بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلي على محمد وآل محمد
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ
وصلنا في المقال السابق وفي ما سبقه من المقالات إلى أن عدد المؤهلين للدخول في مكتبة المعارف الربانية والاستفادة منها بشكل كامل هو عدد ثابت ومحدود لقصة آدمنا الحالي وهم أفراد الثلل الثلاثة والقليل من ألأولين والآخرين ،، وأنّ هؤلاء كما هو وارد ببعض الروايات معروفين بأسمائهم وصفاتهم من قبل حزب الله الذي تعهد بإيصالهم للسلام عبر السلوك بهم في سبل السلام
وتسآئلنا قائلين:
من هو أو من هي “السلام” التي سيرشدنا حزب الله القرآني لسُبُـلِهِ أو لسُبُـلِهَا؟
يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ
اتَّبَـــــــعَ رِضْـــــــوَانَـــــــهُ
سُـــــــــــبُــــلَ الـــسَّــــــلامِ
وَيُخْرِجُهُم مِّنِ
الظُّـــــلُــــمَـــاتِ
إِلَى
الـــــــــنُّـــــــــــــــــــــورِ
بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ
وقلنا أن الآية الكريمة نسبت السُبُل لـ “السلام”
وتسآئلنا بعد ذلك وقلنا :
من هو أو من هي “السلام” الذي بطبيعة الحال سيسعى إبليس وجمعه بكل طاقته وطاقتهم لتعطيل أفراد تلك الثلل من الاهتداء لتلك السبل الموصلة له أو لها عبر محاولة إغلاقهم لكل المنافذ الموصلة لهم لتلك السُبل؟
وإشرنا إلى أنهم يقومون بذلك من أجل منع وتعطيل أفراد تلك ((الثلل الثلاثة ومجموعة القليل)) قدر استطاعتهم من الوصول للسبل ومنها للسلام
وختمنا متسائلين كيف سيفعلون ذلك؟ وما هي طرقهم لذلك؟
وهذا سيرجعنا للبداية لاجتماع الملأ الأعلى ولمجموعة الكافرين الذين كان إبليس في بداية الإجتماع مجرد أحد أفرادها لكن مع أنتهاء الإجتماع أصبح هو قائدهم
وقلنا من البداية أن معنى مجموعة الكافرين كما نعتقد به هو أنها المجموعة التي تكفر الحقائق أو التي تُغطّي الحقائق
وأنّ صفة الكافرين في هذا الموضع هي صفة لوصف فعل وعمل ووظيفة مجموعة معينة ،، وليست صفة أخلاقية لهم
وذلك كأن نقول أن في اجتماع اتحاد العمّال خطب فلان من الناس وفلان هذا كان من البنائين أو من الحرّاثين أو من المضاربين بالبورصة ،، ففلان هذا هو أحد أفراد تلك المجموعة ،، وإسم تلك المجموعة هو من صفة فعلهم او من صفة وظيفتهم
وقلنا أنه كان يوجد بالمقابل لهذه المجموعة مجموعة أخرى مهمتها ووظيفتها هي كشف الحقائق،، وقلنا أنها هي مجموعة المخلصين
وقلنا أن قائد مجموعة المخلصين والتي هي مجموعة الأنبياء والرسل قد وقف في ذلك الإجتماع وقال:
كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ
فمسألة إنتصار حزب الله أو حزب الكاشفين ليست بالأمر الجديد على جميع من كانوا حاضرين بذلك الإجتماع
فقبل أدمنا الذين اجتمعوا من أجل ترتيب وتحديد ورسم كيف ستتم عمليات تنزلهم بإذن ربهم من كل أمر سيجري في قصته وقصة ذريته ، كان يوجد هناك أكثر من ألف ألف آدم سابقين له ونفس هذه المجموعة من الملأ الأعلى قد عقدت كذلك أكثر من ألف ألف اجتماع من أجل نفس الهدف الذي يجتمعون الآن له
وقلنا أنه من كلّ قصة آدم منها كان يتم استخلاص عدد من الثلل في كل مقطع زماني منها ،، وحين يكتمل العدد المطلوب والمحدد من البداية ستكون مهمة حزب الله قد اكتملت فيعلن حينها فوزه
نعم المدة قد تطول او تقصر حتى يتحقق هذا الهدف، لكنّ جميع الحاضرين في اجتماع الملأ الأعلى كانوا حينها يعلمون بحتمية تحقق هذه النهاية أو تحقق هذه النتيجة بغلبة مجموعة الكاشفين ووصولهم لهدفهم مهما طالت المدة
فهذا الأمر قد حصل معهم سابقا وفقط تحت قبة آدمنا هذه لأكثر من ألف ألف مرة ،، وتم فيها استخلاص أكثر من ثلاثة آلآف ألف ألف ثلّة سابقة ، وتم رفع جميع أفرادها من بين سكنة العوالم الأرضية تحت القبب السماوية او السقوف المرفوعة ليصبحوا منهم ومثلهم من سكنة عالم السماء
والسباق والتنافس بين المتنافسين هو من سيستطيع منهم أن يدخل في مكتبات المعارف الربانية قبل غيره ويستفيد منها ومن الموجودين فيها كامل الإستفادة
وهذا لن يتحقق لأي من المتنافسين ما لم تتفجر عنده شاكرة التاج ويفيض منها نهر الكوثر ويتصل بالاسم المكنون.
