بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلي على محمد وآل محمد
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ضرورة إنــقــلاب المفاهيم-1ـ
لماذا؟
لماذا يجب أن تنقلب المفاهيم على الدوام وباستمرار عند من يريد الصعود بالدرجات ؟
وماذا نعني بانقلاب المفاهيم عنده؟
وأي المفاهيم هي التي يجب أن تنقلب معانيها عنده؟
حسب اعتقادي وفهمي القاصر فإن المشكلة وكل المشكلة هنا هي فقط مع مفاهيم الشرّ،، فهي فقط التي ستشكّل عقبة في طريق السالك ببقائها كمفاهيم شرّ مطلق في عقله
فببقائها في عقله بهذه الصورة الشريرة المطلقة فإنها ستخلق فيه حالة التناقض في الاعتقادات والافكار
فمن جهة هو يقول ويعتقد ان الله جميل يحب الجمال
لكن ولأنه لا يرى أي جمال بالشرور ويعتقد انها شرّ مطلق وقبح ليس مثله قبح فإنه سيبقى في شكّ من أن الله جميل يحب الجمال وسيتسائل بصمت وخوف:ـ
كيف أنه جميل يحب الجمال وهو يخلق الشر والشرور والقبائح؟
كيف أن الله أحسن كل شيء خلقه وهو من خلق ابليس والشيطان وجميع جنوده من الجن والانس؟
وسيبقى حائرا في كيف سيمكنه مع كل هذه الشرور والقبائح التي تملاء الدنيا من أن يبقى معتقدا أن الله قد خلق نور نبينا اول ما خلق ثم خلق منه كل جميل؟
فهل كل هذه الشرور هي أيضا مخلوقة من نور نبيا؟
أم انها مخلوقة من نور آخر؟
وهل يوجد أصلا نور أخر غير نوره!!!!ـ
وهل ابليس وجنوده مصدر تلك الشرور والقبائح هم مخلوقون ايضا من نور نبينا الاول الذي خلق الله منه كل جميل؟
هذه الاستفهامات ستبقى مختفية في اعمق اعماق عقل السالك ولن يجروء أبدا على اظهارها على السطح ،، لأنه إذا ما اظهرها بدون ان تكون لديه عليها إجابات مقنعة فسيرفضه المجتمع من حوله وسيلفظه خارج نطاقه ، وبدوره فإنه سيبدء بمحاربتهم وتحدّيهم باشكالاته ((كما يحدث الآن مع أحمد القبانجي))،، هذا طبعا اذا لم يحاربه ويلعنه أفراده وعناصره صائحين به باعلى اصواتهم:ـ
كيف تقول أن ابليس مخلوق من نور النبي؟
كيف تقول أن الشياطين مخلوقة من نور النبي؟
كيف تنسب القبائح والشرور لنور النبي؟
ويوجد العشرات بل المئات من مثل هذه الاسئلة المهملة او المسكوت عنها ، والتي من النادر جدا أن تجد من يطرح هذه الأسئلة او حتى أن يناقش احتمالاتها،، لأن العاقبة غالبا ستكون سيئة جدا
ولقد قرأت شخصيا العشرات من المؤلفات الفلسفية والعرفانية والتي اغلبها كان أصحابها يمجّدون ويتغنون بنور النبي صلى الله عليه وآله والذي خلق الله به ومنه كل جميل ،، بل وخلق به كل الكون بسماواته وأرضه وما بيينهما،، بدون ان يشيروا لا من قريب ولا من بعيد لكون ان الشرور التي يعتقدون بها يجب ان تكون ايضا مخلوقة من هذا النور
وبنفس تلك الكتب كانوا ولا زالوا يمجدون الأئمة عليهم السلام ويسهبون قولهم في كيف انهم هم نور الله في ارضه وسمائه وانهم هم خليفته بهما وكيف أن امرهم هو امره جل جلاله ،، وأن فعلهم هو أيضا فعله تبارك وتعالى
