- This topic has 1 reply, 1 voice, and was last updated 5 months, 2 weeks ago by .
-
Topic
-
السؤال
ما معنى (وحدة الوجود) و ما سبب مخالفة الفقهاء و المتکلمین لها؟
الجواب الإجمالي
1. (وحدة الوجود) من أهم المبانی الأساسیة عند أهل العرفان، و إنها تعد اصل الأصول فی ما یذهب إلیه بعض العرفاء من أمثال (ابن عربی) و على أساس هذا المبنى فإن الوجود الحقیقی هو واحد و أزلی، و هذا الوجود هو وجود الله سبحانه لا غیر، و لیس لغیره من وجود حقیقی، و کل وجود سواه و کل ما یمکن تصوره إنما هی فی الحقیقة مظاهر مختلفة و تجسدات متنوعة للحقیقة الواحدة التی تتجلى بصورة الأشیاء و إن هذه الأشیاء هی (عین) هذا الوجود الحقیقی الواحد.2. استدل (لوحدة الوجود) بأدلة فلسفیة، مع أن الظاهر فی أصل إثباتها هو الاعتماد على الکشف و الشهود. و هذا الاستدلال یبتنی على (أصالة الوجود) و (الاشتراک المعنوی للوجود) فمن جملة الأدلة هو أن یقال: إذا أخذنا بنظر الاعتبار الاشتراک المعنوی للوجود، فلابد أن یکون الوجود حقیقة واحدة، لأنه لا یمکن انتزاع معنى واحد من حقائق مختلفة، و کذلک تمسکوا بالنظریة القائلة (بسیط الحقیقة کل الأشیاء) کمؤید لنظریة وحدة الوجود.
3. أعلن عدد من المتکلمین و الفقهاء مخالفتهم لنظریة (وحدة الوجود) حتى ذهب بعضهم إلى مساواتها بالشرک، و قالوا أن وجود الله سبحانه منفصل و منفک عن وجود الأشیاء، و بحسب رأیهم إنه لا یمکن اتحاد و جمع وجود الله المنزه الطاهر مع وجود الأشیاء المادیة الملوث.
4. من الجدیر بالذکر أن المخالفة الشدیدة لعدد من العلماء لما یقول العرفاء – و لنظریة وحدة الوجود على وجه الخصوص – مرده إلى عمق المطالب والمسائل التی تطرح فی العرفان خصوصاً نظریة (وحدة الوجود)، ذلک أن البعض لم یطرح ما یدعیه أهل العرفان على نحو أفضل و أحسن، و عدد آخر لم یتقبلوا هذا المطلب العلمی الدقیق بعلة ضعفهم العلمی.
5. إن صدر المتألهین – الذی یعد أحد الفلاسفة العرفانیین – بلغ الذروة فی السعی و بذل الجهد فی تنقیح (نظریة وحدة الوجود) ورد الشبهات المثارة حولها بسبب سوء الفهم وخطأ الاستنتاج، و من جملة جهوده ما جاء فی (الأسفار الأربعة) من التفرقة بین (الوجود الأصیل) الذی لا یقید بأی لون من القیود و ذلک ما عبر عنه (بالذات الأحدیة) وأمثاله من التعابیر، و بین (الوجود المنبسط) فی هیاکل الممکنات و إن مراد العرفاء من (وحدة الوجود) و (الوجود المطلق) هو المعنى الأول لا المعنى الثانی. و إن منشأ الاختلافات و الإنکار والتکفیر هو الخلط بین المعنیین و المفهومین.
الجواب التفصيلي
وحدة الوجود من أهم الأسس و المفاهیم و المعانی فی عالم (العرفان) و قد جاء الکلام فیها فی دائرة العرفان الإسلامی و غیر الإسلامی، و تعد أصل الأصول فی مذهب ابن عربی.و على أساس البناء على (وحدة الوجود) فإن الوجود الحقیقی واحد و أزلی و ما هذا الوجود الواحد الأزلی إلاّ وجود الله سبحانه، و إن عالم الوجود لیس له من وجود حقیقی مستقل، و الوجود الحقیقی هو وجود واحد لا غیر، و کلما نحسبه وجوداً إنما هو مظهر و تجل من مظاهر و تجلیات ذلک الوجود الحقیقی الواحد الذی هو الوجود الإلهی.
و على أساس ما تقدم لا یمکن القول بأن هناک وجودین أحدهما باسم الخالق و الآخر باسم المخلوق، و إنما لابد من القول بوجود حقیقی واحد و هذا الوجود الحق تارة یتنزل و یتدنى إلى رتبة الخلق فیکون عین الخلق.
