معنى وحدة الوجود

  • Creator
    Topic
  • #678
    Tasneem
    Keymaster
    • المشاركات: 2,178

    السؤال
    ما معنى (وحدة الوجود) و ما سبب مخالفة الفقهاء و المتکلمین لها؟


    الجواب الإجمالي
    1. (وحدة الوجود) من أهم المبانی الأساسیة عند أهل العرفان، و إنها تعد اصل الأصول فی ما یذهب إلیه بعض العرفاء من أمثال (ابن عربی) و على أساس هذا المبنى فإن الوجود الحقیقی هو واحد و أزلی، و هذا الوجود هو وجود الله سبحانه لا غیر، و لیس لغیره من وجود حقیقی، و کل وجود سواه و کل ما یمکن تصوره إنما هی فی الحقیقة مظاهر مختلفة و تجسدات متنوعة للحقیقة الواحدة التی تتجلى بصورة الأشیاء و إن هذه الأشیاء هی (عین) هذا الوجود الحقیقی الواحد.

    2. استدل (لوحدة الوجود) بأدلة فلسفیة، مع أن الظاهر فی أصل إثباتها هو الاعتماد على الکشف و الشهود. و هذا الاستدلال یبتنی على (أصالة الوجود) و (الاشتراک المعنوی للوجود) فمن جملة الأدلة هو أن یقال: إذا أخذنا بنظر الاعتبار الاشتراک المعنوی للوجود، فلابد أن یکون الوجود حقیقة واحدة، لأنه لا یمکن انتزاع معنى واحد من حقائق مختلفة، و کذلک تمسکوا بالنظریة القائلة (بسیط الحقیقة کل الأشیاء) کمؤید لنظریة وحدة الوجود.

    3. أعلن عدد من المتکلمین و الفقهاء مخالفتهم لنظریة (وحدة الوجود) حتى ذهب بعضهم إلى مساواتها بالشرک، و قالوا أن وجود الله سبحانه منفصل و منفک عن وجود الأشیاء، و بحسب رأیهم إنه لا یمکن اتحاد و جمع وجود الله المنزه الطاهر مع وجود الأشیاء المادیة الملوث.

    4. من الجدیر بالذکر أن المخالفة الشدیدة لعدد من العلماء لما یقول العرفاء – و لنظریة وحدة الوجود على وجه الخصوص – مرده إلى عمق المطالب والمسائل التی تطرح فی العرفان خصوصاً نظریة (وحدة الوجود)، ذلک أن البعض لم یطرح ما یدعیه أهل العرفان على نحو أفضل و أحسن، و عدد آخر لم یتقبلوا هذا المطلب العلمی الدقیق بعلة ضعفهم العلمی.

    5. إن صدر المتألهین – الذی یعد أحد الفلاسفة العرفانیین – بلغ الذروة فی السعی و بذل الجهد فی تنقیح (نظریة وحدة الوجود) ورد الشبهات المثارة حولها بسبب سوء الفهم وخطأ الاستنتاج، و من جملة جهوده ما جاء فی (الأسفار الأربعة) من التفرقة بین (الوجود الأصیل) الذی لا یقید بأی لون من القیود و ذلک ما عبر عنه (بالذات الأحدیة) وأمثاله من التعابیر، و بین (الوجود المنبسط) فی هیاکل الممکنات و إن مراد العرفاء من (وحدة الوجود) و (الوجود المطلق) هو المعنى الأول لا المعنى الثانی. و إن منشأ الاختلافات و الإنکار والتکفیر هو الخلط بین المعنیین و المفهومین.

     

      الجواب التفصيلي
    وحدة الوجود من أهم الأسس و المفاهیم و المعانی فی عالم (العرفان) و قد جاء الکلام فیها فی دائرة العرفان الإسلامی و غیر الإسلامی، و تعد أصل الأصول فی مذهب ابن عربی.

    و على أساس البناء على (وحدة الوجود) فإن الوجود الحقیقی واحد و أزلی و ما هذا الوجود الواحد الأزلی إلاّ وجود الله سبحانه، و إن عالم الوجود لیس له من وجود حقیقی مستقل، و الوجود الحقیقی هو وجود واحد لا غیر، و کلما نحسبه وجوداً إنما هو مظهر و تجل من مظاهر و تجلیات ذلک الوجود الحقیقی الواحد الذی هو الوجود الإلهی.

