- This topic has 3 replies, 1 voice, and was last updated 5 months, 2 weeks ago by .
-
Topic
-
للهم إني أسألك برحمتك التي وسعت كل شيء
توجه الإمام (ع) في هذه الفقرة ومابعدها بسؤال الحق تبارك وتعالى بصفاته، وهو أقرب وألطف لعامة المؤمنين من سؤاله بكبرياء الأحدية، كما في دعاء السيفي الصغير (المعروف بدعاء القاموس) مثلا، “رب أدخلني في لجة بحر أحديتك، وطمطام يم أحديتك”، فالسؤال بصفات الله أوضح من السؤال بأسمائه، والسؤال بأسمائه أسهل للعباد من السؤال بأحديته، وهو الواحد الأحد،
وبداية الدعاء بالسؤال بصفة الرحمة واضح من افتتاح بسم الله الرحمن الرحيم سور القرآن الكريم ماخلا واحدة، وأكد بأن رحمته سبحانه وتعالى، قد وسعت كل شيء، كأنه يريد القول بأنه يتمنى ويطلب ويتوسل بأن تشمل:
1. نفسه إن كان من أهل النفس الأمارة بالسوء، أن تصير نفسه من أهل النفس اللوامة.
2. وإذا كان من أهل النفس اللوامة، أن تكون نفسه من أهل النفس المطمئنة.
3. وإذا كانت نفسه مطمئنة، أن يكون قلبه مطمئناً.
4. وإذا كان قلبه مطمئنا، أن تكون روحه مطمئنة.أي يدعو الحق تبارك وتعالى أن تشمله رحمته إن كان في درجة ما، بأن يكون في درجة أعلى منها وأرفع، وهذا لاينافي مقام الرضا الذي يقضي على العبد بأن يقف على حد الرتبة التي قسمها له الحق تبارك وتعالى.
فإن كان من المريدين، طلب أن يكون من السالكين، وإن كان من السالكين طلب أن يكون من المستشرفين، وإن كان من المستشرفين، طلب أن يكون من العارفين، وإن كان من العارفين، طلب أن يكون من الثابتين، وإن كان من الثابتين، طلب بأن يكون من الواقفين.
وإن كان الداعي هو الإمام المعصوم عليه السلام، كان طلبه للرحمة التي وسعت كل شيء، هو زيادة سعة استخلافه للهوية الأحدية الغيبية، فالخلافة المحمدية هي المستخلفة للهوية الأحدية الغيبية الكامنة الغير معروفة لأحد من الأنبياء والمرسلين الغير معبودة لأحد منهم، “ماعرفناك حق معرفتك، وماعبدناك حق عبادتك”،،،
“وبقوتك التي قهرت بها كل شيء”
السؤال بصفة القوة التي من صفاتها القهر، ولعله من اسم الله الواحد القهار وغيره في الحضرة الواحدية،،، لذلك تجد بعد ذلك،”وبأسمائك التي ملأت أركان كل شيء”،،،
“وخضع لها كل شيء، وذل لها كل شيء”
تأكيد على هذه الصفة العظيمة بعد صفة الرحمة المذكورة في الفقرة الأولى،،،“وبجبروتك التي غلبت بها كل شيء”
يطلب من الحق تبارك وتعالى بجميع اسمائه المهيمنة على عالم الجبروت، والتي تستطيع أن تغلب كل شيء،،،
وأجدر طلب هنا (لغير المعصوم) هو أن يغلب الحق تبارك وتعالى بجبروته على نفسه، فلتنظر إلى تعريف النفس لهذا الحقير في كتاب:”العرفان ومقامات أهل الولاية” بأن النفس جوهر لم يتجلّ الحق تبارك وتعالى عليه بجبروته فلم ينكسر!، فهاهنا الطلب بأن يتجلى الحق تبارك وتعالى على بجبروته على نفسه، فتنكسر، فيجد الله عندها،،،
“وبعزتك التي لا يقوم لها شيء “
