بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلي على محمد وآل محمد
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الأسماء الثلاثة//الجزء الأوّل
في المقال السابق تكلمنا عن الأسماء الثلاثة ووصلنا إلى أن الأسماء الثلاثة وظلالهم واشباح ظلالهم هم المسؤولين عن إيجاد العوالم الثلاثة
للنفس القدسية
والنفس الحسية الحيوانية
والنفس النامية النباتية
وهي نفسها المسؤولة عن إظهار جميع ما سيظهر بها من الصور
وكل تلك العوالم ستظهر في العالم الرابع الذي ينطوي بهم جميعهم ومعهم جميعهم والعقل وسطهم
وحين مطابقة رواية الاسم المخلوق والكلمة التامة وأركانها واسماء أركانها مع رواية معرفة النفس لأمير المؤمنين فسنجد أن الأنفس الأربعة هي نفسها تلك الطبقات الأربعة من الوجود والاسم المكنون هو العقل
يعني النفس الناطقة القدسية وعالمها هي أوّل الأسماء الثلاثة وتنوجد في ومن الأركان الأربعة الأولى من الأركان الاثني عشر
والنفس الحسية الحيوانية وعالمها هي ثاني الأسماء الثلاثة وتنوجد ايضا في ومن الأركان الأربعة الثانية من الأركان الإثني عشر
والنفس النباتية وعالمها هي ثالث الأسماء الثلاثة وتنوجد في ومن الأركان الأربعة الأخيرة من الأركان الإثني عشر
فالأركان الإثني عشر والمصباح فيهم هم المصباح والزجاجة الجوهرة الحيّة بالذات في المشكاة
هذه الأسماء الثلاثة أو الأنفس الثلاثة هي المسؤولة عن الشعور بالزمن لكل من سيشعر به، يعني من خلال تفاعلها وارتباطها مع بعضها البعض ينتج الشعور بالزمان
والاسم المخلوق او النور الظلّي هو المكان أو المشكاة
والإسم المكنون او الرقم 9 هو المصباح الذي سيشعر بالمكان والزمان
بمعنى أن النور الظلي وظلاله الأسماء الثلاثة باركانهم الإثني عشر هم الذين يجعلون الاسم المكنون يشعر بالزمكان
كيف يمكننا فهم وتصور هذا الأمر؟
لا بدّ من ضرب أمثال حسّية لكي نقرّب بها فهم العلاقة بين تلك الأنفس الثلاثة او الأسماء الثلاثة والعقل
حسناً
سنضرب أول مثل لتقريب فهم بيان هذا الامر، وسنجعلك أيها القارئ أنت هو محور هذا المثل:
أنت الأن تتكون من ثلاثة أسماء أو ثلاثة أنفس وأنت وسطهم
نفس فاعلة وهي النفس النباتية أو الجسد
ونفس شاعرة وهي الحسية
ونفس عاقلة وهي القدسية
أمّا الروح فهي النفس الرابعة المنطوية بالجميع ، ولن نتحدث عنها هنا ، وسنبقى في حديثنا ضمن هذه الأنفس الثلاثة والعقل الذي هو أنت
تصور أنك جالس على طاولة توجد حولها ثلاث كراسي أنت تجلس على أحدها
ووضعنا أمامك طبق من الفلفل الحار جدا جدا وطلبنا منك أن تبدء بأكل ذلك الفلفل الحار جدا جدا
لكن قبل أن تضع يدك بذلك الطبق لتبدء الأكل منها ، قمنا بفصل نفسك القدسية ونفسك الحسية الحيوانية تكوينيا عن نفسك النباتية وأخذناهما بعيدا عنك ، اي بعيدا عن نفسك النامية النباتية او عن جسدك، ولنقل أننا جعلناهما يجلسان قبالك على الكرسيين المقابلين لك على نفس الطاولة لكنهما منفصلان تكوينيا وشعوريا عنك
وبعد ان فصلناهما عنك أعطيناك الإذن أو الأمر بالأكل فبدأت تأكل من هذا الطبق الجهنمي
ماذا سيحصل معك حينها؟
هل ستشعر بأي حرقة او بأي شعور باللذة أو عدم اللذة؟
الواضح انه لن يحصل معك أي شعور أو أي إحساس
لأن الجزء المسؤول عن هذه الجزئية أو المسؤول عن الشعور يجلس أمامك في هذه اللحظة ، ومنفصل تكوينيا عنك كنفس نباتية
