*42* الناسُ ثلاثةٌ : فعالمٌ ربانيٌّ ، ومتعلمٌ على سبيل نجاةٍ ، وهمجٌ رَعَاعٌ

  • Creator
    Topic
  • #1333
    Tasneem
    Keymaster
    • المشاركات: 2,176

    بسم الله الرحمن الرحيم
    اللهم صلي على محمد وآل محمد
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    الناسُ ثلاثةٌ :  فعالمٌ ربانيٌّ  ،  ومتعلمٌ على سبيل نجاةٍ ، وهمجٌ رَعَاعٌ  ، أَتْبَاعُ كلّ نَاعِقٍ ، يَمِيلُونَ مَعَ كلّ رِيحٍ

    قال كميل بن زياد : أخذ بيدي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام , فأخرجني إلى الجبان  ، فلما أصحر  ، تنفس الصعداء  ،
    ثم قال:

    يا كُميل (بن زياد )، إن هذه القلوب أوعيةٌ  ، فخيرها أوعاها ، فاحفظ عنّي ما أقول لك : الناسُ ثلاثةٌ :

    فعالمٌ ربانيٌّ  ،

    ومتعلمٌ على سبيل نجاةٍ ،

    وهمجٌ رَعَاعٌ  ، أَتْبَاعُ كلّ نَاعِقٍ ،

    يَمِيلُونَ مَعَ كلّ رِيحٍ ،

    لَمْ يَسْتَضِئُوا بِنُورِ الْعِلْمِ ،

    وَلَمْ يَلْجَؤوا إلَى رُكْنٍ وَثِيقٍ .

    يَا كُمَيْلُ ، الْعِلْمُ خَيْرٌ مِنَ الْمَالِ ،

    الْعِلْمُ يَحْرُسُكَ وَأَنْتَ تَحْرُسُ الْمْالَ ،

    وَالْمَالَ تَنْقُصُهُ النَفَقَةُ ،

    وَالْعِلْمُ يَزْكُو عَلَى الْإنْفَاقِ ،

    وَصَنِيعُ الْمَالَ يَزُولُ بِزَوَالِهِ

    يَا كُمَيْلُ بْنَ زِيَادٍ ، مَعْرِفَةُ  الْعِلْمِ دِينٌ يُدَانُ بِهِ ،

    بِهَ يَكْسِبُ الْإنْسَانُ الطَّاعَةَ فِي حَيَاتِهِ

    وَجَمِيلَ الْأُحْدُوثَةِ بَعْدَ وَفَاتِهِ.

    وَالْعِلْمُ حَاكِمٌ ،

    وَالْمَالُ مَحْكُومٌ عَلَيْهِ .

    يَا كُمَيْلُ بْنَ زِيَادٍ ، هَلَكَ خُزَّانُ الْأَمْوَالِ وَهُمْ أَحْيَاءٌ ،

    وَالْعُلَمَاءُ بَاقُونَ مَا بَقِيَ الدَّهْرُ

    أَعْيَأنّهمْ مَفْقُودَةٌ ،

    وَأَمْثَالُهُمْ فَي الْقُلُوبِ مَوْجُودَةٌ .

    هَا إنَّ ها هُنَا لَعِلْماً جَمَّا ( وأشار عليه السلام بيده الى صدره) لَوْ أَصَبْتُ لَهُ حَمَلَةً!

    بَلَى أَصَبْتُ لَــقِــنــاً غَيْرَ مَأْمُونٍ عَلَيْهِ ،

    مُسْتَعْمِلاً آلَةَ الدِّينِ لِلدُّنْيَا ،

    وَمُسْتَظْهِراً بِنِعَمِ اللهِ عَلَى عِبَادِهِ ،

    وَبِحُجَجِهِ عَلَى أَوْلِيَائِهِ ،

    أَوْ مُنْقَاداً لِحَمَلَةِ الْحَقِّ،

    لَا بَصِيرَةَ لَهُ فِي أَحْنَائِهِ،

    يَنْقَدِحُ الشَّكُّ فِي قَلْبِهِ لِأَوَلِ عَارِضٍ مِنْ شُبْهَةٍ ،

    أَلَا لَا ذَا وَلَا ذَاكَ ،

    أَوْ مَنْهُوماً بِاللَّذَّةِ ،

    سَلِسَ الْقِيَادِ لِلشَّهْوَةِ ،

    أَوْ مُغْرَماً بِالْجَمْعِ وَالاِدِّخَارِ ،
    لَيْسَا مِنْ رُعَاةِ الدِّينِ فِي شيْءٍ ،