نعود الآن للسلام لنعرف من هي السلام ومن هم سُبُلها لكن وقبل أن ندخل في هذا الأمر أرجو الإنتباه أننا حين سنذكر الأسماء في طيّات الكلام فإننا لا نقصد بذلك نفس تلك الأسماء فقط، بل نقصد تلك الحقائق الإلهيّة التي تجلّت تحت السقف المرفوع بأنفسها عبر الأزمنة وبين جميع الناس بأسماء وصور مختلفة لتعلّمهم عبادة الله الذي خلقهم أولا كحقائق إلهيّة ليخلق بعد ذلك بهم وعبرهم ما يشاء من المخلوقات
أو الذين خلقهم الله كنور إلهي متعدد الصفات ومتوحّد الصفات لكي يخلق منهم وبهم بعد ذلك كل السماوات والأرض وجميع ما فيهما وبينهما
فالأسماء التي سنذكرها هنا ظهرت بين الناس تحت سقفنا المرفوع خلال كلّ مقاطع التاريخ بصور وأسماء مختلفة ،، وهم لا يزالون يظهرون لليوم كذلك بين مختلف الأقوام وفي مختلف البقاع بصور وأسماء مختلفة من أجل نفس الهدف وهو لكي يعلموهم المعاني الإلهية السامية ويعرّفوهم بالله الذي خلقهم وخلق بهم ومنهم كل شيء ،، بل الذي ابتدعهم كلهم لا من شيء وابدع منهم بعد ذلك كل شيء
أبتداءا من الإسم المخلوق والكلمة التامة الإسم المكنون والأسماء العظمى الثلاثة التي انطوى بها ، مرورا بالاسماء الحسنى الإثني عشر وصولا لكلّ الكون بجميع ما به والذي ملأ أركان كل شيء خلقه به بأسمائه
ومن سيرى أنني أتكلم هنا عن أسماء بصفات معيّنة مذكورة أو منسوبة في أديان أخرى لشخصيات أخرى يحملون أسماء أخرى فليعلم أنهم هم نفسهم من تجلوا بأنفسهم لتلك الاقوام بتلك الأسماء والصور المختلفة المعبرة عن تلك الصفات الإلهية
وأحب أن أقول في البداية أن الأخ الكريم Hasan Ashi قد وصل عبر علم حساب الحروف والكلمات للنتيجة النهائية بشكل مباشركما أوضح لنا ذلك في مداخلته الكريمة على المقال السابق، لكنني أحب هنا أن أصل لنفس هذه النتيجة من خلال الروايات وذلك ليتبين لنا أيضا معنى قولنا ((سلام الله عليهم)) وهل هو أكمل وأشمل في المعنى والإشارة مما لو قلنا ((إليهم التسليم)) أم أننا حين نقول ((إليهم التسليم)) سيكون تعبيرنا أشمل وأكمل؟
السلام هي فاطمة الزهراء
ففاطمة الزهراء هي ليلة القدر التي قال الإئمة عليهم السلام أن من عرف فاطمة حقّ معرفتها فقد أدرك ليلة القدر
فعن تفسير فرات الكوفي مسنداً عن الإمام الباقر (عليه السلام) في تفسير سورة القدر، قال ((إنّ فاطمة هي ليلة القدر، من عرف فاطمة حقّ معرفتها فقد أدرك ليلة القدر)).