یقول ابن عربی: «فما وصفناه بوصف إلاّ کنا نحن ذلک الوصف، فوجودنا وجوده، و نحن مقتصر مفتقر إلیه من حیث وجودنا، و هو مقتصر مفتقر إلینا من حیث ظهوره لنفسه».[1]
ففی نظره أن الخلق و الخالق شیء واحد یحتاج بعضه إلى بعض لأنها صورة لحقیقة واحدة، فالخلق لیس بشیء وراء صفات الحق و أسمائه. و غایة الأمر أن نسبة الوجود إلى الله هی نسبة حقیقیة و نسبة الوجود إلى الخلق هی نسبة مجازیة.
و یقول فی الفتوحات المکیة بالنسبة لحیرة الرجال:
و الفرق بین حیرة أهل الله و أهل النظر هی: أن صاحب العقل یقول:
و فی کل شیء له آیة *** تدل على أنه واحد
و لکن صاحب التجلی ینشد
و فی کل شیء له آیة *** تدل على أنه عینه
إذن فلا وجود – فی عرصة الوجود – إلاّ وجود الله، و إن الله لا یعلم شیئاً ولا أحداً غیر ذاته، و إن الناظر إلى هذه الحقیقة هو شخص مثل أبی یزید فی قوله: (أنا الله) و غیره من المتقدمین ممن یقول (سبحانی)[2] و أخیراً فإن أکثر عبارات ابن عربی صراحة فیما یخص وحدة الوجود و التی نالت الحظ الأوفر من الانتقاد ما قاله فی الفتوحات المکیة، و أتبعه بأبیات من الشعر، و ذلک قوله:
(فسبحان من أظهر الأشیاء و هو عینها)
فما نظرت عینی إلى غیر وجهه***و ما سمعت أذنی خلاف کلامه
فکل وجود کان فیه وجوده***و کل شخیص لم یزل فی منامه[3]
و على هذا الأساس فإن (وحدة الوجود) باعتبارها المحور الأساسی لمذاهب العرفان و اتجاهاته تعنی أن کل وجود مشاهد فی هذا العالم إنما هو تجلٍ من تجلیات الله لا غیر، و لیس بمعنى أن هذا الوجود من مخلوقاته، و إنما بمعنى أنه هو بعینه، و هذا یعنی أنه لابد من استبدال القول: (إن جمیع العالم منه) بالقول: (إن جمیع العالم هو ذاته) کما أنشد الشیخ محمود الشبستری من عرفاء القرن الثامن:
لیس الحق شیئین اثنین
فلا یقال فیه (أنا) و (نحن) و (أنت)
أنا و نحن و أنت و هو شیء واحد
و لا یجب التمییز فی مثل هذه الوحدة[4]
یقول الإمام محمد الغزالی: إن العرفاء یحلقون من حضیض المجاز إلى أوج الحقیقة، و بعد أن یتموا هذه الرحلة یشاهدون بالعیان أن لا وجود لمنزل و محل إلاّ الله، و إن کل شیء هالک إلى وجهه، و لیس ذلک فی زمان واحد و إنما هو أزلی و أبدی. و لکل شئ وجهتان، وجهة نحو نفسه و وجهة نحو الله، فباعتبار الوجه الاوّل یکون عدما، و باعتبار الوجه الثانی یکون له وجود و تحقق. فالنتیجة لا وجود و لاوجه الاّ لله تعالی «کل شئ هالک الاّ وجهه» ازلا وابدا.
و لذلک فلیس العارفون بحاجة إلى سماع نداء «لمن الملک الیوم لله الواحد القهار» لینتظروا إلى یوم القیامة، بل إن هذا النداء ملئ أسماعهم دائماً و أبداً و من دون انقطاع. و هم لا یستنبطون من قول (الله أکبر) إنه أکبر من الأشیاء، حاشا فلا وجود لأی شیء وراء وجوده حتى یکون هو الأکبر، فالغیر لا یرقى إلى مرتبة المعیة بالنسبة إلى الحق بأی حال).[5]
و الجدیر بالذکر أن مصطلح (أصالة الوجود) لا یوجد فی کلام ابن عربی و لیس لهذا المصطلح من رواج قبل زمان ابن عربی، و لکن شراح ما کتبه ابن عربی و الذین جاءوا من بعده من العرفاء ساهموا فی رواج هذه المصطلح و انتشاره بالاستلهام من کلامه.
- You must be logged in to reply to this topic.