يسأله بعزته تعالى أن يتجلى عليه بعزته،،، وتجليه عز اسمه بعزته، يولد صدمة معروفة عند هذه الطائفة بصدمة العزة، أو مقام الصدمة، وهي من منازل الهيبة بعكس الأنس، وإن قلت أي هيبة، فهي هيبة الإجلال، وهيبة الإجلال من أقصى درجات الخوف، وأعلى درجات الخشوع،
فبعد أن كان خائفا من عذاب الله تعالى المتولد من التصديق بآيات العذاب القرآنية، وروايات الجحيم المعصومية، فبعد تصديقها والإذعان بصحتها وصدقها، مقرونا باستحضار الذنوب والمعاصي والآثام (والكلام هنا ليس عن المعصوم) ومراقبة المستقبل والعاقبة والموت، والجلوس أمام منكر ونكير في ساحة الانتظار والسؤال والحساب، كل ذلك يولد الخوف الذي يصح به الإيمان،،،،
وتفثأ حرارة هذا الخوف الطمأنينة والراحة المتولدة من الرجاء، نتيجة التقرب بأداء الواجبات والمستحبات والبعد عن المحرمات والمكروهات،،،
ففي أوائل مسيرة أهل الله، لابد من الخوف والرجاء، ويتقلب بينهما، بين الحين والحين،،،،
لكن أيضا شعوره بالخوف يربطه باسم الله تعالى:”القوي”، و “الجبار”، و “القهار”،،، وشعوره بالرجاء يربطه باسم الله “الرحمن”، و “الرحيم”
فإذا استشعر هذا الشعور، تيقن أن جبروت الله وعزته (المذكورة في هذه الفقرة من الدعاء) لاتتغير بزيادة خوفه أو نقصانه بالرجاء، فعزته هي هي كما هي من الأزل إلى الأبد، وأيضا رحمته كما هي من الأزل إلى الأبد، فهو العبد الحقير المسكين الذي يتغير ويتقلب، فإذا استدام عنده هذا الحال وذلك الشعور وهذه المرحلة من الشهود القلبي، أصبح يتقلب بين القبض والبسط، بدلا من الخوف والرجاء،،،،
والآن بعدما أصبح يسير بين القبض والبسط، مطالعة أزلية الحق تبارك وتعالى تخالجه أنفاس المهمومين أحيانا:”نفس المهوم لهمنا تسبيح”، وأنفاس الراحة والأنس تارة أخرى، فيرسل نفسه في أوقات الأنس بالله عز وجل نفسا مشوبا بالحلاوة التي يخامرها نوع آخر من الخوف، وهو الخوف أن يكون ممكورا به، ووقع في مكر أو استدراج، فليجاهد لكي يتخلص من ذلك،،،
وبعد ذلك ماعليه إلا أن يصبر أن يمن عليه الحق بصدمة العزة (المشار إليها أعلاه)، وأن يتجلى عليه الحق تبارك وتعالى بعزته، “ولما تجلى ربه للجبل جعله دكا، وخر موسى صعقا”، فليبحث عن صعقته،،،
“وبعظمتك التي ملأت كل شيء”
يسأله بعظمته التي ملأت كل شيء، أن يعرف عظمته (وليس الكلام عن المعصوم)، لأن رتبة المعصوم تم توضيحها في شرح أول فقرة، في أول مشاركة، فهو يسأله بعظمته أن يعرف عظمته، كما سيأتي في الدعاء “وأستشفع بك إلى نفسك”، ومعرفة عظمته عز وجل ستولد عند الذي يعرفها شعور بالتذلل لتلك العظمة،
ونتيجة التذلل لتلك العظمة، شدة التعظيم والتوقير، قال تعالى:”ومالكم لاترجون لله وقاراً”،
لكن هذا التوقير من الناحية العملية ينعكس في كل شيء، وأدنى درجاته توقير الأحكام الشرعية، بتعظيم الأمر والنهي، وتصديق الوعد والوعيد، وإقامة المعاملات على الأسس الشرعية بمنتهى الدقة.