ماذا سيحصل لك إذن حينها؟
ستستمر بأكل هذا الصحن الجهنمي، وستلتهمه حتى آخره بدون أن يرمش لك جفن ، وبدون أن تتعرّق خلية واحدة من خلايا رأسك فتشعر معها باللذة أو الألم
فإن حالك في تلك الحالة يشبه حال رجل آلي مصنوع بشكل معقد جدا جدا جدا لكنه مجرد من كل المشاعر والاحاسيس ولذلك فإنك رغم أن أعضائك الصناعية مجهزة للشعور والاحساس بمثل هذه المشاعر وغيرها فإنك لن تشعر بأي شعور لغياب الجزء الشاعر
النتيجة هي أنك ستستمر بالاكل حتى تنهي هذا الصحن الملتهب بدون أن تشعر بأي شعور مهما كان
فالجسد او النفس النامية النباتية بدون ارتباطها بباقي النفوس الثلاثة تعتبر في مثل هذه الحالة مجرد رجل آلي يتحرك بدون أن يشعر باي شعور مهما كان
وهو لا يزال يتحرك ويستجيب للاوامر لأنه مبرمج على طاعة الأوامر ولا يزال مرتبط بالروح أو مصدر الطاقة التي هي روح كل شيء
يعني لو فصلناه عن الروح أيضا فسيقع الجسد على الأرض بلا حراك لأننا فصلناه عن مصدر الطاقة التي يتحرك بها
سنطّور تجربتنا معك الآن لدرجة جديدة لنرى ماذا سيحدث لك حينها
أنت كجسد لا تزال تجلس على الطاولة ونفسيك الحسية والناطقة تجلسان امامك
الآن سنأمر نفسك الحسية أن تعود لترتبط بك تكوينيا وتأخذ مكانها وارتباطاتها التكوينية مع
أجزاء بدنك
وبعد أن ارتبطت نفسك الحسية الحيوانية بك كنفس نامية نباتية او ارتبطت بك كجسد سنضع أمامك طبق شبيه بالطبق الجهنمي الذي أكلته سابقا ونطلب منك أن تبدء بالاكل منه مرة أخرى
بدأت تأكل ،، ومع اول قضمة من الفلفل شعرت بالحرارة ، ومع القضمة الثانية شعرت بالحرارة تصعد ومع الثالثة والرابعة بدأت تشعر بالحرقة الشديدة
هل ستقرر أن تتوقف عن الأكل؟
لن تتوقف عن الأكل وستستمر بالأكل من ذلك الفلفل الموضوع بالصحن
لماذا لن تتوقف عن الأكل وستستمر بقضم الفلفل رغم انه قد بدء يحرقك اكثر واكثر واكثر؟
لقد بدء فمك ينزف دما من الحرارة وبلعومك يصرخ من الألم ومعدتك بدأت تشكو وبدأت تشعر بأمعائك وهي تتلوّى بشدة، لكنك رغم ذلك لم تتوقف عن مضغ الفلفل الحار وكلما انتهيت من قطعة منها بدأت بقضم والتهام غيرها
لماذا لم تتوقف عن الأكل ولماذا لا تزال مستمر بأذية نفسك وإتلاف أعضائك عضو بعد عضو؟
السبب حينها هو غياب الحكمة من التوقف عن أكل الفلفل
ولماذا غابت الحكمة حينها؟
لأن النفس القدسية هي التي تحدد الحكمة من فعل هذا الفعل من عدمه
فهذه النفس مقرها العلوم الحقيقية الدينية، وموادها التأييدات العقلية، وفعلها المعارف الربانية، ولها خمس قوى وخاصيتان:
1- فكر
2- وذكر
3- وعلم
4-وحلم
5- ونباهه
والخاصيتان هما:
1- النزاهه
2- والحكمه
فالنفس القدسية هي التي تحدد بهذه القوى والخصائص الحكمة من فعل أو عدم هذا الفعل أو ذاك
أو الحكمة من الاستمرار بفعل هذا الفعل أو ذاك أو التوقف عن عنه
ماذا نقصد بذلك؟
لنفهم ذلك سنعيد التجربة مرة ثالثة
لكن هذه المرة سنجمع النفس الناطقة مع النفس الحسية ومع النفس النباتية في كيان واحد متصل أوله بثانيه بثالثه
حسناً
انت تجلس الأن على الطاولة لوحدك ،، وانفسك الثلاثة اجتمعت مرة أخرة بكيان واحد ، ووضعنا أمامك طبق الفلفل الذي تحبه
نفسك الناطقة لسان العقل: سأحصل على بعض المتعة واللذة من أكل هذا الفلفل
نفسك الحسية شعرت برغبة أو بمشيئة نفسك الناطقة بالحصول على بعض تلك اللذة الحارة فأثارت بعض الغدد في نفسك النباتية او في جسمك فتحركت عضلاتك المختلفة والتقطت قطعة من الفلفل وبدأت تلوكها بفمك