    و على أساس ما تقدم لا یمکن القول بأن هناک وجودین أحدهما باسم الخالق و الآخر باسم المخلوق، و إنما لابد من القول بوجود حقیقی واحد و هذا الوجود الحق تارة یتنزل و یتدنى إلى رتبة الخلق فیکون عین الخلق.

    یقول ابن عربی: «فما وصفناه بوصف إلاّ کنا نحن ذلک الوصف، فوجودنا وجوده، و نحن مقتصر مفتقر إلیه من حیث وجودنا، و هو مقتصر مفتقر إلینا من حیث ظهوره لنفسه».[1]

     

    ففی نظره أن الخلق و الخالق شیء واحد یحتاج بعضه إلى بعض لأنها صورة لحقیقة واحدة، فالخلق لیس بشیء وراء صفات الحق و أسمائه. و غایة الأمر أن نسبة الوجود إلى الله هی نسبة حقیقیة و نسبة الوجود إلى الخلق هی نسبة مجازیة.

    و یقول فی الفتوحات المکیة بالنسبة لحیرة الرجال:

    و الفرق بین حیرة أهل الله و أهل النظر هی: أن صاحب العقل یقول:

    و فی کل شیء له آیة *** تدل على أنه واحد

    و لکن صاحب التجلی ینشد

    و فی کل شیء له آیة *** تدل على أنه عینه

    إذن فلا وجود – فی عرصة الوجود – إلاّ وجود الله، و إن الله لا یعلم شیئاً ولا أحداً غیر ذاته، و إن الناظر إلى هذه الحقیقة هو شخص مثل أبی یزید فی قوله: (أنا الله) و غیره من المتقدمین ممن یقول (سبحانی)[2] و أخیراً فإن أکثر عبارات ابن عربی صراحة فیما یخص وحدة الوجود و التی نالت الحظ الأوفر من الانتقاد ما قاله فی الفتوحات المکیة، و أتبعه بأبیات من الشعر، و ذلک قوله:

    (فسبحان من أظهر الأشیاء و هو عینها)

    فما نظرت عینی إلى غیر وجهه***و ما سمعت أذنی خلاف کلامه

    فکل وجود کان فیه وجوده***و کل شخیص لم یزل فی منامه[3]

     

    و على هذا الأساس فإن (وحدة الوجود) باعتبارها المحور الأساسی لمذاهب العرفان و اتجاهاته تعنی أن کل وجود مشاهد فی هذا العالم إنما هو تجلٍ من تجلیات الله لا غیر، و لیس بمعنى أن هذا الوجود من مخلوقاته، و إنما بمعنى أنه هو بعینه، و هذا یعنی أنه لابد من استبدال القول: (إن جمیع العالم منه) بالقول: (إن جمیع العالم هو ذاته) کما أنشد الشیخ محمود الشبستری من عرفاء القرن الثامن:

    لیس الحق شیئین اثنین

    فلا یقال فیه (أنا) و (نحن) و (أنت)

    أنا و نحن و أنت و هو شیء واحد

    و لا یجب التمییز فی مثل هذه الوحدة[4]

    یقول الإمام محمد الغزالی: إن العرفاء یحلقون من حضیض المجاز إلى أوج الحقیقة، و بعد أن یتموا هذه الرحلة یشاهدون بالعیان أن لا وجود لمنزل و محل إلاّ الله، و إن کل شیء هالک إلى وجهه، و لیس ذلک فی زمان واحد و إنما هو أزلی و أبدی. و لکل شئ وجهتان، وجهة نحو نفسه و وجهة نحو الله، فباعتبار الوجه الاوّل یکون عدما، و باعتبار الوجه الثانی یکون له وجود و تحقق. فالنتیجة لا وجود و لاوجه الاّ لله تعالی «کل شئ هالک الاّ وجهه» ازلا وابدا.

    و لذلک فلیس العارفون بحاجة إلى سماع نداء «لمن الملک الیوم لله الواحد القهار» لینتظروا إلى یوم القیامة، بل إن هذا النداء ملئ أسماعهم دائماً و أبداً و من دون انقطاع. و هم لا یستنبطون من قول (الله أکبر) إنه أکبر من الأشیاء، حاشا فلا وجود لأی شیء وراء وجوده حتى یکون هو الأکبر، فالغیر لا یرقى إلى مرتبة المعیة بالنسبة إلى الحق بأی حال).[5]

    و الجدیر بالذکر أن مصطلح (أصالة الوجود) لا یوجد فی کلام ابن عربی و لیس لهذا المصطلح من رواج قبل زمان ابن عربی، و لکن شراح ما کتبه ابن عربی و الذین جاءوا من بعده من العرفاء ساهموا فی رواج هذه المصطلح و انتشاره بالاستلهام من کلامه.

