ويكفي ذلك للإشارة..السالك 1: وكيف يمكن أن يحصل لنا ذلك الشرف؟
حسيني من الأصلاب: الدرجة الأولى في ذلك استيفاء درجة عامة المؤمنين بالارتباط المعنوي من خلال دعاء الندبة ودعاء العهد والزيارة (التي لايؤمن بها البعض – حتى هذه الدرجة من الارتباط ينكرونها)، ثم الارتباط به عن طريق ركوب المحبة المذكورة، فيجب عليه أن تنطبق عليه شروط المحبين المعروفة من أن يكون ذلك هو همه الوحيد، (يسهر الليالي يفكر فيه، ويؤثر ذلك على حياته ومعاشه)، ثم أن يضطر إليه كما تضطر الأم إلى وليدها إذا فقدته، ثم صحة الاضطرار، فبعد أن يحدث له الاضطرار يذهب لتصحيحه.السالك 2: وكيف يكون تصحيح الاضطرار؟
حسيني من الأصلاب: بأن يستوي عنده أن يلقاه وألا يلقاه، في تأثيره في درجة إيمانه، فإذا اجتمع الاضطرار الذي لايخلو من علة، وصححها بتصحيح الاضطرار، يلقاه بإذن الله تعالى، فيعلو في مراتب اليقين، وتحدث البركات والمبايعات والفتوحات.السالك 1: هناك الاضطرار وتصحيح الاضطرار؟
حسيني من الأصلاب: هذا سائر في كل المقامات حتى نهاية الوصول، فهناك التوبة وتصحيح التوبة، الذي لايحدث إلا بالارتفاع عنها، التوكل وتصحيح التوكل، والتصحيح الفعلي لايتم إلا في السلوك الثاني أي السلوك بعد الوصول، كما قال هذا الحقير في:”العرفان ومقامات أهل الولاية”، والفرق بين العارف والثابت، والثابت أول منازله الذي قطع منازل السلوك مرتين، وراجع أيضا:”شواهد التحقيق”، لأن نهاية السلوك بعد الوصول هي الرجوع إلى البداية، لكن عمل السالك في كلتا الحالتين يختلف اختلافا كثيرا، وبين الحالتين بون شاسع، لأن عمله في الحالة الأولى عمله بنفسه، وفي الحالة الثانية عمله بالحق، فعمله عمل حقيقي، وشتان بين الوصول الثاني والوصول الأول، كما في شواهد التحقيق، والواقف يكون قد دار في المنازل وطواها اثنين وسبعين مرة حتى يصل إلى مقام “بشرط اللائية”، المشار إليه في كتاب:”العرفان ومقامات أهل الولاية”.السالك 3: ألا ترون أن هذا الكتاب صعب أن يفهم؟
حسيني من الأصلاب: بالطبع، أحيانا أكتب باللغة الرمزية مجبرا لا مخيرا، فلو تم التصريح عن كل المعاني التي فيه سنواجه بكل أنواع الاتهامات، فقد رأيتم التهم التي واجهنا بها البعض في مقام يسهل تصوره كمقام الدهش، من هذه التهم يقولون بأنك تقول بمعاينة الملائكة وهذا لايحدث لأهل البيت عليهم السلام، وقد رأى الجميع أن الجنود الصهاينة الكفار قد عاينوا الملائكة، فليراجعوا، وينظروا ويتأملوا.فقالوا بأن الأئمة عليهم السلام لايرون الملائكة اعتمادا على روايات لايفهمون سياقها ولايطابقونها مع القرآن الكريم، فالسيدة مريم عليها قال تعالى:”فتنمثل لها روحنا بشراً سوياً”، فكيف يحدث هذا للسيدة مريم ولايحدث للأئمة عليهم السلام، وبالطبع فالسيدة مريم عليها السلام محدثة:”,إذ قالت الملائكة …”لكن عظم المهمة المنوطة بها اقتضى التجسد، اقتضى تجسد الملك أو الروح، ويخبرها”.
فالعبد السالك يرى الملائكة كما يقول أمير المؤمنين عليه السلام:”قد لمع لامع كثير البرق”، فهذا البرق ليس ضوءا كهربائيا أو حراريا، بل هو من الملكوت، واعتبار التجسد من عدمه له قوانينه وقد حدث في الحرب الأخيرة بين حزب الله والكيان الصهيوني والحروب التي تسبقها، بل وفي الكثير من حروب المسلمين، وقد نطق به محكم التنزيل في واقعة بدر، وهناك تهم كثيرة لاداعي للإشارة إليها، لكن لا أنكر أنه قد كانت فوائد كثيرة للكتابة على الانترنت، فعندنا كنت بالامارات، التقبت بالفضلاء الذين تركوا حياتها المرفهة وتفرغوا لطلب العلم في قم مع الالتزام بالسير والسلوك المعنوي فضلا عن مشاركات الكثيرين المحبين للطريق، ويشهد الله أني لم أكتب إلا لحل مشكلة أو توضيح شبهة أو تحت إلحاح شديد، فكل تلك الكتابات أصحابها الحقيقيون هم المشاركون، وليس هذا الحقير الذي ليس عنده سوى بضاعة مزجاة.