نفسك الحسية بدأت تشعر بالحرارة من خلال اعضائك الحّاسة
ونفسك الناطقة عن العقل بدأت تتلذذ بتلك المشاعر التي بدأت تصل لها من النفس الحسية
ومع استمرار الجسم بقضم الفلفل أكثر وأكثر
فإن نفسك الحسية بدأت تستشعر معها بقوة الحرارة بشكل أكبر وأكبر واوضح فبدأت الناطقة عن العقل معها بالانزعاج من تلك المشاعر التي تصل لها من الحسية
الناطقة بدأت تستجلب من العقل الحكمة التي ستفضي لقرارها بالاستمرار او قرارها بالاكتفاء والتوقف:
الأفضل أن أتوقف الأن عن الإستمرار بقضم هذا الفلفل وإلا سيلتهب فمي ويتضرر بلعومي
وربما يجب ان اعيد بعدها إجراء عملية البواسير المؤلمة التي اجريتها السنة الماضية مرة أخرى.
فالنفس الناطقة هي لسان العقل في هذا المثل فهي العقل المسيطر على الحسية وعلى النباتية
لأن كل قواها هي قوى العقل كما أنها مؤيدة ومخصوصة بالحكمة
وهي بحكمتها تقرر
متى تشاء الفعل أو عدم فعله
ومتى تشاء التوقف عن الفعل أو الإستمرار بفعله
قلنا في ما سبق أن النفس الناطقة القدسية هي من الأساس مخلوقة في عالم الأمر ، وأنها ولِدت في عالم الأمر فوق القبب ونزلت لعالم الخلق تحت القبب لكي تقوم ببرء بعض المكتوب في الكتاب
نفس هذا الموقع أو هذا الدور الآمر ستأخذه في تركيب تلك النفوس الانسانية الثلاثة المكونة لشخصية الانسان تحت القبب وستلعب معها نفس الدور أيضا
فهي تؤدي دور عالم الأمر في تكوين الأنسان وتراكيبه، فجميع الأوامر تستقبلها من العقل ثم تصدر منها، وبالتالي فإن جميع الأفعال تنسب لها وجميع المشاعر تعود لها
فالنفس النباتية تفعل ولا تشعر ولا تحسّ
والنفس الحسية تحس وتحرك أدوات الفعل والاحساس في الجسم التي تريد الاحساس بها
والنفس القدسية الأمرة يشاء العقل الجزئي أو مثال الاسم المكنون بها أن يحس
فتأمر القدسية النفس الحسية لتحسّ بالمطلوب
وبدورها ستحرّض الحسية اعضاء الجسم
فتفعل النباتية الفعل الذي سيعود للحسية بالاحساس المطلوب
وبدورها ستوصله للناطقة وللاسم المكنون فيها
وستنتظر منها الامر التالي ثم التالي ثم التالي ثم التالي
فالاسم المكنون مثال المشيئة الأولى هو رب الناطقة وإمام زمانها
والناطقة هي العالم الذي سيستقبل الأمر ابتداءا من العقل ثم ستنزل الأوامر منها بعد ذلك للحسيّة والنباتية
فهما عالم أمر وعالم خلق
ومثال المشيئة الاولى او مثال الاسم المكنون أو العقل الجزئي يمثل في الإنسان أنه ربه وإمامه
والنفس الناطقة تمثل عالم استقبال الامر من العقل وتنزيله
والنفس الحسية تمثل العالم البرزخي الذي يربط ما بين عالم الأمر وعالم الفعل أو عالم الخلق
أمّا النفس النباتية فتمثل في الانسان عالم الفعل أو عالم الخلق
الوصف في هذا المثال والفهم الذي وصلنا منه له يمكننا مطابقته مع تفاصيل رواية معرفة النفس لأمير المؤمنين عليه السلام مع كميل بن زياد رضوان الله عليه:
عن كميل بن زياد قال سالت اميرالمؤمنين علي ع
فقلت يا اميرالمؤمنين اريدك ان تعرفني بنفسي
قال: واي الانفس تريد ان اعرفك؟
فقلت هل هي الا نفس واحده؟
فقال يا كميل انما هي اربعة
النامية النباتية
والحسية الحيوانية
والناطقة القدسية
والكلية الالهية
ولكل واحدة من هذه خمس قوى وخاصيتان
فالنامية النباتية لها خمس قوى
ماسكة
وجاذبة