Viewing 1 replies (of 1 total)
  • Author
    Replies
  • #679
    Tasneem
    Keymaster
    • المشاركات: 2,178

    الاستدلال على وحدة الوجود:

    ذکر الفلاسفة العرفاء من أمثال صدر المتألهین و الآخرین أدلة فلسفیة على (وحدة الوجود) تبتنی على (أصالة الوجود) و (الاشتراک المعنوی للوجود).

    و من جملة الأدلة قولهم: بالنظر إلى الاشتراک المعنوی للوجود، لابد أن یکون الوجود حقیقة واحدة، لأن انتزاع معنىً واحداً من حقائق مختلفة غیر ممکن.

    و من الأصول و المبادئ التی طرحت لتأیید نظریة وحدة الوجود فی الفلسفة هی قاعدة: (بسیط الحقیقة کل الأشیاء) بالبیان التالی:

    إذا لم تکن ذات الحق البسیطة شاملة لبعض الحقائق فلازم ذلک الترکیب فی الذات (ترکیب الذات) و إن کان هذا الترکیب بحسب الاعتبار العقلی أی فی الوجدان و الفقدان، و الترکیب لا یساوق البساطة، فلابد من القول: إن الوجود المطلق له کمالات کل الموجودات بنحو أبسط.[6]

     

    أسباب مخالفة الفقهاء و المتکلمین:

    انبرى عدد من الفقهاء و المتکلمین سواء کانوا من الشیعة أو السنة و حتى المسیحیین إلى مخالفة ما یعتقده العرفاء و المتصوفة و خصوصاً بالنسبة إلى نظریة (وحدة الوجود) و أوردوا علیها بعض الانتقادات و المآخذ حتى أنهم کفّروا أهل العرفان لتبنیهم مثل هذه النظریات و الأقوال لأنهم یرون فی هذه العقیدة ما یتناقض و التعالیم الإلهیة فمثلاً إن قول (لا إله إلا الله) الذی یعتبر شعار الإسلام الأوّل یرونه فی تضاد مع قول (لا وجود إلاّ الله) فالکلمة الأولى تدل على تجنب أی لون من ألوان العبادة لغیر الله سبحانه، و ذلک یشمل عبادة الأصنام و الأوثان و غیرها، بینما یدل الشعار الثانی على أن کل شیء هو الله بما فی ذلک الأصنام و الأوثان و المعبودات الأخرى، فلا وجود لشیء وراء وجود الله، و إن الله هو الذی یعبد فی قوالب و تجسدات مختلفة.

    و کذلک أبدوا مخالفة لقول العرفاء (سبحان من أظهر الأشیاء و هو عینها) و قالوا: و هل أن یمکن أن یکون الله هو عین الموجودات، و نحن نعلم أن بعض الموجودات هی أصنام و أوثان و أعیان نجسة؟ فهذا الکلام هو عین الکفر إذن.

    و لابد من القول هنا أن فی کلام بعض العرفاء قصوراً فی بیان مقاصدهم، و إن بعض المنتقدین لم یتوصلوا إلى کنه مراد العرفاء فیما یرمون إلیه من کلامهم و هذه القضیة صارت منشأً للمؤاخذات و الانتقادات وسبباً لإصدار الأحکام المتناقضة و المتضادة بالنسبة لعموم العرفاء و لشخص ابن عربی على وجه الخصوص.

     

    و بحث (وحدة الوجود) من الأبحاث الدقیقة و العمیقة لا یتأتى لأی أحد أن یتحدث فیها ببیان کامل و مستوعب، کما لا یتسنى لکل من یتلقى الفکرة أن یهضمها و یتمثلها کما هو مراد المتکلم فی خطابه.

    و إن صدر المتألهین هو واحد من الساعین إلى بیان (وحدة الوجود) و تحلیل المسألة بشکل کامل و دقیق من أجل إزالة کل وجوه الاشتباه و دفع ألوان سوء الفهم و قصوره.