السالك 1: هل حينما يلتقي الإمام الحجة (عج) يعتبر عارفا كاملا واصلا قد قطع جميع المنازل؟
حسيني من الأصلاب: ليس بالضرورة، فالإمام عليه السلام يلتقي عامة المؤمنين أيضا، للحكم بأنه قد طوى جميع المنازل، يجب فحص حالته وأحواله بالكامل، وبعد لقاء الإمام الحجة (عج)، يولد من جديد فيقرأ القرآن يجد له معاني جديدة، ويقرأ الأدعية والزيارات والروايات، فيجد لها معاني في نفسه لم تكن موجودة فيبدأ في ربط تلك المعاني الجديدة بعضها ببعض، ومقارنتها بالمعاني التي كانت لديه فيعلم أنه كان في وهم، كما قال أمير المؤمنين عليه السلام لكميل رضوان الله تعالى عليه:”محو الموهوم، مع صحو المعلوم”، حين سأله:”ما الحقيقة؟”، وقد بحثها هذا الحقير في سبعة عشر رابط موجودة على هذا الموقع، وماشعرت قط أني أشبعتها بحثا، بل شعور بالتقصير في حقها، كما هو الواقع في حق القرآن والروايات المعصومية.السالك 2: ومن الذي يقوم بذلك الفحص والتقييم؟
حسيني من الأصلاب: عارف آخر أعلى منه، لكن ليس في العرفان إجازة أو استجازة، أو شهادة أو تأهيل كما يظن البعض ويعتقد.السالك 1: قد يقول البعض بأن المعاني العرفانية ليست موجودة في كلام أهل البيت عليهم السلام.
حسيني من الأصلاب: المتأمل في فقرات المناجاة المذكورة، بل في جميع الأدعية المعصومية سيجد بوضوح أنها كلها تدور حول المعاني العرفانية من كشف، فتارة التعبير بالصعق في المناجاة، الذي هو نفسه التعبير:”واسلك بي مسلك أهل الجذب” – دعاء الإمام الحسين (ع) يوم عرفة، فالصعق والجذب اسمان لمعنى واحد بمذاق مختلف، وفي تعبير آخر بالقذف:”العلم نور يقذفه الحق في قلب من يشاء”، وتعبير القرآن بالتنزل:”إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة…”، والتعبير بالإلقاء المتقدم ذكره، والتعبير بتعلق الأرواح بالمحل الأعلى، وبفرقت أرواحها أطراف أجنحة الأرواح، والتعبير بسماهم أهل الملكوت زوارا، ودعاهم أهل الجبروت عمارا، والتعبير بكشف سبحات الجلال من غير إشارة، والتعبير بجذب الأحدية لصفة التوحيد، وإلى أوكار المكاشفة يأوون، فمن وصل فقط إلى مقام البرق، ويقرأ الأدعية والزيارات والمناجاة، سيجد أن العرفان الكشفي الشهودي الوجداني هو مدارها من البداية حتى النهاية، لكن المنكر لمقامات أولياء الله تعالى تراه يدفع هذه المعاني، فقد وجدتم من يقول بأن الجذب في دعاء عرفة دعاء الامام الحسين عليه السلام غير وارد بهذا المعنى، ورأيتم من ينكر الدعاء كله بسبب هذه الكلمة، ورأيتم من يقول بأن المناجاة الشعبانية هي من إنشاء الصوفية، وهاهم أربعة عشر قرنا والصوفية لايملكون عشر معشارها كما يتضح للمتتبع أنهم لايملكون سوى أشياء من خليط مبتذل، لكن للأسف هذا هو الوضع الذي نعيش فيه.السالك 3: فلنرجع إلى خرق الحجب، فعلمنا أن هناك سيفي العفة والمحبة، فهل هناك غيرهما؟
حسيني من الأصلاب: هناك أيضا سيف مهم في غاية الأهمية، وهو سيف الإيثار، فإيثارك أخاك فيه انتصار على قوى النفس، وقد يكون صعبا على النفس في بعض الأحيان، فالشكر في المحاب لايخرق الحجاب، لكن الشكر في المكاره قد يخرقه، لأنه ضد قوى النفس، والذين يذوقون خرق الحجب بسبب الابتلاءات، يحبون الابتلاءات، فعند المرة التالية، يكون الحب أكثر وأكثر إلى أن يستمتع بالابتلاءات، والفتوحات المصاحبة لها.كلما حل بي من الدهر فاقة،،، فتحت لها باب المسرة والبشر
وقلت لها أهلا وسهلا ومرحبا،،، فوقتك عندي أحظى من ليلة القدرالسالك 2: ماهي أهم مشكلة في إنكار خط العرفان؟
حسيني من الأصلاب: المشكلة الرئيسية أن الكثير لايعرف تعريف العرفان، وماهو موضوعه، والكثير يخلط بين العرفان النظري والعملي، فقد وجدتم أني أستخدم تعبير العرفان العملي الكشفي الشهودي الوجداني، لتوضيح الالتباس.السالك 1: إذن ماهو العرفان؟
