*152* مستويات الوعي التسعة من وحي الكتاب والعترة

  • Creator
    Topic
  • #1996
    Tasneem
    Keymaster
    • المشاركات: 2,176
    بسم الله الرحمن الرحيم
    اللهم صل على محمد وآل محمد
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    مستويات الوعي التسعة من وحي الكتاب والعترة
    في بحثنا السابق والمعنون بـ “النفس وأنفسها” كنّا قد تناولنا البحث والتدبر في شؤون أجزاء النفس الانسانية الأربعة والنفس الالهية الكلية والعقل الكل، وفي هذا البحث سنتناول ان شاء الله طريقة تشكل النفس الإنسانية الثلاثية الأنفس وعلاقتها بنفسها العليا الثلاثينية وعلاقتهم بالنفس الإلهية الكلية وكيفيّة التجلي وعلاقة الجميع بالعقل من خلال روايات قد تناولنا بعضها سابقا في بحوث متعددة سابقة بالفحص وإمعان التّدبّر فيها،
    وفي هذا البحث ولصعوبة تصوره وفهمه بالصورة الكاملة التي نريد إيصالها فسنبتدء به من الآخر، أي سنبتدء به من الصورة النهائية التي نريد أن نصل لها من هذا البحث،
    ولذلك فإننا أول ما سنبتدء به هذا البحث هو ترتيب مستويات الوعي الكوني كما نتصورها، ابتداءا من العقل ثم النفس الالهية الكلية والتي هي ثاني أعلى مستوى من مستويات الوعي، وصولا إلى أدنى مستوى من مستويات الوعي، وهي على الترتيب التالي من الأعلى للأدنى :
    1-        النفس الإلهية الكلية/ قوة لاهوتية
    2-        النفس الناطقة القدسية/ وعقلها قوة لاهوتية
    3-        النفس الحسية الحيوانية/ وعقلها ملكوتي أو فيزيائي لا مادي
    4-        الإعتقادات
    5-        العواطف
    6-        الأفكار
    7-        النفس النامية النباتية/ وعقلها مادي
    8-        التوافق الجماعي بين الأنفس العليا في عالم الأرواح على تفاصيل الأحداث وظروف عالم التجلي في الحياة الدنيا
    9- أمّا العقل فهو وسط الكل، والكل وسطه، فهو متداخل معها لا بممازجة وخارج عنها لا بمزايلة
    ومن البحوث والروايات الشريفة في البحوث السابقة كان قد تبين لنا أن المستويات الثلاثة في هذا الترتيب هي مستويات خالدة خلود العقل ولا يصيبها الموت أو الفناء، ونقصد بتلك المستويات :
    1- العقل
    2- النفس الإلهية الكلية (النفس العليا)
    3- والنفس الناطقة القدسية
    فهذه النفوس الثلاثة لا يصيبها لا الموت ولا الفناء الا بالمشيئة الالهية العليا وحينها لن يبقى الا نفس المشيئة، وهي وجه الله الذي منه يؤتى، وهو العقل
    وأدنى تلك المستويات الثلاثة الخالدة منزلة هي النفس الناطقة القدسية، فهي كما قالت الآية والروايات أنها لا تموت ولا تفنى ولا تتحلل، بل ترجع وتجاور، وهي مجمع جميع القوى العقلية الفردية، بل هي العقل الفردي، أو بتعبير آخر هي العقل الجزئي، ولهذه الصفة بالذات وصفها أمير المؤمنين سلام الله عليه أنها هي الأقرب شبها من النفوس الثلاثة (النامية والحسية والناطقة) للنفوس الملكية، أو للمستويين الاول والثاني، فكلاهما أيضا عقليان، لكن بدرجتين، فاضل ومفضول
    ووجدنا في بحثنا السابق “النفس وأنفسها” أن مواد فعل النفس الناطقة القدسية هي التأييدات العقلية،
    وبتعبير آخر: نقول أن مواد الفعل هي المحرك الخفي والدافع الرئيسي للنفس الناطقة القدسية للحركة والاختيار، وحينها ستعيشها عمليا ((أي ستعيش التأييدات العقلية عمليا)) فتستشعر بتلك المعايشة نتائج اختياراتها حضوريا من خلال النفسين الحسية الحيوانية والنامية النباتية
    وأن هذه التأييدات العقلية او هذه المفاهيم العقلية هي بمثابة البذور التي ستزرعها النفس العليا في النفس الناطقة القدسية في كلّ دورة حياة جديدة ستخوضها، فعلى أساسها ستبدء النفس الناطقة القدسية باختيار طريقها أو باختيار اختياراتها التي تريد معايشتها من كتاب المعارف الدينية الحقيقية، أي من الكتاب التكويني، والذي به ومن خلال استخدامها للنامية النباتية والحسية الحيوانية ستتفاعل مع بقية النفوس من خلال استشعارها لجميع ما ومن هم حولها من خلالهما،
    واستشعارهم بدورهم لأنفسهم ولها من خلال أنفسهم النامية النباتية والحسية الحيوانية،
    ونزيد الآن أن تلك التأييدات أو المفاهيم العقلية هي نفسها تلك التي أطلقنا عليها في الترتيب السابق “الاعتقادات”، ولذلك فإننا قد جعلنا ترتيبها بعد النفس الحسية الحيوانية، فالنفس العليا عندما تريد أن تتجلى بشخصية إنسانيّة جديدة في عالم التجلي فإنها أول ما ستفعله ستقوم وبالاتفاق مع الناطقة القدسية باختيار نوع الاعتقادات أو المفاهيم العقلية التي تريدان أن تختبرا نتائجها حضوريا وأن تتذوقا نتائجها سوية
    ومن أجل ذلك الهدف سيقومان بالاتفاق بينهما على نوع ونسب تلك المفاهيم العقلية أو نوع ونسب تلك العقائد والشخصية المناسبة لتلك المفاهيم العقلية، ثم ستقوم النفس العليا بغرسها في النفس الناطقة القدسية وتغطّي ذاكرتها السابقة، وعلى أساس تلك الاعتقادات التي غُرست في صميم النفس الناطقة القدسية ستتولد بها لاحقا دوافع جميع الاختيارات وجميع المسارات التي قد تسلكها في الكتاب الكويني،
    وستحدد تلك الاعتقادات بالتالي جميع أنواع المواقف الانسانية التي ستختار النفس الناطقة القدسية المرور بها وتصورها، وبالتالي اختبار وتذوق جميع أنواع العواطف والمشاعر التي ستتحسسها النفس الحسية الحيوانية بعقلها الفيزيائي أو بعقلها الملكوتي من خلال تلك المواقف التي ستمر بها،
    وكذلك ستختبر بسببها جميع أنواع الأفكار التي ستدور في العقل المادي للنفس النامية النباتية
