- This topic has 2 replies, 1 voice, and was last updated 5 months, 2 weeks ago by .
-
Topic
-
كر الشيخ الأكبر سيدي محيي الدين بن العربي مراتب الأولياء وطبقاتهم على اختلاف أحوالهم في الباب الثالث والسبعين من الفتوحات المكية وأطال في ذلك وقد رأيت الإمام المناوي في مقدمة طبقاته الصغرى اختصر ذلك من الفتوحات ولكنه لم يتقيد بعباراتها بل تصرف فيها، وترك فوائد كثيرة مهمة، فأردت أن أختصر ذلك هنا منها وأحافظ على عبارات سيدي محيي الدين وأنقل كثيراً من الفوائد التي تركها المناوي رحمه الله.
قال اعلم أن رجال الله في هذه الطريقة هم المسمون بعالم الأنفاس. وهو اسم يعم جميعهم، وهم على طبقات كثيرة، وأحوال مختلفة، ومنهم من تجمع له الحالات كلها والطبقات،ومنهم من يحصل له من ذلك ما شاء الله، وما من طبقة إلا لها لقب خاص من أهل الأحوال والمقامات، ومنهم من يحصره عدد من كل زمان، ومنهم من لا عدد له لازم فيقلون ويكثرون.ولنذكر منهم أهل الأعداد ومن لا عدد له بألقابهم إن شاء الله تعالى.
القسم الأول في ذكر أصحاب مراتب الولاية الذين يحصرهم عدد :
(فمنهم رضي الله عنهم: الأقطاب) وهم الجامعون للأحوال والمقامات بالأصالة أو بالنيابة، وقد يتوسعون في هذا الإطلاق فيسمون قطبا كل من دار عليه مقام ما من المقامات وانفرد به في زمانه على أبناء جنسه. وقد يسمى رجل البلد قطب ذلك البلد، وشيخ الجماعة قطب تلك الجماعة، ولكنَّ الأقطاب الْمُصطَلَحَ عَلَى أن يكون لهم هذا الاسم مطلقاً من غير اضافة لا يكون منهم في الزمان إلا واحد وهو الغوث أيضاً وهو من المقربين وهو سيد الجماعة في زمانه.
( ومنهم رضي الله عنهم: الأئمة)
لا يزيدون في كل زمان على اثنين لا ثالث لهما. الواحد عبد الرب، والآخر عبد الملك، والقطب عبد الله ولو كانت أسماؤهم ما كانت، وهما اللذان يخلفان القطب إذا مات، وهما له بمنزلة الوزيرين، الواحد منهم مقصور على مشاهدة عالم الملكوت والآخر على عالم الملك.(ومنهم رضي الله عنهم: الأوتاد)
وهم الأربعة في كل زمان لا يزيدون ولا ينقصون. رأينا شخصاً منهم بمدينة فاس يقال له ابن جعدون كان ينخل الحناء بالأجرة. الواحد منهم يحفظ الله به المشرق وولايته فيه، والآخر المغرب، والآخر الجنوب والآخر الشمال والتقسيم من الكعبة، وقد يكون منهم النساء، وكذلك غيرهم،وألقابهم عبدالحي، وعبد العليم، وعبد القادر، وعبد المريد.(ومنهم رضي الله عنهم: الأبدال)
وهم سبعة، لا يزيدون ولا ينقصون، يحفظ الله بهم الأقاليم السبعة، لكل بدل منهم إقليم فيه ولاية،الواحد منهم على قدم الخليل وله الاقليم الأول،والثاني على قدم الكليم، والثالث على قدم هارون،والرابع على قدم إدريس،والخامس على قدم يوسف، والسادس على قدم عيسى،والسابع على قدم آدم على الكل الصلاة والسلام.وسموا أبدالاً لكونهم إذا فارقوا موضعاً ويريدون أن يخلفوا به بدلاً منهم في ذلك الموضع لأمر يرون فيه مصلحة وقربة يتركون به شخصاً على صورتهم، لا يشك أحداً ممن أدرك رؤية ذلك الشخص أنه عين ذلك الرجل، وليس هو بل هو شخص روحاني يتركه بدله بالقصد على علم منه، فكل من له هذه القوة فهو البدل، ومن يقيم الله عنه بدلاُ في موضع ما ولا علم له بذلك فليس من الأبدال المذكورين.(ومنهم رضي الله عنهم: النقباء)