وهاضمة
ودافعة
ومربية
ولها خاصيتان
الزيادة
والنقصان
وانبعاثها من الكبد
والحسية الحيوانية لها خمس قوى
سمع
وبصر
وشم
وذوق
ولمس
ولها خاصيتان
الشهوة
والغضب
وانبعاثها من القلب
والناطقة القدسية لها خمس قوى
فكر
وذكر
وعلم
وحلم
ونباهة
وليس لها انبعاث
وهي اشبه الاشياء بالنفوس الملكية
ولها خاصيتان
النزاهة
والحكمة
والكلية الالهية لها خمس قوى
بقاء في فناء
ونعيم في شقاء
وعز في ذل
وفقر في غناء
وصبر في بلاء
ولها خاصيتان
الرضا
والتسليم
وهذه التي مبدؤها من الله واليه تعود
وقال الله تعالى: ونفخت فيه من روحي
وقال الله تعالى: يا ايتها النفس المطمئنة ارجعي الى ربك راضية مرضية
والعقل وسط كل شيء…………..إنتهى
وهذا الوصف نفهم منه صورة واحدة من الصور المختلفة التي تتعاون بها الاسماء الثلاثة لإظهار هذا الوجود الذي نعيش به
وتوجد صورة أخرى تتعاون بها الاسماء الثلاثة لتحقيق نفس هذا الهدف وهو اظهار العلم المكنون من حالة مكونه في العقل الذي هو وسط الكل لحالة ظهوره له،، فالعقل الأول هو عين الله الناظرة ،، والعقول الجزئية هي عيونه التي ينظر بها حضوريا وتفصيليا لما يعلمه
وسنتكلم الان عن كيف يُظهر العقل الكلي لنفسه بالاسماء الثلاثة العلم الإجمالي المكنون به فيجعله علما تفصيلياً وحضورياً ويكون هو الشاهد عليه كله بكل تفاصيله
قلنا أن العلم بما كان ويكون كله مكنون في العقل كعلم إجمالي لا تفاصيل ولا تفصيل به
ولكي يظهر العقل هذا العلم المكنون به فإنه سيخلق الحروف ، ومن الحروف سيخلق الكلمات ومن الكلمات سيخلق الصور
لكن قبل أن يخلق الحروف سيخلق الهواء الذي سيظهر بها تلك الحروف والكلمات والصور
والهواء هنا هو الروح ، أو النور الظلّي كما قلنا سابقا
وبنفس الوقت سيخلق الحرف الذي منه سيظهر باقي الحروف والكلمات ويجعله شاهدا عليها جميعها ويخلطه بروحه ، فالروح هي التي ستُظهر هذا الحرف الأول من عالم المكون للظهور
في عالم الظهور أول الحروف المنطوقة هو حرف الألف (أ) لكن نفس حرف الألف المنطوق هذا له مرتبة أخرى تسبق مرتبة ظهوره منطوقا، وهي مرتبة ((الألف غير المنطوقة)) المكنون بكل الحروف
وحرف الألف الغير منطوق يمكنك الشعور به وأحيانا سماعه وهو يتكون وسط صدرك قبل أن تبدءالعضلات بدفع الهواء من داخل الصدر عبر القصبات الهوائية لتحوله الحبال الصوتية لأصوات يرتبها اللسان وينطق بها بمساعدة الشفتان والفكّان وغيرها من الأجزاء المخصصة لإكمال عملية النطق لتتجلى أخيرا بالحروف والكلمات فتصبح منطوقة مسموعة بعد أن كانت مكنونة كعلم اجمالي
من المسؤول من النفوس الثلاثة عن عملية النطق هذه من بدايتها لنهايتها؟
هل هي النفس الناطقة؟
ام هي النفس الحيوانية؟
أم هي النفس النباتية؟
يبدو أن الجواب واضح هنا جدا جدا، وهو أن النفس المسؤولة عن النطق هي النفس الناطقة ،، ولذلك سمّيت من الأساس بـ النفس الناطقة
طبعا الأنفس الثلاثة ثلاثتها تنطق، لكن
النفس الناطقة كلامها كلمات وحروف عقلية
والنفس الحسية الحيوانية كلامها صور عقلية
والنفس النباتية كلامها مزيج من الكلمات العقلية والصور العقلية
تظهرها ككلمات منطوقة ومسموعة لها وللغير وأيضا ككلمات مرئية لها وللغير
النفس الناطقة القدسية ترتبط بنصف الدماغ الأيمن
والنفس الحسية الحيوانية ترتبط بنصف الدماغ الأيسر
النصف الأيمن يشيرون له بالقمر ويضعون داخل القمر صور جانبية لوجه رجل