    فتلك التأييدات العقلية أو تلك العقائد التي غرزتها النفس العليا منذ البدء في صميم النفس الناطقة القدسية، ستكون هي بالفعل المحرك الرئيسي لجميع أفعالها واختياراتها، وهي المسبب الرئيسي لجميع أنواع عواطفها وأفكارها المستقبلية في دورة حياتها الدنيوية تلك من بدئها حتى نهايتها، بل انها ستستمر بهذه الصفة بعد ذلك أيضا في العوالم البرزخية
    أمّا المستوى التاسع وهو الذي أطلقنا عليه:
    ” التوافق الجماعي بين الأنفس العليا في عالم الأرواح على تفاصيل الأحداث وظروف عالم التجلي في الحياة الدنيا”
    فهذا يعتبر من مكونات وأساسيات النفس النامية النباتية، ولكنه جزء مستتر في عقلها المادي ويعمل بشكل تلقائي بدون الحاجة للتفكير به مع كلّ حركة أو مع كلّ اختيار، مثل جميع القوانين الفيزيائية التي تحكم عالم التجلي، والذي اتفقت الأنفس العليا عليها بكل تفاصيلها قبل بدئهم لعملية التجلي فيه، مثل مبدء الجاذبية والحرارة والرطوبة والاتجاهات والاصوات والاضواء والالوان، وغير ذلك
    فكل ذلك سيتم الاتفاق عليه بكل تفاصيله، ثمّ يخزّن في العقل المادي فيكون حينها كاللوحة الخلفية التي ستنطبع عليها جميع التصورات العقلية التي سيختارها عقل النفس الناطقة القدسية أولا من بحر العلوم الدينية الحقيقية ثم يبثها نحو النفس النامية النباتة فيستقبلها عقلها المادي ((المخ)) عن طريق هوائياته الثمانية
    الغدة الصنوبرية وهوائياتها الثمانية 1
    طبعا الأنفس العليا لكي تستطيع القيام بهذه الترتيبات والاتفاقات المهيئة لعملية التجلي فإنها تستسقي جميع تلك التفاصيل من العلوم الدينية الحقيقية في الكتاب التكويني الذي كتب به الله تبارك وتعالى المعنى المعبود منذ البدء جميع التفاصيل والاحتمالات والصور التكوينية الممكنة،
    ونستطيع هنا أن نقول أن تأييدات الأنفس العليا العقلية تختلف نوعيتها عن التأييدات العقلية للنفوس الناطقة القدسية، وأن نوع المعارف الدينية الحقيقية التي تحتاجنها لتحقيق كمالها يختلف عن نوع المعارف الدينية الحقيقية التي ستحقق النفوس الناطقة القدسية كمالها بها، وكذلك أن أفعالهم الربانية تختلف عن أفعال النفوس الناطقة القدسية الربانية
    فلكل حادث حديث، ولكل مقام مقال، وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم
    وهذا هو وصف مختصر لمقدمة هذا البحث، وسنورد إن شاء الله في طيّات البحث ما سيتيسر لنا معرفته وفهمه من الآيات الكريمة وما تمكنّا من الاطلاع عليه من الروايات الشريفة الواردة عن أهل بيت العصمة سلام الله عليهم أجمعين والمؤيدة لهذه الصورة الكونية التي ترى أن كلّ نفس إنسانيّة هي عبارة عن مشكاة عقلية ومصباح وزجاجة ووقودها من بحر العلوم الدينية الحقيقية، أي من الكتاب التكويني الذي كتب الله تبارك وتعالى به منذ البدء ما كان وما يكون الى انقضاء الساعة.
    ولا يسعنا المقام هنا ونحن نتكلم عن التجليات النورية إلا أن نبتدء الكلام عن نور التجلي نفسه قبل تجلياته، ومن أجل ذلك سنبتدء بتدبر بسيط للآية الخامسة والثلاثون من سورة النور المباركة
    بِسم اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
    اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لّا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ
    صدق الله العلي العظيم
    فهذه الآية الكريمة وصفت مَثَل النور بأوصاف مفادها بأنه واحد متكثّـر وأنه بنفس الوقت متكثّـر واحد
    فهو نور مخلوق واحد، لكنه أجزاء متعددة في نفس الوقت، وأجزائه هي:
    1-   المشكاة
    2-   المصباح
    3-   الزجاجة كأنها كوكب دري
    4-   الشجرة المباركة
    5-   الزيت الذي يكاد أن يضيء ولو لم تمسسه نار
    فمَثَل نوره هو إذن خمسة أجزاء متوحّدة في كيان واحد هو مَثَل النور الذي لا يسبق أوله أوسطه أو آخره، ولا يسبق أخره أوسطه أو أوله، ومن هذه الصفة يمكن القول أنه هو الواحد المتكثر وأنه هو المتكثر الواحد، وأنّ كبير علماء اليهود أو رأس الجالوت في الرواية التالية كان يسأل الإمام الرضا عليه السلام عن نور السماوات والأرض، عن العقل الذي خلقه الله أول ما خلق وبه رؤوس بعدد الخلائق،
    فقد روي:
    أنه رأس الجالوت سأل الرضا عليه السلام بأن قال: يا مولاي، ما الكفر والإيمان؟
    وما الكفران؟
    وما الجنة والنيران؟
    وما الشيطانان اللذان كلاهما المرجوان؟
    وقد نطق كلام الرحمن بما قلت حيث قال في سورة الرحمن: *(خلق الإنسان علمه البيان).
    فلما سمع الرضا عليه السلام كلامه لم يحر جوابا، ونكت بأصبعه الأرض، وأطرق مليا، فلما رأى رأس الجالوت سكوته عليه السلام حمله على عيه وشجعته نفسه لسؤال آخر.
    فقال: يا رئيس المسلمين، ما الواحد المتكثر، والمتكثر المتوحد، والموجد الموجد، والجاري المنجمد، والناقص الزائد؟
    فلما سمع الرضا عليه السلام كلامه، ورأى تسويل نفسه له، قال: (أيش تقول يا بن أبيه، وممن تقول، ولمن تقول؟!
    بينما أنت أنت صرنا نحن نحن، فهذا جواب موجز.
    وأما الجواب المفصل فأقول: إعلم إن كنت الداري والحمد لله الباري:
    أنّ الكفر كفران، كفر بالله وكفر بالشيطان،
    وهما السيان المقبولان المردودان،
    أحدهما الجنة وللآخر النيران،
    وهما اللذان المتفقان المختلفان،
    وهما المرجوان،
    ونص به الرحمن حيث قال: *(مرج البحرين يلتقيان * بينهما برزخ لا يبغيان * فبأي آلاء ربكما تكذبان) ويعلم قولنا من كان من سنخ الإنسان، وبما قلنا ظهر جواب باقي سؤالاتك والحمد لله الرحمن، والصلاة على رسوله المبعوث إلى الإنس والجان، ولعنة الله على الشيطان).