وهم اثنا عشر نقيباً في كل مكان وزمان لا يزيدون ولا ينقصون على عدد بروج الفلك الاثني عشر برجاً، كل نقيب عالم بخاصية برج. واعلم أن الله تعالى قد جعل بأيدي هؤلاء النقباء علوم الشرائع المنزلة ولهم استخراج خبايا النفوس وغوائلها ومعرفة مكرها وخداعها. وأما ابليس فمكشوف عندهم يعرفون منه ما لا يعرفه من نفسه.وهم من العلم بحيث إذا رأى أحدهم أثر وطأة شخص في الأرض علم أنها وطأة سعيد أو شقي.(ومنهم رضي الله عنهم: النجباء)
وهم ثمانية في كل زمان، لا يزيدون ولا ينقصون وهم الذين تبدو منهم وعليهم أعلام القبول من أحوالهم وإن لم يكن لهم في ذلك اختيار لكن الحال يغلب عليهم ولا يعرف ذلك منهم إلا هو فوقهم لا من هو دونهم.(ومنهم رضي الله عنهم:الحواريون)
وهو واحد في كل زمان فيه اثنان (فإذا مات ذلك الواحد أقيم غيره) وكان في زمن رسول الله.(ومنهم رضي الله عنهم: الرجبيون)
وهم أربعون نَفْساً في كل زمان لا يزيدون ولا ينقصون، وهم رجال حالهم القيام بعظمة الله وهم من الأفراد وسموا رجبيين لأن حال هذا المقام لا يكون لهم إلا في شهر رجب من أول استهلال هلاله إلى يوم انفصاله، ثم يفقدون ذلك الحال من أنفسهم فلا يجدونه إلى دخول رجب من السنة الآتية، وقليل من يعرفهم من أهل هذا الطريق، وهم متفرقون في البلاد، ويعرف بعضهم بعضا.وهؤلاء الرجبيون أول يوم يكون في رجب يجدون كأنما أُطْبِقَتْ عليهم السماء فيجدون من الثقل بحيث لا يقدرون على أن يَطْرفُوَا ولا تتحرك فيهم جارحة، ويضطجعون فلا يقدرون على حركة أَصلا، ولا قيام ولا قعود ولا حركة يد ولا رجل ولاجفن عين، يبقى ذلك عليهم أول يوم، ثم يخف في ثاني يوم قليلا، وفي ثالث يوم أقل وتقع لهم الكشوفات والتجليات والاطلاع على المغيبات، ولا يزال مضطجعا مسجى ثم يتكلم بعد الثلاث أو اليومين، فيتكلم معه ويقول ويقال له إلى أن يكمل الشهر، فإذا فرغ الشهر ودخل شعبان قام كأنما نشط من عقال، فإن كان صاحب صناعة أو تجارة اشتغل بشغله وسلب عنه جميع حاله كله إلا من يشاء الله أن يبقى عليه من ذلك شيئا – هذا حالهم وهو حال غريب، مجهول السبب والذي اجتمعت به منهم كان في شهر رجب وكان في هذه الحال.
(ومنهم رضي الله عنهم: الختم)
وهو واحد لا في كل زمان بل هو واحد في العالم يختم الله به الولاية المحمدية فلا يكون في الأولياء المحمديين أكبر منه.(ومنهم رضي الله عنهم: ثلثمائة نفس على قلب آدم عليه السلام) في كل زمان لا يزيدون ولا ينقصون، واعلم أن معنى قول النبي في حق هؤلاء: الثلثمائة (أنهم على قلب آدم) وكذلك قوله في غير هؤلاء. ممن هو على قلب شخص من أكابر البشر أو الملائكة، إنما معناه أنهم يتقلبون في المعارف الإلهية تقلب ذلك الشخص إذا كانت واردات العلوم الإلهية إنما تَرِدُ على القلوب، فكل علم يَرِدُ على قلب ذلك الكبير من ملك أو رسول فإنه يَرِدُ على هذه القلوب التي هي على قلبه، وربما يقول بعضهم فلان على قدم فلان، وهو بهذا المعنى نفسه،وقد أخبر رسول الله عن هؤلاء الثلثمائة أنهم على قلب آدم.