والنصف الأيسر يشيرون له بالشمس ويضعون داخلها صورة عينين وأنف وفم،، فتكون الشمس هي الصورة وهي من تشع بالصور
فالقمر يخلق الكلمات
والشمس تخلق الصور العقلية لتلك الكلمات
ومركز الوعي في الدماغ المتمثّل بعين عليّ أو عين العقل والمعروف عالميا بالعين الثالثة يمزج ما بين الكلمات العقلية والصور العقلية المطابقة لها
سواء أ كان الانسان هو المتكلم أم كان هو المستمع
فعندما تكون أنت المستمع فإن مركز الوعي في الدماغ سيأخذ تلك الكلمات التي سينطقها المتكلم ويقوم بفصل الكلمات عن صورها العقلية بشكل متسلسل فيعيدها لأصلها انها كلمات وحروف عقلية غير منطوقة وأيضا صور عقلية ثم يعرضها أو يرسلها بنفس التسلسل إلى العقل او إلى الاسم المكنون الذي سيعقلها بصورة إجمالية لأنه العقل هو كنهه ومعدنه وأصله ،، فهو العقل وهو فقط من يعقل الكلمات والصور العقلية التي ابتدعها ابتداعا
عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَ جَلَ:
أَ لَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ وَلِساناً وَشَفَتَيْنِ
قَالَ :
الْعَيْنَانِ رَسُولُ اللَّهِ ص
وَ اللِّسَانِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ
وَ الشَّفَتَانِ الْحَسَنُ وَ الْحُسَيْنُ ع
وَ هَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ: إِلَى وَلَايَتِهِمْ جَمِيعاً وَ إِلَى الْبَرَاءَةِ مِنْ أَعْدَائِهِمْ جَمِيعاً……إنتهى
فاللسان وهو أمير المؤمنين هو الاسم الاول من الاسماء الثلاثة وهو المكنون في النفس الناطقة
فهو يستقبل العلم الاجمالي مباشرة من العقل ويحوله لعلم كلماتي تفصيلي
وبنفس الوقت العينان وهما رسول الله ، وهو الاسم الثاني من الاسماء الثلاثة يستقبل نفس ذلك العلم الاجمالي الذي استقبله الاسم الأول ويحوله لصور عقلية تفصيلية لتلك الكلمات التي نطقها اللسان
فكلاهما يستقبلان نفس العلم الاجمالي لكن
أولهما يحوله لحروف وكلمات عقلية
والثاني يحوله لصور عقلية
والشفتان وهما الحسن والحسين وهما الاسم الثالث يحولان تلك الكلمات والصور العقلية الغير منطوقة والغير ظاهرة الصور لكلمات منطوقة وصور ظاهرة في عالم الظهور والتجلي لنفسها ولغيرها
فالمشيئة او الإسم المكنون أو العقل الكلي ممسوس بالمعنى، فهو هو لكنه من خلقه
والأسماء الثلاثة ممسوسة بالعقل الكلي كونه مكنون بها
الوصف السابق يمكن فهمه من حديث الإمام الرضا عليه السلام مع عمران الصابئي في مجلس المأمون :
التوحيد (للصدوق)، ص: 435
قَالَ الرِّضَا ع
إِنَّ اللَّهَ الْمُبْدِئَ الْوَاحِدَ الْكَائِنَ الْأَوَّلَ لَمْ يَزَلْ وَاحِداً لَا شَيْءَ مَعَهُ فَرْداً لَا ثَانِيَ مَعَهُ لَا مَعْلُوماً وَ لَا مَجْهُولًا وَ لَا مُحْكَماً وَ لَا مُتَشَابِهاً وَ لَا مَذْكُوراً وَ لَا مَنْسِيّاً وَ لَا شَيْئاً يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ شَيْءٍ مِنَ الْأَشْيَاءِ غَيْرَهُ
وَ لَا مِنْ وَقْتٍ كَانَ وَ لَا إِلَى وَقْتٍ يَكُونُ وَ لَا بِشَيْءٍ قَامَ وَ لَا إِلَى شَيْءٍ يَقُومُ وَ لَا إِلَى شَيْءٍ اسْتَنَدَ وَ لَا فِي شَيْءٍ اسْتَكَنَّ
وَ ذَلِكَ كُلُّهُ قَبْلَ الْخَلْقِ إِذْ لَا شَيْءَ غَيْرُهُ وَ مَا أُوقِعَتْ عَلَيْهِ مِنَ الْكُلِّ فَهِيَ صِفَاتٌ مُحْدَثَةٌ وَ تَرْجَمَةٌ يَفْهَمُ بِهَا مَنْ فَهِمَ .
