ماهية السلوك العلمي والعملي 2

  • Creator
    Topic
  • #1421
    Tasneem
    Keymaster
    • المشاركات: 2,176
    التعريف بعلم العرفان والتصوف – 4-
    مقدمات توضيحية
    (المقدمة الثانية): ماهية السلوك العلمي والعملي
    بقلم الفقير لله تعالى: أحمد يوسف نده
    الخميس 7- 12- 2017
    ……………………………………….
    (التقرير الثاني: معنى التقرب من الله تعالى والوصول إليه)
    .
    بعد أن بينا في المنشور السابق أن السلوك الصوفي والعرفاني عبارة عن حركتين فكرية ووجدانية غايتها التقرب من الله تعالى والوصول إليه.. فقد يتوهم البعض بأن الله موجود في مكان معين والإنسان يتحرك نحوه للوصول إليه.. إلا أن الله تعالى ليس جسماً مادياً كما يقول الوهابية والمشبهة حتى يكون موجوداً في نهاية المسافة والطريق.. فهو سبحانه ليس جسماً متحيزاً في المكان حتى تتقرب إليه بحركة.. ولذلك فمن الطبيعي أن يُطرح هنا هذا السؤال: ما معنى التقرب من الله تعالى والوصول إليه؟؟..
    فإن أجاب بعضهم بأنه اقتراب معنوي وليس مادي..
    فنقول له: هذا جواب مبهم.. لا يزيد الأمر إلا غموضاً وضبابيةً.. ونحن نريد أن نتعقل ونفهم معنى القرب من الله تعالى والوصول إليه..
    .
    وللجواب على ذلك نقول:
    السلوك الصوفي العرفاني هو حركة تشبيهية.. فالاقتراب من الله تعالى هو التشبه بالله..
    ففي القوة النظرية يكون التشبه بالله من حيث الإحاطة بالمعلومات…
    بينما في السلوك العملي.. فالتشبه بالله تعالى يكون عن طريق التنزه عن الماديات أولاً.. ثم عن بقية الممكنات.. وذلك من خلال التجرد بواسطة السلوك والعبادة… فنتقرب بذلك من الله تعالى لأنه سبحانه مجرد عن الماديات وعن كافة الممكنات..
    .
    ففي الجانب النظري تحاول التشبه به تعالى من حيث العلم لتكون عالماً.. وفي السلوك العملي تتشبه به بالتقدُّس عن الماديات والتنزُّه عنها كالأنبياء عليهم السلام.. فكلما تجاوزت تلك العلائق والتعلق بالممكنات كلما تقدَّسَت نفسك أكثر فأكثر… وهذا هو كمال القوة العملية أي التجرُّد..
    .
    وهذا ما أجمع عليه أكابر العرفاء والحكماء ونذكر منهم كلام شيخ الإشراق السهروردي في تعريفه للحكمة في كتابه حكمة الإشراق: (الحكمة هي التشبُّه بالإله في الإحاطة بالمعلومات والتجرُّد عن الماديات على قدر الطاقة البشرية لنيل السعادة الأبدية)..
    .
    فإن اعترض أحدهم قائلاً: التشبُّه بالله أمر محال.. لأنه سبحانه قال في كتابه (ليس كمثله شيء).. وكل مسلم وموحد يقول: الله تعالى لا شريك له ولا عديل ولا مثيل ولا ند ولا شبيه.. فكيف نتمكن من التشبه بالإله وهو أمر محال وممتنع؟
    فنجيبه: نعم إن الله تعالى لا شبيه له من حيث مقام الذات.. فالذات الإلهية لا جنس لها ولا مثيل ولا شبيه ولا نظير.. ولكن من حيث مقام الأسماء والصفات.. فيمكن التشبُّه به عن طريق التحلّي بالكمالات التي يفيضها الباري على خلقه على قدر قابليتهم وإمكاناتهم..
    .
    وللتقريب نضرب مثالاً.. يقول المعلم لطلابه: أقرب طالب إليّ وأشبهكم بي هو فلان… فهو لا يقصد القرب من حيث الطاولة والمكان.. ولا التشابه من حيث الشكل والصورة.. بل يقصد الأعلم من الطلاب هو الأقرب للمعلم.. والأبعد عن المعلم يكون هو الأكثر جهلاً بين الطلاب.. فالتشابه هو التحلي بصفة العلم التي يفيضها المعلم على طلابه.. فأكثر الطلاب اكتساباً لهذه الصفة أكثرهم قرباً من المعلم..
    .
    وكذلك الأمر في مقام العمل والتعلق بالممكنات.. فكلما انقطع السالك عن بقية الممكنات.. كلما كان أكثر قرباً وشبهاً بالله تعالى المجرد عن كل مادي ومخلوق وممكن ومحدث.. ومن هنا نفهم سر الأمر الإلهي بذبح الابن في المقام الإبراهيمي.. ليمتحنه في مقام التعلق القلبي بالولد.. فعندما عزم إبراهيم على امتثال أمر الله.. فكان هذا من أكبر الأدلة على قربه وتشبهه بالحضرة الإلهية المنزهة عن الابن والولد.. فاستحق الخليل بذلك مقام الإمامة الإبراهيمية والولاية التكوينية..
    .
    وبهذا نكون قد بيَّنا ماهية السلوك العرفاني والصوفي بقسميه النظري والعملي.. وهو التشبه بالله على قدر الاستطاعة.. وبيَّنا أن مرادنا من التشبُّه ليس المعنى الحقيقي لأن الله لا يشبهه شيء.. بل هو معنىً مجازي يشير إلى الجهد الذي يبذله العبد في صقل مرآة نفسه وعقله حتى يصبح عاكساً لكمالات وأنوار الحضرة الإلهية.. فعندها يصل السالك إلى درجة الإنسان الكامل.. ومرتبة الحكيم المتأله… فيستحق مقام الخلافة الربانية… وكمال الصورة الإنسانية.. فيكون ظلاً لنور الحق يمشي على الأرض.. وحجة لله على العباد.. وأوضح المصاديق لهؤلاء هم الأنبياء والرسل والأئمة ع.. ثم من يليهم من علماء الأمة وعرفائها وأقطابها..
    .
    وهنا قد يسأل السائل: ما هو السبيل والطريق الذي يتوجب على السالك أن يسلكها لتحقيق هذا الوصول؟؟ وهذا ما سنبينه للأحبة في المنشور القادم..
    والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته..
    ……………….
  • The forum ‘التعريف بعلم التصوف والعرفان – أحمد نده’ is closed to new topics and replies.