قال سيدي محيي الدين:وما ذكر رسول الله أنهم ثلاثمائة في أمته فقط، أو هم في كل زمان وما علمنا أنهم في كل زمان إلا من طريق الكشف، وأن الزمان لا يخلو عن هذا العدد ولكل واحد من هؤلاء الثلثمائة من الأخلاق الإلهية ثلثمائة خلق إلهي، من تخلق بواحد منها حصلت له السعادة وهؤلاء هم المجتبون المصطفون ويستحبون من الدعاء ما ذكره الحق سبحانه في كتابه {ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين}.
(ومنهم رضى الله عنهم: أربعون شخصاً على قلب نوح عليه السلام)
في كل زمان لا يزيدون ولا ينقصون، هكذا ورد الخبر عن رسول الله في هذه الطبقة، أن في أمته أربعين على قلب نوح عليه السلام وهو أول الرسل والرجال الذين هم على قلبه صفتهم القبض ودعاؤهم دعاء نوح: {رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمناً وللمؤمنين والمؤمنات، ولا تزد الظالمين إلا تبارا} ومقام هؤلاء الرجال مقام الغيرة الدينية وهو مقام صعب المرتقى، وكل ما تفرق في هؤلاء الأربعين اجتمع في نوح، كما أنه كل ما تفرق في الثلثمائة اجتمع في آدم وعلى معارج هؤلاء الأربعين عملت الطائفة الأربعينيات في خلواتهم لم يزيدوا على ذلك شيئاً وهي خلوات الفتح عندهم،ويحتجون على ذلك بالخبر المروي عن رسول الله : « من أخلص لله أربعين يوماً ظهرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه »(ومنهم رضى الله عنهم: سبعة على قلب الخليل عليه السلام)
لا يزيدون ولا ينقصون في كل زمان، ورد به الخبر المروي عن رسول الله ودعاؤهم دعاء الخليل: { رب هب لي حكماً وألحقني بالصالحين} ومقامهم مقام السلامة من جميع الريب والشكوك، وقد نزع الله عنهم الغل من صدورهم في هذه الدنيا وسلم الناس من سوء ظنهم ، إذ ليس لهم سوء الظن، بل ما لهم ظن، فإنهم أهل علم صحيح فإنما الظن يقع ممن لا علم له فيما لا علم له به بضرب من الترجيح، فلا يعلمون من الناس إلا ما هم عليه الناس من الخير، وقد أسبل الله بينهم وبين الشرور التي هم عليها ـ الناس ـ حجبا. قال سيدي محيي الدين: وقد لقيتهم يوماً وما رأيت أحسن سمتاً منهم علماً وحلماً: (إخوان صدق على سرر متقابلين) وقد عجلت لهم جناتهم المعنوية الروحانية في قلوبهم.(ومنهم رضى الله عنهم: خمسة على قلب جبريل عليه السلام)
لا يزيدون ولا ينقصون في كل زمان ورد بذلك الخبر المروي عن النبي « هم ملوك أهل هذه الطريقة » لهم من العلوم على عدد ما لجبريل من القوى المعبر عنها بالأجنحة التي بها يصعد وينزل ولا يجاوز علم هؤلاء الخمسة علم جبريل وهو الممد لهم من الغيب ومعه يقفون يوم القيامة في الحشر.(ومنهم رضى الله عنهم: ثلاثة على قلب ميكائيل عليه السلام)
لا يزيدون ولا ينقصون في كل زمان لهم الخير المحض والرحمة والحنان والعطف والغالب على هؤلاء الثلاثة البسط والتبسم ولين الجانب والشفقة المفرطة ومشاهدة ما يوجب الشفقة ولهم من العلوم على قدرما لميكائيل من قوى.(ومنهم رضى الله عنهم: واحد على قلب اسرافيل عليه السلام)
في كل زمان وله الأمر ونقيضه جامع للطرفين ورد بذلك خبر مروي عن رسول الله فيمن له علم اسرافيل
- You must be logged in to reply to this topic.