    فلما سمع رأس الجالوت كلامه عليه السلام بهت وتحير وشهق شهقة، وقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وأنك ولي الله، ووصي رسوله، ومعدن علمه حقا حقا. إنتهى
    وقد قلنا سابقا واعتمادا على فهمنا للروايات الشريفة التي تدبرنا معانيها سويا أن هذا النور هو نفسه المشيئة التي خلقها الله تبارك وتعالى وخلق الأشياء بها، وأنه هو نفسه العقل الذي خلقه الله تبارك وتعالى ملك له رؤوس بعدد الخلائق، وأنه هو نفسه الذي يتوسط الكل، وأنه هو نفسه الاسم الذي خلقه ثم جعله كلمة تامة على ثلاثة اسماء، وأنه وأنه وأنه ووووو
    فهذا النور أو هذا الواحد المتكثر هو نفسه الاسم، وهو نفسه كلمة الإسم التي تجلّي بها الله المعنى المعبود، وهو نفسه العقل الكلّي الذي له رؤوس بعدد الخلائق، وهذا المعنى توجد الكثير من الشواهد الروائية الولائية الدالة عليه، مثل روايات النور الآول وما صدر عنه أو كيف انقسم لقسمين أو كيف انقسم لاقسام متعددة أو كيف أن منه صدر كلّ جميل، وكذلك مثل رواية العقل الكلي وعقوله الجزئية ورواية الاسم وكلمته وأركانه واسماء أفعال أركانه، ورواية أنه تبارك وتعالى خلق الحروف قبل الخلائق، واللآئحة تطول وتطول، وتطول
    ولست هنا بمحل تعديد وتسطير الروايات الشريفة التي تتكلم عن علو شرف هذا النوار وعن تعدد مراتب هذا النور وعن بدء هذا النور وانقسامه، فهي أكثر من أن تحصى في موضوع واحد، وأشهر من أن أحاول أن أبينها أو أن أستدل على وجودها، ولكنها جميعها تشدد على أن البداية كانت بشيء واحد بسيط، ثم أن هذا الواحد البسيط تكثّر وتكثّرت معه كثراته حتى ظهر الوجود كما نعرف صورته ونراها اليوم
    وهذا النور من حيث أنه هو نفسه العقل كما بيّـنّا من الروايات، فهو إذن هو الذي هو وسط الكل،
    وهو نور متكون من خمسة مستويات وعي نورية متطابقة، وهذا هو معنى انه ((نُّورٌ عَلَى نُورٍ))
    والآية الكريمة تقول لنا كذلك أن الإهتداء لصاحب النور ((الله)) غير ممكن نهائيا، وذلك حين بينت لنا أن قمة الهداية أو قمة المعرفة الممكنة هي الاهتداء لنوره، وذلك من قوله تعالى ((يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء))
    وهذا الموضوع يدور بمجمله حول محاولة فهم هذا النور من خلال الايات الكريمة والروايات الشريفة، ومعرفة كيفية تحوله من نور الى سماوات وأرض وما بينهما، وكذلك من أجل معرفة معنى السماوات والأرض حين نقول أن كلّ نفس إنسانيّة هي عبارة عن مشكاة ومصباح وزجاجة كأنها كوكب دري،
    أو حين نقول أن العالم الأكبر انطوى بسماواته وأرضه في كلّ نفس إنسانيّة،
    أو أن خارج وعي كلّ إنسان لا يوجد شيء اسمه خارج،
    وأنه لا يوجد سماوات وأرض خارج وعينا كما نتصورها،
    وأن العالم مخلوق فينا لا أننا نحن المخلوقون في العالم،
    وأن الله يدير عملية الخلق من داخل وجود كلّ انسان منّا لا من خارجه،
    ولمعرفة كيف انه أقرب إلينا من حبل الوريد،
    ومعرفة كيف من الممكن أن يقول إنسان انه هو فلان وفلان وفلان وفلان وفلان رغم ان ما بين كلّ شخصية منها والاخرى زمن طويل جدا
    وعلاقة إمكانية تحقق ذلك بالجزء الإنساني الخالد وهو النفس الناطقة القدسية التي لا تموت ولا تفنى بل انها ترجع وتجاور نفسها العليا بعد أن تتحلل النفس النباتية لما منه بدت، ورجوع قوى النفس الحيوانية إليها، فترجع هي بدورها حينها لنفسها العليا التي تستطيع بالتراضي والاتفاق معها أن توضّفها مرة أخرى وأخرى وأخرى وأخرى وووووو، في عوالم مختلفة مكانيا وزمانيا أو متوازية زمانيا ومكانيا، وفي كلّ مرة منها قد تكون بصورة وشخصية أخرى، وبإسم آخر، وبين قوم آخرين،
    وهنا لا يوجد تناسخ في الأرواح أو حلول ارواح بأجساد غيرها، فكل نفس ناطقة قدسية هي التي تخلق بالتعاون مع نفسها العليا الثلاثينية جزئيها الآخرين، لتعيش بهما ومن خلالهما حضوريا أي تجربة حياتية ماديّة تريد أن تخوضها وتعيشها
    وقبل أن نبدء البحث في تفاصيل المستويات التسعة سأعيد إدراجها مرة أخرى، وقبلها توضيح أن قولي أنها مستويات وعي تسعة لا يعني عدم وجود مستويات وعي أخرى بينها، بل ان هذه المستويات التسعة هي الرئيسية وهي المستويات المؤثرة المباشرة في بناء الشخصية الفردية لكل نفس إنسانيّة،
    بينما المستويات الأخرى لها علاقة بها من حيث العطاء والامداد كما والشعور بما ستشعر به كذلك،
    تماما كدور الجذع والفرع في الشجرة بحياة الورقة،
    فالمسؤول المباشر القريب عن الورقة هو الغصن فهي تأخذ منه بشكل مباشر ومن الشمس، والورقة بدورها تتبادل مع الغصن ما تأخذه من الشمس بشكل مباشر،
    فعلاقتها محصورة بالغصن رغم أن الجذع والفرع هما الذان يمدانها هي والغصن بكل ما يحتاجانه للبقاء والنمو مما يأخذه الجذع ابتداءا من الجذور المتصلة بالأرض ويمده بها بعد ذلك، ليستطعمان بعد ذلك ما ستأخذه الورقة من نور الشمس وتحوله لمواد تستطعمها هي أولا ويستطعمها الغصن من بعدها، وهما ((الفرع والجذع)) معهما
    المهم أنه توجد مستويات وعي كثيرة تماما كما توجد بالشجرة فروع وأغصان وأوراق كثيرة، لكن جميع تلك الفروع والأغصان والأوراق لا علاقة لها بما تتحسسه ورقة معينة موجودة على غصن معين مرتبط بفرع معين،
    وهكذا هي شجرة الوجود مثل هذه الشجرة الأرضية التي نعرفها ونراها والتي أصلها واحد يأخذ بواسطة الجذور من الأرض ما يشائه ويحتاجه من الماء والغذاء، ويحصل من السماء بواسطة الأوراق على ما تجود به الشمس عليها من نورها ومما يسبح فيها من هوائها
    وهكذا هي شجرة الوجود النفس اللاهوتية الملكوتية الكلية فجذورها ضاربة في العقل ((القوة اللاهوتية)) فتستمد منه جميع ما تحتاجه من القوة اللاهوتية التي هي مصدر وابتداء الطبايع الاربع وأصل كلّ المعارف الدينية الحقيقة وكل التأييدات العقلية وكل الأفعال الربانية وووو
Viewing 1 replies (of 1 total)
  • Author
    Replies
  • #1997
    Tasneem
    Keymaster
    • المشاركات: 2,176
    المهم هنا هو أنني أردت توضيح أنه في شجرة الوجود توجد مستويات عديدة للوعي نحن هنا لن نبحث فيها جميعها، بل سنبحث فقط في تلك المستويات التي لها علاقة مباشرة بتكوين الوعي الإنساني إنسانيته ووجوده، وقلنا أن تلك المستويات هي تسعة مستويات وهي:
    1-        النفس الإلهية الكلية/ قوة لاهوتية
    2-        النفس الناطقة القدسية/ وعقلها قوة لاهوتية
    3-        النفس الحسية الحيوانية/ وعقلها ملكوتي أو فيزيائي لا مادي
    4-        الإعتقادات
    5-        العواطف
    6-        الأفكار
    7-        النفس النامية النباتية/ وعقلها مادي
    8-        التوافق الجماعي بين الأنفس العليا في عالم الأرواح على تفاصيل الأحداث وظروف عالم التجلي في الحياة الدنيا
    9-  والعقل الذي يتوسط الكل، والكل وسطه، فهو متداخل معها لا بممازجة وخارج عنها لا بمزايلة فهو بهذا ليس مستوى من مستويات الوعي بل هو الذي أوجد تلك المستويات الواعية وعدّدها وسوّاها على صورها وأعطى لها خواصها وحدّد لها حدودها، وجعل لكل مستوى واعي منها قدر معلوم لا يحتمل أكثر منه ((فسالت أودية بقدرها))
