*2* طبيعة تطابق السماوات والارض من الآية والرواية والعقل

  • Creator
    Topic
  • #1290
    Tasneem
    Keymaster
    • المشاركات: 2,176

    بسم الله الرحمن الرحيم

    اللهم صلي على محمد وآل محمد
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    هذا البحث عن طبيعة تطابق السماوات السبع حسب الآيات والروايات كتبته قبل 13 سنة تقريبا بصورة أخرى ،، ونشرته لأول مرة قبل أربعة او خمس سنوات بصورته التي ارفقته بها اليوم هنا

    طبعا قد تجدون به أنّ اسلوبي يختلف قليلا عن اسلوبي اليوم في الكتابة ،،


    وكذلك أن به بعض الافكار التي تختلف عن التي اكتبها الآن ،، لكن هذا طبيعي بالنسبة لي ،، ف


    الافكار تتطور وتتبدل معي على الدوام ،، فهي درجات يجب أن يصعدها الانسان درجة بعد درجة


    سأضع جزء منه في هذه الصفحة لعلاقته بالحديث عن السقف المرفوع وما تحت هذا السقف المرفوع ،، وسأضع رابط للبحث كاملا يستطيع من يحب ان يكمل قرائته ان يحصل عليه منه.

    بسم الله الرحمن الرحيم
    اللهم صل على محمد وآل محمد
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    سوف أورد هنـا طبيعة فهمي لتطابق السماوات السبع والأرضين السبع منـطلقا من حقيقة أن القرآن يفسر بعضه البعض الآخر، كما ويفسره كذلك أهل البيت عليهم السلام، ومنـطلقا من إيمانـي أن القرآن بيّن ومبين، وأن آياته واضحات مبينـات غير مبهمات وما علينـا لفهمه كما هو إلا أن نـصدقه بدون تردد، وأن نـعتمد في فهمه على كلمات أهل البيت صلوات الله عليهم أجمعين فيه، وعلى نـفس كلماته كذلك


    إن التفسير التالي لتطابق السماوات والأرض يعتمد في الأساس على الإعتقاد بأن الوجود بأكمله هو وجود عقلي تعريف المادة به هو أنـها ظهورات متعددة لمختلف صور المشيئة، فكلّ صورة من صور المادة التي نـراها من حولنـا إنـما تعبر عن قدر معين للمشيئة وقضائها وإمضائها


    وإمضائها لتلك المقادير أخيرا هو من سيعطي للفعل المعبر عن تلك المشيئة صفة معينـة نـطلق عليها إسم مادة ذات صفات كذائية، وباختلاف صور الأفعال ستختلف معها صور المواد وخواصها كذلك، وجميعها هي عقلية لا تشغل حيز قبال الله، فهي لا تحتاج حيز أو إلى مكان أو زمان نـقيسه او نـقارنـه مع الله، فالله كان ولا مكان وهو لا يزال على ما عليه كان .. وأقصى ما يمكنــنــي أن أصفه به وانـطلاقا من قوله تعالى يوقد من شجرة مباركة هو أنـه وجود طاقوي وجميع صوره انـما تعبر عن صور متعددة للطاقة،


    طبعا أؤمن أن هذا النـوع من الوجود المادي العقلي الطاقوي لا يتنـافى مع انـه مؤسس على أساس علمي دقيق، فالله جل جلاله قد قدر كلّ شيئ خلقه تقديرا دقيقا، وأنـه قد أحسن كلّ شيء خلقه


    ورغم انـطلاقي من هذه النـظرة للمادة، فإن بحثي سينـطلق من الآيات والروايات وبعض الإستنـتاجات العقلية، هذا بالإضافة طبعا إلى محاولة ضرب بعض الأمثلة لتوضيح الصورة الكونـية التي اتحدث عنـها

    طبعا ولتوضيح الهدف النـهائي أو الصورة النـهائية للسماوات والأرض، والتي سأسعى لإثباتها معتمدا على القرآن والسنّـة، فسأبتدئ بضرب مثل توضيحي يقرب بصورة كبيرة تلك الصورة النـهائية لتطابق السماوات السبعة في عقلي وعقيدتي

    وسأعتمد هنـا كذلك على أسلوب الحوار بين اثنـين ،، الثانـي منـهما هو أنـا ،، وهو المعانـد منهما،


    أمّا الاول فهو من سيحاول أن يُفهمنــي فكرته

    .
    .
    .
    بسم الله الرحمن الرحيم
    اللهم صلي على محمد وآل محمد

    الأوّل: سأحاول أن أبين لك نـظرتي لتطابق السماوات السبع

    الثانـي: لو كنـت أستطيع الفرار من هذه الورقة لفررت منـها ولكن أين المفر

    الأوّل : ولماذا؟


    الثانـي: لأنـك تتكلم بطريقة وبأفكار غريبة من الصعب عليّ أن أقبلها نـاهيك عن أن أهضمها


    الأوّل : أأسف لكونـي مضطر للحديث معك لأننـي لا أعرف أحدا غيرك من الممكن له أن يسمع كلامي، وذلك مع علمي أنـك لن تقبله لأنـك متعلق بدينـك الذي ورثته عن آبائك وأجدادك


    الثانـي : هو خير لي من معادلاتك الصعبة التي لا يقبلها لا عقل ولا دين


    الأوّل : حسنـا .. لن أعتبر نـفسي أستاذا لك، بل سأعتبرك معارضا لي، ونـاقض لما سأقوله لك، ولكن أرجوك حاول أن تنـقضه بدليل قرآنـي أو روائي أو عقلائي، ولا تعترض علي بثوابت اكتسبتها من دينـك الوراثي أو من عدم استحسانـاتك الكثيرة له


    الثانـي: لك ذلك، وما أظنـك ستنـفذ من دينــي الذي تقول عنـه وراثي، فهات ما عنـدك ولا تستثنــي


    الأوّل : إتفقنـا إذن، سأبدء من حيث أريد أن أنـتهي وذلك بضرب مثل من عنـدي لما أريد أن أثبته بالآية والرواية والعقل …. لكي تكون متابع لي لما أريد أن أصل بك له أخيرا


    تعرف أن كلّ شيئ قد خلق من نـور ذلك الذي ضـُرب له مثل بالقرآن الكريم حين قال عز من قال:


    اللَّهُ نـورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نـورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنـهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنـ شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونـةٍ لّا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نـارٌ نـورٌ عَلَى نـورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنـورِهِ مَن يَشَاء وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنـاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ


    وطبعا أنـت تدرك أن هذا النـور ليس كذلك النـور الذي نـراه يسقط علينـا من الشمس


    الثانـي : أسمعهم يقولون ذلك ولكن لا فهم لي .. أكمل


    الأوّل : رغم ذلك سأستعمل نـفس نـور الشمس لتوضيح ما يدور بخلدي، فأنـت ترى أشعة الشمس الساقطة من السماء علينـا

    الثانـي مقاطعا : ضياء الشمس لا يـُرى بنـفسه ولكنـنـا نـرى ما يرتدّ منـه من فوق الأسطح المادية التي تحيط بنـا

    الأوّل : أحسنـت وهذا ما كنـت أريد قوله ولكنـك قاطعتنـي، فأنـت ترى أشعة الشمس الساقطة من السماء علينـا حين يرتدّ بعضها من على الأسطح المختلفة من حولنـا، وهذا الذي يرتد إلينا هو بعض ما كان منـطويا ومختفيا في ضياء الشمس الساقط منـها علينـا


    الثانـي : تريد أن تشير إلى أن نور الشمس يحوي داخله أحزمة ضوئية سبعة وهي التي يمكنـنـا أن نـراها أذا ما حللنـاه بالمنـشور؟


