بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلي على محمد وأل محمد
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الثاني: إنها حقا نتيجة مرعبة، لكن لماذا تم إحاطتي ببحور من الظلمات والكذب؟
الزوجة: هل يبان فضل قبس النور في وسط النهار؟
الثاني: لا
الزوجة: ولما لا؟
الثاني: لأن ضياء الشمس عميم وغامر وطاغي فلا يمكن أن يبان أيّ فضل لما هو دونها وأقل منها بما لا يعدّ ولا يحصى من المراتب
الزوجة: ومتى يبان فضله إذن؟
الثاني: فقط حينما يلف الظلام حامل القبس
الزوجة: وهكذا فضل الظلام على قبس النور، فلولا الظلام لما بان فضله ولما كانت الحاجة له
الثاني: صحيح كلامك، فالظلام هو الذي يظهر نور القبس وفضله على حامله
الزوجة: هنا يعترضنا سؤال جديد وهو ماذا لو أن إنسان وُلِد في الظلام ولم يرى بحياته الضياء فأنس الظلام واطمئن له مدة طويلة من حياته
هل سيشعر هذا الانسان بالراحة والاطمئنان عندما يرى قبس نور من بعيد أو حين يراه بيد أحدهم؟
الثاني: أعتقد أنه سيخاف من نور القبس وكذلك من الذي يحمل القبس وأيضا سيخاف من الذي سيكشفه له قبس النور من الذي كان مخفيا عنه بسبب الظلمات التي اعتاد عليها وأنسها
الزوجة: لكن قبس النور لا بد أن يكون له فضل ، أليس كذلك؟
الثاني: نعم بالتأكيد لا بد أن يكون له فضل ، لكن ليس للجميع
بل فقط من سيميّز أنه كان يعيش من ولادته في الظلمات وتولّد عنده شوق ورغبة للخروج منها
الزوجة: وهكذا هي بحور الكذب أيضا ، فهي لها الفضل على مثال نقطة الحقيقة التي تُوقِد قبس نفسها بنفسها وتبدء بالتمييز أنها تعيش في الظلمات، فمن غير أن تُوقد قبسها لن يبان لها فضل نفسها وحقيقتها
وبدون أن يتصل مثال النقطة بشجرته شجرة طوبى سدرة المنتهى تماما كما أن المصباح متصل دائما وأبد بالشجرة المباركة ويأخذ من زيتها فإنه لن يتمكن من أن يوقد نفسه ليعرف حقيقة حقيقته
الثاني: لم تصل لي الفكرة بعد
الزوجة: هكذا كانت هي مشيئة المشيئة نقطة الحقيقة مع مثالها
فكما توقّد المصباح في المشكاة ليلة القدر بفضل زيت شجرة طوبى وسدرة المنتهى فأصبح له نور فاتّقد وأصبح له نور شاء لمثاله أيضا أن يضيء نفسه بنفسه في الظلمات فأحاطه ببحور الكذب التي ستحبسه في ظلماتها
الثاني: المزيد من التوضيح لو أمكن
الزوجة: حسنا ،، المصباح في المشكاة هل له نقطة بداية أشرق منها وأنار؟
الثاني: لقد أشرق من صبح الأزل
الزوجة: وماذا تفهم من ذلك؟
الثاني: أفهم انه أزليّ لا نقطة بداية له
الزوجة: وماذا تعني إذن بقولك أنه أشرق؟
ألا يعني ذلك أنه أشرق بعد أن لم يكن مشرقا؟
الثاني: ممممم ، يبدو أنها تعني ذلك فعلا، لكن بما أنّه هو مشيئة المعنى المعبود الذي سبق الاوقات كونه وسبق العدم وجوده وسبق الابتداء أزله فلا بد أن تكون مشيئته أيضا مثله تسبق الأوقات والعدم والابتداء
فالمعنى المعبود إن شاء الظهور فإنّما بمشيئة شاء الظهور
وإن شاء عدم الظهور فأيضا بمشيئة شاء عدم الظهور
يعني أن مشيئته أزلية لا بداية لها
الزوجة: لكن المشيئة معلولة لصاحب المشيئة المعنى المعبود، إليس كذلك؟
الثاني: لا بد أن تكون كذلك، لأن المشيئة مخلوقة، فلقد خلقها بذاتها وخلق الأشياء بها كما يقول أمير المؤمنين عليه السلام
الزوجة: إذن نستفاد من كلمة مخلوقة أن لها بداية ، أمّا متى كان خلقها ومتى كانت بدايتها فيجب أن نتوقف عندها ولا نخوض بها لا حديثا ولا تفكرا
الثاني: لماذا؟