    وحيث أننا قد سبق وبحثنا في مستويات الوعي الأربعة الأولى والمستوى الثامن أيضا، أي أننا قد بحثنا سابقا في بحثنا المعنون “النفس وأنفسها” في النفس الإلهية الكلية، والنفس العليا الثلاثينية، والنفس الناطقة القدسية، والنفس الحسية الحيوانية، والنفس النامية النباتية، فإننا هنا لن نعيد البحث فيهم مرة أخرى بشكل مفصل، بل ربما بشكل عرضي في ثنايا البحث وفقط بما يتعلق بارتباطها ببقية المستويات الأربعة وهي: الإعتقادات، والعواطف، والأفكار، والتوافق الجماعي بين الأنفس العليا في عالم الأرواح على تفاصيل الأحداث وظروف عالم التجلي في الحياة الدنيا
    والمطلوب إنتاجه من هذه المستويات الأربعة هو شيء واحد فقط، ألا وهو المشاعر، فكما قلنا من قبل أن الله تبارك وتعالى المعنى المعبود عندما خلق النور أو خلق العقل الكل وأوجد به منذ البدء جميع الإحتمالات الوجودية كاملة غير منقوصة وبلا نهاية فهو إنما أوجدها لكي يَعْرِفَ نفسه معرفة حضورية،
    وهو قد عرف نفسه بهذه المشيئة التكوينية (بين الكاف والنون) معرفة حضورية بكل المشاعر الممكنة، معرفة حضورية بكل الوجوه والإحتمالات، وعلى شكل كن فيكون،
    وهو نعم يعرف نفسه بدون نوره لكن ليس حضوريا، لكنه بنوره عرف نفسه معرفة حضورية وبكل الصور والاحتمالات والمشاعر اللانهائية والممكنة
    ونوره هنا لا يعني وجود غيره تبارك وتعالى معه لنقول أنه احتاج لغيره
    فنوره هو مشيئته وهو الاسم المخلوق الذي نُهينا أن نعبده مع أو بدون المعنى الذي يدل عليه
    ومشيئته هي التي يقال عنها أنها أمر بين أمرين، لأنها من صفات الذات ومن صفات الفعل كذلك، فهي كإسم مخلوق غير معبود ممسوسة بالله المعنى المعبود من جهة، و من الجهة الثانية هي ممسوسة بالكلمة التامة التي جعلها على أربعة أسماء
    ومشيئته (إسمه) هي إرادته لما شاء،
    وإرادته هي تقديره لما أراده،
    وتقديره هو قضائه لما قدّر،
    وقضائه هو إمضائه لما قضاه
    وكما قلنا من قبل فإن كلّ ذلك هو نوره وليس شيء غيره ليقال أن الله لا يحتاج لأحد أو لشيء فكيف تقول ما قلت،
    فهو قد عرف ذاته بذاته،
    أي عرف ذاته بنوره،
    فالغاية من مشيئته هيو لكي يعرف ذاته،
    ويعرف ذاته تعني أن يعرف ذاته معرفة حضورية بكل الصور والمشاعر الممكنة
    فلا يشذ عنها أيّ صورة مهما كانت صغيرة أو كبيرة،
    أو مشعر ظاهر أو خفيّ،
    فلا يبقى أي صورة أو شعور منها الا ويعلم بها ويشعر بها جميعها حضوريا،
    كلّ الصور وكل المشاعر وكل الأفكار يعرفها بنوره حضوريا،
    كلها دفعة واحدة،
    تماما كما تفعل الشجرة،
    فهي تشعر بجميع ما تشعر به وما تفعله جميع الفروع والأغصان والأوراق مجتمعة ودفعة واحدة
    فالمطلوب إذن من زرع العقائد والعواطف المنتجة للأفكار في النفوس الناطقة القدسية، ومن الاتفاق الجماعي بين الأرواح العليا، هو إخراج جميع أنواع المشاعر من حالة الكمون والإمكان الى حالة الظهور والجلاء، فتتحقق بذلك الغاية الأصلية من الخلق بشكل عام، ألا وهي إظهار جميع أنواع المشاعر الممكنة وبكل صورها بلا استثناء، مهما كانت تلك الصور بشعة أو قاسية
    وعملية الاتفاق الجماعي هذه بين الأرواح العليا على إبراز تلك المشاعر تقول لنا أن نفس تلك الأرواح تجد متعة بتحسس تلك المشاعر مهما كانت قسوتها أو بشاعتها ، ولذلك فهي قد قامت بتصميم صور الأحداث بتلك الطريقة التي نعيشها اليوم، فجميع صور الابتلآآت بأنواعها هي لكي تعلم تلك الآرواح العليا حضوريا أخبارنا ومشاعرنا كلها
    فمع كلّ صورة بلاء شدة أو صورة بلاء رخاء سينوجد هناك معها نوع جديد من المشاعر والأفكار التي تريد وترغب أنفسنا العليا أن تتحسسها وتشعر بها مهما كانت نوعها وبلا استثناء، وأنفسها العليا ستستشعر معها بتلك المشاعر وبنفس القوة، والتي بدورها سترفعها لأنفس هي أعلى منها شرفا ومكانة ومنزلة فتستشعرها معها وبنفس القوة أيضا، وهكذا صعودا حتى تصل جميع تلك المشاعر من جميع العوالم ومن جميع الإنفس القدسية والعليا بجميع شجرة الوجود للنفس الإلهية الكلية،
    والعقل وسط الكل، فهو من ينتجها مع ومن خلال من يعتقدون أنهم هم من بالاسباب ينتجونها، وهو كذلك يستشعرها مع ومن خلال من يعتقدون أنهم هم من بالاسباب يستشعرونها
    قلنا قبل قليل أن المطلوب من زرع العقائد والعواطف المنتجة للأفكار في النفوس الناطقة القدسية هو إخراج جميع أنواع المشاعر من حالة الكمون والإمكان الى حالة الظهور والجلاء، فأين نجد من القرآن الكريم ما يثبت أو يشير إلى أن العقائد والعواطف يتم زرعها زرعا في النفوس، وإلى أن الهدف من هذه العملية هو إخراج جميع أنواع المشاعر من حالة الكمون والإمكان الى حالة الظهور والجلاء في عالم التجلي؟
    أقول أننا سنجد هذا المعنى واضح في الآيات الشريفة التالية:
    وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا () فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا
    ومن قوله تعالى:
    وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً
    ومن قوله تعالى:
    وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَ رَحْمَةً
    ومن قوله تعالى:
    وَ أَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّى وَ لِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِى
    ومن قوله تعالى:
    وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ
    ومن قوله تعالى:
    إِنَّ الَّذِينَ ءَ امَنُواْ وَ عَمِلُواْ الصَّــلِحَـتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَـنُ وُدًّا.
    فجميع الآيات السابقة وغيرها تنبأنا أن من جعل تلك العواطف المختلفة في قلوب الناس تكوينيا هو الله جل جلاله والمجموعة الفاعلة،
    وهم يتحكمون من خلال ذلك الجعل التكويني بجذب ونفر الأفراد والجماعات من بعضهم البعض أو عن بعضهم البعض، لحكمة هم يعرفونها ولها علاقة رئيسية بالهدف الرئيسي من عملية الخلق والتجلي
    أمّا من الروايات فاخترت لكم منها الروايات الشريفة التالية عن أهل بيت العصمة سلام الله عليهم أجمعين:
    روي انّ النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) كان يقبّل الحسن والحسين(عليهم السلام) فقال عُيَينة (وفي رواية الأقرع بن حابس) ـ لانّ تقبيل الولد لم يكن مألوفاً ويعتبر عملاً غير لائق بين العرب ـ : انّ لي عشرة ما قبّلت واحداً منهم قطّ،
    فقال النبي(صلى الله عليه وآله وسلم): من لا يَرحم لا يُرحم.
    وفي رواية: فغضب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حتّى التَمع لونه وقال للرجل: انْ كان الله قد نزع الرحمة من قلبك فما أصنع بك؟
    وعن رسول الله صلّى الله عليه و آله : الأَرواحُ جُنودٌ مُجَنَّدَةٌ ، فَما تَعارَفَ مِنهَا ائتَلَفَ ، وما تَناكَرَ مِنهَا اختَلَفَ.
    وعن الإمام عليّ عليه السّلام : النُّفوسُ أشكالٌ ، فَما تَشاكَلَ مِنهَا اتَّفَقَ ، وَالنّاسُ إلى أشكالِهِم أميَلُ.
    وعنه عليه السّلام : إنَّ النُّفوسَ إذا تَناسَبَتِ ايتَلَفَت.
    وعنه عليه السّلام : إنَّ طِباعَكَ تَدعوكَ إلى ما ألِفتَهُ.
    وعنه عليه السّلام : المَوَدَّةُ تَعاطُفُ القُلوبِ فِي ايتِلافِ الأَرواحِ.