    الأوّل: نـعم هو ذاك، فهي سبعة حزم ضوئية بسبعة ألوان، تكون بمجموعها نور الشمس، أو أن نور الشمس هو من يحوي تلك الحزم الضوئية بداخله، فهي سبعة وهو مجموعهم جميعا، أو لنقل انه هو جامعهم وهو ثامنهم،


    والآن، ما أريد أن أصل إليه هو أن تلك السماوات السبع هي عبارة عن سبعة سماوات مطويات بسماء واحدة تجمعهم وتكون ثامنتهم، تماما كانـطواء حزم الضياء السبعة في ضياء الشمس والذي هو ثامنها، أو هو جامعها وحاويها


    الثانـي : سبعة عوالم تجتمع في عالم واحد هو ثامنهم؟


    الأوّل : نـعم هو كذلك تماما، وسيكون بذلك وحسب المثال السابق حجم كلّ عالم منـها يعادل حجم الثامن، أو بتعبير آخر سيكون حجم كلّ عالم منـها يعادل حجم الوعاء الذي يحويها، أي أنـها جميعها متساوية بالحجم


    الثانـي : وهل لديك من القرآن الكريم دليل يؤيد مدّعاك هذا؟

    الأوّل : بالتأكيد عنـدي

    فخذ قوله تعالى:


    بسم الله الرحمن الرحيم

    هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء فَسَوَّاهُن سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ

    فالأية تقول لك أنّ السابق من المخلوقات في الوجود على أي شيئ هو السَّمَاء التي استوى إليها بعد أن خلق بها الأرض وجميع ما فيها لنـا، فجعل تلك السماء الواحدة سبعة سماوات،


    فيكون ترتيب الخلق حسب هذه الآية الكريمة أنـه:

    في المرحلة الأولى: خلق المكان، أو إنّه قد أيّن الأين،

    فقبلها لم يكن هنـاك لا كان ولا مكان ولا زمان..


    وهذا الأين المؤيّن هو تلك السماء الأولى الفارغة من كلّ شيئ


    وفي المرحلة الثانية : خلق فيها الأرض، بزمان يطول أو يقصر، وهذه الآية ساكتة عن بقية الكواكب والنـجوم، فلم تبيّن لنا هل كانـت تلك الكواكب حينـها موجودة أم أنها خلقت بعدها، فالآية الكريمة بدأت بتبيان أنـه تبارك وتعالى خلق لنـا جميع ما في الأرض


    وفي المرحلة الثالثة : وبعد ذلك قال: “ثم” والتي تدل على الترتيب، فقال ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء فَسَوَّاهُن سَبْعَ سَمَاوَاتٍ،


    أي أنـه جل جلاله استوى إلى تلك السماء الواحدة بعد أن انـتهى من خلق جميع ما في الأرض


    وفي المرحلة الرابعة: سوّاها سبعة سماوات ، أي أنّ السماء الواحدة الأولى صارت سبعة سماوات .. وهذا ما أشرت له بالمثل الذي ضربته لك قبل قليل .. أقصد مثل نـور الشمس وألوان الطيف المنـطوية به

    الثانـي: ولكن هذه الأية الكريمة لا تثبت أنّ تلك السماوات السبعة جميعها متساوية في الحجم، ومتداخلة في ما بينـها كتداخل ألوان الطيف في نـور الشمس وانـتشاره في جميع جنـباته وحدوده بشكلّ متساوي ومنـتظم،

    فلماذا لا يكون تطابقها هو كما أعتقد بها في أنـها متطابقة واحدة فوق الأخرى، فتكون بها الثانـية تفصل بين الأولى والثالثة، والثالثة تفصل بين الرابعة والثانـية، والرابعة تفصل بين الخامسة والثالثة، والسادسة تفصل بين السابعة والخامسة؟


    فلماذا لا يكون التقسيم على هذا المنـوال وليس كما تدّعي؟


    الأوّل : أنـت بالتأكيد لا تريد من آية كريمة واحدة أن تصف كلّ مراحل خلق السماوات والكيفية التي خلقت بها،


    طبعا ما ذلك على الله بعزيز،


    ولكنّ القابل وهم نـحن، ليست لدينـا القدرة على فهم هذه الفكرة بهذه البساطة،


    وحتى لو فهمنـاها بالشكلّ الذي أصفه لك، فسيكون من الصعب علينـا أن نـقبل هذا التصور،


    لأن القبول به يعنـي أنـنـا قبلنـا أنـنـا شبه أعدام، وأنـنـا مجرد نـور ينـبع من، مصباح، وأنّه متى ما انـطفاء هذا المصباح ولأي سبب كان، سنـنـطفئ نـحن بدورنـا ونـختفي ونـنـعدم ونـتلاشى،


    ويجب علينا أنّ نقر ونعتقد معها، أنّ وجودنـا مرتبط بوجود موجود آخر مخلوق مثلنـا،


    فالإنـسان قد خُـلق وشعور الإستقلال والحرية يلازمه منـذ أول ابتدائه لرحلته في الوجود،


    وبسبب ذلك الشعور القريب جدا من الإعتقاد الراسخ في وجدان كلّ إنسان فانه سيكره معه أنّ يؤمن بأي فكرة تقول له أنّ وجودك ومشيئتك وبقائك موجود ومرتبط بوجود مخلوق آخر مثلك،


    نعم، قد يقبل منـك أن تقول له أنّ وجودك مرتبط بالله،


    لأنّ الله بالنـسبة له شيئ مجهول، وهو يرى نـفسه معلوم،


    فلا مانـع حينها عنـده من تعلق المعلوم بالمجهول بكيفية يجهلها


    فهذا الوضع سيحافظ له على استقلاليته ووجوده الإلهي المنـفصل عن غيره، وذلك حسب افتراضه المبنـي على جهله بكيفية ارتباطه بخالقه


    الثانـي : مهلا .. مهلا .. إنـك تتكلم بكلام كبير وخطير، وذلك رغم أنـك لم تزل في بداية شرحك للفكرة التي لم أقتنـع بشيئ مما قلته عنـها بعد،


    فرويدا رويدا، ولا يأخذك الحماس، وركز على توضيح الفكرة رجاءا،


    وقل لي أولا، هل يوجد عنـدك من الروايات عن أهل بيت العصمة ما يؤيد هذا المعنـى؟

    الأوّل : بالتأكيد يوجد عنـدي، خذ هذه الرواية الشريفة مثلا، وهي من خطبة لأمير المؤمنـين عليه السلام مذكورة في نـهج البلاغة، يذكر فيها ابتداءَ خلق السماءِ والاَرض:

    أَنـشَأَ الخَلْقَ إنـشَاءً، وَابْتَدَأَهُ ابْتِدَاءً، بِلاَ رَوِيَّةٍ أَجَالَهَا، وَلاَ تَجْرِبَةٍ اسْتَفَادَهَا، وَلاَ حَرَكَةٍ أَحْدَثَهَا، وَلاَهَمَامَةِ نـفْسٍ اظْطَرَبَ فِيهَا. أَحَالَ الْأَشيَاءَ لَأُوْقَاتِهَا، وَلْأَمَ َبيْن مُخْتَلِفَاتِهَا، وَغَرَّزَ غَرائِزَهَا، وَأَلزَمَهَا أَشْبَاحَهَا، عَالِماً بِهَا قَبْلَ ابْتِدَائِهَا، مُحِيطاً بِحُدُودِها وَانـتِهَائِهَا، عَارفاً بِقَرَائِنـها وَأَحْنـائِهَا . ثُمَّ أَنـشَأَ سُبْحَانـهُ فَتْقَ الْأَجْوَاءِ، وَشَقَّ الْأَرْجَاءِ، وَسَكَائِكَ الَهوَاءِ، فأَجْرَي فِيهَا مَاءً مُتَلاطِماً تَيَّارُهُ، مُتَراكِماً زَخَّارُهُ، حَمَلَهُ عَلَى مَتْن الرِّيحِ الْعَاصِفَةِ، وَالزَّعْزَعِ الْقَاصِفَةِ، فَأَمَرَهَا بِرَدِّهِ، وَسَلَّطَهَا عَلَى شَدِّهِ، وَقَرنـهَا إِلَى حَدِّهِ، الْهَوَاءُ مِن تَحْتِها فَتِيقٌ، وَالمَاءُ مِن فَوْقِهَا دَفِيقٌ ثُمَّ أَنـشَأَ سُبْحَانـهُ رِيحاً اعْتَقَمَ مَهَبَّهَا، وَأَدَامَ مُرَبَّهَا، وَأَعْصَفَ مَجْرَاها، وَأَبْعَدَ مَنـشَاهَا، فَأَمَرَها بِتَصْفِيقِ المَاءِ الزَّخَّارِ، وَإِثَارَةِ مَوْجِ البِحَارِ، فَمَخَضَتْهُ مَخْضَ السِّقَاءِ، وَعَصَفَتْ بهِ عَصْفَهَا بِالفَضَاءِ، تَرُدُّ أَوَّلَهُ عَلَى آخِرِهِ، وَسَاجِيَهُ عَلَى مَائِرِهِ، حَتَّى عَبَّ عُبَابُهُ، وَرَمَى بِالزَّبَدِ رُكَامُهُ، فَرَفَعَهُ فِي هَوَاءٍ مُنـفَتِقٍ، وَجَوٍّ مُنـفَهِقٍ، فَسَوَّى مِنـهُ سَبْعَ سَموَاتٍ، جَعَلَ سُفْلاَهُنـ مَوْجاً مَكْفُوفاً، وَعُلْيَاهُنـ سَقْفاً مَحْفُوظاً، وَسَمْكاً مَرْفُوعاً، بِغَيْر عَمَدٍ يَدْعَمُهَا، وَلا دِسَارٍ يَنـظِمُها ثُمَّ زَيَّنـهَا بِزينـةِ الكَوَاكِبِ، وَضِياءِ الثَّوَاقِبِ، وَأَجْرَى فِيها سِرَاجاً مُسْتَطِيراً، وَ قَمَراً مُنـيراً، في فَلَكٍ دَائِرٍ، وَسَقْفٍ سَائِرٍ، وَرَقِيمٍ مَائِرٍ………….إنتهى

    .
    .
    في اليوم التالي
    .
    .
    الثانـي : لقد أخذت كلماتك معي بالأمس إلى البيت، وقمت بمراجعة بسيطة لكلمات بعض المفسرين، فلم أجد بينـهم من ذهب إلى ما ذهبت إليه من طبيعة تطابق السماوات

    الأوّل : وهل وجدت بينـهم اتفاق حول نـظرة واحدة للسماوات والأرض تفسر أو تبين كيف هو تطابقها؟


    الثانـي : كلا لم أجد ذلك الإتفاق، بل ووجدت مكانـه اختلافا كبيرا بالرؤية والتفسير


    الأوّل : لقد قمت قبلك بهذا البحث، ومثلك لم أجد عنـدهم ما يشبع فضولي ورغبتي بفهم كيفية تطابق السماوات والأرض،


    ولكن ما لفت نـظري هو تلك الروايات الشريفة التي تحدثت عن تلك السماوات، وأغلبها من روايات معراج نـبينـا صلى الله عليه وآله لتلك السماوات،


    فلقد لاحظت أنّ جميع تلك الروايات، سواء في روايات المعراج أو في غيرها تتحدث وتحدثت عن أمور نـعدّها أو نـعتبرها جميعا من الغيبيات، مثل عالم الجنـة، وعالم النـار، وعالم الملائكة، وعالم المثال،


    وعالم هنـاك، حيث دنـى فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنـى


    نـعم لاحظت أنّ جميع تلك العوالم هي عوالم نصفها بأنها عوالم غيبية، وعليه فقوانينها يستحيل علينا تفسيرها بقوانـين المادة التي نـعرفها


    ولكنني عنـدما ذهبت إلى التفاسير وجدتها تحاول أنّ تفسر طبيعة تلك السماوات بتفسيرات مادية،


    تماما كما تفضلت بالأمس بفهمك لكيفية التطابق،


    فأنت وجّهته توجيه مادي يحتاج إلى حدّ واضح يفصل بين الأشياء،


    وهنا أقول أنّ نـفس الإشكال الذي وقعت أنـت به غافلا ، وقعوا هم به كذلك،


    ولعلّ ما وقعت به أنـت نـابع بالأساس من نـظرتهم المادية للتطابق


    فالروايات تقول أنّ تلك السماوات من عالم الغيب، والتفسيرات الموجودة تنـطلق من أنـها من عالم المادة والحضور،


    وذلك من حيث أنـها وصفتها أو لنقل فسّرتها تفسيرات مادية،


    وهذا ما دفعنـي للبحث في اتجاه آخر، هو اتجاه جديد غير الإتجاه المطروق حتى اليوم،


    اتجاه ينـطلق من وجوب أن يكون التفسير لما هو من الغيب منـاسبا لغيبيته، وغير ملتفت بالمرة إلى المادة وشئون المادة،

    ولعل الإشكال الرئيسي الذي حدى بالجميع إلى التفسيرات المادية، هو محاولة تفسيرهم لمفهوم اليوم بتفسير مادي، فأسقطوا حينها المفهوم الشائع في عقولنـا الماديّة للفظ “يوم”، على لفظ “يوم” الوارد في الآيات التي تحدثت عن السماوات، وكيفية خلقها، فاختلفت مسالكهم حينـئذ

    الثانـي : كأنـنـي لاحظت ذلك أيضا في كلماتهم


    الأوّل : المفروض أنـك من يعارضنـي ويعانـدي لا أن تتفق معي طوال الوقت


    الثانـي : سأحاول ذلك، ولكن كما تعرف أنـا وأنـت واحد، فربما لذلك لن أستطيع الإشكال عليك كما تريد وتتمنـى ذلك مني، ولكن ربما يفعل ذلك أحد ممن سيقرأون هذه السطور


    والآن، قل لي كيف خرجت من هذا الإشكال، وبما فسرت لفظ الأيام وعلى أي أساس فسرته؟


    الأوّل : أهم قاعدة في هذا التفسير هو أن تصدق كلمات الله ولا تشك بها أبدا،

    فالإنـسان عنـدما تصعب عليه فكرة ما في القرآن الكريم، ولا يستطيع أن يفسرها، يصعب عليه أن يقول أنـنـي قد صعب علي فهمها، أو إنّني أرفضها لأنـها لا تطابق ما أعتقده،

    ولأن يقر بأنّـا مخطئ او انه لا يعرف المعنى،


    فتراه لصعوبة ذلك الإقرارعليه يحاول أن يلوي معانـي القرآن الكريم لتطابق فهمه ومعتقده هو


    ولذلك أخذت على نـفسي أن أتّبع النـهج الذي سلكه أهل البيت صلوات الله وسلامه الله عليهم أجمعين وأمرونـا أن نـنـهجه كذلك حينـما نـتدبر آيات القرآن الكريم،


    فالقرآن لا يفسره ويبين معانـيه إلا نـفس القرآن الكريم وأهل البيت صلوات الله وسلامه الله عليهم أجمعين كذلك،


