بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلي على محمد وآل محمد
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
من هو العالم الرباني؟
— هو الذي اكتمل عقله
+++ ومن هو المتعلم على سبيل نجاة؟
— هو الذي يتفكّر دائما وأبدا بالله وبخلق الله فيزداد عقله كل يوم بعمليّة التفكّر تلك قوة وكمالا
+++ ومن هم الهمج الرعَاع أَتْبَاع كلّ نَاعِقٍ؟
— إنهم قليلي العقل وضعافه
إنهم المقلدون
إنهم المستكينون
إنهم من أوكلوا أمور دينهم ودنياهم لغيرهم
إنهم من قنعوا بعقولهم كما هي
+++ لكن ما هو العقل الذي نتكلم عنه هنا؟
+++ هل هو ذلك الجسم الرخو المستبطن في اعلى تجويف الرأس أم انه شيء آخر؟
— بالتأكيد انه ليس ذلك الجسم الرخو في تجويف الرأس ،، فهذا هو المخ وليس العقل
+++ إذن ما هو العقل؟
+++ وأين هو العقل؟
يجيبنا الإمام الصادق عليه السلام عن هذا السؤال
“حين سأله أحد أصحابه: ما العقل؟
قال: “ما عُبد به الرحمن واكتُسب به الجنان،
قال: قلت: فالذي كان في معاوية؟
فقال: تلك النكراء! تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل، وليست بالعقل”…… إنتهى
ولنعرف ما هو العقل وما هي النكراء الشيطنة سنرجع لنَفسَي الإنسان المركبتين عليه
أي للنفس الحسية الحيوانية التي فعلها الحياة والحركة والظلم والغشم والغلبة واكتساب الاموال والشهوات الدنيوية
وللنفس الناطقة القدسية التي مقرها العلوم الحقيقية الدينية وموادها التأييدات العقلية وفعلها المعارف الربانية والتي إذا فارقت عادت إلى ما منه بدأت عود مجاورة لا عود ممازجة ،، وهي نفسها النفس المطمئنة
في ما سبق من المقالات وصلنا إلى انّ كل نفس منهما لها ارادة ولها دعوة خاصة بها وأنّ كل نفس منهما تدعو الانسان لأن يتخلّق بأخلاقها
ومن صفات النفس الحسية الحيوانية في رواية أمير المؤمنين عليه السلام سيتبين لنا أنها هي النكراء وهي الشيطنة ،، فتفكيرها ودعوتها ومنطلقها دائما هو المادة والظلم والغشم والغلبة واكتساب الاموال والشهوات الدنيوية ،،
وهذه هي نفسها منطلقات دعوات الشيطان وأهدافه ،،
وعليه فإن الذين فكرهم وعملهم نابع من خلال عقل نفسهم الحسيّة الحيوانية أو من شبه العقل النكراء الشيطنة ،، فإن هؤلاء سيكونون بالضرورة هم مجموعة الهمج الرعاع أتباع كلّ ناعق ينعق لهم من أمور الدنيا وحطامها فيتبعونه حينها طمعا بما ينعق به لهم
فهو ينعق لهم بالدنيا وهم عبيد الدنيا
أمّا العقل الحقيقي الذي يُـعبد به الرحمن وتُـكتسب به الجنان فلا بدّ ان يكون هو عقل النفس الناطقة القدسيّة التي مقرها العلوم الحقيقيّة الدينيّة وموادها التأييدات العقليّة وفعلها المعارف الربانيّة
فهذه النفس دعوتها دائما دعوة إلهية غيبيّة
فالانسان مركب إذن من عقل وشبه عقل
من عقل وجهل
من جنة ونار
من نفس ناطقة قدسيّة وأخرى حسيّة حيوانيّة
.