    أَقْرَبُ شَيْءٍ شَبَهاً بِهِمَا الْأَنْعَامُ السَّائِمَةُ ،

    كَذلِكَ يَمُوتُ الْعِلْمُ بِمَوْتِ حَامِلِيهِ .

    اللَّهُمَ بَلَى ، ،، لَا تَخْلُو الأَرْضُ مِنْ قَائِمٍ لِلهِ بِحُجَّةٍ ،

    إِمَّا ظَاهِراً مَشْهُوراً ،

    أو خَائِفاً مَغْمُوراً ،

    لِئَلَّا تَبْطُلَ حُجَجُ الله ِ وَبَيّنَاتُهُ .

    وَكَمْ ذَا ؟
    وَأَيْنَ أُولئِك ؟

    أُولئِكَ – والله – الْأَقَلُّونَ عَدَداً ،
    وَالْأَعْظَمُونَ عِنْدَ اللهِ قَدَراً ،

    يَحْفَظَ اللهُ بِهِمْ حُجَجَهُ وَبَيّنَاتِهِ ،
    حَتَّى يُودِعُوهَا نُظَرَاءَهُمْ ،
    وَيَزْرَعُوهَا فِي قُلُوب أَشْبَاهِهِم .

    (((((((هَجَمَ بِهِمُ الْعِلْمُ عَلَى حَقِيقَةِ الْبَصيرَةِ ،
    وبَاشَرُوا رُوح َالْيَقِينِ ،
    وَاسْتَلَانُوا مَا اسْتَوْعَرَهُ الْمُتْرَفُونَ  ،
    وَأَنِسُوا بِمَا اسْتَوْحَشَ مِنْهُ الْجَاهِلُونَ ،
    وَصَحِبُوا الدُّنْيَا بِأَبْدَانٍ أَرْوَاحُهَا مُعَلَقَةٌ بِالْمَحَلِ الْأَعْلَى))))))))

    أُولئِكَ خُلَفَاءُ اللهِ فِي أَرْضِهِ ،
    وَالدُّعَاةُ إِلىَ دِينِهِ

    آه آه شَوْقاً إِلَى رُؤْيَتِهِمْ !

    انْصَرِفْ يَا كَمَيْلُ إّذَا شِئْتَ………..إنتهى

    لنتفكّر سوية بهذا المقطع من كلام أمير المؤمنين عليه السلام

    ـ(((((((هَجَمَ بِهِمُ الْعِلْمُ عَلَى حَقِيقَةِ الْبَصيرَةِ ،

    وبَاشَرُوا رُوح َالْيَقِينِ ،

    وَاسْتَلَانُوا مَا اسْتَوْعَرَهُ الْمُتْرَفُونَ  ،

    وَأَنِسُوا بِمَا اسْتَوْحَشَ مِنْهُ الْجَاهِلُونَ ،

    وَصَحِبُوا الدُّنْيَا بِأَبْدَانٍ أَرْوَاحُهَا مُعَلَقَةٌ بِالْمَحَلِ الْأَعْلَى))))))))ـ

    فهذا الجزء من الرواية الشريفة عن أمير المؤمنين عليه السلام هو خلاصة ولبّ هذه الرواية الشريفة والذي أريد أن أبدء الحديث منه،

    فبه يبيّن لنا أمير المؤمنين وباب مدينة العلم عليه السلام الحقيقة كما يعرفها ،،

    ويبين لنا به نتيجة وآثار الوصول إليها

    فبعد بيانه عليه السلام لأنواع الناس وصفاتهم واحوالهم ،، ووصوله أخيرا لتبيان صفات أفضلهم واشرفهم ،،، وكيف أنّ هؤلاء الأفضل والأشرف سيبحثون عن أشباههم ممن يحتملون العلم لينقلوه لهم ،،