    فالقرآن يفسر بعضه وأهل البيت يفسرونـه أيضا وبنـفس المستوى،


    وهنـا سأورد لك رواية من كلام أمير المؤمنـين سلام الله عليه، ورواية أخرى من كلام رسولنـا صلى الله عليه وآله في تفسير القرآن


    أما الرواية عن الرسول الأكرم فهي:


    جاء في أمالي الشيخ بإسنـاده عن عبد الله بن عباس و جابر بن عبد الله في حديث طويل عن النـبي صلى الله عليه وآله: أيام الله نـعماؤه و بلاؤه و هو مثلاته سبحانـه………انتهى


    فالرسول صلى الله علي وآله رد معنـى الأيام في الآية إلى حالة أو حالات .. فاليوم هو حالة نـعمة وحالة بلاء


    أما الرواية عن أمير المؤمنـين سلام الله عليه فتقول:


    قال أمير المؤمنـين عليه السلام: الدهر يومان، يوم لك ويوم عليك، فان كان لك فلا تبطر، وإن كان عليك فاصبر، فكلاهما عنـك سينـحسر………انتهى

    ومن هذه الرواية يتبين كذلك أنّ الإمام سلام الله عليه قد إستعمل فيها لفظ “اليوم” ويقصد منـه معنـى الحال،

    ومنـه سأعتمد هذا المعنـى للفظ “يوم” ومضاعفاته في الآيات التي تتكلم عن السماوات لنـرى ماذا سينـكشف لنـا من المعانـي حينـها،


    أو لنـرى حينـها أيّة معانـي جديدة سيمكنـنـا أن نـفترضها في تفسير تلك الآيات الكريمة


    الثاني : مهلا مهلا، إنك تريد أن تبني كلاما ونظرية كبيرة على معنى قد استحضرته من موضعين فقط؟


    الأوّل: كلا، ما أريد قوله أن المعنى الحقيقي لكلمة “يوم” الواردة في القرآن الكريم في بعض مواضعه، لم يكن يوما ما هو اليوم الزمني المحدود،


    بل إنه منذ البداية كان المقصود به هو معنى الحال .. هذا المعنى الذي لم يلتفت إليه من أراد أن يفسر السماوات والأرض بالتفسير المادي لها كلها، فقال أنه يوم له أول، وله آخر، سواء طال أو قصر هذا اليوم


    الثاني : أكمل


    الأوّل : خذ هذه الأية الكريمة وانظر كيف سيتبدل معناها إن قلنا أن المراد باليوم فيها هو الحال:


    ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ () فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ


    وحيث أننا افترضنا أن كلمة السماء تعنى عالم، واليوم معناه حال فسيكون معنى الأية بهذا الشكل:


    ثم استوى للسماء الأولى الكبيرة، وللأرض التي فيها، فقضاهن سبعة عوالم في حالين، وقضى في كلّ عالم منها أمره


    الأن أصبح لدينا معنى جديد للأية الكريمة، وهو سبعة عوالم في حالين،


    فهل يوجد في كتاب الله ما يشير لتقسيم الوجود إلى حالتين وله علاقة بهذا المعنى الجديد الذي وصلنا له؟


    إستمع لهذه الآيات وقل لي رأيك بها:


    وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُن فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ


    وقوله تعالى:


    قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ


    وقوله تعالى:


    عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ


    وقوله تعالى


    قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ


    لو لاحظت معي فستجد أنّ جميع هذه الآيات الكريمات وغيرها من التي لم اذكرها اختصارا، تبيّن لنا أنه يوجد علاقة بين خلق العوالم بأراضيها، وبين عالم الغيب والشهادة، فما هو وجه الملازمة هنا بينهما؟


    ولقد جاء لفظ عالم الغيب والشهادة في ستة مواضع غير هذه المواضع، لو تفكرنا بها قليلا، سنجد بها نفس التلازم بين الخلق وشؤن الخلق، وبين العلم بالغيب والشهادة أيضا،


    فجميعها تشير إلى أنها سبعة عوالم في حالتين،

    حالة الغيب وحالة الشهادة

    أو يوم غيب ويوم شهادة


    فلو دققنا النظر، سنجد أن تلك العوالم هي بالفعل تتردد فيما بينها بين حالتين، وهما حالة الغيب وحالة الشهادة،


    فمن يعيش منا اليوم هنا فهو يعيش حالة شهادته، بينما بقية العوالم التي تحدثت عنها روايات المعراج الشريفة ستكون بالنسبة له حالة غيب كنسبتها لنا،


    فعالم حفر النار غيب، وعالم الملائكة كذلك غيب، وعالم الجنة أيضا غيب


    ومن يتواجد الآن في عالم الجنة، سيعيشه بحال الشهادة، بينما ستكون له بقية العوالم حالة غيب،


    ومن يعيش الآن بعالم النار، فهو يعيشه فعلا بحالة الشهود، وستكون له بقية العوالم حالة غيب

    وهكذا قس علاقة كلّ عالم ببقية العوالم،

    وستجد بالتأكيد أن حالتي الغيب والشهادة تحكم هذه العلاقة بالفعل،


    والله تبارك وتعالى يقول: أنني أعلم بحال جميع تلك العوالم


    سواء ما كان منها مما تعتبرونها أنتم من عالم الغيب،


    أم كان مما تعتبرونه منها من عالم الشهادة،


    فأنا أعلم به جميعه، وبكلّ تفاصيله،


    فهي ((جميع العوالم)) بالنسبة لي شهادة

Viewing 1 replies (of 1 total)
  • Author
    Replies
  • #1291
    Tasneem
    Keymaster
    • المشاركات: 2,176
    والأن سنحاول أن نجد ذكر تقسيم العوالم في القرآن الكريم إلى حالين من خلال هذه الأية الكريمة:
    وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ

    وقوله تعالى:

    أَوَلَمْ يَنظُرُواْ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَن يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ

    وقوله تعالى؛

    قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ () سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ () قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ

    وقوله تعالى:

    أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُم بَلَى وَهُوَ الْخَلاَّقُ الْعَلِيمُ () إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ () فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ

    وهنا نرى أيضا ترابط وتلازم بين خلق العوالم ووصفها بالملكوت والملك، وهما حالتان أيضا

    وسنلاحظ الحالين هنا أيضا:

    إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ

    وهما حالة فعل الخلق، وحالة فعل الأمر.

    الثاني: لقد استخرجت كلّ هذه المعاني من افتراض لمعنى اليوم أخذته من آية واحدة ورواية وحدة كذلك؟

    الأوّل: بإمكاني أن أ أتيك بغيرهما ولكن قد يتعبك التطويل ولا أريدك أن تتعب مني .. خذه هذه الآية مثلا:

    وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ () إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ

    الآية الكريمة تريد أن تقول أن حالات الضيقة والشدة يداولها الله بين الناس، فيبتليهم مرة بالشدة ومرة بالرخاء إختبارا لهم، ولكي يعلم الذين آمنوا منهم،

    وهذا المعنى أقرب للقبول من لو افترضنا أنه يقصد بالأيام ما نعرفه من أيام الأسبوع والشهر والسنة،

    فالآية بمعرض التكلم عن حالة واحدة، وهي القرح الذي مس الجميع في وقت واحد وهو وقت المعركة،

    هل اكتفيت أم تريد مثالا آخر؟

    الثاني : لا أعلم، أعتقد أنه يجب عليّ أن أراجع التفاسير قبل ذلك، ولكن !!! استمر في توضيح نظرتك للعوالم وتطابقها.