—- لكننا نرى الملايين من العبّاد المتدينين في العالم والذين يعبدون الله بشتى الصور الممكنة ،، فكيف من الممكن أن يكونوا من مجموعة الهمج الرعاع التي هي مجموعة الأغلبية؟
+++ يجيبنا الإمام الحسين عليه السلام عن ذلك :
قال الإمام الحسين بن علي عليه السَّلام :
” النَّاسُ عَبِيدُ الدُّنْيَا ،
وَ الدِّينُ لَعِقٌ عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ ،
يَحُوطُونَهُ مَا دَرَّتْ مَعَايِشُهُمْ ،
فَإِذَا مُحِّصُوا بِالْبَلَاءِ قَلَّ الدَّيَّانُون “…… إنتهى
فليس كلّ المتدينين او حتّى من يطلبون العلوم الدينيّة هم من مجموعة المتعلمين على سبيل نجاة
فأكثرهم من عبيد الدنيا ،، أي أنّ أكثرهم هم من مجموعة الهمج الرعاع وإن تجلببوا بجلابيب طلاب العلم أو بجلابيب المتدينين،،
أمّا المتعلمون على سبيل نجاة فهم فقط من سيستطيعون ان يستعملون عقولهم
وليس اشباه عقولهم النكراء الشيطنة
ومن يريد أن يرتقي بعبادته وبوجوده يجب عليه ان ينشّط عقله
وأن يُخمد شِبه عقله
من يريد أن يرتقي بعبادته وبوجوده يجب عليه ان ينشّط الناطقة القدسيّة
وأن يُخمد الحسيّة الحيوانيّة
ولكي ينجح الانسان بذلك سيحتاج فقط الى نيّة صادقة بذلك ،،
والى اصرار وثبات على تلك النيّة ،،
وإلى تصديق ثباته واصراره على تلك النيّة بالعمل الدائم والمتصل على اساسها
إنّ مجموعة الهمج الرعاع عندهم العقل أو النفس الناطقة القدسيّة خامدة ومنطوية على نفسها ،،
ومتقوقعة في قعر وجودهم وكيانهم الروحي والمادي
وتؤدي بعض الوضائف التكوينية الموكلة لها بصمت وسكون ،،
فاصحابها غير ملتفتين إليهم بالمرة
لكنهم يستطيعون بأي وقت يريدوه ويشاؤه أن يوقظوها ويخرجوها من انطوائها الذي فرضوه عليها ،،،
وهي بدورها حين تستيقظ أو حين توقظها أنت فأنها ستنتفض بقوة وستحرق ظلمات الجهل
طلمات شبه العقل النكراء الشيطنة
حين توقظ العقل فيك فأنه سيبدّل كيانك ووجودك تدريجيا بصورة لا يمكنك أن تتخيلها،،
ستتبدل حينها بصورة أقل ما يمكن وصفها بإنها صورة يحلم بالوصول إليها جميع الحكماء والمتعلمين على سبيل نجاة،،
وجميع من عرفوا وآمنوا بامكانية ان يصلوا لإيقاظه في يوم من الأيام
إستيقاظ العقل
إستيقاظ الروح
إستيقاظ الكونداليني
كلها تعابير تشير لنفس الحقيقة
وهي استيقاظ النفس الناطقة القدسيّة التي مقرها العلوم الحقيقية الدينيّة وموادها التأييدات العقلية وفعلها المعارف الربانيّة
لكن العقل أو النّفس الناطقة القدسيّة او النّفس المطمئنّة لم تنم ولم تكن نائمة ولن تنام أبدا في يوم من الأيام
فلقد خلقها الله كاملة وفي أحسن تقويم ،، لكن حين تم قرنها مع النفس الحسيّة الحيوانيّة فينا رددناها ودفعناها نحن بإرادتنا لأسفل سافلين ،،
لقد تجاهلناها ،،
وجعلنا اصابعنا في آذاننا كلما نطقت لتخاطبنا واستغشينا ثيابنا واصررنا واستكبرنا استكبارا
،،
فانطوت من حينها على نفسها وقبعت في أسفل سافلين تنتظرنا أن نؤمن حقيقة
وأن نعمل الصالحات منطلقين من ايماننا ،، لكي تصعد وتستيقظ وترتفع من جديد لأعلى عليين وجودنا
إنّ عملية إيقاظ العقل عملية بطيئة
إنّ عملية ايقاظ الروح عملية بطيئة
إنّ عملية ايقاظ الكونداليني عملية بطيئة
إنّ عملية ايقاظ الكونداليني عملية بطيئة