لكنهم مع كل ذلك التمجيد لهم عليهم السلام يظهرونهم في نفس كتبهم وخطبهم تلك ، مقهورين ومغلوبين على أمرهم من قبل الناس ومن قبل كم نفر من اعدائهم ،، وبدون ان يقولوا لنا بها كيف يمكن للنقيضان أن يجتمعان
إجمالا لم اجد كتاب واحد منها يطرح به مؤلفه هذه الفكرة فيناقشها ليؤيدها او حتى ليفنّدها
فهو إمّا فضّل ترك الخوض بها لانّه فكّر بها ولم يصل لاجابة عليها
أو لانه يعرف الاجابة عليها فعلا ،، لكنه أعرض عن الخوض فيها تجنبا لتطفل المتطفلين من أصحاب أنصاف وأرباع وأخماس وأسداس العقول من الذين لا يعلمون ويعتقدون انهم يعلمون
أو انه من الاساس لم يفكر بها اطلاقا ولم تخطر له على بال ولو حتى على نحو الافتراض
والسبب الرئيسي الذي منع الناس حسب اعتقادي من الوصول لاجوبة على هذه الاشكاليات هو غياب المنهج الصحيح والحقيقي عن الساحة الاسلامية وأقصد به المنهج الذي اوصى به رسول الله صلى الله عليه وآله
وهو منهج الكتاب والعترة ،، والتفكّر الدائم بهما ،، واخلاص النية على الاقل اربعين صباحا لاستخراج اجمل المعاني واحكمهما منهما
ولقد ظهرت حتى اليوم الكثير من المناهج التفسيرية على الساحة الاسلامية والتي اقترب بعضها فقط وبشكل جزئي من منهج الكتاب والعترة ،، أمّا البقية منها فلقد ابتعدت عنه بُعد المغربين والمشرقين
وكل ذلك لا بأس به عندي ،، ولا اعتراض لي عليه على الإطلاق
فحسب اعتقادي فإن كلّ شيء قد ظهر حتى اليوم في عالمنا هذا ، عالم التجلي ،، قد تم التجلي به وظهوره بتخطيط وتنفيذ ورعاية إلهيّة وبشكل قصديّ لا اعتباط به ،، ولا يوجد به أي مكان للصدفة
وأنّ عالمنا كله بكل احداثه ظهر تحت عين وبصر ورعاية الملائكة والروح وربهم ،، وهذه المناهج التفسيرية المختلفة هي أيضا من ضمن تلك الأمور الكثيرة التي تنزلت بها الملائكة والروح على هذه الارض باذن ربهم
ولذلك فأنني أقول وأ أكد من إنني لا اعترض ولا أحزن على أي أمر كان او سيكون أبدا ،، مهما كان مظهر ذلك الأمر شرير وقبيح
فالاعتراض على أي أمر واظهار الحزن بسببه إنما هو اعتراض على حكم الله وأمر المجموعة الآمرة وأمر رب العالمين
فـــ : مَنْ أَصْبَحَ عَلَى الدُّنْيَا حَزِيناً فَقَدْ أَصْبَحَ لِقَضَاءِ اللهِ سَاخِطاً، وَمَنْ أَصْبَحَ يَشَكُو مُصِيبَةً نَزَلَتْ بِهِ فَقَدْ أَصْبَحَ يَشْكُو رَبَّه
القرآن الصامت
و
القرآن الناطق
و
التفكر العميق بهما ربطا وتحليلا وتسليما
هذا هو منهجي الذي ابحث به واتفكر من خلاله بخلق السماوات والارض لأجيب من خلاله عن الأسئلة الثلاثة الخالدة التي امرنا امير المؤمنين عليه السلام بالبحث عن اجاباتها بكل ما أوتينا من قوة
من أين؟
وفي أين؟
وإلى أين؟
وخلال بحثي الطويل في أيات الكتاب وروايات العترة الطاهرة للإجابات الوافية المقنعة عن تلك الاسئلة فإنني قد وجدت بينهما تشابه كبير