الإمام الباقر عليه السلام لا يتكلم هنا عن فاطمة الزهراء من حيث بدنها واسمها وعمرها الذي وُلِدت به في زمن الرسالة ،، بل من حيث مكانتها العظمى في تركيبة نور السماوات والأرض الذي خلقه الله أوّل ما خلق ومنه خلق كل جميل
حيث أنها هي نفسها هي المشكاة التي تجمع في وجودها المصباح والزجاجة والشجرة والنور على النور
عن أبى عبد الله عليه السلام قال : أن المشكاة هى أمي فاطمة ……..إنتهـــــــــــــى النقل
وروى الشيخ الكليني رحمه الله عن الإمام الصادق عليه السلام في قول الله تعالى:
ـ(الله نور السموات والأرض مثل نوره كمشكوةٍ ) قال ــ: «فاطمة عليها السلام»،
ـ(فيها مصباحٌ ) «الحسن»،
ـ(المصباح في زجاجةٍ) «الحسين»،
ـ(الزجاجة كأنها كوكب دري) «فاطمة كوكب دري بين نساء أهل الدنيا،
ـ(يوقد من شجرةٍ مباركة) «إبراهيم عليه السلام»،
ـ(زيتونة لا شرقية ولا غربية) «لا يهودية ولا نصرانية»
ـ( يكاد زيتها يضئ ) «يكاد ا لعلم ينفجر بها»
ـ(ولو لم تمسسه نارٌ نورٌ على نورٍ ) «إمام بعد إمام»
ـ( يهدي الله لنورهِ من يشاء ) «يهدي الله للأئمة من يشاء،
ـ(ويضرب الله الأمثال للناس)…..إنتهـــــــــــــى
والروايات كثيرة في هذا المعنى ومروية في كتب الشيعة والسنة كذلك
ففاطمة الزهراء من حيث أنها هي “ليلة القدر” فهي نفسها “سلام الله”
وأن محلها من نور السماوات والأرض هو انها هي “المشكاة” او هي النور الجامع في وجوده لأنوار كلّ الأئمة عليهم السلام
فكما أن المشكاة مستنيرة وتحمل المصباح المنير فكذلك فإن فاطمة الزهراء هي الوعاء النوراني الذي حمل أنوار الأئمة الأطهار
ولذلك كان الأئمة يقولون أنهم حجج الله على الخلق وأن فاطمة هي حجة الله عليهم
فكما وردعن الامام الباقر عليه السلام أنه قال : نحن حجة الله على خلقه وأمّنا فاطمة حجة الله علينا…..إنتهـــــــــــــى
وذلك لأن أنوارهم أنورت أو أزهرت من نورها،، وأن نورها جمع أنوارهم ،، لكنهم كلهم نور واحد لا يسبق أولهم أخرهم ولا يتأخر آخرهم عن أولهم
فنورها حجة على أنوارهم ،، وهم كلهم نور واحد
ولعلنا نفهم الآن لماذا كان الأئمة يقولون أن سورة القدر هي نسبهم تماما كما أن سورة التوحيد هي نسب الله
فهم من نور الزهراء صدروا وأشرقوا
فهم الأركان الإثني عشر للكلمة التامة أو الأركان الإثني عشر للأسماء الظاهرة
وأمّا أمهم فاطمة فهي الإسم المخلوق الذي هو بالحروف غير منعوت، وباللفظ غير منطق، وبالشخص غير مجسد، وبالتشبية غير موصوف، وباللون غير مصبوغ، منفي عنه الاقطار، مبعد عنه الحدود، محجوب عنه حس كل متوهم، مستتر غير مستور، فجعله كلمة تامة على أربعة أجزاء معا ليس منها واحد قبل الآخر، فأظهر منها ثلاثة أسماء لفاقة الخلق إليها، وحجب واحدا منها، وهو الاسم المكنون المخزون بهذه الاسماء الثلاثة التي اظهرت
فعندما يقول الأئمة لنا أن سورة القدر هي نسبهم فإنهم يريدون القول اننا زهرائيون، فمن نورها كما تقول الروايات الكثيرة لنا قد أشرقت السماوات والأرض ومن فيها
أرجوا الإنتباه أننا نتكلم الآن عن أوّل مخلوق
عن صفات أوّل مخلوق خلقه الله المعنى المعبود