وتعظيم القضاء والقدر، اللذين حكم بهما الحق تبارك وتعالى،،، كما سيأتي في الدعاء،”واجعلني بقسمك راضيا قانعا”، فهذا التعظيم يبعث على الرضا، وقد شرط الحق تبارك وتعالى أنه لابد من الرجوع إليه الدخول في الرضا، حيث قال:”وارجعي إلى ربك راضية مرضية”،
ثم تعظيمه حق تعظيمه أن ترى أن كل ما يأتي من الحق تبارك وتعالى يستوجب الشكر، سواء كان ما أتى منه محببا إلى النفس، أو شيئا من الابتلاء مما لاترتضيه النفس عادة، وسيأتي في الدعاء، “وأن توزعني شكرك” أي أن المنازل العالية من الشكر موهبة من الحق تبارك وتعالى عليه أن يطلب من الحق أن يهبها له،،،
فيدعو الله بهذه العظمة التي أصبح يعرفها والتي ملأت كل شيء أن تملأ أرجاء وجوده وكيانه،،،،
” وبسلطانك الذي علا كل شيء “
وقال تعالى:”يامعشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض، فانفذوا، لاتنفذون إلا بسلطان”،،،
فكأنه يسأله بسلطانه الذي علا كل شيء أن ينقذ من أقطار السماوات والأرض، لكن لماذا؟ الجواب في الآية، قال تعالى:”وجنة عرضها السماوات والأرض”،،،،
فيكون سؤاله لكي يكون من الذين أهل الجنة يستضيئون بنورهم،،،
الذين يشملهم الاستثناء في الآية:”ونفخ في الصور، فصعق من السماوات ومن في الأرض، إلا من شاء الله”
فلايكون من المصعوقين،،،، لأنه قد صعق بالعزة كما في شرح فقرة العزة أعلاه،
وهو الآن بسلطانه جل وعلا قد خرج من أقطار السماوات والأرض، فكيف يكون من المصعوقين، لكنه مشغول يناغي سناء الحضرة الأحدية، ويشاهد بهاء العزة التي صعتقه يوم أن كان في دار الدنيا، والقوم في صعقتهم وفي حشرهم،،،
نسأل الله أن يمن على الجميع بهذه الرتب والدرجات،،،
“وبوجهك الباقي بعد فناء كل شيء”
يسأل الحق تبارك وتعالى البقاء بعد الفناء، قال تعالى:”كل من عليها فان، ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام”، فلاحظ أن صفة الجلال والاكرام لوجهه تعالى،
فهو يسأل الله البقاء، لكن البقاء لايتحقق إلا بعد الفناء،
فناء إرادة العبد في إرادة الحق تبارك وتعالى،
فيرتفع علمه ارتفاعا حتى يصل إلى أعلى درجات المعرفة، لكن هذه المعرفة تضمحل وتتلاشى في المعروف، فيتبقى المعلوم ويسقط العلم، كما قال على (ع) لكميل (رض):”محو الموهوم، مع صحو المعلوم”،
فكل شيء فان، لكن ليس كل شيء باق، لكن من فنى في الله، بقي بالله،،،،
فالفناء في الله، والبقاء بالله،
والباقي مع بقاء العبد ما بقي بعد سقوط الشواهد والآيات والكرامات، بعد تلاشيها واضمحلالها عند قمة التمكن وأعلى درجات الاستقرار،
“وبأسمائك التي ملأت أركان كل شي”
انتقال من السؤال بالصفات إلى السؤال بالأسماء، لكن بالكثرة الأسمائية في الحضرة الواحدية، لأنها أقرب إلى الداعي من كبرياء الأحدية – لقد تم شرح الواحدية والأحدية في مواضيع من قبل – وهو يسأله عز وجل أن يملأ بالأسماء أركان كل شيء، فمن الأولى أن يملأ جميع أركان وجوده، نفسه، وعقله، وقلبه، وفكره، ثم روحه وسره، وخفيه، وأخفاه، أي جميع جواهر نفسه الناطقة،
فيكون بحق مظهرا من مظاهر أسماء الله تبارك وتعالى وتجلياته، كما قال الامام الصادق (ع):
«الصوّرة الانسانية هى اكبر حجّة الله على خلقه و هى الكتاب المبين الّذى كتبه بيده، و هى الهيكل الّذى بناه بحكمته و هى مجموع صور العالمين و هى الطريق المستقيم الى كل خير، و هى الحبل الممدود بين الجنة و النّار.»فطالما أن صورة ابن آدم هي مجموع صور العالمين، فهو في هذا العالم من أهله، وأيضا في عالم الملكوت هو معه من أهله ويستطيع أن يعيش ويحيا معهم، ومع أهل الجبروت جبروت، كما قال زين العابدين (ع):”فسماهم أهل الملكوت زوارا، ودعاهم أهل الجبروت عمارا”.