    وصل أخيرا لبيان النتيجة ،، أو لبيان الحقيقة ،،، بل لبيان حقيقة البصيرة كما يعرفها عليه السلام فقال:ـ

    (((((((هَجَمَ بِهِمُ الْعِلْمُ عَلَى حَقِيقَةِ الْبَصيرَةِ)))))))

    لكن قبل أن يبيّن لنا تلك الحقيقة بيّن لنا نتيجة أو أثر تلك المعرفة على العارف لها ،،،

    فقال:

    (((((((وبَاشَرُوا رُوح الْيَقِينِ)))))))

    فهم وصلوا بالمعرفة للب اليقين

    بل انّهم وصلوا بها لروح اليقين

    بل انّهم بَاشَرُوا بها روح اليقين

    وروح الشيء هو لبّه وأصله ومعدنه وغايته ومنتهاه

    فالمعرفة التي لا تُوصل لليقين هي معرفة ناقصة

    ومعرفة الحقيقة كما هي هي لا بد أن تصل بعارفِها لعلم اليقين

    وهذا العلم اليقين الذي وصل له سيجعله يرى الأشياء من حوله على حقيقتها فيباشر روحها

    وحينها سيرى ببصيرته الأشياء والحياة من حوله بصورة أخرى لا تشبه ما تراه أعين من لم يصلوا لروح البصيرة

    كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ () لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ () ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ

    فحين يهَجم الْعِلْمُ بصاحبه عَلَى حَقِيقَةِ الْبَصيرَةِ

    ويباشر روح اليقين

    فإنه سيرى الجحيم حينها رأي العين

    لكن كيف سيراها؟

    ومن أين سيراها؟

    فهل سيراها وهو داخلها؟

    أم أنّه سيراها من خارجها؟

    أم أنّه سيراها من خارجها رغم أنّه داخلها؟

    فمسألة أنّ رؤيته للجحيم مرتبطة بوصوله لعلم اليقين تدلنا على انّ الجحيم كانت مموّهة بشكل كبير ومتقن جدا جدا

    وأنّها رغم انه كان يعيش في وسطها

    فلقد كانت تحجبه عن رؤيتها واكتشافها حجب فكريّة عقليّة كثيرة لها ارتباط وثيق بدرجة المعرفة والعلم

    بحيث أنّه متى ما تحصّلت له درجة عالية من المعرفة والعلم اليقيني سترتفع وتزول معه تلك الحُجُب عن بصره وبصيرته فيرى الجحيم

    كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ () لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ () ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ

    الخلاصة في ذلك أن الواصل لدرجة علم اليقين سيرى الجحيم من حوله رأي العين

    بينما غيره ممن يعيش معه وسطها لن يروها

    فرغم أنّهم كلهم يعيشون وسطها لكنّه سيرى أنّها جحيم وغيره ربما سيرون أنّها نعيم،

    أو على الأقل سيرون أنّها ليست جحيم

    وانفتاح بصره وبصيرته ورؤيته لنفسه وسط الجحيم سيدفعه أكثر للهروب منها

    وستزيد همته للبحث عن وسيلة الخروج منها

    فبينما الآخرون سيزيد تعلقهم بها كل يوم للحصول على المزيد والمزيد منها

    ستزيد همّته  هو مع مرور كلّ ساعة وكلّ يوم في معرفة كيف يمكنه الهروب منها

    لأنّه يرى أنّه في الجحيم رغم أن البقيّة غافلون بل ويؤكدون له أنّه وانهم في النعيم

    سيرى أنّه كان يعيش بها مشاعر النقص والخوف والمعاناة والاضطراب

    والحروب
    والجوع
    والتهجير
    والتشريد

    والحبس
    والجوع
    والفقر
    والحرمان

    وانقطاع النسل
    والموت
    والشرّ
    والحرّ
    والبرد
    و
    و
    و
    و
    و
    وووووو

    لكنه وبسبب انه اعتاد على الشعور بجميع تلك العذابات من يوم ولادته حَسِبها أنّها هي الحقيقة فاسْتَعْذَبَهَا وتقبّلها وكأنّها هي أصل السعادة وكلّ الحقيقة