عُشر فعُشر فعُشر، حتى تصل الى الجزء الواحد من 49 من أجزاء العقل
ثمّ مرة أخرى عُشر فعُشر فعُشر حتى تصل الى الجزئين من 49 من أجزاء العقل
ثم مرة أخر عُشر فعُشر فعُشر حتى تصل الى ثلاث أجزاء من 49 من أجزاء العقل
إنها رحلة طويلة لكنّها ممتعة هي رحلة إيقاظ الكونداليني
إنها فعلا رحلة الحياة الحقيقيّة
فمع كل عُشر جديد من عقلك ستوقظه ستتبدل معه الألوان والمعاني التي كنت تراها من أمامك
فدرجات ظلمات الجهل التي كانت تعلوك قبل أن يبدء عقلك بالاستيقاظ هي كظلمات بعضها فوق بعض ،،
وكلما ايقظت عُشر من أعشار درجة من درجات العقل عندك فإنك ستعتقد انك قد خرجت نهائيا من الظلمة إلى النور
لكنك مع استيقاظ العُشر التالي ستجد أنّك كنت قبلها في ظلمة ثانية سابقة قد خرجت منها لتوك
وهكذا ستعتقد كلما أيقظت عُشر جديد من أعشار كلّ جزء من أجزاء عقلك التسعة والأربعين ،،
لكن هذا في البداية فقط ،،،
لأنك بعد أن تخرج من عدة طبقات من طبقات الظلام المتعاقبة ستعرف أن رحلتك للنور رحلة طويلة
ستدمن حينها على التفكير العميق
وستدمن على البحث ما بين السطور
وستدمن البحث عن المخفي خلف الكلمات
لإنك تعلم أنّ هذا هو ما يحفّز العقل ليطفر من عُشر لعُشر ومن درجة لدرجة،،
عقلك حينها سيكون كإلكترون يطفر من درجة لدرجة
ومع كل طفرة سيطفرها عقلك سيتحول معدن وجودك لنوع جديد من المعادن ،،
من معدن رخيص لمعدن أثمن وأندر
وستدمن حينها الوحدة وتستطيبها
وسترى أنّ أجمل يوم من أيام حياتك كان هو ذلك اليوم الذي قررت به أن تأخذ الحبّة الحمراء
وستسأل نفسك مطولا ما الذي فعلته واستحققت من أجله أن أختار الحبّة الحمراء على الزرقاء؟
ولن تصل للجواب أبدا
لأنك لو وصلت للجواب ستكون قد عدتّ من قبلها واخذت الحبة الزرقاء
لكن على كل حال لو انك كنت من مجموعة الهمج الرعاع الذين يستعملون شبه العقل وليس العقل فلا يجب عليك أن تقلق حينها
فالحساب على قدر العقل الابتدائي الذي يوضع بكيانك اول نزولك في كل كرة من كرات حياتك الأبدية
والثواب على قدر ارتفاعك بعقلك حين نزولك بها.
فلقد ورد في الكافي عن أحمد بن محمد، عن الحسن بن موسى، عن أحمد بن عمر، عن يحيى بن أبان، عن شهاب قال:
سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول:
لو علم الناس كيف خلق الله تبارك وتعالى هذا الخلق لم يلم أحد أحدا،
فقلت : أصلحك الله، وكيف ذلك؟
قال:
إن الله تبارك وتعالى خلق أجزاء بلغ بها تسعة وأربعين جزءا
ثم جعل الاجزاء أعشارا
فجعل الجزء عشرة أعشار،
ثم قسمه بين الخلق،
فجعل في رجل عُشر جزء
وفي آخر عُشري جزء
حتى بلغ به جزءا تاما
وفي آخر جزءا وعُشر جزء،
وفي آخر جزءا وعشري جزء،
وفي آخر جزءا وثلاثة أعشار جزء،
حتى بلغ به جزئين تامين،
ثم بحساب ذلك حتى بلغ بأرفعهم تسعة وأربعين جزءا
فمن لم يجعل فيه إلا عشر جزء لم يقدر على أن يكون مثل صاحب العشرين،
وكذلك صاحب العشرين لا يكون مثل صاحب الثلاثة الأعشار،
وكذلك من تم له جزء لا يقدر على أن يكون مثل صاحب الجزءين،
ولو علم الناس أن الله عز وجل خلق هذا الخلق على هذا لم يلم أحد أحدا ……… إنتهى
.
فأيقظ روحك وكن من الفائزين
وأيقظ عقلك حين تكون من المتفكّرين
وأيقظ الكونداليني لتصبح من المتنورين
وصلى الله على المصطفى المختار محمد وآله الأبرار