بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلي على محمد وآل محمد
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الوجود العقلي والشعور بتجربة الحياة به كتجربة مادية حقيقة
كل ما يجري في هذا الوجود من الاحداث مهما كانت صورها وتفاصيلها فإنها كلها تجري في العقل الذي خلقه الله المعنى المعبود بمشيئته أوّل ما خلق
روي المجلسيّ عن «علل الشرايع» باسناد العلوي عن أميرالمؤمنين علیه السلام: إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّي اللَهُ علیهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ مِمَّا خَلَقَ اللَهُ عَزَّ وَجَلَّ الْعَقْلَ؟
قَالَ: خَلَقَهُ مَلَكٌ لَهُ رُؤوسٌ بِعَدَدِ الْخَلاَئِقِ،
مَنْ خُلِقَ وَمَنْ يُخْلَقُ إلی يَوْمِ الْقِيَامَةِ،
وَلِكُلِّ رَأْسٍ وَجْهٌ،
وِ لِكُلِّ آدَمِيٍّ رَأْسٌ مِنْ رُؤوسِ الْعَقْلِ.
وَاسْمُ ذَلِكَ الإنسان علی وَجْهِ ذَلِكَ الْرَأْسِ مَكْتُوبٌ.
وَعلی كُلِّ وَجْهٍ سِتْرٌ مُلْقيً لاَ يُكْشَفُ ذَلِكَ السِّتْرُ مِنْ ذَلِكَ الْوَجْهِ
حَتَّي يُولَدُ هَذَا الْمَوْلُودُ
وَيَبْلُغُ حَدَّ الرِّجَالِ أَوْ حَدَّ النِّسَاءِ؛
فَإذَا بَلَغَ، كُشِفَ ذَلِكَ السِّتْرُ،
فَيَقَعُ فِي قَلْبِ هَذَا الإنسان نُورٌ فَيَفْهَمُ الْفَرِيضَةَ وَالسُّنَّةَ وَالْجَيِّدَ وَالرَّدِيَّ.
أَلاَ وَمَثَلُ الْعَقْلِ فِي الْقَلْبِ كَمَثَلِ السِّرَاجِ فِي وَسَطِ الْبَيْتِ………إنتهى
وهذا العقل الكلّي المخلوق الأول بالمشيئة أو هذا الملك الذي له رؤوس بعدد الخلائق هو نفسه نور السماوات والأرض المخلوق أو الصادر الأول
وأناْ وأنت وكلنا وكل واحد منّا هو رأس من رؤوس هذا العقل الكلّي او هذا الملك
وحتى السماوات والأرض بمختلف أبعادها وأحجامها هي كلها موجودة ضمن هذا الوجود العقلي الواحد او ضمن هذا الوجود النوراني الواحد
س ـ ماذا يوجد خارج هذا العقل الكلي؟
ج ـ لا يوجد خارجه خارج
س ـ لماذا؟
ج ـ لأن العقل الكلي هو من يخلق الشعور بالمكان لكل العقول الجزئية
فخارج هذا العقل الكلي لا يوجد من خارج ،، أو لا يوجد من المخلوقات من هو أقدم وأقدر خلقا منه ليجعله يشعر بالمكان، فلذلك فإن العقل الكلّي لا يمكن له أن يختبر تجربة الشعور الوجود في المكان ،، لأنه هو فقط من يخلق الشعور بالمكان لجميع العقول الجزئية التي يحويها كلها بوجوده الواحد ،،، وكل واحد منها يعتبر جزء منه وهو مجموعها كلها
هذا العقل الكلّي الجامع في وجوده لجميع العقول الجزئية لكل المخلوقات مثاله في القرآن الكريم هو أنه أو أنها هي المشكاة
والمشكاة هي رحم الوجود ،، فالمشكاة هي الرحم الإلهي الذي يحوي بوجوده كل العقول الجزئية على الإطلاق
فلا يوجد شيء مخلوق موجود ويمكن أن يكون له حظ من الوجود بمعزل عن هذه المشكاة، أو خارج هذا الرحم الالهي
وهذه المشكاة تحوي من أول وجودها كل الموجودات قاطبة، أي تحوي كل العقول الجزئية لكل المخلوقات التي شعرت أنها قد انخلقت بالفعل أو التي ستشعر مستقبلا أنها انخلقت وبدون استثناء
سأستخدم الأن تعبير المراحل لكي أقرب ما أريد أن اقوله تاليا،، والا فالحقيقة قد انخلقة دفعة واحدة ولا يوجد بها مراحل
لنتصور أن هذه المشكاة التي تحوي كل الموجودات لم يكن بها نور يُظِهر تلك الموجودات الموجودة بها على مختلف صورها وأشكالها ودرجاتها
فحينها ستكون هذه المشكاة مظلمة من داخلها ظُلمة حالكة ودامسة