    عنه عليه السّلام : كلّ امرِىٍ يَميلُ إلى مِثلِهِ.
    وعنه عليه السّلام : كلّ شَي ءٍ يَميلُ إلى جِنسِهِ.
    وعنه عليه السّلام : كلّ طَيرٍ يَأوي إلى شَكلِهِ.
    وعنه عليه السّلام : العاقِلُ يَألَفُ مِثلَهُ.
    وعنه عليه السّلام : اللَّئيمُ لا يَتَّبِعُ إلّا شَكلَهُ ، ولا يَميلُ إلّا إلى مِثلِهِ.
    وعنه عليه السّلام : لا يُوادُّ الأَشرارَ إلّا أشباهُهُم.
    وعنه عليه السّلام : إزالَةُ الرَّواسي أسهَلُ مِن تَأليفِ القُلوبِ المُتَنافِرَةِ.
    وعنه عليه السّلام ـ في وَصِيَّتِهِ لِبَنيهِ ـ : يا بَنِيَّ ، إنَّ القُلوبَ جُنودٌ مُجَنَّدَةٌ ، تَتَلاحَظُ بِالمَوَدَّةِ وتَتَناجى بِها ، وكَذلِكَ هِيَ فِي البُغضِ ؛ فَإِذا أحبَبتُمُ الرَّجُلَ مِن غَيرِ سَبقٍ مِنهُ إلَيكُم فَارجوهُ ، وإذا أبغَضتُمُ الرَّجُلَ مِن غَيرِ سوءٍ سَبَقَ مِنهُ إلَيكُم فَاحذَروهُ.
    وعن الأصبغ بن نباتة : كُنتُ مَعَ أميرِ المُؤمِنينَ عليه السّلام فَأَتاهُ رَجُلٌ فَسَلَّمَ عَلَيهِ ، ثُمَّ قالَ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، إنّي وَاللهِ لَاُحِبُّكَ فِي اللهِ ، واُحِبُّكَ فِي السِّرِّ كَما اُحِبُّكَ فِي العَلانِيَةِ، وأدينُ اللهَ بِوِلايَتِكَ فِي السِّرِّ كَما أدينُ بِها فِي العَلانِيَةِ.  وبِيَدِ أميرِ المُؤمِنينَ عودٌ ، طَأطَأَ رَأسَهُ ، ثُمَّ نَكَتَ بِالعودِ ساعَةً فِي الأَرضِ ، ثُمَّ رَفَعَ رَأسَهُ إلَيهِ فَقالَ : إنَّ رَسولَ اللهِ صلّى الله عليه و آله حَدَّثَني بِأَلفِ حَديثٍ ، لِكُلِّ حَديثٍ ألفُ بابٍ ، وإنَّ أرواحَ المُؤمِنينَ تَلتَقي فِي الهَواءِ فَتَشَمُّ وتَتَعارفُ ، فَما تَعارَفَ مِنهَا ائتَلَفَ ، وما تَناكَرَ مِنهَا اختَلَفَ ، وبِحَقِّ اللهِ لَقَد كَذِبتَ ؛ فَما أعرِفُ وَجهَكَ فِي الوُجوهِ ، ولَا اسمَكَ فِي الأَسماءِ.
    وعن الإمام الباقر عليه السّلام : ألا وإنَّ الأَرواحَ جُنودٌ مُجَنَّدَةٌ ، فَما تَعارَفَ مِنهَا ائتَلَفَ ، وما تَناكَرَ مِنهَا اختَلَفَ.  فَإِذا كانَتِ الرّوحُ فِي السَّماءِ تَعارَفَت وتَباغَضَت ، فَإِذا تَعارَفَت فِي السَّماءِ تَعارَفَت فِي الأَرضِ ، وإذا تَباغَضَت فِي السَّماءِ تَباغَضَت فِي الأَرضِ.
    وعن الإمام الصادق عليه السّلام : إنَّ الأَرواحَ جُنودٌ مُجَنَّدَةٌ ، فَما تَعارَفَ مِنها فِي الميثاقِ ائتَلَفَ هاهُنا ، وما تَناكَرَ مِنها فِي الميثاقِ (اختَلَفَ هاهُنا).
    وعنهم عليهم السّلام : الأَرواحُ جُنودٌ مُجَنَّدَةٌ ، تَلتَقي فَتَتَشامُّ كَما تَتَشامُّ الخَيلُ ، فَما تَعارَفَ مِنهَا ائتَلَفَ ، وما تَناكَرَ مِنها اختَلَفَ ، ولَو أنَّ مُؤمِناً جاءَ إلى مَسجِدٍ فيهِ اُناسٌ كَثيرٌ لَيسَ فيهِم إلّا مُؤمِنٌ واحِدٌ لَمالَت روحُهُ إلى ذلِكَ المُؤمِنِ حَتّى يَجلِسَ إلَيهِ.
    وعن سدير : قُلتُ لِأَبي عَبدِاللهِ عليه السّلام : إنّي لَأَلقَى الرَّجُلَ لَم أرَهُ ولَم يَرَني فيما مَضى قَبلَ يَومِهِ ذلِكَ فَاُحِبُّهُ حُبّاً شَديداً ، فَإِذا كَلَّمتُهُ وَجَدتُهُ لي عَلى مِثلِ ما أنَا عَلَيهِ لَهُ ، ويُخبِرُني أنَّهُ يَجِدُ لي مِثلَ الَّذي أجِدُ لَهُ ! فَقالَ : صَدَقتَ يا سَديرُ ، إنَّ ائتِلافَ قُلوبِ الأَبرارِ إذَا التَقَوا وإن لَم يُظهِرُوا التَّوَدُّدَ بِأَلسِنَتِهِم كَسُرعَةِ اختِلاطِ قَطرِ السَّماءِ عَلى مِياهِ الأَنهارِ ، وإنَّ بُعدَ ائتِلافِ قُلوبِ الفُجّارِ إذَا التَقَوا وإن أظهَرُوا التَّوَدُّدَ بِأَلسِنَتِهِم كَبُعدِ البَهائِمِ مِنَ التَّعاطُفِ وإن طالَ اعتِلافُها عَلى مِذوَدٍ واحِدٍ.
    وعن الإمام الصادق عليه السّلام ـ لِعُمَرَ بنِ يَزيد ـ : لِكُلِّ شَي ءٍ شَي ءٌ يَستَريحُ إلَيهِ ، وإنَّ المُؤمِنَ يَستَريحُ إلى أخيهِ المُؤمِنِ كَما يَستَريحُ الطّائِرُ إلى شَكلِهِ، أوَما رَأَيتَ ذاكَ؟
    وعن الإمام زين العابدين عليه السّلام : اللّهُمَّ اقذِف في قُلوبِ عِبادِكَ مَحَبَّتي. . .  ولا تَجعَلني مِنَ الغافِلينَ ، أحِبَّني وحَبِّبني ، وحَبِّب إلَيَّ ما تُحِبُّ مِنَ القَولِ وَالعَمَلِ ؛ حَتّى أدخُلَ فيهِ بِلَذَّةٍ.
    لو ضربت خيشوم المؤمن بسيفي هذا على أَن يبغضني ما أَبغضني، ولو صببت الدنيا بجماتها على المنافق على أَن يحبني ما أَحبني: وذلك أَنه قضي فانقضى على لسان النبي الامّيّ صلى الله عليه و آله أَنه قال: يا علي لا يبغضك مؤمن، ولا يحبّك منافق.