حسيني من الأصلاب: بشكل عام إن كل بحث عن أسماء الله وصفاته وأفعاله بحث عرفاني، لكن هذا التعريف ليس كافيا لأن علم الكلام يبحث في ذلك أيضا، وأيضا الفلسفة.السالك 2: وماهي المشتركات والفوارق بينهم؟
حسيني من الأصلاب: هناك طلبة يرغبون بدراسة الحاسوب، ويجدون في كثير من الكليات شهادة بكالوريوس في علوم الحاسوب، وشهادة أخرى في هندسة الحاسوب، وشهادة في نظم المعلومات، وشهادة في الشبكات، وشهادة في الانترنت، فمن الذي يستطيع أن ينصح الطلبة بالتوجه إلى أي من هذه وتلك ومعرفة الفوارق والمشتركات والتداخلات بين كل هذه التخصصات، لابد من بروفسور جامع لهندسة الحاسوب وعلومه، لكن الموجود عادة من يعلم هذه دون تلك، فالذي يستطيع أن يجيب عن الفرق بين البحوث العرفانية والكلامية والفلسفية، لابد لديه من فكرة تفصيلية عنهم جميعا، ومن الممكن أن يكون لدى طلبة العلم تصور عام لجميع العلوم الإسلامية وتداخلاتها وتشابكها.فهناك مشكلة نابعة من أن يظن البعض أن العرفاء يأخذون عقائدهم بالاعتماد على الكشف، ويعتمدون الكشف في مقابل علم الكلام الذي هو علم أصول الدين وهذا اعتقاد خاطئ، ويظن البعض بأنهم يعتبرون الكشف في مقابل العقل والنقل وهذا خاطيء، كما يظن أيضا البعض بأن هناك من يأخد عقائده من الفلسفة وهذا غير صحيح أيضا، فالعقل يدلك على النقل، فالعقل يدلك على صحة نسبة القرآن الكريم لله عز وجل، وهو يدلك على صدق رسول الله والمعصومين عليهم السلام، والعرفاء يأخذون عقائدهم من علم الكلام وأصول الدين كسائر الفقهاء، فالبحث في صفات الله عز وجل وأسمائه وأفعاله بحث كلامي إذا اعتمد على العقل والنقل وهو بحث فلسفي إذا اعتمد على العقل فقط، فمتى إذن يكون بحثا عرفانيا، يكون بحثا عرفانيا إذا كان ذلك البحث ثمرة كشف، لكن الكشف حجة فقط على صاحبه، فإذا استطاع إقامة البرهان عليه بالعقل، فيكون قد أقام برهانا فلسفيا على ماثبت بالكشف، وإذا اعتمد على النقل يكون قد أقام برهانا كلاميا على ماثبت بالكشف، ولعل أول من استطاع أن يثبت ما ثبت بالعقل بواسطة الكشف، وأن يثبت بالكشف ماثبت بواسطة العقل هو صدر الحكماء المتألهين، وشيخ العرفاء الواصلين، الملا صدرا، صدر الدين الشيرازي، في الأسفار الأربعة، وقد أحكمها السيد العلامة الطباطبائي (رض) في بداية الحكمة ونهاية الحكمة، وبفضله – نفعنا الله ببركات أنفاسه الزكية – أصبحت في مناهج الحوزة، ولايزال في مشاريع هذا الحقير نقل هذه القدرة الفلسفية الجبارة إلى الغرب كما كان يتمنى الشهيد السعيد مرتضى مطهري (رض)، حيث يقول في أسس الفلسفة، أنه من بين الآلاف الذين ينذرون أعمارهم لفهم الأسفار الأربعة، قلة قليلة على عدد الأصابع تستطيع الوصول إلى ذلك، ويعزو هذا الحقير السبب في ذلك لأنه يحتاج إلى سير وسلوك كامل حتى الوصول لفهم مطالبه، وأيضا إلى قدرة (رياضية إن صح التعبير، والبعض يسميها فلسفية أو منطقية)، لمتابعة البراهين الفلسفية الطويلة، وهذا يحتاج إلى تدريب رياضي في استخدام المنطق والقدرة في الرياضيات المتقدمة تفيد جدا في ذلك لإقامة البراهين ومتابعتها، وعلة منكري الفلسفة أنهم لايستطيعون متابعة البراهين العقلية الفلسفية ويشعرون بخشونتها في مقابل الاستدلال الروائي، لكن حين تكون المائتا مسألة للشيخ الرئيس ابن سينا لم يتمكن فيها من إثبات المعاد بشكل عقلي صرف، وقد تمكن ملا صدرا (رض) من ذلك، فهذا فخر تفتخر به الحضارة الإسلامية عن غيرها، فكثير من الحضارات يثبت حياة بعد الموت لكن باستدلال نقلي فقط، وهذا مايحاول نقله هذا الحقير إلى مؤسسة كيرت جودل للمنطق والرياضيات والفلسفة بفيينا.