    فصار يكدّ طوال حياته من أجل أن يحصل بها على بعض لحظات السعادة والطمئنينة التي كان يختلس الشعور بها من خلال أمله ببيت من التراب يبنيه هنا او هناك

    أو من خلال جمعه لبضعة أحجار ترابية صفراء أو خضراء أو شفافة ليلبسها أو ليكنزها في صناديق

    أو من خلال جمعه لأوراق ترابية ملوّنة وعليها صور ملوك وظلمة

    او من خلال رقم وهمي يزيد معه رصيده من الاوهام كلّ يوم

    أو حين يستقوي على غيره من خلال أبناء وبنات من التراب يتكاثر بهم عليهم
    أو
    أو
    أو

    لكنّه حين سيصل لروح البصيرة سيكتشف أنّ الحقيقة هي أجمل وأروع من كلّ ذلك

    وأن جميع ما كان يعيشه من الآمال والأماني والأهداف ويسعى جاهدا لتحقيقها  في هذه الحياة الأرضية، سيراها إنّما هي محض وهم ، وسراب وشقاء وعذاب مقارنة بالحقيقة التي اكتشفها أخيرا

    سيكتشف ،، أنّه كان يعيش بالجحيم

    بل أنّه سيرى أنّه فعلا في الجحيم

    وأن الخروج منها لا يكون الّا بالمرور بها والزهد بما فيها

    وحينها سينتهج اسلوب حياة جديد

    أسلوب حياة يسْتَوْعَرَهُ الْمُتْرَفُونَ ويسْتَوْحَشَ مِنْهُ الْجَاهِلُونَ

    لكنه سيشعر بالسعادة وأيما سعادة وهو يعيش حياته بذلك الاسلوب والنهج الوعر

    لأنّه يريد الخروج من الجحيم

    ولأنّه يريد الهروب من الوهم

    ولكن ،،، إلى أين يريد الهروب؟

    أنّه يريد الآن أن يعيش الحقيقة التي أبصر روحها ووصل بالعلم للبّها

    لكن ما هي تلك الحقيقة التي أبصر روحها فجعلته يستلين ما يسْتَوْعَرَهُ الْمُتْرَفُونَ ويأنس بما يسْتَوْحَشَ مِنْهُ الْجَاهِلُونَ؟

    هذه الحقيقة يبيّنها لنا سلام الله عليه في هذه العبارة الموجزة:ـ

    (((((((وَصَحِبُوا الدُّنْيَا بِأَبْدَانٍ أَرْوَاحُهَا مُعَلَقَةٌ بِالْمَحَلِ الْأَعْلَى)))))))

    لقد اكتشف أنّه في حقيقته يشبه قنديل يتدَلَى بحبل روحي من المحل الأعلى في السماء فوق القبة ليضيء في الأرض تحت القبة

    قنديل سماوي طرف منه يعيش بين النّاس على الأرض فيعيش ويتعايش به معهم من خلاله

    والطرف الآخر يعيش ويرتبط به بنفسه العليا من الملأ الأعلى بِالْمَحَلِ الْأَعْلَى

    سيكتشف حينها ،، أنّه يتكوّن من جزئين:ـ

    جزء أمريّ مُلــكي

    وجزء أمريّ آخر لكن ملكــوتي

    ويوجد بينهما رابط روحيّ يربطهما

    وسيكتشف ،، أنّه هو ذلك الجزء الأمريّ المُلكيّ

    وأنّه مخلوق بطريقة يستطيع بها أن يهـبط من عالم الأمر إلى عـــالم الخلق ليعيش به حالة الخلق

    وسيكتشف ،، أنّ الجزء الأمريّ الآخر هو الجزء المستقر في عالم الملكوت ويعيش حالة الأمر أو يمارس حالة الأمر في عالم الأمر

    وسيكتشف ،، أنّه يوجد بين جزئيه رابط روحيّ يربطهما

    سيكتشف ،، أنّه هو الجزء الذي يهبط دائما ليعيش في الأرض تجارب ماديّة مختلفة

    وأنّ الجزء الآخر الذي سيفصّل له كلّ أنواع وصور تلك التجارب الماديّة التي سيعيشها ،، سيكتشف أنّه من ضمن الملاء الأعلى ،، وأنّه مستقر في السماء ويعيش بها