    فالآيات والروايات تتضافر إذن لتنبأنا أن تلك العواطف والاعتقادات تُـزرع فينا زرعا بواسطة الإلهام الرباني لتجذبنا من بعض أو لتنفرنا من بعض، وبالتالي فإننا سننجرف بسيل أفكارنا ومشاعرنا وأفعالنا كأفراد ومجموعات مع تلك الاعتقادات والعواطف المختلفة التي أُلهِمْنَاهَا إلهاما ولا نستطيع التخلص منها أبدا، وذلك لأنها داخلة في البنية التركيبية لإحدى أنفسنا الثلاثة التي نخوض من خلالها هذه التجربة المادية، تجربة الحياة الدنيا، فنستشعرها من خلالها، ونستشعر أحداثها ، بل ونساهم في خلقها وإخراجها عمليا لحيز الوجود من خلال المشاركة في فتنها وشدائدها ورخائها وأفراحها وأحزانها، وذلك من خلال تفاعلنا الإيجابي أو السلبي مع بعضنا البعض
    والهدف من كلّ ذلك هو واحد كما قلنا، وهو إخراج جميع أنواع المشاعر من حالة المكون والإمكان الى حالة الظهور والجلاء في عالم التجلي، وهذا المعنى نجده في الآيات التالية:
    وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ ((وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ))
    ــــــــــــ
    أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَن لَّن ((يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ))
    ــــــــــــ
    إن يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا ((وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ))
    ـــــــــ
    قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ ((وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ)) وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ
    ـــــ
    مَّا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىَ ((يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ))
    والكثير الكثير من مثل هذه الآيات الكريمة التي تقول لنا صراحة أن الله يعلم مسبقا بالنتائج والأفعال التي ستصدر منّا ((وهذه نتيجة طبيعية لمن يعرف جميع أنواع ونسب الاعتقادات والعواطف المزروعة في كلّ إنسان)) ولكنه رغم ذلك يريد أن يخرجها من المكون إلى الظهور، أي من العلم اللدني فقط الى العلم اللدني الحضوري،
    ولكن كما قلنا قبل قليل من أن العلم الحضوري اللدني يتحقق فقط بنوره تبارك وتعالى، ونوره هو ليس بشيء مضاف لذاته أو هو غيره بل هو نفسه نفسه، فالله المعنى المعبود عرف نفسه بنفسه ودل بذاته على ذاته
    كما أن ما جاء عن رسول الله وعن أمير المؤمنين سلام الله عليهما وآلهما يقول لنا أن أنواع الفتن وترتيبها أيضا مقررة سلفا، بل حتى أن قادتها والناعقين لها وسائقيها والمتابعين ولها والمساهمين بها كذلك أسمائهم كلهم معروفة ومحددة سلفا:
    حدثنا إبراهيم بن إسحاق عن عبد الله بن حماد عن عمرو بن شمر عن جابر بن يزيد عن أبي جعفر ع قال قال رسول الله ص ما من أرض مخصبة و لا مجدبة- و لا فئة تضل مائة و تهدي مائة إلا أنا أعلمها- و قد علمتها أهل بيتي- يعلم كبيرهم و صغيرهم إلى أن تقوم الساعة
    حدثنا الحسن بن علي بن نعمان و أحمد بن محمد جميعا عن علي بن النعمان قال حدثني من دخل على أبي عبد الله ع فقال له قد سألت أهل بيتك فلم أر عندهم فيه شيئا- قال و ما هو قال يرون أن عليا ع قال- سلوني قبل أن تفقدوني- فو الله لا تسألوني عن أرض مخصبة- و لا أرض مجدبة- و لا فئة تضل مائة- و تهدي مائة إلا إن شئت أنبأتكم بناعقها- و قائدها و سائقها- قال قال أبو عبد الله ع فإن هذا حق
    حدثنا أبو الفضل العلوي عن سعيد بن عيسى البصري عن إبراهيم ابن الحكم عن أبيه عن شريك بن عبد الله عن عبد الله عن عبد الأعلى عن أبي وقاص عن سلمان الفارسي ره عن أمير المؤمنين ع قال قال سلوني عما يكون إلى يوم القيامة- و عن كلّ فئة تضل مائة- و تهدي مائة و عن سائقها و ناعقها و قائدها إلى يوم القيامة
    فتفاصيل كلّ الأحداث والفتن الرئيسية على طول التاريخ الماضي والحاضر والمستقبل هي إذن مقررة ومكتوبة سلفا من قبل أن تبدء تجربة المعايشة العملية لأحداثها لإخراج المشاعر المتولّدة فينا من كلّ فتنة منها، ولكن طبعا قد يحدث بعض التغييرات في بعض تفاصيلها لكن ذلك سيتقرر بشكل دوري وسنوي في كلّ ليلة قدر من كلّ سنة من قِبلنا وقِبل نفوسنا العليا المشاركة بهذه الدورة الحياتية أو المشاركة في قصة صراع خليفة الله وحزبه مع إبليس لعنة الله عليه واستهدافه والشيطان وحزبه لأبونا آدم وأمّنا حواء ونسلهما، وأخيرا انتصار خليفة الله وحزبه وبدء الطور المهدوي
    وسنتدبر إن شاء الله تاليا رواية جنود العقل وجنود الجهل ونحاول أن نتبين بشكل إجمالي أيّ من تلك الجنود العقلية هي جنود الاعتقادات، وأيها هي جنود العواطف وهل يوجد بينها جنود أخلاق
    وقبل ذلك يجب أن نضع الميزان الذي سنفرّق به أو الذي سنحدد على أساسه إلى أي فئة من تلك الفئات ينتمي أي جندي من تلك الجنود المذكورة في الرواية الشريفة، وهل هو من جنود العقائد أم هو من جنود الطبائع أم هو من جنود الأخلاق
    و لمعرفة ذلك الميزان الذي نبحث عنه سنعتمد في تحديده على الروايات الشريفة المنقولة عن أهل بيت العصمة سلام الله عليهم، وسنبتدء من رواية العقل الملك الذي له رؤوس بعدد الخلائق:
    روي‌ المجلسي‌ّ عن‌ علل‌ الشرايع باسناد العلوي‌ عن‌ أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌:
    إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّي‌ اللَهُ عليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ مِمَّا خَلَقَ اللَهُ عَزَّ وَجَلَّ الْعَقْلَ؟
    قَالَ: خَلَقَهُ مَلَكٌ لَهُ رُؤوسٌ بِعَدَدِ الْخَلاَئِقِ، مَنْ خُلِقَ وَمَنْ يُخْلَقُ إلي يَوْمِ الْقِيَامَةِ،
    وَلِكُلِّ رَأْسٍ وَجْهٌ،
    وِ لِكُلِّ آدَمِيٍّ رَأْسٌ مِنْ رُؤوسِ الْعَقْلِ،
    وَاسْمُ ذَلِكَ الإنسان علي‌ وَجْهِ ذَلِكَ الْرَأْسِ مَكْتُوبٌ،
    وَعلي‌ كلّ وَجْهٍ سِتْرٌ مُلْقيً لاَ يُكْشَفُ ذَلِكَ السِّتْرُ مِنْ ذَلِكَ الْوَجْهِ حَتَّي‌ يُولَدُ هَذَا الْمَوْلُودُ وَيَبْلُغُ حَدَّ الرِّجَالِ أَوْ حَدَّ النِّسَاءِ؛
    فَإذَا بَلَغَ،
    كُشِفَ ذَلِكَ السِّتْرُ،