“وبعلمك الذي أحاط بكل شيء”
تعظيم للحق تبارك وتعالى الذي أحاط بكل شيء علما، فينسب إليه أعلى درجات العلم، وهي الإحاطة بعين الشيء كما هو، فيسأل الله بعد أن أناله العلم الجلي المتوافر لدى سائر العلماء، أن يمن عليه بعلم من عمل بما علم أورثه الله علم ما لم يعلم، فيصير يتقلب بين العلم والعمل وكل منهما يورث الآخر إلى أن يمن الله عليه بغتة بالعلم اللدني الذي هو من لدن الله تعالى أي رشحات العلم الذي أحاط بكل شيء، رزق الله المؤمنين والمؤمنات إياه،،،
وبنور وجهك الذي أضاء الله كل شيء، يانور ياقدوس،
لأن كل خير هو نور
اليقظة مقدمة السير والسلوك إلى الله تعالى، هو نور الانتباه والالتفات، فإن لم ير هذا النور لن يتيقظ إلا بعد الموت، “الناس نيام، إذا ماتوا انتبهوا”،
البرق، الذي يلمع للسالك ويأذن له في دخول طريق أهل الله، نور يلمع له، كما قيل أول السفر الثاني،
كما قال صاحب المنازل،
باب البرق
قال الله عز وجل:”إذ رأى ناراً”، [20،10].
البرق باكورة تلمع للعبد فتدعوه إلى الدخول في هذا الطريق.
والفرق بينه وبين الوجد، أن الوجد يقع بعد الدخول فيه، فالوجد زاد والبرق إذن. وهو على ثلاث درجات:
الدرجة الأولى برق يلمع من جانب العدة في عين الرجاء، فيستكثر فيه العبد القليل من العطاء، ويستقل فيه الكثير من الأعباء، ويستحلي فيه مرارة القضاء.
والدرجة الثانية برق يلمع من جانب الوعيد في عين الحذر؛ فيستقصر فيه العبد الطويل من الأمل، ويزهد في الخلق على القرب، ويرغب في تطهير السر.
والدرجة الثالثة برق يلمع من جانب اللطف في عين الافتقار، فينشئ سحاب السرور، ويمطر قطر الطرب، ويجري نهر الافتخار.ثم مبدأ السفر الثالث، برؤية نور عوالم الملكوت والجبروت واللاهوت، فيندهش لغلبة هذه الأنوار على الأنوار التي رآها من قبل، فيتحقق له السكر، فإذا أفاق، كان واجبه هداية الناس وإرشادهم لهذه التجليات في سفره الرابع،
فمن مبدئه إلى منتهاه يدور مداره بحثا عن النور، من درجة إلى التي أعلى منها حتى يظفر بما قسم الله له، ثم يهدي من أراد الله أن يهديه على يديه، ليصيب منه ماهو مكتوب،،،
فالنور هو الرفيق في الطريق، من أول إلى آخره، فنع الرفيق في هذه الغربة، لأنه من نور الله عز وجل، فخاطبه بصفة محببة جدا إلى السالك وبعدها قدسه:”يانور، ياقدوس”.
- You must be logged in to reply to this topic.