    ويوجد بينهما رابط روحيّ يربطهما

    سيكتشف ،، أنّه هو ذلك الجزء الذي يهبط دائما من السماء للأرض لكي يعيش عليها تجربة ماديّة تحددها له مشيئته وإرادته الحقيقية بجميع أحداثها وصورها وتفاصيلها مهما كانت تلك الصور والتفاصيل ((مشيئته وإرادته الحقيقية هما الجزء الآخر منه،، الجزء الأمري الملكوتيّ الذي يعيش في السماء))

    وسيكتشف أنّه من خلال نزوله في الارض يقوم مع نفسه العليا بأداء مهمة إلهية جليلة

    إنّهما يُقومان بإظهار مختلف صور العبادات الممكنة والمكنونة في كتاب المشيئة المكنون فيظهرانها سوية في عالم الأمر وفي عالم الخلق أيضا

    فجزئه الأمري الملكوتي الذي يعيش في السماء يتعبّد خالقه من خلال إظهاره لمختلف صور ارادة ومشيئة الله المودعة في الكتاب المكنون،،  فيظهرها بمشيئته هو في عالم الأمر

    وهو كجزء أمريّ مُلكيّ يتعبّد خالقه أيضا من خلال إظهاره لإرادة ومشيئة الله المودعة في الكتاب المكنون ،، فيظهرها هو بمشيئته وارادته في عالم الخلق

    فجميع مخلوقات كِلا العالمين بجميع درجاتهم ومراتبهم ومقاماتهم ،، يتعبّدون خالقهم من خلال اظهارهم للصور المختلفة لإرادة ومشيئة الله المودعة في الكتاب المكنون في كِلا العالمين

    أنّهم يقومون بعملية تعاونيّة فيما بينهم لإظهار أو لِـبرء جميع ما يمكنهم برأه  من صور المشيئة الإلهيّة المُودعة في الكتاب التكويني، أو المكنونة في العقل الكوني

    أنّهم يقومون باظهارها في عالم الأمر

    ويظهرونها كذلك في عالم الخلق

    أنّهم يُظهرون في السماء والأرض

    أو في الجنّة والجحيم

    جميع انواع العبادة بجميع صورها

    لكنّهم في السماء يعبدونه حبّا ،،،،،، فقط حبا يعبدونه بالسماء

    أمّا في الأرض

    فانهم تارة يعبدونه خوفا
    وأخرى يعبدونه طمعا
    واخرى يعبدونه حُبّا

    أنّهم على الأرض يعيشون جميع احتمالات العلم والجهل

    ابتداء من الجهل المطلق

    وصولا لعلم اليقين

    ومع كلّ درجة جديدة سيتّصفون بها من درجات العلم والجهل في كلّ كرّة من كرّاتهم الكثيرة في عالم الخلق ستظهر معها منهم صور جديدة من صور العبادات

    فالنّفس النّاطقة القدسيّة حين تكون جاهلة أو عالمة بأي درجة من درجات العلم والجهل فأنّها ستعبد الله أيضا خوفا او طمعا على قدر تلك الدرجة من العلم والجهل

    أمّا حين تكون عارفة مستبصرة كاملة فستعبد خالقها بالحُبّ فقط

    فكلما زادت معرفتها واستبصارها واقترابها من الحقيقة الصافية فأنّها ستحبّ بصدق أكبر وأكبر وأكبر ،، حتى يختفي الخوف والطمع أخيرا من قاموسها وللأبد

    وسيصبح حبّها الصادق هو عبادتها الحقيقيّة الجوهريّة

    أمّا صورة نفس العبادة فهي غير مهمّة له حينها بقدر أهمّية جوهرها

    فهي قد تنال بثلاثة أقراص من الخبز تعطيها بمحبّة خالصة لمسكين ويتيم واسير منزلة لم ينلها قبلها أحد من الاولين ولن ينالها بعدها أحد من الآخرين