    الأوّل: جيد، بما أنك قلت العوالم، فسأورد لك رواية عن أهل بيت العصمة سلام الله عليهم وبعدها سنتحدث قليلا:

    عن ابي بصير عن ابي عبد الله عليه السلام قال سألته عن السموات السبع فقال:
    سبع سماوات ليس منها سماء الا وفيها خلق،
    وبينها وبين الاخر خلق، حتى تنتهي الى السماء السابعة.

    قلت: والارض؟

    قال سبع، ،،، منهن خمس فيهن خلق من خلق الله،

    واثنان هواء، ليس فيها شيء … انتهى
    الرواية تقول أن العوالم سبعة، وكلها مسكونة بخلق من خلق الله،

    غير أن أرضين اثنين منها بحكم الهواء،

    أو هما فعلا هواء،

    وذلك رغم أن بها مخلوقات تستحق أن يفرد لها عالم منفصل عن غيرها، هذا طبعا إن كانت بحاجة لها

    الأن إحفظ هذه النتيجة وتعال معي نتدبر هذه الأية الكريمة:

    قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ () وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِّلسَّائِلِينَ

    قلنا سابقا: أنه جل جلاله قد خلق السماوات والأرض في حالين، حالة غيب وحالة شهادة، لجميع العوالم او السماوات السبعة،

    وبالتأكيد يوجد في تلك العوالم السبعة مخلوقات تحتاج لأن يخرج لها من الأرض أقوات أو أن يكون مصدر أقواتها هو تلك الأرض التي يقيمون بها،

    فمن تعرف من تلك العوالم الغيبية والشهودية من يحتاج سكانها او عمارها إلى طعام وشراب يخرج من الأرض؟

    الثاني:

    أولا: نحن الإنس

    وثانيا وثالثا: سكان عالم البرزخ بشقيه وأقصد اهل روضات الجنان وأهل حفر النيران
    و!!!!!!!! يبدو أنه لا يحضرني غير سكان هذه العوالم الثلاث

    الأوّل : ماذا عن عالم الجن؟

    ألا تعتقد أنهم يأكلون مثلنا ويشربون؟

    الثاني : بلى ولكن أليسوا هم معنا على هذه الأرض يعيشون ولكننا لا نراهم؟

    الأوّل : هذا صحيح .. نحن لا نراهم، ولكن هل يعني ذلك أنهم إذا أكلوا من زروعنا لن تظهر هي أيضا؟

    أو أنهم إذا حاكوا ملابسهم من زروعنا ستختفي ملابسهم أيضا؟

    وهل إذا اتخذوا من أخشابنا وحديدنا أسلحة يتحاربون بها ستختفي تلك الأسلحة أيضا لأنها صارت لهم؟

    أو إنهم إذا شربوا مائنا سيختفي لأنه دخل بطونهم؟

    وإذا قبلنا بهذا التعليل وأجبنا على الأسألة السابقة بنعم، فيجب علينا حينها أن نقبل كذلك، أنهم إذا لمسونا سنختفي نحن أيضا!!

    أو إذا لمسوا مقتنياتنا ستختفي هي أيضا..!!
    وهذا ما لا نشاهده من أمورنا وحياتنا،

    وعليه يجب أن نسلم أنهم يعيشون بعالم منفصل عنا،

    به يزرعون، وبه يبنون، وبه يرعون إبلهم وأنعامهم، وبه يعيشون كما نعيش نحن هنا في عالمنا هذا،

    طبعا هم يعيشون به بما يناسب قدراتهم وتكوينهم

    الثاني : ماذا تقصد بقدراتهم وتكوينهم؟

    الأوّل : بالتأكيد يجب أن يكون عالمهم مناسب لهم، أفلا ترى ان عفريتا واحدا كالذي كان بمحظر سليمان على نبينا وآله وعليه آلآف التحية والسلام، يستطيع خلال يوم واحد، أو عدة أيام فقط أن يبني له بيت يناهز حجمه حجم الأهرامات في مصر؟

    الثاني : وكيف ذلك؟

    الأوّل : لقد قال العفريت لنبي الله أنني أستطيع أن أحضر لك عرش بلقيس قبل أن تقوم من مقامك هذا،

    وهذا الوقت قد يكون خمسة ثواني فقط، ولا بد أنك تعرف أن عرش بلقيس يبلغ من الحجم والثقل إن لم نقل ضعف فهو لا يقل عن حجم وثقل أكبر أحجار الأهرامات،

    وعليه فإن عفريتا واحدا سيستطيع أن يحضر خلال يوم واحد الآلآف من تلك الأحجار، ويبني لوحده منها لنفسه قصرا وبدون مساعدة أحد له

    الثاني متعجبا : من أين تأتي بهذه الأفكار الغريبة؟

    الأوّل : ثم، ألا نؤمن جميعا أن رسولنا الأكرم محمد صلى الله عليه وآله قد نزل بشريعة واحدة للإنس والجنّ معا؟

    فهل سمعت أنه نزل بشريعتين مختلفتين واحدة للإنس وأخرى للجنّ؟

    و .. ألا نؤمن أن هذا القرآن الذي بين أيدينا قد نزّل للجنّ تماما كما أنه نزّل للإنس؟

    وعليه فإن أحكام الجهاد والصوم والصلاة والوضوء والأغسال والخمس والزكاة وغيرها من أحكام العبادات والمعاملات في البيع والشراء ستشملهم حينها تماما كما أنها تشملنا

    إنّ كلّ هذه الأمور والشواهد تدلنا على وجوب أن يكون عندهم مثل ما عندنا لينطبق عليهم جميع ما انطبق علينا من أحكام الشريعة

    والروايات تشير إلى أنهم كانوا يرجعون إلى أئمتنا سلام الله عليهم أجمعين ليبينوا لهم أحكام الدين

    الخلاصة التي أريد الوصول إليها هنا هي أنّه يوجد أربعة عوالم تحتاج إلى أرزاق الأرض، وهي

    عالم الجنّ،

    وعالم الإنس،

    وعالم الجنة،

    وعالم النار،

    أما العالم الخامس، وهو عالم الملائكة، فأرزاقهم ليست من الأرض وإنما التسبيح والتهليل والتكبير،

    ومع عالم الملائكة نكون قد عددنا حتى الآن خمسة عوالم

    الثاني : وماذا عن البقية؟ أقصد بقية العوالم السبعة؟

    الأوّل : هما عالمي المثال، والكرسي، والذي هو العالم السابع الذي يدير سكانه جميع تلك العوالم الستة،

    ثم يأتي العالم الثامن وهو عالم العرش،

    وهو نفسه الذي قصدته بنور الشمس الذي يحوي جميع ألوان قوس الله،

    والعرش هو من يحوي أو يتوسط تلك العوالم الثمانية، فهو المكنون بها كلّها

    وهذا الإحتواء والهيمنة هو المقصود بالإستواء في هذه الآية الكريمة:

    إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ

    أمّا عالم المثال، وهو عالم تجسد أخلاقنا، فمخلوقاته هي صور أخلاقنا لا تستطيع أن تترك أثرا على الأرض، ودورها بالتأثير فيه وعليه سيحين فقط بعد الموت

    وعليه، فإنّ مخلوقات عالم المثال، وعالم الملائكة، لا يحتاجون إلى الأرزاق،

    ولذلك قال الإمام عنهما أنهما هواء وليس فيهما شيئ

    الثاني : لا يمكنني أن أتصور أن ما تقوله حقيقي، وإلا لكان الرسول والأئمة الأطهار صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين قد أوضحوا لنا ذلك بكلمات جلية لا تترك شكا لدى السامع، كالشك الذي يعتريني الآن

    الأوّل : لقد حاول الأئمة سلام الله عليهم أجمعين فعلا أن يبينوا للناس هذه النظرة،

    ولكن الناس لم تكن مستعدة بعد لتصديق ذلك، وعندما حاول أمير المؤمنين سلام الله عليه أن يبين لهم بعض من تلك الخفايا حين خطب قائلا:

    سلوني قبل أن تفقدوني لاني بطرق السماء أعلم من العلماء، وبطرق الارض أعلم من العالم، قابلوه بالسخرية والإستهجان، حتى سأله أحدهم كم في رأسي ولحيتي من شعر

    أقول، انّ الناس لم تكن مستعدة بعد لفهم هذه الرؤية الكونية، ولكنهم صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين أدرجوا رغم ذلك إشارات واضحة في كلامهم وسيرتهم تشير إلى هذا المعنى لتشرحه قولا وفعلا،

    كما أن آيات القرأن الكريم تؤيد هذا المعنى أيضا

    الثاني : ولكنني قد قرأت القرآن كثيرا وتأملته وتفكرت به أيضا كثيرا، فلم ألحظ شيئا مما تقوله؟

    الأوّل : بما أنك فهمت إجمالا تلك النظرة التي أريد أن أوصلها لك، فسأقوم بعد قليل بتبيان بعض الروايات والآيات الكريمة التي تؤيد هذا المعنى وهذه النظرة لتطابق السماوات والأرضين،

    وبعد ذلك سنشاهد عن أي أسألة صعبة ستجيب هذه النظرة، وعن أي إشكالات أصعب قد يـُــشكلها العقل فتجيب عنها بكلّ وضوح؟

    أو ربما إشكالات قد يـُــشكلها المخالف كذلك، وتجيب عنها هذه النظرة للسماوات بكلّ سهولة ويسر

    ولكن قبل ذلك سأوجز الفكرة بكلمات قليلة:

    نحن في هذه الغرفة نجلس، ونفس هذ الحيز المكاني الذي تشغله هذه الغرفة في الوجود قد يوجد فيه مجموعة من المؤمنين في عالم آخر في إحدى روضات الجنان، يتسامرون به مع بعضهم البعض، ويفصل بيننا وبينهم حجاب، فلا نراهم ولا يروننا،

    وفي نفس هذا الحيز المكاني من الوجود، قد يكون فرعون وقومه يعرضون فيه على النار غدوا وعشيا في عالم آخر، ويفصل بيننا وبين أهل روضات الجنان وبينهم حجاب آخر

    وفي نفس هذا الحيز المكاني من الوجود، قد يكون فيه بيت تسكنه عائلة مؤمنة من الجنّ أو ربما عائلة غير مؤمنة، وبيننا وبينهم حجاب يحجبنا عنهم، ويحجبهم ويحجب أهل الجنة وأهل النار من رؤية بعضهم للبعض الآخر،

    ومن نفس هذا الحيز المكاني من الوجود تحيط الملائكة من عالمها بعالمنا وتقوم منه بمهامها الموكلة إليها من ربها

    ومنه أصبح أمر عالم المثال واضح،

    يبقى عالم الكرسي وهو كما قلنا أنه هو العالم الذي تدير منه المجموعة الفاعلة جميع امور تلك العوالم الستة

    أمّا عالم العرش فهو عالم تدبير كلّ ذلك، وهو عالم الاسم المكنون

    فأينما تذهب فالعرش أمامك،

    فإن نزلت في باطن الأرض فهناك العرش،

    وإن صعدت في الجو فهناك العرش،

    وأينما تولي وجهك في تلك العوالم فثمة وجه للعرش هناك

    والآن خذ هذه الرواية الشريفة التي حاول الإمام فيها أن يوضح الحقيقة للسائل، ولكن السائل لم يحتملها كما هي، فقربها له بشكلّ أبسط يقبله عقله،

    فالأئمة سلام الله عليهم يكلمون الناس على قدر عقولهم:
    قيل لابي الحسن الرضا عليه السلام اخبرني عن قول الله عزوجل:{والسماء ذات الحبك}

    فقال: هي محبوكة الى الارض، وشبك بين اصابعه،

    فقلت كيف تكون محبوكة الى الارض، والله يقول رفع السماء بغير عمد ترونها؟

    فقال سبحان الله، اليس الله يقول بغير عمد ترونها؟

    فقلت بلى.

    فقال : ثَم عمد، ولكن لا ترونها.

    قلت كيف ذلك جعلني الله فداك؟

    قال : فبسط كفه اليسرى ثم وضع اليمنى عليها،

    فقال: هذه ارض الدنيا والسماء الدنيا عليها فوقها قبة،

    والارض الثانية فوق السماء الدنيا، والسماء الثانية فوقها قبة،

    والارض الثالثة فوق السماء الثانية والسماء الثالثة فوقها قبة،

    والارض الرابعة فوق السماء الثالثة والسماء الرابعة فوقها قبة،

    والارض الخامسة فوق السماء الرابعة والسماء الخامسة فوقها قبة،

    والارض السادسة فوق السماء الخامسة، والسماء السادسة فوقها قبة،

    والارض السابعة فوق السماء السادسة والسماء السابعة فوقها قبة،

    وعرش الرحمن تبارك وتعالى فوق السماء السابعة،

    وهو قوله عزوجل : اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا …….انتهى

    فالسائل لم يستطع هنا أن يقبل أو يتصور كيف أن السماوات محبوكة حبكا عندما شبك الإمام بين أصابعه الشريفة،

    وعندما رأى الإمام أن السائل سينكسر قدم له تصوير أبسط، فبسط كفه اليسرى، ثم وضع اليمنى عليها، فقبل السائل عندها هذا المعنى والتصوير،

    ولا شك أن التصوير الأول أقرب للمعنى الذي يريده الإمام، ولكن السائل لم يتحمله، فجاء بالثاني رأفة به،

    وأغلب الناس اليوم باقين على المعنى الثاني أو التصور الثاني لأنهم لا يحتملون المعنى والتصوّر الأول، كونه يستبطن عدميتهم ولا شيئيتهم قبال الله، وهذا ما لا يمكنهم تحمله

    الثاني : لنقل أنني لم أقتنع تماما من أن هذه الرواية تشير لنظرتك التي تريد توضيحها، فهل عندك من آية قرآنية تشير بوضوح أكثر للمعنى الذي تريده أنت؟

    الأوّل : لا توجد آية صريحة بهذا المعنى، ولكن توجد آيات كثيرة، لو جمعتها مع بعضها البعض ستجد لو تفكّرت بها قليلا، أنها لا تشير إلا لهذا المعنى،

    وكما قلت لك قبل ذلك أنها سترشدك لمعناها وحقيقتها ولكن فقط وبشرط أن تصدقها على ما هي عليه، ولِما تشير له نفس الألفاظ،

    لا أن تأوّلها بما يمكنك أنت أن تستحمله فيضيع المعنى الحقيقي حينها وينصرف للمعنى الذي تريده أنت للآية،

    خذ هذه الآية الكريمة مثلا وتفكّر بها قليلا:

    الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ () ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ

    فحين يقول لك خالقك إرجع البصر ماذا تفهم منه؟

    هل تفهم منه مثلا أنه خلق لك بصر يعجز عن رؤية تلك الفطور ثم يتحداك برؤيتها إن وجدت؟

    أو هل تفهم منه أن بصرك يحتاج إلى آلة قوية لكي يصل بها إلى رؤية الحدود الفاصلة بين السماوات؟

    إن الله تبارك وتعالى يقول لك، هذا البصر الذي وهبتك إياه يستطيع أن يميز الأخطاء والهفوات في ما أخلقه، إن وجدت أخطاء،