وَ اعْلَمْ أَنَّ الْإِبْدَاعَ وَ الْمَشِيَّةَ وَ الْإِرَادَةَ مَعْنَاهَا وَاحِدٌ وَ أَسْمَاءَهَا ثَلَاثَةٌ
وَ كَانَ أَوَّلُ إِبْدَاعِهِ وَ إِرَادَتِهِ وَ مَشِيَّتِهِ الْحُرُوفَ الَّتِي جَعَلَهَا أَصْلًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَ دَلِيلًا عَلَى كُلِ مُدْرَكٍ وَ فَاصِلًا لِكُلِّ مُشْكِلٍ
وَ تِلْكَ الْحُرُوفُ تَفْرِيقُ كُلِّ شَيْءٍ مِنِ اسْمِ حَقٍّ وَ بَاطِلٍ أَوْ فِعْلٍ أَوْ مَفْعُولٍ أَوْ مَعْنًى أَوْ غَيْرِ مَعْنًى
وَ عَلَيْهَا اجْتَمَعَتِ الْأُمُورُ كُلُّهَا
وَ لَمْ يَجْعَلْ لِلْحُرُوفِ فِي إِبْدَاعِهِ لَهَا مَعْنًى غَيْرَ أَنْفُسِهَا يَتَنَاهَى
وَ لَا وُجُودَ لِأَنَّهَا مُبْدَعَةٌ بِالْإِبْدَاعِ
وَ النُّورُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ أَوَّلُ فِعْلِ اللَّهِ الَّذِي هُوَ نُورُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ
وَ الْحُرُوفُ هِيَ الْمَفْعُولُ بِذَلِكَ الْفِعْلِ
وَ هِيَ الْحُرُوفُ الَّتِي عَلَيْهَا الْكَلَامُ وَ الْعِبَارَاتُ كُلُّهَا مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ عَلَّمَهَا خَلْقَهُ
وَ هِيَ ثَلَاثَةٌ وَ ثَلَاثُونَ حَرْفاً
فَمِنْهَا ثَمَانِيَةٌ وَ عِشْرُونَ حَرْفاً تَدُلُّ عَلَى اللُّغَاتِ الْعَرَبِيَّةِ
وَ مِنَ الثَّمَانِيَةِ وَ الْعِشْرِينَ اثْنَانِ وَ عِشْرُونَ حَرْفاً تَدُلُّ عَلَى اللُّغَاتِ السُّرْيَانِيَّةِ وَ الْعِبْرَانِيَّةِ
وَ مِنْهَا خَمْسَةُ أَحْرُفٍ مُتَحَرِّفَةٍ فِي سَائِرِ اللُّغَاتِ مِنَ الْعَجَمِ لِأَقَالِيمِ اللُّغَاتِ كُلِّهَا
وَ هِيَ خَمْسَةُ أَحْرُفٍ تَحَرَّفَتْ مِنَ الثَّمَانِيَةِ وَ الْعِشْرِينَ الْحَرْفَ مِنَ اللُّغَاتِ
فَصَارَتِ الْحُرُوفُ ثَلَاثَةً وَ ثَلَاثِينَ حَرْفاً
فَأَمَّا الْخَمْسَةُ الْمُخْتَلِفَةُ فَبِحُجَجٍ لَا يَجُوزُ ذِكْرُهَا أَكْثَرَ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ
ثُمَّ جَعَلَ الْحُرُوفَ بَعْدَ إِحْصَائِهَا وَ إِحْكَامِ عِدَّتِهَا فِعْلًا مِنْهُ كَقَوْلِهِ عَزَّ وَ جَلَّ- كُنْ فَيَكُونُ
وَ كُنْ مِنْهُ صُنْعٌ وَ مَا يَكُونُ بِهِ الْمَصْنُوعُ
فَالْخَلْقُ الْأَوَّلُ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ الْإِبْدَاعُ لَا وَزْنَ لَهُ وَ لَا حَرَكَةَ وَ لَا سَمْعَ وَ لَا لَوْنَ وَ لَا حِسَّ
وَ الْخَلْقُ الثَّانِي الْحُرُوفُ لَا وَزْنَ لَهَا وَ لَا لَوْنَ وَ هِيَ مَسْمُوعَةٌ مَوْصُوفَةٌ غَيْرُ مَنْظُورٍ إِلَيْهَا