فلقد وجدت أنهما كلاهما يوجد بهما محكم ومتشابه
ووجدت انه كما أنه توجد في أيات القرآن الصامت آيات محكمة وآيات متشابهة
فإن في روايات القرآن الناطق توجد أيضا روايات محكمة وروايات متشابهة
وبسبب أنني في الغالب كنت ابحث فقط عن اجابات لتلك الأسئلة الثلاثة، فلقد كنت أجد نفسي دائما أمام أيات وروايات وبحوث وكتب ذات صبغة وتوجهات معينة ومحددة ،، وهي الآيات والروايات والكتب والبحوث التي يدور فلكها حول بداية الخلق والتكوين والمعرفة الالهية والاسمائية والافعالية
وحسب اعتقادي فان جميع تلك الكتب قد عجزت عن وصف مقنع لصورة كونية ثلاثية الابعاد ((سواء الابعاد المكانية او الزمانية)) وتكون متوافقة مع الآيات الكريمة من الكتاب الصامت وأيضا مع الروايات الشريفة المروية عن الكتاب الناطق أهل بيت العصمة صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ،،، ويمكنها أن تجيب بنفس الوقت عن الأسئلة والشبهات المختلفة والتي يمكن ان تطرح او تثار ضدها
والسبب في عجز تلك الكتب عن الاتيان بالصورة الكونية المطلوبة والمقنعة هو ان اصحابها ومؤلفيها حاولوا دائما ان يجدوا تلك الاجوبة وان يصيغوا تلك الصورة الكونية المطلوبة من داخل أسوار نفس أفكار وعقائد الواقع المألوف والافكار المألوفة التي يعيش هو وجميع افراد المجتمع من حوله وسطها وداخلها
وهذا الواقع المألوف لم يكن وليد اليوم أو الأمس او الامس القريب
فبسببه كما تشير الروايات فإن ابا ذر كان على استعداد لان يقتل سلمان المحمدي وكان المسلمينبسببه أيضا على استعداد لاستحلال دم الامام السجاد لو انه صرح بما هو خارجه من الافكار
بل وحتى أن بعض اصحاب امير المؤمنين عليه السلام ارادوا الانفضاض من مجلسه غاضبين منه بسبب بعض ما قاله لهم عن منزلته ومكانته من التكوين والوجود لولا انه امسك عليهم الباب أخيرا فحجزهم وفسر لهم كلامه تقية بوجه أخر وبما تستطيع قلوبهم الضعيفة ان تستحمله ،، وبما يتوافق أيضا مع افكار وعقائد الواقع المألوف الذي كان سلام الله عليه حينها زمكانيته
كل تلك الاحداث والظروف تحتّم علينا بل تأمرنا وبغير ألفاظ
لان نكسّر اسوار الواقع المألوف في بحثنا وتفكرنا وفهمنا
ولأن نخرج خارجها
ولأن نحلق بعيدا عنها ما استطعنا
وحينها فقط سنبقى لوحدنا مع الأيات الصامتات والروايات الناطقات بمعانيها العميقة والمُوضحات لخفاياها بدون تأثيرات وحواجز واسوار وحجب إبليسية مصطنعة تمنعنا من الفهم الصحيح
بعد كل ذلك يجب أن نعلم أنه كلما شعر السالك بطريق المعرفة بالوحدة والغربة العقائدية داخل المجتمع المحيط به، فذلك سيعني أنّه قد أصبح للحقيقة أقرب من قبل، وكلما أصبحت نظرة المجتمع المحيط به حذرة منه ومشكّكة به ومتّهمة له فأن ذلك سيعني انه قد خرج فعلا من اسوار الواقع المألوف التي كان يتشاركها معهم
لكنها ليست سور واحد يحيط بالجميع ومن سينجح بالخروج منه سيكون قد خرج من الظلمات كلها الى النور الخالص دفعة واحدة