تماما كظلمة الرحم من داخله وكذلك تماما كظلمة تجويف الدماغ داخل القشرة التي تحيط به من كل مكان فتمنع دخول الضوء داخله
فنحن واقعا لا نميز الاشكال والالوان من خلال نفس الضوء ، كما وأننا لا نسمع الأصوات عبر نفس الموجات الصوتية ،، وأيضا لا نشعر بالنعومة والخشونة من خلال نفس الخشونة والنعومة، وكذلك لا نشم الروائح مباشرة من خلال نفس الروائح ،، ولا نستطعم الاطعمة من خلال طعومها ،، وقس على ذلك بقية الأحاسيس
فلكي تتحول كل هذه الأحاسيس بالنسبة للأنا الحقيقية لواقع معاش ولتجربة مادية متصلة لحظاتها يجب أن تتحول قبلها وبعملية معقدة جدا جدا لإشارات كهربائيةة متناسقة ومتوازية تساهم بها جميع أعضاء البدن وحواسه وتقوم بعد ذلك بإرسالها للمخ الذي سيقوم أخيرا بترجمتها لصور واصوات ومشاعر واحاسيس
خلال النهار وحين اليقظة نحن نعتقد أن أعضائنا البدنية وأجهزته المختلفة هي من تقوم بهذه العملية
أي أننا نعتقد أن مصدر هذه الاشارات المتناسقة التي تصل للمخ خلال النهار او خلال اليقظة وتجعله يختبر تجربة الحياة هي أعضاء الاستقبال والاحساس المختلفة في بدن الانسان ، مثل العيون والاذان والبشرة والانف وغير ذلك من أعضاء وأجزاء البدن
لكن السؤال الذي سيثير الشك حول هذا الاعتقاد هو:
من أين تأتي تلك الإشارات خلال النوم عندما يدخل الانسان في عالم الأحلام والرؤى؟
فالانسان وهو في حالة اليقظة عندما يختبر الشعور بالمشاعر المختلفة للحياة اليومية عبر أعضاء الحس والاستقبال في البدن ((كما يعتقد)) فإنه يشعر بها كتجربة حقيقيةة بالكامل
وبنفس الوقت وبنفس الصورة فإنه عندما ينام ويدخل في عالم الأحلام فإنه سيعيش التجربة بكامل احاسيسها ومشاعرها وأحداثها أيضا كتجربة حقيقية بالكامل
وذلك رغم أن أعضاء الاستقبال الخاجية لتلك الاشارات يكون بعضها معطّل والبعض الاخر منها لا تتناسب الظروف الخارجية المحيطة بتلك الأعضاء بظروف الأحداث والمشاعر التي يعيشها نفس الانسان وهو يحلم
يعني قد يرى الانسان في منامه أحيانا انه يحترق بالنار كما ويشعر حينها أيضا بالنار وهي تحرق جلده رغم أنه في واقع الحال نائم تحت التكييف البارد وربما يكون منكمش على نفسه من شدة لبرودة أيضا،
وقس على ذلك بقية اعضاء الحس في الانسان
فتلك الإشارات التي وصلت للدماغ وجعلته يعيش تجربة حقيقة بكامل صورها ومشاعرها خلال نومه لم تصله من أعضاء بدنه الحسية التي يعتقد انها تصل إليه منها خلال يقظته ،، بل وصلته من مكان آخر لا علاقة لتلك الاعضاء بها،، لكنها رغم ذلك جعلته يشعر بتجربة الحياة أيضا بكل مشاعرها وألوانها وأضوائها تماما كما أنها جعلته يشعر بالمكان والزمان كذلك
فتلك الإشارات التي تصل للمخ هي من تهيئ للوعي الحقيقي ذلك الشعور بالمكان والزمان ،، وهي من تهيئ له أيضا الشعور بالحركة في المكان والزمان خلال تواجده في عالم الأحلام او داخل منامه
وهي أيضا من تهيئ له كذلك صورة بدنه وصفاته داخل تلك التجربة التي يعيشها في منامه
فهذه الاشارات قد تهيئ له صورته في منامه وكانه شاب أو طفل صغير رغم أنه في عالم اليقظة يرى نفسه من خلالها كهل او عجوز
فهذه الاشارات هي من تحدد صورتك وتجعلك تشعر بتجربة الحياة بابعادها الزمنية الثلاثة وباستمرارها وباتصال شعورك بلحظاتها لحظة بعد لحظة بعد لحظة وبشكل دائم وسيّال كنهر جاري لا ينقطع
فبدنك وحركتك وشعورك بنعيمك وشقاؤك ضمن عالم النور او ضمن عالم العقل الكلي لا وجود خارجي حقيقي له