وعن شرف أوّل مخلوق خلقه الله المعنى المعبود
أمّا الله المعنى المعبود فلا كلام يمكن لنا أن نصفه به
فالله أكبر من أن تحيط به العقول أو أن تصفه الألسن أو حتى أن تقترب من حدوده
ففاطمة هي التجلي للمرتبة الأعلى في نور السماوات والأرض ، لــ “سلام الله” و”رحمته الواسعة” التي “وسعت كل شيء”
في الهندسة المقدسة يرمزون لهذه المرتبة العالية الأعلى في نور السماوات والأرض بشكل
“الدائرة”
وداخل الدائرة يرسمون العرش على شكل مكعب له أثني عشر ضلع وهو التجلي الأعظم لنور محمد صلى الله عليه وآله
فمحمد هو العرش ،، ولذلك فإن كلّ ضلع من أضلاع المكعّب هو نفسه محمد، هو نفسه العرش
فتلك الأضلاع الإثني عشر للعرش أو للمكعب في الهندسة المقدسة كلها تقول أوّلنا محمد وأوسطنا محمد وآخرنا محمد وكلّنا محمد
فـ “الدائرة” أو “المشكاة” أو “سلام الله” أو “رحمته التي وسعت كل شيء” هي تحيط بالعرش أو تحيط بالمكعب
كما أنها تحيط كذلك بالاسم المكنون أو بالباطن الذي تجلّى بالظاهر أي الذي تجلى بالعرش وانطوى به بكل أركانه
ولذلك فإننا عندما نذكر الأئمة عليهم السلام ونقول “سلام الله عليه أو عليهم” فإن ذكر مرتبة فاطمة الزهراء النوراني التكويني مستبطن بهذا الذكر العظيم،، فهي المشكاة وهي سلام الله المحيطة بهم كلهم ،، وهي حجة الله عليهم
بينما عندما نقول “له أو إليهم التسليم” فلا يوجد لمنزلتها النورانية الأعلى محل واضح من الذكر في هذا القول
وحتى عندما نقول في الصلاة او لبعضنا البعض “السلام عليكم ورحمة الله وبركاته” أو “وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته” فإن ذكر منزلة فاطمة الزهراء النورانية العالية هو مستبطن بهذا القول أيضا
فهي “سلام الله”
وهي “المشكاة “
وهي “رحمة الله التي وسعت كل شيء”
فالأئمة عليهم السلام هم السُبُل التي تستطيع أن توصلنا لفهم مرتبة ومعنى السلام أو المشكاة وهي المرتبة الأعلى في التوحيد
ولذلك يقول الأئمة لنا أن على معرفة فاطمة قد دارت القرون الاولى
فالله المعنى المعبود الذي أبدع نور المشكاة بما فيها من الأنوار الشريفة التي كلها نور على نور ليس واحد وليس أحد ، ولا يمكننا أن نطلق عليه أو أن نصفه بأيّ صفة كانت
فالله المعنى المعبود أكبر من أن تتصوره أو تتخيله أو أن تحيط به العقول
وحتى هذا النور الإلهي المخلوق لا يمكننا أن نتصوره تصورا كاملا ، لكن يمكننا أن نحاول أن نقترب من فهمه عبر الخيال ، وأن نحاول أن نصفه بالكلمات القاصرة وأن نضرب له الأمثال مع ضعفها جميعها وعدم قدرتها جميعها من وصف حقيقة هذا النور الإلهي بشكل كامل
لكن يمكننا أن نجعل لهذا النور ربا يؤوب إليه وأن نقول فيه بعد ذلك ما نشاء من الصفات مع يقيننا من أن أننا لن نبلغ عُشر مِعشار عُشر من معشار عُشر حقيقته وصفته
فهو نور مخلوق ويمكن للمخلوق أن يتفكر بالمخلوق وأن يصف المخلوق وأن يحاول أن يقترب من فهم المخلوق ،، حتى وإن كان يعرف ويُوقن أنه لن يستطيع في يوم من الأيام مهما طالت أيام حياته لملايين السنين من أن يحيط به أحاطة كاملة
وصلى الله على خير خلقه أجمعين محمد وآله الطيبين الطاهرين