بل انّها اسوار داخل اسوار داخل اسوار تمنعنا من رؤية الحقيقة كما هي هي
فالنور الذي يستوطن قلبك وتسعى للوصول له
تحيطُ به ظلمات الشهوات المختلفة
والتي تحيطَ بها ظلمات العقائد الضعيفة السطحية
والتي تغشاها من فوقها ظلمات الفتن والمصائب والحروب والسياسة
ويقف على حدود تلك الظلمات حرّاس الظلمات يحرسونها ويمنعوك حتى من الاقتراب منها
وهؤلاء هم رجال دين لا دين لهم الا السلطة والمال فيمنعون الأفراد والمجتمعات من محاولة الخروج من تلك الظلمات ، أو من محاولة تحطيم أسوار المألوفات الباطلات ،، أو حتى من التفكير بذلك ،، وذلك حرصا منهم على مكتسباتهم المالية والإجتماعية وعلى سلطتهم الكبيرة كرجال دين على توجيه وعي القطعان البشرية لأي جهة يريدونها ،، ورجال الدين هؤلاء هم وعّاظ السلاطين وجباة الأموال
وعندما تكون لا تزال في ظلمات البحر الأجاج الكبير ،، ستجد أن المعجبين بأفكارك كثيرون وتعليقاتهم عليها مفرِحات ومبارِكات
لكن عندما تنجح بالخروج من أوّل ظلمة من ظلماته ستجد أن المعجبين قد قلّوا وأن تعليقاتهم المفرحات اصبحت مجرد سلامات
وسيستمر عدد المعجبين بكلامك بالتناقص وأخيرا ستنعدم التعليقات وينفضون من حولك
لكنك بمرحلة معينة سيصبح كفرك بالنسبة لهم كفر بواح ، وشركك خطر لا يطاق ،، وستبدء المناقشات والملامات
والتي لو كنت مستعدا لها فستفرح بها ،، لأنك ستعلم حينها انك ابتعدت فعلا عن تلك الاسوار التي كنت محبوسا بداخلها معهم،، وها هم يلقون عليك باحجارهم ليرجعوك مرة أخرى داخلها معهم
فلا تلتفت لهم ،، واستمر بالتقدم ،، فأنت لا تزال تسير في ظلمة من تلك الظلمات الإبليسية التصميم التي بعضها فوق بعضها وفي ظلمات تحيطها ظلمات
وعندما تسمعهم أخيرا يقولون عنك انك قد خالطك الهبل فسيمكنك حينها فقط أن تطمئن بعض الشيء من انك ربمــــــــــــــــــــــــا تكون قد اقتربت بما فيه الكفاية من أن تلقي بنفسك مطمئنا بالنار بدون أن تهابها،، وهكذا يفعل المجانين
ومن حسنات الانترنت أنك تستطيع أن تجاهر بما تعتقد بدون أن يؤثر ذلك على وضعك الاجتماعي بين الناس
ومن حسنات الفيسبوك كذلك أنك تستطيع أن تحيط نفسك بالايجابيين فقط وأن تبعد عنك السلبيين بِكْـلِـكٍ واحدٍ من ماوسك الصغير
هذه الحرية بالتفكير والتعبير عن الرأي والعقيدة لم تكن متوفرة بالسابق وكانت عقوبتها في الكثير من الاحيان الموت المؤكد السريع بفتوى او حتى بدون فتوى ،، أو على اهون الاحتمالات ستواجه التشهير والعزل والطرد من المجتمع
والفيسبوك يعطيك الفرصة لأن تخرج منه من الباب لتدخل فيه كرّة أخرى من الشباك، بإسم أخر وصورة جديدة وشخصية جديدة تبدء بها رحلة المعرفة من جديد
نظام الكرّات بالفيسبوك جميل جدا سيعينك على الغاء عامل الخوف والتقية السلبية.ـ
وصلّى الله على خير خلقه أجمعين محمّد وآله الطّيبين الطّاهرين
.