التعريف بعلم العرفان والتصوف -1-
تمهيد
بقلم الفقير لله تعالى: أحمد يوسف نده
2017-11-24
…………………………………..
بسم الله الرحمن الرحيم
.
مباحثنا هذه تأتي في زمن كثرت فيه الآراء والادعاءات.. وغابت فيه المنهجية السليمة والرؤية الواضحة.. خصوصاً في هذه الأزمات التي عاشتها المنطقة.. والتي وصلت لدرجة قلبت المفاهيم رأساً على عقب..
.
حديثنا هنا لشبابنا وأبنائنا وأخوتنا.. للإنسان الذي يجد نفسه ضمن هذا الكون الواسع الأرجاء.. المليء بالأحداث والظواهر والأسرار.. هذا الكائن الحي الذي يعيش على سطح الأرض ضمن مجتمعات بشرية لها قوانينها وعاداتها وأعرافها.. هذا الكائن العاقل الذي يتمتع بقوة عاقلة لا يمكنه تجاهلها… تفرض عليه أسئلة تقض مضجعه ولا تفارق مخيلته.. فيبحث عن الإجابة عليها تارة في اكتشاف الطبيعة.. وتارة في التأمل بما وراء الطبيعة..
.
هذا العقل الذي لا زال يطرح أسئلة واستفسارات عن أصل الحياة ومنشأ الكون والغاية من وجود الإنسان.. ولماذا خلقنا هنا.. وما الرسالة وما الهدف وما الغاية من وجودنا.. ما هو المطلوب منا.. وما هو مصيرنا.. وهل هناك ديمومة في الحياة أم كل الدنيا لعب وعبث ولغو؟
.
وعند هذا المفترق الأول يحصل الفراق الأول بين الكائنات البشرية العاقلة:
فقسم منهم يسلك سبيل المادية والإلحاد.. فيقول بأن الطبيعة والكون وُجد صدفة.. وقوانينه ظهرت فجأة.. وتنظيمه نتيجة فوضى.. والحياة بدأت من طفرة… ثم ظهرت الكائنات وفق آلية التطور… ثم بعد الموت فناء وعدم وكأن شيئاً لم يحصل.. وعلومنا كلها أوهام.. ويقيننا ليس إلا شكوك.. فلا إله ولا غيب ولا رسل ولا شرائع.. لا آخرة ولا معاد ولا حساب ولا بعث..
وحديثنا هنا ليس موجهاً لهؤلاء.. لأن المباحث العلمية التي سنقدمها فيما بعد ستبين مدى سذاجة هؤلاء وضعف حججهم وسخافة أحلامهم وسطحية عقولهم وضحالة أفكارهم..
.
بل سيكون حديثنا موجهاً للقسم الآخر الذي يعتقد بأن هناك خالقاً لهذا الكون.. أوجده ونظمه ووضع قوانينه.. وأنه خلق الحياة على هذه الأرض.. ثم أنشأ الإنسان في أحسن تقويم وأفاض عليه العقل وأرسل إليه الرسل وأنزل إليهم الكتب.. ليعرفوه ويعبدوه.. وليتكاملوا في هذه النشأة حتى يصلوا إلى اليقين.. وأن هناك نشأة أخرى تأتي بعد القيامة حيث يُبعث من في القبور ويقومون ليوم الحساب.. فمن ثم إما مخلد في جنة عرضها السموات والأرض أو مخلد في جهنم وساءت مصيراً..
.
ومثل هذا الإنسان عندما ينظر إلى الكم الهائل من العقائد والشرائع والمذاهب والكتب .. وخصوصاً في زماننا حيث انتشرت الآراء والأفكار المختلفة سواء على الفضائيات أو على وسائل التواصل الاجتماعي.. كل يدعي أنه الحق وأن الحق معه.. في ظل هذه الفوضى الفكرية والتشتت العلمي.. يطرح عقله هذا السؤال: ما هو الطريق الذي يقربني من خالق هذا الكون العظيم؟ وكيف لي أن أعرف الطرائق والعبادات والمناهج التي توصلني إلى الحق وتحقق لي النجاة؟
.
وفي ظل هذا الاضطراب الفكري يأتي علم العرفان والتصوف لتهذيب النفس أولاً وتصفية الذهن ثانياً… من أجل الوقوف على الطريقة السليمة في اعتماد الأفكار الصحيحة.. ثم الطريقة العملية الصحيحة في تطبيقها عملاً.. بهدف الوصول إلى رضا المعبود والفوز بحياة أبدية تمثل غاية الإنسان في عملية ارتقائه وتكامله المعنوي..
.
فإن كنت يا صديقي من هذا القسم ومن الذين يطرحون على أنفسهم مثل هذه الأسئلة.. فحديثي هذا موجه لك.. وإن كنت لست من هذا القسم.. أو كان عقلك من النوع الذي لا يتساءل.. فلا تتعب نفسك في قراءة هذه المنشورات لأنها لن تنفعك قيد شعرة..
كان هذا تمهيداً لبحوث العرفان والتصوف.. وفي المنشور القادم سنبدأ بطرح مقدمات حول التعريف بهذا العلم الشريف.. وسيكون ذلك اعتباراً من الغد لأننا لم نغص بعد في بحر المصطلحات والمفاهيم والنظريات.. فإلى غد.. دمتم بخير والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..