الزوجة: لأننا لن نزيد حينها الا تِـيها وضلالة، لأننا سنتحدث ونتفكر حينها فنقول متى كان المعنى ومتى لم يكون وأين كان ولماذا وكيف وسنبقى نتسائل بعقولنا القاصرة المحدودة عن المعنى المعبود الذي خلق العقول كلّها صغيرها وكبيرها وأوّلها وآخرها وكلّـيّها وجزئيّها، وحينها سنتيه ونضل
الثاني: فلنتوقف إذن ونستمر فيما كنّا فيه
الزوجة: فالمصباح إذن قد أُوقد أو قد أشرق من صبح الأزل،
أمّا متى قد أُوقد أو قد أشرق المصباح فلا نحن نستطيع أن نعرف متى ولا حتى نفس المصباح ممكن له أن يعرف متى، فقبله لا يوجد متى وأين وغاية ما يمكنه القول أنه قد أشرق من صبح الأزل وبعده سيطلع الصبح
الثاني: لا زال هذا الأمر غير واضح لي، فهل عندك مثال حسّي بسيط أستطيع ان افهم وادرك من خلاله وعلى بساطة فهمي وعقلي تلك العلاقة بين المعنى المعبود والاسم المخلوق المشيئة الأولى ؟
الزوجة: حسنا، سأضرب لك مثلا لكن انتبه أنه مجرد مثل سيقرب الصورة لذهنك فقط من هذه الجهة التي تسأل عنها الأن ، لكنه لا يمثّل ولا يوضح الصورة الكاملة للعلاقة بين المعنى والإسم فلا تتعلق به كثيرا
الثاني: تفضلي إذن
الزوجة: إفترض إنك برنامج ذاتي التفكير والارادة (نفس أو عقل جزئي)
وأنك كبرنامج (نفس أو عقل جزئي) مخزون في حاسوب جبار وهو ايضا ذاتي التفكير والارادة (نفس واحدة أو عقل واحد كلي)
وهذا الحاسوب الذاتي التفكير أوجد في داخله برنامج معقد ومتكامل وحاصله أنه عالم افتراضي لسماوات وأرض مثل أرضك هذه التي تعيش فيها الأن ،، وفي هذا العالم الافتراضي ((سماوات وأرض)) يوجد أيضا جميع ما تراه من حولك الأن
ثم بطريقة ما جعل لك كبرنامج أو كنفس أو عقل جزئي ، جعل لك صورة وربطك تكوينيا وشعوريا بها لتستطيع أن تتحرك بها داخل هذا العالم الافتراضي فتكتشفه وتتعلم به ولتشعر من خلالها أيضا بطعم الحياة تماما كما أنك تشعر بنفسك ووجودك وحياتك الآن من خلال جميع حواس صورة جسدك هذا
ثم إنّه أراد داخل هذا العالم الافتراضي أن يكلمك ويرشدك ويعلمك ويرتفع بوعيك درجة بعد درجة ،، فأوجد لنفسه داخل هذا العالم الافتراضي صورة مثل صورتك وتناسب صورة وظروف وأحوال العالم الذي تعيش فيه ليكلمك من خلالها
ثم بدء بعد ذلك يكلمك ويرشدك ويعلمك من خلال مخالطته لك بتلك الصورة
الآن يوجد عندنا عدة أطراف بهذه المعادلة
1- أنت كبرنامج مخزون في هذا الحاسوب
2- وأنت كصورة إنسان يعيش داخل هذا العالم الافتراضي
3- ويوجد نفس الحاسوب
4- ويوجد صورة يكلمك الحاسوب من خلالها
5- وأخيرا يوجد من صنع نفس هذا الحاسوب ((العقل الكلي)) وهو المعنى الذي قررنا أن لا نتكلم به ابدا ،، فالمعنى خلق العقل الكلّي او الحاسوب وأودع به القدرة على الاختيار الذاتي تماما كما اودع به كذلك جميع العلم والعلوم التي يحتاجها لكي يخرج ذلك العلم وتلك العلوم من حالة مكونها وخفائها به كحاسوب ليختراع بها ما يشاء من الصور والاحداث والمواقف
هذا الحاسوب (النفس الواحدة أو العقل الكلي) (الأين المؤين) حين تم تشغيله ووعى بنفسه ككيان حي ذاتي الشعور والإرادة فأنه لم يكن هناك نقطة زمان يستطيع أن يجعلها نقطة البداية فأوجد من ذاته أول ما أوجد نقطة البداية تلك
مع بداية شعور وفعل نقطة البداية هذه سيبدء الزمان
لأن نفس النقطة هي التي ستخلق الشعور بالزمان والمكان لنفسها من خلال تفعيل مشيئتها واختيارها
فإعمال النقطة لمشيئتها هو الذي سيخلق لها الشعور بالزمان والمكان
ولكي لا نبتعد كثيرا عن الغرض الأساسي من هذا ضرب المثل سنتوقف عند هذا التفصيل لنعود للمطابقة بين تفاصيل هذا المثل وما أردنا الوصله له منه ونقول:
أن صورتك التي تتحرك بها داخل هذا العالم الافتراضي لا تمثّل حقيقتك كبرنامج جزئي مودع بهذا الحاسوب ويعتمد عليه في كلّ وجوده
فحقيقة وجودك أنك لست من مفردات وأجزاء هذا العالم الافتراضي الذي تشعر بنفسك وأنت داخله وجزء منه
نفس هذا البرنامج والذي هو حقيقتك يستطيع الحاسوب او العقل الكلي الذي اخترعك وتعتمد عليه في كلّ وجودك ، يستطيع أن يركبك على أي صورة قد يختارها لك
وحين تنتهي دورة حياتك المقررة لك داخل هذا العالم الافتراضي بأي صورة شاء أن يركّبك عليها سيفصلك عنها بالموت
وحينها فإنك سوف تعود للإتصال مرة أخرى بحقيقتك التي تم تنزيلها تنزيلا داخل هذا العالم الافتراضي وتركيبها على تلك الصورة التي ستبدء بالتحلل لتعود لما منه بدأت بمجرد ان تنفصل حقيقتك عنها
فحقيقتك التي تقول بها أنا هي غير صورتك التي تم تركيبك بها في هذا العالم الافتراضي
الآن نأتي للصورة التي كلمك الحاسوب او العقل الكلّي من خلالها ليرفع وعيك عبر اتصاله بك من خلالها ونسأل هل هي نفسها هي الحاسوب أم انها غيرها؟
والجواب أنها نفس الحاسوب وايضا هي ليست هو
فهي مجرد صورة مثل صورتك أنت ، خلقها واوجدها الحاسوب لنفسه تماما كما أنّه خلق لك صورة وركبك عليها ، وذلك لكي يكلمك من خلالها بدون أن تستوحش أو أن تستغرب من كلامه معك حينها ما لو انه اختار أي طريقة أخرى خفيّة لا تفهمها ليكلمك ويعلمك ويصف لك الطريق من خلالها
فالصورة التي يكلمك العقل الكلي او الحاسوب من خلالها هي نفسها العقل الكلي لأنها تنطق عنه وبلسانه، بل هي لسانه الذي ينطق به ،، فالحاسوب أو العقل الكلّي لا لسان ماديّ له
فالصورة تعبر عنه وتنطق بلسانه لكنها تبقى صورة مخلوقة تماما كصورتك المخلوقة
وتبقى صورته لا تمثّل كامل حقيقته وتعجز عن ذلك إلّا بالوصف
تماما كما أن لسان صورتك الذي تنطق به الآن لا يمثل كامل حقيقتك ويعجز عن تبيانها الا بالوصف
وتماما كما أن صورتك تنطق بلسان حقيقتك الجزئية وتعبّر عنها
فكذلك هي صورته تنطق أيضا بلسان حقيقته الكلية وتعبّر عنها
الثاني: أعتقد أن الصورة اتضحت لي شيئا ما
الزوجة: لنعد إذن لنقطة الحقيقة في بحور الكذب
الثاني: والعود أحمد
الزوجة: قلنا أنه هكذا كانت هي مشيئة نقطة الحقيقة مع مثالها
فكما أنه توقّد ذاتيا في ظلمة المشكاة حين اتصل بشجرة طوبى وسدرة المنتهى الشجرة المباركة ، شاء أيضا لمثاله أن يبقى في الظلمات حتى يقرر أن يتوقّد ذاتيا عبر اتصاله بالشجرة المباركة التي تحيط به باطنا وظاهرا
فلذلك الهدف أوجد نظام المتقابلات أو الأضداد ، النور والظلام ، السالب والموجب ، الينغ واليانغ ، البحر الاجاج الظلماني ونور على يمين العرش ، الذكر والانثى،، وسمّي هذا النظام ما شئت من الأسماء ، فكلها تشير للتقابل والتضاد وبداية عملية الخلق
واذا رجعت الآن لحديث جنود العقل وجنود الجهل ستعرف لماذا أنه جعل الجهل من بحر أجاج ظلماني وجعل العقل من نور على يمين العرش
فقدر الجهل المقدر له من بداية خلقه هو أن يحيط بالعقل كما يحيط بحر الظلمات بقبس النور حتى يكاد أن يطفئه
وستعرف لماذا أن المصباح أو العقل يكاد أن يضيء أو أن يتّقد ولو لم تمسسه نار
فالعقل يستطيع أن يوقد نفسه بنفسه عبر اتصاله بالشجرة المباركة بمجرد أن يخطو بذاته أوّل خطوة لذلك وذلك حين يبدء بتحريض نفسه على التفكر العميق ببواطن الأمور وتأويلاتها بعد أن يعرف ويميز أنه محاط بالظلمات وبحور الكذب
يتبع إن شاء الله
وصلى الله على خير خلقه أجمعين محمد وآله الطيبين الطاهرين