    وما عليك الا المراقبة بالبصر ومداومة المراقبة لتكتشف أنه لا يوجد أخطاء في الخلق

    ويقول: انني أخلق بإحكام، وبلا هفوات، بحيث انك لن تستطيع أن تجد ولو هفوة واحدة في ما وصفه بأنه أصعب وأكبر من خلق جميع الناس

    لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ

    ولو انك دققت النظر وأعدته مرة واثنتين وثلاثة، وحتى ينتهي عمرك بالمراقبة لن تستطيع أن ترى أي هفوة في خلقي،

    الآن وكمثال لذلك، حاول أن تنظر لنفس الضوء، هل تستطيع أن تراه؟

    أو حتى أن ترى الألوان المتداخلة فيه وكيف هي فيه متداخلة؟

    نعم تستطيع ذلك من حيث وبآلة فقط،

    ولو كنت تعتقد ما أعتقده في كيفية تطابق السماوات، فهل تعتقد أن الهفوات في خلق السماوات لو كانت موجودة لكان من الصعب عليك رؤيتها؟

    بالتأكيد أنك حينها وببصرك المجرد، وبدون أي مجهود، أو أي آلة سيمكنك أن تميز تلك الهفوات والفطور، وسيمكنك رؤية من ما بين تلك الفطور بقية العوالم المحيطة بنا،

    والآن خذ هذه الآيات الكريمات كما هي، وصدقها كما هي، ولا تحاول أن تأوّلها:

    أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا () وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا

    وحاول معي أن تتصور بعقلك السماوات المتطابقة على الوصف الذي وصفته لك، وقل لي ما هو المعنى الذي ستفهمه من تلك الآيات الكريمات

    عن نفسي، سأقول أنّ معنى الآية الكريمة، هو أنه تبارك وتعالى قد خلق سبعة عوالم متطابقة على الشكلّ الذي وصفته لك، وجعل فِيهِنَّ ليلا واحدا يبزغ القمر (نفس قمرنا هذا) فيهن جميعا وفي نفس الآن،

    وجعل فِيهِنَّ نهارا واحدا تبزغ الشمس (نفس شمسنا هذا) فيهن جميعا وبنفس الآن كذلك،

    فجميع العوالم فيهنّ ليل ونهار،

    والروايات الشريفة، والقرآن الكريم يؤيدان هذ المعنى في وجود الليل والنهار في جميع العوالم السبعة

    خذ مثلا هذه الآية التي تصف حال فرعون وقومه:

    النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ

    فقوله تبارك وتعالى غُدُوًّا وَعَشِيًّا يدلك على تتابع الليل والنهار على أهل النار، أما وجود الليل والنهار في الجنة فسأترك هذه الرواية الشريفة تصفه لك:

    فعن ابى رفعه قال: سئل الصادق عليه السلام عن جنة آدم، أمن جنان الدنيا كانت؟ ام من جنان الآخرة؟

    فقال: كانت من جنان الدنيا، تطلع فيها الشمس والقمر، ولو كانت من جنان الآخرة ما اخرج منها أبدا آدم، ولم يدخلها إبليس .. الحديث

    وفي تفسير العياشي عن عبد الله بن سنان، قال: سئل أبو عبد الله (عليه السلام) وأنا حاضر: كم لبث آدم وزوجته في الجنة حتى أخرجهما منها خطيئة؟

    فقال: إن الله تبارك وتعالى نفخ في آدم روحه بعد زوال الشمس من يوم الجمعة، ثم برء زوجته من أسفل أضلاعه، ثم أسجد له ملائكته وأسكنه جنته من يومه ذلك،

    فو الله ما استقر فيها إلا ست ساعات من يومه ذلك حتى عصى الله تعالى، فأخرجهما الله منها بعد غروب الشمس، وصيرا بفناء الجنة حتى اصبحا، فبدت لهما سوآتهما،

    وناداهما ربهما: الم انهكما عن تلكما الشجرة، فاستحيى آدم فخضع وقال: ربنا ظلمنا أنفسنا، وإعترفنا بذنوبنا، فاغفر لنا.

    قال الله لهما إهبطا من سمواتي إلى الارض، فانه لا يجاورني في جنتي عاص ولا في سمواتي.

    وكما تلاحظ من الرواية الشريفة، أن جنة آدم الأرضية بها يوم جمعة، وتطلع بها الشمس، وتزول، وتغرب، وأن علّة صلاة الغفيلة التي نصليها عند الغروب انها الساعة التي تاب بها آدم عليه السلام

    وسأروي لك بعض الروايات الأخرى، وأترك لك تصور المشهد الذي سيرسمه لك عقلك من تلك الروايات ما لو انك فسرتها حسب هذه الرؤية لتطابق السماوات والأرض،

    الرواية الأولى تقول:

    سأل ابن الكوا أمير المؤمنين عليه السلام عن البيت المعمور والسقف المرفوع، قال عليه السلام: ويلك ذلك الضراح بيت في السماء الرابعة حيال الكعبة،

    من لؤلؤة واحدة،

    يدخله كلّ يوم سبعون ألف ملك، لا يعودون إليه إلى يوم القيامة،

    فيه كتّاب أهل الجنة عن يمين الباب، يكتبون أعمال أهل الجنة،

    وفيه كتّاب أهل النار، عن يسار الباب، يكتبون أعمال أهل النار بأقلام سود، فإذا كان مقدار العشاء ارتفع الملكان، فيسمعون منهما ما عمل الرجل، فذلك قول تعالى :{هَذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}…..انتهى

    وروي عن الصادق عليه السلام أنه قال: لو القي حجر من العرش لوقع على ظهر البيت المعمور، ولو القي من البيت المعمور لسقط على ظهر البيت الحرام … انتهى

    وهذا بعض من حديث المعراج وهو ما فيه الحاجة إليه في هذا الموضع:

    ثم قيل لي : ارفع رأسك يا محمد، فرفعت رأسي فإذا أطباق السماء قد خرقت، والحجب قد رفعت،

    ثم قال لي : طأطىء رأسك انظر ما ترى ؛

    فطأطأت رأسي، فنطرت إلى بيت مثل بيتكم هذا، وحرم مثل حرم هذا البيت، لو ألقيت شيئاً من يدي لم يقع إلا عليه،

    فقيل لي: يا محمد إن هذا الحرم وأنت الحرام ولكلّ مثل مثال ……انتهى

    في ما مضى، واعتمادا على التفسيرات المادية للسماوات السبع، وكونها منفصلة عن بعضها البعض بمسافات شاسعة من الفراغ الكوني، كنت أتعجب، وأتحير، وانكر كذلك هذا الحديث، فكيف لحجر صغير أن يلقى من تلك السماوات أن يعبر الفضاء الشاسع متحديا جميع القوى الطبيعية ليصل للسماء الدنيا التي كنت أعتقد أننا فيها،

    ثم يتوجه نحو كوكب الأرض من تلقائه وبدون اية إشارة بوجود من يقوم بتوجيهه،

    وأخيرا يخترق الغلاف الجوي، وبدون أن يحترق،

    ثم وبدون أجهزة توجيه، أو إشارة بأن الملائكة هي من تحمله أو توجهه، وكذلك بدون أي تدخل إلهي، سيجتاز ذلك الحجر جميع تلك المعوقات، ليصادف زمانا ومكانا الكعبة ويقع عليها، وذلك تأكيدا لتأكيد الرسول الكريم صلى الله عليه وآله حين قال: لو ألقيت شيئاً من يدي لم يقع إلا عليه

    لكن الآن وبهذه النظرة الجديدة للسماوات، فأن وقوع ذلك الحجر لو أنه ألقي من البيت المعمور فوق الكعبة هو أمر بديهي وتحصيل حاصل،