    فَيَقَعُ فِي‌ قَلْبِ هَذَا الإنسان نُورٌ
    فَيَفْهَمُ الْفَرِيضَةَ وَالسُّنَّةَ وَالْجَيِّدَ وَالرَّدِيَّ،
    أَلاَ وَمَثَلُ الْعَقْلِ فِي‌ الْقَلْبِ كَمَثَلِ السِّرَاجِ فِي‌ وَسَط الْبَيْتِ.إنتهى
    فمن هذا الحديث الشريف نفهم أنه يوجد هناك فرق جوهري في طبيعة الإنسان ما بين قبل مرحلة البلوغ وما بعدها،
    فهو من المستوى الظاهر قد لا يبدو عليه ذلك الاختلاف الكبير بين المرحلتين، لكن باطنه اختلف حينها اختلافا كبيرا ،، وعلى أساسه ستتحدد خريطة حياته كاملة،
    فتلك اللحظة التي سيقع بقلبه ذلك النور الذي سيَفْهَم به الْفَرِيضَةَ وَالسُّنَّةَ وَالْجَيِّدَ وَالرَّدِيَّ هي لحظة جوهرية في قصة حياته كلها،
    فذلك النور سيحدد له الطريق الذي سيسلكه في حياته، فهو من سيحدد له الجيد والرديًّ من تلك الاختيارات المطروحة أمامه،
    وواقع الحال يثبت لنا أن موازين الناس مختلفة في تحديد الجيد من الرديًّ من الامور،
    فما أراه حسن قد يراه غيري سيئ،
    والعكس بالعكس أيضا،
    فموازيننا إذن مختلفة وليست واحدة،
    والرواية الشريفة تقول لنا أن ذلك النور أو ذلك الميزان سيقع وقعا في قلوبنا في بداية مرحلة معينة أو عند بلوغنا حد الرجال او حد النساء ،
    ومن اختلاف وجهات نظر الناس نستنتج أن قوة ذلك النور عند كلّ إنسان تختلف عن الآخرين، أو أن معاييره التي سيزن إبتداءا بها جميع الامور من حوله تختلف عن الآخرين،
    وهذا الأمر قد لا يعيننا كثيرا على تحديد نوعية تلك الجنود، من هل هي عقائد أو طبائع ولكنه سيبين لنا بالتأكيد أن صفات ما قبل البلوغ هي من نوع آخر،
    وأنها رغم أن الانسان لن يستطيع أن يميز بها الجيد من الرديًّ لكنه سيستطيع بها أن يعيش حتى مرحلة البلوغ،
    وأن يتعامل بها مع الصغار والكبار من الرجال والنساء، ومع الحيوانات وكل الطبيعة من حوله أيضا
    وحقيقة أن تلك الصفات تختلف في شدتها وضعفها من طفل لآخر رغم وجودهم في بيت واحد وظروف مادية ومعنوية واحدة، ستبين لنا أن تلك الصفات ليست مرتبطة دائما في حدوثها وظهورها في الاطفال مع الظروف والعوامل الخارجية المحيطة بهم، فالصفات الإيجابية مثل الشجاعة والكرم والذكاء والمودة تظهر في كِلا الوسطين المعوز و الميسور، كما وتظهر بهما أيضا وبنفس الوقت صفات الجبن والبخل والغباء والعداوة وجميع الصفات السلبية الأخرى،
    فلذلك يعتقد الكثير من العلماء اليوم من أن تلك الصفات النفسية هي صفات مزروعة في جينات الانسان الوراثية وتظهر فيه خلال حياته كطبائع ذاتية مطبوعة فيه من غير إرادة منه لها
    وهنا سأفترض من خلال فهمي لطبيعة الدور الذي تلعبه العقائد في حياتنا أن النور الذي سيقع بالقلب إنما هو نور العقل أو نور النفس الناطقة القدسية المجندة بجنود العقائد،
    فالعقائد التي نؤمن بها عادة هي التي ستحدد لنا نوع اختياراتنا ومساراتنا في الحياة، وذلك تبعا لطبيعة فهمنا واعتقادنا بالفريضة والسنّة والجيد والرديًّ،
    وهذا هو الدور الذي ستؤديه النفس الناطقة القدسية في دورة الحياة التي ستنزل بها، أي أنها هي من ستحدد المسارات التي ستسلكها النفس الانسانية في حياتها تلك منطلقة في حركتها من الاعتقادات المنطبعة بها.
    نعود لنقول إذا كانت صفات أو جنود العقل الموجودة فينا ما قبل مرحلة البلوغ ليست من جنود العقائد، فهل هي إذن من جنود الطبائع أم هي من جنود الاخلاق؟
    لا بد من القول هنا أنه توجد بعض الصفات التي لن يستطيع الوالدان أو حتى جميع أفراد العائلة من تغييرها في الطفل، حتى ولو بذلوا لذلك مجهودا كبيرا، تماما كما أنهم لن يستطيعوا زرع بعضها في أطفالهم مهما حاولوا ذلك،
    فبعض الاطفال تجده شجاعا منذ طفولته
    وبعضهم تجده كريما
    وبعضهم جريئا
    وبعضهم مهذارا
    وبعضهما نظيفا الى درجة كبيرة غير موجودة في بقية اخوته،
    وبعضهم حريصا
    وبعضهم لا أباليا،
    وتلك الصفات أو غيرها مهما حاول الوالدان تغييرها فانهم لن يستطيعوا فعل ذلك أبدا، ولكنهم ربما سيستطيعون توجيهه لكيف يستعمل أو لكيف يوظف تلك الصفات بشكل أو بآخر،
    فالطفل الشجاع قد يوجهه أبواه لظلم غيره، أو فقط للدفاع عن نفسه وإخوته،
    والكريم قد يوجهانه للتبذير على نفسه وأصحابه، أو ربما للتصدق على الفقراء والمساكين،
    والطفل المهذار كثير الكلام ربما سيستطيعان ارشاده لمهنة أو وضيفة تحتاج لأن يكون مهذارا ((حلاّق مثلا)) أو مذيع برنامج فكاهي بالتلفزيون، لكنهم لن يستطيعوا ابدا أن يقنعوه بفضيلة الصمت، أو لأن يكون مفكّرا أو متفكّرا ،، وقس على ذلك بقية الصفات
    ومن الواضح أننا لن نستطيع تغيير طباع أطفالنا بشكل نهائي ما داموا أطفالا، لأنها كما قلنا قبل قليل من أنها صفات مغروسة معهم ومطبوعة في أصل تكوينهم، أو انها مجعولة معهم جعلا تكوينيا في جيناتهم الوراثية ، وربما لو رغبوا هم أنفسهم بإقامة ذلك التغيير بعد مرحلة البلوغ فإنهم ربما سيستطيعون ذلك ولكن بشكل جزئي، وسيبذلون جهد كبيرا جدا من أجل هذا التغيير الجزئي،
    وعليه أقول أن الصفات التي نراها تبرز أو تظهر بشكل لا إرادي في الأطفال وحتى موعد بلوغهم هي الطبائع
    أمّا العقائد فهي تلك التي ستحكم على تلك الطبائع بأنها جيدة أو رديئة،
    فإذا كانت العقائد من جنود العقل فإن حكمها سيكون على بعض الطبائع غير ما لو كانت العقائد من جنود الجهل،
    سواء كان ذلك الحكم بالسلب أو كان بالإيجاب،
    بمعنى أن بعض الطبائع ستتلون بعد البلوغ بلون العقائد، فيزداد بعضها ظهورا أو تختفي كليا تبعا لنوع العقائد التي نزلت بها النفس الناطقة القدسية
    وفي هذه المرحلة فقط ستظهر الأخلاق، أي أنه في مرحلة ما بعد البلوغ فقط ستظهر الأخلاق،
    فقبل مرحلة البلوغ توجد في الطفل فقط طبائع تنطلق للظهور في شخصية الطفل وأفعاله لا لعقيدة معينة ، بل انطلاقا من ذاتها وبدون سبب معين من خارجها، لانها طبع من طبائعه، أما بعد نزول العقائد في مرحلة البلوغ وما بعدها، فإن نفس تلك الطبائع ستتحول إلى أخلاق ، لأنها حينها لا تنطلق للظهور في التعبيرات والمواقف الشخصية المختلفة من ذاتها وبدون سبب كما في السابق، بل إنها ستنطلق للظهور في التعبيرات والمواقف المختلفة إنطلاقا من عقائد معينة هي التي تدفعها دائما للظهور