وَ الْخَلْقُ الثَّالِثُ مَا كَانَ مِنَ الْأَنْوَاعِ كُلِّهَا مَحْسُوساً مَلْمُوساً ذَا ذَوْقِ مَنْظُوراً إِلَيْهِ
وَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى سَابِقٌ لِلْإِبْدَاعِ لِأَنَّهُ لَيْسَ قَبْلَهُ عَزَّ وَ جَلَّ شَيْءٌ وَ لَا كَانَ مَعَهُ شَيْءٌ
وَ الْإِبْدَاعُ سَابِقٌ لِلْحُرُوفِ
وَ الْحُرُوفُ لَا تَدُلُّ عَلَى غَيْرِ أَنْفُسِهَا
قَالَ الْمَأْمُونُ وَ كَيْفَ لَا تَدُلُّ عَلَى غَيْرِ أَنْفُسِهَا-
قَالَ الرِّضَا ع
لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى لَا يَجْمَعُ مِنْهَا شَيْئاً لِغَيْرِ مَعْنًى أَبَداً
فَإِذَا أَلَّفَ مِنْهَا أَحْرُفاً أَرْبَعَةً أَوْ خَمْسَةً أَوْ سِتَّةً أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَقَلَّ لَمْ يُؤَلِّفْهَا لِغَيْرِ مَعْنًى وَ لَمْ يَكُ إِلَّا لِمَعْنًى مُحْدَثٍ لَمْ يَكُنْ قَبْلَ ذَلِكَ شَيْئاً
قَالَ عِمْرَانُ:
فَكَيْفَ لَنَا بِمَعْرِفَةِ ذَلِكَ؟
قَالَ الرِّضَا ع :
أَمَّا الْمَعْرِفَةُ فَوَجْهُ ذَلِكَ وَ بَابُهُ أَنَّكَ تَذْكُرُ الْحُرُوفَ إِذَا لَمْ تُرِدْ بِهَا غَيْرَ أَنْفُسِهَا ذَكَرْتَهَا فَرْداً فَقُلْتَ أ ب ت ث ج ح خ حَتَّى تَأْتِيَ عَلَى آخِرِهَا فَلَمْ تَجِدْ لَهَا مَعْنًى غَيْرَ أَنْفُسِهَا
فَإِذَا أَلَّفْتَهَا وَ جَمَعْتَ مِنْهَا أَحْرُفاً وَ جَعَلْتَهَا اسْماً وَ صِفَةً لِمَعْنَى مَا طَلَبْتَ وَ وَجْهِ مَا عَنَيْتَ كَانَتْ دَلِيلَةً عَلَى مَعَانِيهَا دَاعِيَةً إِلَى الْمَوْصُوفِ بِهَا أَ فَهِمْتَهُ؟
قَالَ نَعَمْ
قَالَ الرِّضَا ع :
وَ اعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَكُونُ صِفَةٌ لِغَيْرِ مَوْصُوفٍ وَ لَا اسْمٌ لِغَيْرِ مَعْنًى وَ لَا حَدٌّ لِغَيْرِ مَحْدُودٍ
وَ الصِّفَاتُ وَ الْأَسْمَاءُ كُلُّهَا تَدُلُّ عَلَى الْكَمَالِ وَ الْوُجُودِ وَ لَا تَدُلُّ عَلَى الْإِحَاطَةِ
كَمَا تَدُلُّ عَلَى الْحُدُودِ الَّتِي هِيَ التَّرْبِيعُ وَ التَّثْلِيثُ وَ التَّسْدِيسُ
لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ وَ تَقَدَّسَ تُدْرَكُ مَعْرِفَتُهُ بِالصِّفَاتِ وَ الْأَسْمَاءِ وَ لَا تُدْرَكُ بِالتَّحْدِيدِ بِالطُّولِ وَ الْعَرْضِ وَ الْقِلَّةِ وَ الْكَثْرَةِ وَ اللَّوْنِ وَ الْوَزْنِ وَ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ
وَ لَيْسَ يَحُلُّ بِاللَّهِ جَلَّ وَ تَقَدَّسَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ حَتَّى يَعْرِفَهُ خَلْقُهُ بِمَعْرِفَتِهِمْ أَنْفُسَهُمْ بِالضَّرُورَةِ الَّتِي ذَكَرْنَا