    فالبيت المعمور حسب هذه النظرة الجديدة لتطابق السماوات السبعة هو فعلا وحقيقة فوق الكعبة المشرفة، ولكننا لا نراه، وذلك لأنه ليس في عالمنا أو ليس من سمائنا، بل في عالم آخر موازي لعالمنا

    ومن هذه الرواية، وبهذه النظرة الجديدة للسماوات، ستجد كذلك أنه من الطبيعي أن لا يبرد فراش النبي صلى الله عليه وآله حين عُرج به للسماوات وعاد،

    فهو رغم أنه عــُـرج به لسبع سماوات لكنه لا يزال مكانيا في حدود مكة ولم يخرج منها بعد،

    فبما أن البيت المعمور هو واقع فوق الكعبة المشرفة فكلاهما إذن في مكة،

    وعليه فالعروج بين السماوات هي حالة لا تحتاج للحركة مسافات طويلة، ربما بقدر مشيته من بيته صلوات الله عليه وآله إلى الكعبة المشرفة، وذلك عكس الإسراء،

    فالإسراء حالة يجب أن تكون بين نقطتين، ولهذا عندما تحدث عن الإسراء قال من البيت الحرام الى المسجد الأقصى،

    أما في حالة العروج للسماوات فلا يحتاج للحركة أساسا حسب هذه النظرة وإنما يحتاج لإذن تكويني إلهي،

    او لعلم من الكتاب الذي يحويه صدره الشريف صلوات الله عليه وآله

    الأوّل : قبل أن تسأل أريد أن أوجز الوصف مرة أخرى،

    أنه حيز مكاني واحد هو حيز هذه الأرض وتتشارك به سبعة عوالم،

    ولكلّ عالم منها أرض منفصلة عن غيرها ومعالمها تختلف فيه عن الأخريات بما يناسب الغرض من إنشائها،

    فإن كانت للنعيم فروح وريحان وإن كانت للوعيد فويل للمكذبين مما فيها،

    وإن كانت للإختبار فبها من كلّ ما سئلنا،

    وإن كانت للملائكة، فما يناسبها موجود فيها

    وهذا الحيز المكاني الواحد كما أوضحت لك قبل قليل، يستمد إضائته نهارا من هذه الشمس، وليلا من هذا القمر

    أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا () وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا

    إنتبه لقوله تعالى فِيهِنَّ، فهما أي الشمس والقمر في جميع تلك السماوات السبعة الطباقا نورا وسراجا،

    وكون القمر تحديدا لا ينير إلا من جهة واحدة وهي الجهة المقابلة للأرض، فوجب حينها أن تتشارك جميع تلك السماوات على أقل تقدير بهذا الحيز المكاني الواحد الذي تشغله الأرض

    وقد يقول قائل، أن قوله تعالى: وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ لا يعني فقط هذا القمر، أو هذه الشمس، بل قد يعني عموم الأقمار في الفضاء الشاسع، وعموم الشموس فيها كذلك،

    فنقول لهم أن منهجنا هو أن القرآن يفسر بعضه البعض الآخر، وقد قال تعالى في مكان آخر من كتابه الكريم:

    هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ

    وعليه، فإن القمر المنير والشمس المضيئة إنما هما اللذان نراهما من فوقنا وبهما نعلم عدد السنين والحساب، ومنهما نعلم مواقيتنا، وحجنا كذلك:

    يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوْا الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُواْ الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُواْ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ

    وكما ترى، فالأحاديث والآيات توافق ما ذهبنا إليه من المعنى، ولكنّ المطلوب منك أن تصدق أن هذا القرآن لا يتحدث بطلاسم، وأنه مبين:

    يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ . سورة المائدة – آية 15
    وَلَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلاَّ الْفَاسِقُونَ. سورة البقرة – آية 99

    نعم هذا الكتاب مبين وواضح، بحيث لا يحتاج من أحد أن يبينه ويوضحه أكثر،
    ولكن بشرط أن يكون نصدق أنه لا باطل سيأتينا منه، لا من خلفه ولا من أمامه،

    ولو أن جميع الناس صدقوا به بهذا الشكلّ لما أحتاج الله لقرآن ناطق يشرحه،

    ولكنه تبارك وتعالى علم أن أغلب الناس للحق كارهون، فأنزل مع كتابه نور ناطق يكشف به الجهل والشك من عقول الذين يساورهم الشك في أن هذا الكتاب مبين، وأن آياته واضحات لا يشك بها إلا من سفه نفسه

    إذن فالمسألة في تطابق السماوات السبعة واضحة، ولكن، بشرط أن نصدق كلام الله وأهل بيته سلام الله عليهم أجمعين،

    وسوف أكمل معك موردا لك أيات وروايات كنت تعدها في ما سبق من الطلاسم ولكن مع هذه النظرة الجديدة للسماوات السبع وتطابقها ستجدها إن شاء الله من الواضحات اليسيرات والبديهيات البسيطات كذلك

    الثاني : هل يمكنني أن أسأل شيئا قبل أن تكمل التوضيح؟

    الأوّل : بالتأكيد، تفضل

    الثاني : لماذا برأيك جعل الله جل جلاله التطابق على هذا النحو الذي تصفه، ولم يجعله بالنحو الذي نتصوره نحن؟

    أي طبقات بعضها فوق بعض؟

    تفصل الثانية بها بين الأولى والثالثة، والثالثة بين الثانية والرابعة، وهكذا دواليك؟
    الأوّل : توجد عدة إجابات لهذا السؤال، ولكن أبسطها وأكتفي به، أنه وحيث أن الله جل جلاله له الأسماء الحسنى كلها، فوصفنا للخلق على هذه الصورة الثانية أنسب له تبارك وتعالى من الصورة الأولى

    الثاني : ولماذا؟

    الأوّل : لنفترض أنه يوجد خالقين اثنين، أولهما جعل التطابق على الصورة الأولى ((طبقات بعضها فوق بعض))، والثاني جعل التطابق على الصورة الثانية المحبوك حبكا، ونريد أن نعقد مقارنة بينهما فأسألك:
    س 1- هل من جعل التطابق على الصورة الإولى أقدر على الخلق أم من جعله على الصورة الثانية هو أقدر؟

    الثاني مجيبا – لا شك أن من جعله على الصورة الثانية أقدر من الأول

    س 2- هل من جعل التطابق على الصورة الإولى مستغنيا عن المكان؟ أم من جعل التطابق على الصورة الثانية هو المستغني؟

    الثاني مجيبا – لا بد أن الثاني هو المستغني، فالثاني يستطيع أن يجعل ملايين العوالم فوق بعضها البعض بل وبعدد أنفاس الخلائق كذلك، وجميعها يجعلها في نفس الحيز ((جميعها في المشكاة)) فلا حاجة له حينها لحيز آخر.

    س 3- هل من جعل التطابق على الصورة الإولى أعلم أم من جعله على الصورة الثانية؟

    الثاني مجيبا – بالتأكيد هو الثاني

    س4- هل من جعل التطابق على الصورة الإولى…….

    الثاني مقاطعا : أعتقد أن من خلقها على الصورة الثانية سيكون دائما أفضل من الذي خلقها على الصورة الأولى

    الأوّل: وهذا هو المطلوب، فنحن إذن ننسب الأكمل للأكمل، والأجمل للأجمل، والأقوى للأقوى، والأعلم للأعلم، وهلم جره…

    ولن نرضى عن ذلك لمن نعبده بدلا، ومن يريد أن يعبد إلاها لا يخلق الأجمل والأكمل فهو وشأنه.

    وصلى الله على المصطفى المختار محمد وآله الأطهار

Viewing 1 replies (of 1 total)
  • The forum ‘بحوث طالب التوحيد’ is closed to new topics and replies.