    یقول فی مسألة سریان حقیقة الوجود فی الموجودات المتعینة و الحقائق المشخصة:

    «اعلم أن للأشیاء فی الموجودیة ثلاث مراتب:

    أولاها الوجود الصرف الذی لا یتعلق وجوده بغیره و الوجود الذی لا یتقید بقید و هو المسمى عند العرفاء بالهویة الغیبیة و الغیب المطلق و الذات الأحدیة و هو الذی لا اسم له و لا نعت له و لا یتعلق به معرفة.

     

    المرتبة الثانیة: الموجود المتعلق بغیره و هو الوجود المقید بوصف زائد و المنعوت بأحکام محدودة کالعقول و النفوس و الأفلاک و العناصر و المرکبات من الإنسان و الدواب و الشجر و الجماد و سائر الموجودات الخاصة .

    المرتبة الثالثة: هو الوجود المنبسط المطلق الذی لیس عمومه على سبیل الکلیة بل على نحو آخر؛ فإن الوجود محض التحصل و الفعلیة، و الکلی سواء أکان طبیعیاً أو عقلیاً یکون مبهماً یحتاج فی تحصله و وجوده إلى انضمام شیء إلیه یحصله و یوجده و لیست وحدته عددیة أی مبدءاً للأعداد، فإنه حقیقة منبسطة على هیاکل الممکنات…. و هو أصل العالم و فلک الحیاة و عرش الرحمان و الحق المخلوق به فی عرف الصوفیة و حقیقة الحقائق».[7]

    و أضاف عقیب هذا البحث و تحت عنوان (رفع اشتباه):

    «قد ثبت مما ذکرناه أنه إذا أطلق فی عرفهم الوجود المطلق على الحق الواجب یکون مرادهم الوجود بالمعنى الأوّل أی الحقیقة بشرط لا شیء لا هذا المعنى الأخیر و إلاّ یلزم علیهم المفاسد الشنیعة کما لا یخفى و ما أکثر ما ینشأ لأجل الاشتباه بین هذین المعنیین من الضلالات و العقائد الفاسدة من الإلحاد و الإباحة و الحلول و اتصاف الحق الأوّل بصفات الممکنات و صیرورته محل النقائص و الحادثات»[8].

    و یقول صدر المتألهین فی مکان آخر تحت عنوان (وهم و تنبیه):

    «إن بعض الجهلة من المتصوفین المقلدین الذین لم یحصلوا طریق العلماء العرفاء و لم یبلغوا مقام العرفان توهموا لضعف عقولهم و وهن عقیدتهم و غلبة سلطان الوهم على نفوسهم، أن لا تحقق بالفعل للذات الأحدیة المنعوتة بالسنة العرفاء بمقام الأحدیة و غیب الهویة و غیب الغیوب مجردة عن المظاهر و المجالی، بل المتحقق هو عالم الصورة و قواها الروحانیة و الحسیة والله هو الظاهر المجموع لا بدونه وهو حقیقة الإنسان الکبیر و الکتاب المبین الذی هذا الإنسان الصغیر أنموذج و نسخة مختصرة عنه، و ذلک القول کفر فضیح و زندقة صرفة لا یتفوه به من له أدنى مرتبه من العلم. و نسبة هذا الأمر إلى أکابر الصوفیة و رؤسائهم افتراء محض و إفک عظیم یتحاشى عنه اسرارهم و ضمائرهم، و لا یبعد أن یکون سبب ظن الجهلة بهؤلاء الأکابر إطلاق الوجود تارة على ذات الحق و تارة على المطلق الشامل و تارة على المعنى العام العقلی».[9]

    و من المناسب هنا و لتأیید أن مسألة اختلاف العرفاء مع العلماء الآخرین مردها إلى سوء التعبیر أو قصور البیان أو سوء الفهم و الاستنتاج، نذکر مورداً من هذا القبیل:

     

    من الکتب التی ألفت رداً على أهل العرفان و التصوف کتاب (مصرع التصوف) للشیخ برهان الدین البقاعی (809 ـ 888 هـ.ق) حیث یمکن الإشارة فی هذا الکتاب إلى بعض النماذج الواضحة لسوء الاستنتاج، ونذکر من هذه الموارد:

    یقول الشیخ زین الدین عبد الرحیم بن حسین العراقی الذی یسبغ علیه البقاعی عدة ألقاب منها: شیخ الشیوخ و الإمام القدوة و شیخ الإسلام و حافظ العصر، یقول بخصوص ابن عربی:

    و بعد ذلک جاء مخالف الله و رسوله و جمیع المؤمنین و صوّب عمل المتصوفة و عدّهم من العارفین بالله سبحانه، و قال: و فی الحقیقة إن العارف هو الذی یرى الله فی کل شیء، بل أنه یراه عین کل شیء. و لا نتردد فی القول أن شرک قائل هذا الکلام أسوء من شرک الیهود و النصارى، فالیهود و النصارى عبدوا عبداً من عباد الله المقربین، بینما یرى ابن عربی أن عبادة العجل و الأصنام و الأوثان هی عبادة الله، بل إن کلامه یذهب إلى أبعد من ذلک، لأنه یفضی إلى القول أن الله سبحانه هو عین الکلب و الخنزیر و …. بل و عین القذارة!! و نقل لی واحد من أهل الفضل و العلم و الصدق أنه رأى أحداً من أتباع هذا المذهب فی ضواحی الإسکندریة، فقال له: إن الله هو عین جمیع هذه الأشیاء، فمر حمار فی الطریق فسألته، و حتى هذا الحمار؟! فأجاب: نعم، و حتى هذا الحمار! و حتى ما یخرج منه؟ قال: نعم، و حتى ما یخرج منه!![10]

     

    و کذلک أثیرت الکثیر من الإشکالات و المؤاخذات على العرفاء فی الغرب منشؤها سوء الاستنتاج، خصوصاً بالنسبة إلى القول: (بوحدة الوجود) الذی هو أساس الإشکالات.

    یقول الدکتور بارنس قسیس (برمنکهام): لابد من إبعاد و رفض کل ألوان القول بوحدة الوجود، لأن هذا الکلام ینتهی إلى أن الإنسان جزء من الخالق، و أن ما فی الإنسان من مساوئ و ما ینطوی علیه من خبث هو جزء من الله.[11]

    و قد کتب (أستیس) و هو من المتکلمین المسیحیین فی مورد الإشکال على نظریة (وحدة الوجود):

    «ظاهراً من الممکن العثور على ثلاث علل و أسباب أساسیة لاستیاء المؤمنین و رفضهم لنظریة (وحدة الوجود).

    أوّلاً: إن الموحدین یقولون بوجود إله مشخص، لأن وحدة الوجود فی نظر المفکرین الغربیین هی القول بالمطلق اللامشخص.

    ثانیاً: إن ما یفضی إلیه هذا المذهب هو القول بأن الوجود و ما فیه یکتسب صفة الألوهیة، و معنى هذا أن الشر یکون ألوهیاً أیضاً…

    الثالث: إن الإحساس بجلال الله و جبروته و عظمته موجود فی جمیع الأدیان، و هذا الإحساس الصحیح إضافة إلى التصور لدى (رودلف أوتو) فی (سر الهیبة) أنه لا نسبة للوجود البشری بالنسبة إلى الوجود الإلهی، إنه الخاطئ العاصی لربه المحجوب عنه، و إذا لم یکن مورداً للغفران و العفو فإنه مستحق لوصفه (ظلوماً جهولاً) و بهذا الوصف فإنه من غیر المناسب، بل و إنه لمن الکفر المحض أن یدعی الاتحاد فیکون متحداً مع خالقه، و على حد سواء معه، فبین الله و الإنسان و الله و العالم بینونة و اختلاف».[12]

    و علیه أصبح من الواضح سبب مخالفة المتکلمین و الفقهاء سواء المسلمین منهم و غیر المسلمین لما جاء فی نظریة وحدة الوجود، کما اتضح أن عمق النظریة و عدم وضوحها، و البیان الخاطئ لبعض الجهال ممن یدعون العرفان، و قصور بعض الأذهان، کل ذلک من جملة الأسباب الأساسیة التی أدت إلى إنکار النظریة و رفضها، و الصحیح هو أن من لا یمتلک الإطلاع الکافی علیه أن لا یخوض فی مثل هذا الکلام الدقیق العمیق ولا یبدی وجهة نظر، و إن من لا یفقه مقاصد العرفاء فی أقوالهم فعلیه أن یکف عن رمیهم بالشرک و الکفر و الإلحاد. و الإنصاف هو بدلاً من التکفیر و التفسیق یجب إظهار عدم الاطلاع.

Viewing 1 replies (of 1 total)
  • You must be logged in to reply to this topic.