وَ لَكِنْ يُدَلُّ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ بِصِفَاتِهِ وَ يُدْرَكُ بِأَسْمَائِهِ وَ يُسْتَدَلُّ عَلَيْهِ بِخَلْقِهِ حَتَّى لَا يَحْتَاجَ فِي ذَلِكَ الطَّالِبُ الْمُرْتَادُ إِلَى رُؤْيَةِ عَيْنٍ وَ لَا اسْتِمَاعِ أُذُنٍ وَ لَا لَمْسِ كَفٍّ وَ لَا إِحَاطَةٍ بِقَلْبٍ
فَلَوْ كَانَتْ صِفَاتُهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لَا تَدُلُّ عَلَيْهِ وَ أَسْمَاؤُهُ لَا تَدْعُو إِلَيْهِ وَ الْمَعْلَمَةُ مِنَ الْخَلْقِ لَا تُدْرِكُهُ لِمَعْنَاهُ كَانَتِ الْعِبَادَةُ مِنَ الْخَلْقِ لِأَسْمَائِهِ وَ صِفَاتِهِ دُونَ مَعْنَاهُ
فَلَوْلَا أَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ لَكَانَ الْمَعْبُودُ الْمُوَحَّدُ غَيْرَ اللَّهِ تَعَالَى
لِأَنَّ صِفَاتِهِ وَ أَسْمَاءَهُ غَيْرُهُ
أَ فَهِمْتَ؟
قَالَ نَعَمْ يَا سَيِّدِي ، زِدْنِي
قَالَ الرِّضَا ع :
إِيَّاكَ وَ قَوْلَ الْجُهَّالِ أَهْلِ الْعَمَى وَ الضَّلَالِ الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ وَ تَقَدَّسَ مَوْجُودٌ فِي الْآخِرَةِ لِلْحِسَابِ وَ الثَّوَابِ وَ الْعِقَابِ وَ لَيْسَ بِمَوْجُودٍ فِي الدُّنْيَا لِلطَّاعَةِ وَ الرَّجَاءِ
وَ لَوْ كَانَ فِي الْوُجُودِ لِلَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ نَقْصٌ وَ اهْتِضَامٌ لَمْ يُوجَدْ فِي الْآخِرَةِ أَبَداً
وَ لَكِنَّ الْقَوْمَ تَاهُوا وَ عَمُوا وَ صَمُّوا عَنِ الْحَقِّ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ
وَ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَ جَلَّ- وَ مَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى وَ أَضَلُّ سَبِيلًا
يَعْنِي أَعْمَى عَنِ الْحَقَائِقِ الْمَوْجُودَةِ
وَ قَدْ عَلِمَ ذَوُو الْأَلْبَابِ أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ عَلَى مَا هُنَاكَ لَا يَكُونُ إِلَّا بِمَا هَاهُنَا
وَ مَنْ أَخَذَ عِلْمَ ذَلِكَ بِرَأْيِهِ وَ طَلَبَ وُجُودَهُ وَ إِدْرَاكَهُ عَنْ نَفْسِهِ دُونَ غَيْرِهَا لَمْ يَزْدَدْ مِنْ عِلْمِ ذَلِكَ إِلَّا بُعْداً
لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ جَعَلَ عِلْمَ ذَلِكَ خَاصَّةً عِنْدَ قَوْمٍ يَعْقِلُونَ وَ يَعْلَمُونَ وَ يَفْهَمُون…….إنتهى النقل من الحديث حيث به المطلوب، والذي تركناه منه أعظم وأجل
وصلى الله على خير خلقه أجمعين محمد وآله الطيبين الطاهرين