تبقى هنا مسألة في الفرق بين الحكمة المشائية والحكمة الإشراقية، وبين العرفان النظري والعملي، وباختصار الحكمة المشائية التي تعتمد البرهان العقلي، والحكمة الإشراقية التي تعتمد البرهان الكشفي، والحكمة المتعالية، حكمة ملا صدرا هي التي وفقت بين الاثنين، والعرفان النظري هو ثمرة العارف من سيره وسلوكه، مثلا العلم الذي يصحبه من تحققه بمقام التوكل، فمقام التوكل مقام عملي أثمر علما، فيكون ذلك العلم هو العرفان النظري المتولد من تحققه بمقام التوكل، وكذلك بقية المقامات، فمثلا العلم المتولد من إلقاء الروح، أو العلم المتولد من الصعق إثر الجلال حال اللحظ (راجع المناجاة)، أو العلم الذي يصحبه عند الإفاقة من الصعق، فكل ذلك علم عرفان نظري يصحب العارف من عرفانه العملي أي سيره وسلوكه المعنوي، وقد يأتي باحث يبحث هذا العلم في كشف غيره، فهو باحث في العرفان النظري، فالذي يبحث بشكل نظري دون سير وسلوك في نتائج كشف غيره يكون باحثا في العرفان النظري، وقد يبحث عارف عملي في كشف غيره للمقارنة، كما يحدث عند مطالعة العرفاء للفتوحات المكية وفصوص الحكم مثلا، فهم لايطالعونها كي يأخذوا عقائدهم منها، كما يتوهم البعض، وهناك فرق أيضا بين الحكمة (الفلسفة) الإشراقية وبين العرفان العملي فكلاهما يستخدم البرهان الكشفي لكن موضوع العرفان هو الله وأسماؤه وصفاته وأفعاله، وموضوع الفلسفة جميع الموجودات، فهناك أمور مشتركة وأمور مختلفة.
على أن الفائدة الحقيقية للعرفان العملي باتت خفية بسبب الاضطهاد المتواصل، وقد قالها السيد العلامة الطباطبائي (رض):”إن تلك الحرية التي أخذناها من الكفار…” بما معناه هي التي أشاعت نوعا من حرية الاعتقاد، فقد سألوني كثيرا ماهي فائدة هذه المكاشفة، ماهو هذا العلم، فأقول لهم هي نفس الفائدة من لقاء الامام الحجة (عج)، هي اليقين، فلعلمكم مايعرف بعلم اليقين، وعين اليقين، وحق اليقين، على ثلاث رتب واقعا هي رتب كثيرة جدا، وكل درجة من درجات اليقين يعلوها درجات أخرى إلى ما لانهاية، والذي يتوهم أنه قد فهم عالم الملكوتِ، وتداخله مع عالم الشهادةِ، سيصاب بصدمة العزةِ، وإضافة إلى اليقين، تحديث الملائكة والمكاشفة والفتوحات، لتعليم العبد الحكمة، قال تعالى:”يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا”، والأهم كل هذا الاتصال بالملكوت وجميع مايرد منه هي رسائل حب من الحق تعالى للعبد، فيتلذذ بالعبودية ويذوق طعمها ويعرفها على حقيقتها، فالقليل من عاين حب أهل البيت عليهم السلام إياه، والأقل من يشعر بأن الله بالفعل يحبه ويعطف عليه وإن كان توفيق الطاعة أول درجات ذلك الحب، فإقبال الحق تبارك وتعالى على العبد، يحل كل مشاكله، ويرفع جميع أسباب المعاناة، وبالعرفان العملي تأتي الإجابات التي تستعصي على العقل والنقل، وتأتي بالكشف، مثل لماذا أنا مبتلى بهذا البلاء، لماذا أنا أعاني بالفقر والفاقة، لماذا هذا البلاء، ويعلم
- You must be logged in to reply to this topic.