    فالمعرفة هي مخّ العبادة

    بل هي مخّ الحياة وجوهرها

    فالحياة التي نحياها كلّها عبادة،، شِئنا ذلك أم أبينا

    فأصل ومنبع جميع حركاتنا وافعالنا وسكناتنا الظاهرية هو الدين والعبادة والرسل والانبياء

    ومنبعها أيضا جنود العقل والجهل التي خلقها الله أوّل ما خلق من نوره الأنور عن يمين عرشه ومن بحره الإجاج الظلماني

    وجنود العقل هي مكارم الاخلاق التي أُمِرنا ظاهرا عن طريق الانبياء والرسل والأولياء باتّباعها كما وأمرنا بها باطنا حين زُرِع حبّها في فطرتنا وحقيقتنا

    وجنود الجهل هي مساوئ الأخلاق التي أُمِرنا ظاهرا عن طريق الانبياء والرسل والأولياء بالابتعاد عنها وعدم الاتصاف بها،، تماما كما أن فطرتنا الباطنة تنكرها وتنفر منها

    ستكتشف النّفس النّاطقة القدسيّة أنّها كجزء أمريّ سماوي لا بد أنّ يكون سنخها من سنخ أهل السماء رغم أنّها مصممة للهبوط على الأرض

    وسنخ أهل السماء هو أنّهم أهل طاعة الله

    أنّهم عقل كامل لا جهل بهم أو معهم

    فهم لا يخرجون أبدا من طاعة إلى معصية

    فالنّفس النّاطقة القدسيّة يجب أن يكون سنخها من سنخ أهل السماء لأنّها منهم فهي من ضمن مجموعة عباد الرحمن التي سيقول لها ارجعي الى ربك راضية مرضية وادخلي في عبادي وادخلي جنتي ،، و لأنّها منهم فهي مطيعة لنفسها العليا في كلّ أحوالها

    فإذا أمرتها بالإدبار فهي تُدبر طاعة

    أنّها تنزل من عالم الأمر إلى عالم الخلق طاعة للأمر بالنزول فيه

    أنّها كنفس مطمئنّة او كنفس ناطقة قدسيّة تعلم مسبقا أنّ ما ستراه وستعايشه من موجودات على الأرض أو في عالم الخلق أنّها إذا ما قارنتها بموجودات ومخلوقات عالم الأمر الجميلة التي تعيشها ضمن عباد الرحمن في جنته ،، فحكمها عليها سيكون بالتأكيد هو أنّها تماما كنيران الجحيم

    لكنّها رغم ذلك فأنّها حين تتلقّى الأمر من نفسها العليا بالنزول فإنها ستطيع الأمر وستُدبِـر وبارادتها عن عالم الأمر ونعيمه ،، لتنزل على الأرض عالم الخلق لتتقلب بين نيرانّها (مشاعرها) من خلال تجربة ماديّة خلقيّة ستختار لها نفسها العليا أو مشيئتها وارادتها في عالم الأمر جميع تفاصيلها

    لكنّها حين ستستدعيها نفسها العليا أخيرا فأنّها ستعود إليها طائعة ،، فإدبارها هو طاعة لأمرها،، ورجوعها هو أيضا طاعة لأمرها

    من سيهَجمَ بِهِ الْعِلْمُ عَلَى حَقِيقَةِ الْبَصيرَةِ سيعرف أنّه مخلوق سماوي نزل من الجنّة للجحيم،، نزل من عالم الطاعة المطلقة لعالم الطاعة المشوبة بالمعصية

    لكنه كنفس ناطقة قدسيّة لا يستطيع أن يعصي من ذاته ،
    سواء في الجنّة السماويّة او في الجحيم الأرضي

    وذلك لعدم وجود دافع المعصية فيه

    ولذلك فأنّه سيتم قرنه بنفس أخرى ،،
    أو سيتمّ تزويجه بنفس أخرى ،،،
    لكي يمكنه العيش على الأرض بمعونتها

    وتلك النّفس هي النّفس الحسّية الحيوانيّة التي فعلها الحياة والحركة والظلم والغشم والغلبة واكتساب الاموال والشهوات الدنيويّة