لكن نفس شعورك بتجربة ومعايشة كل تلك المشاعر هو وجود وشعور حقيقي يجعلك تخاف من بعضها وتحب بعضها الاخر
يعني لو قلت لك في منامك أنك نائم وسأحرقك بالنار فإنك حتى ولو انك صدقتني مائة بالمائة حين قلت لك ذلك ستخاف من الحرق وستشعر بالقلق والخوف من الشعور بالحرق
فتجربتك تجربة حقيقية لأن الاشارات التي ستصل لدماغك وتخلق لك التجربة بكامل مشاعرها ستجعلك تشعر بها كتجربة حقيقية وكاملة تماما كتجربتك في حالة اليقضة
فمن أين تصل تلك الإشارات؟
وما هي أعضاء استقبال تلك الاشارات؟
وكم هو عدد مصادر تلك الإشارات؟
وأين ستجتمع تلك الإشارات لتشكل كلها ومع بعضها البعض صورة تلك التجربة التي نعايشها ونشعر بها كتجربة حقيقية سواء في حالة اليقظة او حالة النوم؟
ومن هو الذي يستقبل تلك الاشارات مجتمعة؟
من يريد أن يفهم ويتابع ما اقوله هنا لا يجب أن ينظر لنفسه على اساس أنه إنسان مادي يعيش تجربة روحية
بل يجب أن ينظر لنفسه على أساس أنّه روح يعيش تجربة زمكانية مادية
أو بشكل أدقّ يجب أن ينظر لنفسه على أساس أنه:
عقل جزئي
يعيش تجربة زمكانية
يشعر بها أنه روح يعيش
تجربة زمكانية مادية
بتعبير آخر يجب أن ينظر لنفسه على أنه عقل يحلم أنه روح من الارواح يطوف في عالم روحي
وهو ينام فيه كروح ليحلم انه انسان يمر بتجربة مادية في عالم المادة
يعني أنه عقل يمر بما يشبه حلم مركّب من حلمين ،أو حلم داخل حلم،
في الحلم الأول يرى نفسه أنه روح
والحلم الثاني يحلمه من مستوى وعيه كروح ويشعر بنفسه أو يرى نفسه خلاله وكانه إنسان بدنه بدن مادي
حين ينتهي حلمه أو حياته بالموت في عالم المادة ويستيقظ أو ينتبه من نومه فإنه سيعود مرة أخر للشعور بنفسه كروح يعيش في عالم الأرواح
لكنه كروح حين سينام مرة أخرى فإنه سيعود لعالم المادة مرة أخرى لكن كإنسان جديد بإسم ومواصفات جديدة وحياة جديدة بكرّة جديدة بكل ظروفها
((الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا))
الأصل في كل ذلك هو:
1ـ أنك إنسان عقلي يعيش تجربة روحية قبل
2ـ أن تكون إنسان روحي يعيش تجربة مادية وقبل
3ـ أن تكون إنسان مادي يعيش تجربة الانفصال الكامل والنسيان التام لأصله الروحاني ولكل ما سبق
الأن نعود للعقل الجزئي والذي نفس تلك الاشارات هي من ستجعله ابتداءا يعيش التجربة الروحية ونسأل:
من هو الذي سيشعر بتفاصيل تلك التجربة الروحية التي سيرى العقل بها نفسه كروح من الأرواح والتي ستصورها له تلك الاشارات الثمانية بكامل مشاعرها وأحاسيسها وصورها؟
أعتقد ان الجواب موجود داخل نفس السؤال الذي يفرض نفسه بهذه الصيغة،، وهو أن العقل هو الذي سيشعر بتفاصيل تلك التجربة الروحية التي سيرى بها نفسه كروحح من الأرواح وفي عالم الأرواح
من هو العقل؟
او من الذي نقصده بالعقل هنا؟
هل هو الوعي المتلقي لتلك الاشارات التي سيرى ويعايش من خلالها مختلف انواع الصور والمشاعر والأحداث ويشعر بواسطتها تجربة الحياة سواء كروح او كـ إنسان مادي؟
أم هو الوعي الذي سيرسل تلك الإشارات المتعددة والمتناسقة لذلك المتلقي والتي ستجعله أو ستعينه على أن يعيش تجربة الحياة بكل صورها الممكنة؟
عن المرسل والمستقبل لهذه الأشارات كنّا قد تحدثنا وكتبنا فيما مضى عدة مقالات، كما وأشرنا لها إشارة أيضا بعدة مقالات منفصلة أحيانا وأحيانا أخرى أشرنا لها ضمن الاجابة عن بعض الأسئلة التي كانت تدور حول وعي الانسان ومصدره
أضع روابط تلك المقالات لمن يحب الاستزادة مما كتبته حول هذا الموضوع وأكتفي اليوم بذلك