    يعني نفس صفة الشجاعة أو الكرم مثلا يقال عنها قبل البلوغ بأنها طبع من طبائع الطفل ، وذلك لأنها مطبوعة في نفسه طبعا وينطلق منها بتصرفاته لا إراديا، ولكن بعد البلوغ سيقال عنها أنها من أخلاقه لأنها ظهرت منه في هذا الموقف أو في ذاك الموقف انطلاقا إراديا متأثرا بعقيدة معينة مطبوعة في النفس، فالشجاعة أو الكرم هنا لن تعبر عن نفسها بقدر ما أنها ستعبر عن تلك العقيدة التي حركتها من الخلف وكانت هي السبب في ظهورها
    فالأخلاق إذن هي تصرفات تعبّر عن عقيدة منطوية بها، أمّا الطبائع فهي لا تعبر الا عن نفسها ولا تنطلق الا من نفسها
    من هذه النتيجة سنعيد قرآئة رواية جنود العقل وجنود الجهل مرة أخرى وبمنظار آخر لكي نعرف به من منها هي جنود الطبائع المطبوعة في النفس الحسية الحيوانية والنفس النامية النباتية والتي سيعيش ويتصرف الطفل او الطفلة انطلاقا منها وحتى سن البلوغ،
    ولكي نعرف كذلك أيضا أسماء جنود العقائد التي ستنزل مطبوعة بالنفس الناطقة القدسية التي ستحوّل طبائع النفسين الحيوانية والنباتية الى اخلاق، لأنها ((الناطقة القدسية)) ستكون الحاكمة على تلك الصفات المطبوعة في النفس الحسية الحيوانية والنامية النباتية والتي بقيت تتحكم بصورة أفعال ذلك الطفل او تلك الطفلة حتى البلوغ
    الطريقة في التحديد ستكون سهلة جدا وذلك من مراقبتنا السابقة للأطفال ولمن لم يبلغوا حد الرجال او النساء بعد فإذا كانت الصفة من الممكن أن يتصفوا بها قبل بلوغهم كانت من جنود الطبائع والتي ستتحول لاحقا ألى أخلاق، واذا لم تكن من التي يوصف بها الاطفال الا بعد بلوغهم كانت من جنود العقائد
    مثل جندي الكفر والإيمان فلا يقال للطفل أنه كافر أو مؤمن حتى يبلغ حد الرجال والتكليف بل وبعد ذلك بفترة كافية أيضا
    ولقد قمت بعمل جدول لا أدعي صحته بالكامل ولكن هذا مبلغي من العلم والمشاهدة وما وقع تحت يدي من معلومات بسيطة، وشخصيا لم أتقصى كثيرا عنها، فهذه أعتبرها من تفاصيل تفاصيل التفاصيل، وهذه لا أبحث عنها حاليا، وحاليا أبحث عن الصورة الاجمالية للتكوين وان كان به تفاصيل كثيرة، ومن يحب يمكنه أن يزيد بالبحث عن تلك الجنود وأنواعها
    ويمكننا أن نحدد الطبائع والعقائد من طريق آخر ولكن بالاعتماد جزئيا على بعض النتائج السابقة وهي أن وجود الطبائع مرتبط بالنفس الحسية الحيوانية،وعليه فإن الطبائع لها علاقة بشكل أو بأخر بقوى النفس الحسية الحيوانية السمع والبصر والذوق والمس والشم وبخاصتيها الرضا والغضب، أو بكل ما له علاقة بالحركة والظلم والغشم والغلبة واكتساب الاموال والشهوات الدنيوية
    ولو أعدنا النظر بمفردات روايتي النفس وقواها اللتين أوردناهما وبحثناهما سابقا، سنجد أن جميع الشرور أصلها من النفس الحسية الحيوانية، وبالتالي فان جميع الشرور تنبع من الطبائع المطبوعة بها، ولا علاقة للشرور بالعقائد التي ستنزل أو ستنطبع بالنفس الناطقة القدسية عند نزولها، والتي منبعها وأصلها هي قوى الفكر والذكر والعلم والحلم والنباهة، ومتفرعة من خاصتي النزاهة والحكمة
    وذلك كله من الطبيعي، بل انه من اللازم كذلك أن تكون قوى الطبائع المطبوعة في كلّ نفس من الأنفس الثلاثة متفرعة أو صادرة من نفس القوى التي جُعلت منها تلك النفس التي ستنطبع فيها
    فإن كانت النفس من قوة فلكية فإن طبائعها وخواصها يجب أن تكون من تلك القوة أيضا، أي يجب أن تكون من القوة الفلكية
    وإن كانت من قوة إلهية فطبائعها وخواصها يجب أن تكون كذلك مسانخة للقوة التي ستنطبع منها وفيها، أي يجب أن تكون من القوة الالهية
    وأعتقد هنا أن البحث في الطبائع والعقائد لو كان ينطلق من هذه الاساسيات فستكون نتائجه بالتأكيد أفضل وأدق، لأنه سيعتمد على اسس وقواعد بيّنها لنا أهل البيت عليهم السلام، وليس من ملاحظات إنسانيّة معرضة للخطأ والصواب كما فعلت أناااا في الجدول السابق، والذي عندما نظرت له نظرة أخرى وجدت أن به بعض الاحكام الخاطئة من طرفي على بعض الصفات، ولكن وكما قلت من قبل من أن عذري في ذلك هو أن همّي وتركيزي الآن هو ليس التحديد الدقيق لمصدر تلك الطبائع بقدر ما هو معرفة الهيكلة الرئيسية لشجرة الوجود النورية، وكيفية تحول النور الى مواد نورية مختلفة الصور والخواص الفيزيائية، وتحدبدا إلى سبع سماوات وجميع ما بينهن
    ورغم نقص الجدول السابق سأبقيه في مكانه من البحث ، وذلك إثباتا للنقص والتقصير من طرفي فيه
    وسأورد هنا بعض الروايات الشريفة عن أهل بيت العصمة والتي تبين أن الطبائع منطبعة فعلا في نفوس الأطفال من قبل ولادتهم، وكيف أنها ستؤثر على سلوكهم فيما بعد وحتى نهاية عمرهم، فقد:
    قال الاِمام محمد الباقر عليه السلام : إنّ علياً كان يقول : لا تسترضعوا الحمقاء ، فان اللبن يغلب الطباع.
    وقال أمير المؤمنين عليه ‌السلام :
    ١ ـ من لم يكمل عقله لم تؤمن بوائقه.
    ٢ ـ من لم يكن له عقل يزينه لم ينبل.
    ٣ ـ السفه يجلب الشر.
    ٤ ـ الجهل معدن الشر.
    ٥ ـ الجهل أصل كلّ شر
    وقال أمير المؤمنين عليه ‌السلام :
    ١ ـ إذا كرم أصل الرجل كرم مغيبه ومحضره.
    ٢ ـ جميل المقصد يدلّ على طهارة المولد.
    ٣ ـ من خبث عنصره ساء محضره.
    ٤ ـ من كرم محتده حسن مشهده.
    ٥ ـ منزع الكريم أبداً إلى شيم آبائه.
    وقال عليه ‌السلام : حسن الاخلاق برهان كرم الاعراق.
    وقال عليه ‌السلام : عليكم في طلب الحوائج بشراف النفوس ذوي الاُصول الطيبة ، فانها عندهم أقضى ، وهي لديهم أزكى
    ولا ننسى ما قاله زهير بن القين للعباس لإبن أمير المؤمنين عليه ‌السلام : (احدثك بحديث وعيته ، لمّا أراد أبوك أن يتزوج طلب من أخيه عقيل أن يختار له امرأة ولدتها الفحولة من العرب ليتزوجها فتلد غلاماً شجاعاً ينصر الحسين بكربلاء ، وقد ادخرك أبوك لمثل هذا اليوم)
    يتبع إن شاء الله
    والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    .
    وصلى الله على خير خلقه أجمعين محمد وآله الطاهرين
Viewing 1 replies (of 1 total)
  • The forum ‘بحوث طالب التوحيد’ is closed to new topics and replies.