    فيُشكّلان حينها وعي واحد أو نفس واحدة مركبّة من جزئين

    جزئين متخالفين في كلّ شيء

    في حركتهما
    في توجهاتهما
    في رغباتهما
    في شهواتهما
    في دوافعهما

    اجمالا ستكونان مختلفتان في كلّ شيء

    إحداهما ستركّب بها دوافع جنود العقل وبنسب معينة في كلّ كرّة حياة أرضيّة جديدة ستكرّها

    وهذه هي النّفس النّاطقة القدسيّة النازلة من الجنّة والتي جنودها مسانخة لها ،،، فهي نعيمها

    والأخرى ستركّب بها دوافع جنود الجهل وبنسب معينة أيضا لكل كرّة جديدة من كرّاتها ستكرّها ،،

    وهذه هي النّفس الحسيّة الحيوانيّة المصممة للعيش في الجحيم والتي جنودها أيضا مسانخة لها ،، فجنودها هي نيران الجحيم

    نستطيع أن نقول أنّ النّفس الإنسانيّة هي نفس مركبة من:ـ

    نعيم الجنّة ،، ونيران الجحيم

    أو من جنود العقل ،، ومن جنود الجهل

    أو من نور عن يمين العرش ،، ومن البحر الأجاج الظلماني

    من 72 جندي هم جنود العقل

    ومن 72 جندي أخرى هم جنود الجهل

    والخير هو وزير العقل وقائد جنوده الـ72 فهو الثالث والسبعون لهم والمنطوي بهم

    والشر هو وزير الجهل وقائد جنوده الـ72 فهو الثالث والسبعون لهم والمنطوي بهم

    والمنطوي بهم تعني أنّه لا ظهور منفصل له عنهم،، فهو يظهر من خلال جنوده

    فالخير وزير العقل يظهر من خلال جنود العقل التي ينطوي في كلّ واحد منها

    والشرّ وزير الجهل سيظهر أيضا من خلال الجنود التي ينطوي هو أيضا في كلّ واحد منها

    نستطيع أن نشبه النّفس الإنسانية المركّبة من النّفسين النّاطقة القدسيّة والحسية الحيوانيّة

    كنجمتي تيتراهيدرون مركبتين فوق بعضهما البعض بشكل متعاكس ومتصلتان برابط روحي أو طاقوي نازل من السماء ليربطهما بها

    نجمتين ،، إحداهما رأسها متوجه للسماء وهي النّفس النّاطقة القدسيّة

    والأخرى رأسها متوجه للأرض وهي النّفس الحسيّة الحيوانيّة

    الأولى متوجهة نحو الشمس تريد الصعود للسماء ونعيمها ،، فهي لذلك متوجهة نحو السماء

    والثانية متوجهة للأرض وتريد الخلود للأرض ومتعها ،،، وهذه هي النفس الحسية الحيوانية

    الأولى أنثوية وتدور حول نفسها مع عقارب الساعة

    والأخرى ذكرية وتدور حول نفسها عكس عقارب الساعة

    حول الرجل تكون النجمة العلوية السماوية الإنثوية مدببة من الأعلى باتجاه السماء ومدببة من الأمام أيضا

    وتكون النجمة السفلية الأرضية المذكّرة مدببة من الخلف ومن الأسفل باتجاه الأرض

    وحول الأنثى تكون النجمة العلوية الأنثوية مدببة من الخلف والأعلى

    وتكون النجمة السفلية الذكرية مدببة من الأمام ومن والأسفل باتجاه الأرض

    أنّهما نجمتان متساويتان في الحجم لكنهما مختلفتان في كلّ شيء ،،ـ

    حتى في سرعة دورانهما حول نفسهما

    فواحدة منهما ذكرية وهي النّفس الحسيّة الحيوانيّة المتوجهة دائما نحو الأرض

    وهذه تدور بسرعة 21 دورة في الدقيقة مع اتجاه عقارب الساعة أي أنّها تدور من اليسار الى اليمين حول محورها

    والأخرى منهما أنثوية وهي النّفس النّاطقة القدسيّة المتوجهة دائما نحو الشمس والسماء

    وهذه تدور 34 دورة في الدقيقة عكس اتجاه عقارب الساعة أي من اليمين لليسار حول محورها

    أجمالا يمكننا أن نقول أن كلّ واحدة منهما هي أشبه بصورة مرآتية سالبة للأخرى ومكمّلة لها

    والنجمة الأنثوية منهما ،،، وهي النّفس النّاطقة القدسيّة التي تدور لليمين مرتبطة مع فص المخ الشمالي

    والنجمة الذكرية ،،، أي النّفس الحسيّة الحيوانيّة التي تدور للشمال مرتبطة مع فص المخ اليمين

    فإذا ما فكّر الإنسان بفص مخّه اليمين أكثر من الشمال سيجد نفسه مرتبط بالمادة ومتعها أكثر من ارتباطه بالغيب ونعيمه

    لأنّه يفكّر حينها من خلال جنود نفسه الحسيّة الحيوانيّة ،، والتي هي جنود الجهل

    أمّا إذا ما فكّر بفصّ مخّه الشمال أكثر من الفصّ اليمين فسيجد نفسه يتفكّر بالغيبيات والروحانيات ونعيمها أكثر من تفكيره بمتع الأرض الماديّة وشؤونها

    لأنّه يتفكّر ويفكّر حينها من خلال جنود نفسه النّاطقة القدسيّة ،، والتي هي جنود العقل

    طبعا توجد نجمة ثالثة هي نجمة النّفس النامية النباتية

    لكن هذه ثابتة في مكأنّها لا تتحرك ولا تدور حول نفسها نهائيا وحركتها من حركة نفس البدن،، وتختلف طبيعتها حسب جنس النّفس النامية النباتية،، ذكر كانت أم أنثى

    وهذه النّفس ((أي النامية النباتية)) تفكيرها محدود بحدود مملكتها،، فهي مشغولة بتدبير أمور البدن المادي ورعايته وتنميته والدفاع عنه ضد كلّ ما هو أجنبي خارجي،، مثل الفايروسات والفطريات والديدان والجروح والامراض المختلفة وما شابه ذلك من الأمور الطارئة

    نستطيع ان نقول أنّ لها تفكير أوتوماتيكي

    أو تفكير تلقائي

    فهي مستقلة بتفكيرها بدرجة كبيرة

    فهي مسؤلة عن جميع الافعال التلقائيّة الـ لا إراديّة في جسم الانسان

    ابتداءا من ضربات القلب مرورا بحركة الكريات الدموية في الجسم وصولا لأنتاجها واعادة تدويرها مرة أخرى لتصنيعها من جديد

    وصولا لادارتها لعمليات الهضم وتنظيم الهرمونات المختلفة

    اجمالا هي المسؤلة عن جميع الوضائف الحيوية في جسم الانسان

    فهذه النّفس تتخذ قراراتها بما يخص البدن بشكل تلقائي وأوتوماتيكي من دون ان تنتظر ايعاز خارجي

    كما أنّها لا تتدخل بقرارات النّفسين الحسية الحيوانيّة والنّاطقة القدسيّة

    فهي نفس أرضيّة محايدة لا تميل لا نحو السماء ولا نحو الأرض

    فهي لا تدرك نعيم السماء ولا تستأنس بمتع الأرض

    وهي مشغولة بشكل دائم ومستمر بإدارة شؤون وجنود مملكتها والدفاع عنها (البدن المادي)ـ

    فلذلك فإنّ هذه النّفس يمكننا أن نخرجها من المعادلة حين ننظر للاختيارات المختلفة ولتحديد جنود أي نفس منهما هي التي تقف خلف كلّ اختيار منها

    ولا يفوتنا هنا ان نقول أن كلا النّفسين النّاطقة القدسيّة والحسيّة الحيوانيّة مرتبطتان برابط روحي يربطهما بموجودات عالم الأمر

    سواء تلك الأنفس العليا التي تسيطر على جنود الجهل وتثيرها

    او تلك الأنفس العليا التي تسيطر على جنود العقل وتثيرها

    او تلك النّفس العليا التي تحيط بكل حركة الجنود جميعها

    وصلى الله على خير خلقه أجمعين محمد وآله الطاهرين

  • The forum ‘بحوث طالب التوحيد’ is closed to new topics and replies.