*79* لو علم الناس كيف كان ابتداء الخلق لما اختلف اثنان

  • Creator
    Topic
  • #1375
    Tasneem
    Keymaster
    • المشاركات: 2,176
    بسم الله الرحمن الرحيم
    اللهم صل على محمد وآل محمد
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    لو علم الناس كيف كان ابتداء الخلق لما اختلف اثنان

    علي بن الحكم ، عن أبان ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : لو علم الناس كيف كان ابتداء الخلق لما اختلف إثنان . يقية الرواية

    فأي اختلاف يقع بيننا إذن في الخلق وفي قصة الخلق فإن أساسه هو أننا لا نعلم حقيقة بما جرى أول الخلق، ولا نعلم كذلك بأننا لا نعلم

    والرويات الشريفة تقول لنا أننا وبإرادتنا اخترنا منذ البدء كل تفاصيل حياتنا وكل ما يخص اختباراتنا وابتلاآتنا كذلك في هذه الحياة الدنيا ، ولو اننا عرفنا ذلك لما اختلفنا فيها ولما لُمنا الواقع والمجتمع والشيطان والملائكة والحظ والدهر والزمن والنصيب والوقت والبخت، ولما لعنّا أيا منهم أبدا

    فلو اننا عرفنا كيف تم الخلق لعشنا حالة الرضى بكل جوارحنا، ولعشنا حالة الرضى بكل ما وقع وسيقع علينا، وما جرى وسيجري لنا، ولما فرحنا حينها ولما حزنا أبدا، ولكان صبرنا دائما وأبدا يناهز صبر أيوب

    هذه هي الحالة التي طلب الأئمة سلام الله عليهم أجمعين منّا أن نكون عليها،

    طلبوا ذلك منا لا بلسان المقال ولكن بلسان الحال،

    فحالهم ومقامهم هو مقام الرضى، ومن هذا مقامه فهو لا يريد ولا لا يريد، ولكنه راضي بما يجري معه دائما وأبدا،

    فهو لذلك لا يختلف مع أحد أبدا، سواء كان ذلك الأحد شخص في حياته، أو ظرف مكاني أو زماني أو حادث حدث له أو عليه

    من يعلم بما جرى وكيف تم الخلق سيعيش حالة الرضى لأنه سيدرك حينها أنه هو وبإرادته ومنذ البدء قد صمم حياته بكل تفاصيلها،

    ولكن كيف صممها بإرادته؟ هل جلس وكتب بالقلم قصة حياته الدنيوية وما قبلها، ومماته وما بعده بكل تفاصيلها؟

    اعتقادي بذلك هو نعم، فكل واحد منا كتب بقلمه قصة حياته كاملة،

    ولكن ما هي طبيعة هذا القلم؟

    انه المشيئة، انها ارادتي وإرادتك الحرة التي تختار واختار بها ما أريد، هذا هو القلم

    ولكن ما هو الحبر إذن؟

    انه جنود العقل والجهل، فبهما سأكتب كل قصة حياتي كاملة، وسأختار كنفس ناطقة قدسية بإرادتي مجموعة معينة ومحددة من تلك الجنود لكي أخوض بها تجربة حياتي كاملة، وسأبقى حتى النهاية صادق مع نفسي باختياراتي،

    ولكن من أين جاء هذا الحبر في قلمي؟

    ومن أين استقت مشيئتي العلم بتلك الجنود لكي تختار منها ما تريد؟

    خلق الله بحر ملح أجاج ونهر فرات عذب فألهمنا وقال إملئوا منها أقلامكم واكتبوا بها وجودكم الأول، وتذكروا أنه قد أفلح اليوم من زكاها وقد خاب من دساها، فانكببنا حينها عليها نأخذ من هذه ومن تلك، او من هذه أكثر ومن تلك أقل

    أو من تلك أكثر ومن هذه أقل،،،، حتى أذا انتهينا من تجندنا بما نشاء منها جف القلم، وما كان هناك سيكون هنا، ومن كان سعيدا هناك سيكون سعيدا هنا، ومن كان شقيا هناك سيكون شقيا هنا،

    ولكن باب الإنابة لمن اختار الشقاء هناك سيبقى لهم مفتوح طوال الطريق

    فيمكنني دائما وأبدا وفي أي مرحلة من أن أبدل اختياراتي، ولو انني تاليا  شعرت بأنها اختيارات سيئة، فأمامي باب الإنابة مفتوح، وسيمكنني التراجع، وسيمكنني كنفس ناطقة قدسية تبديل الإختيارات والإختبارات والإبتلاآت أيضا، ولكن بشرط أن أقتنع حقا بأن تلك الإختيارات التي اخترتها لنفسي هي سيئة بالفعل،

    فأناْ كنفس ناطقة قدسية لا أستطيع الكذب أبدا على نفسي،

    فما دمت أستطعم البخل لن يمكنني أن أقول أنني أكره البخل وأحب الكرم، ولو ان أحدا اعطاني كنوز الأرض لكي أترك البخل لما قبلت بها إلا لكي أبخل بها،

    ولو كنتُ كريما وأُعطِيت كنوز الأرض لكي أبخل بها لما أخذتها او حتى نظرت إليها

    فكل واحد منا يحب الجنود التي تجند بها او الصفات التي يتصف بها حبا جما،

    ولو خُيّرنا بينها وبين جنود او صفات شخص آخر نحبه ونحب صفاته لما قبلنا بغير صفاتنا أبدا،

    فكل واحد منّا إنما يمثل نفسه القدسية وإنما هو صورة تصوراتها العقلية لنفسها

    ومن يقول منا بغير ذلك فهذه صفات الأنبياء من أمامنا فلنتصف بها إن كنّا صادقين،

    نعم نحن نحب أن نتصف بها، ولكنّ أوديتنا لا تتسع لها، اوديتنا التي صممتها لنا نفسنا الناطقة القدسية لا تتسع لأكثر من هذا، وهذا هو فقط قدر احتمالها، ولا قدرة لها حاليا على احتمال اكثر من قدرها

    ولو سألت أي رجل هل تريد أن تتصف بصفات زوجتك مهما كانت صفاتها جميلة وأن تحتفظ معها بجسدك؟ لرفض ذلك من فوره،

    ولو سألت أي امرأة نفس السؤال ونفس الشروط لرفضت كذلك، فالكل يحب نفسه كما هي، ويحب صفاته كما هي،

    ورغم انه يستطيع أن يجعل صفاته وأخلاقه أفضل لكنه يختلق الأعذار والحجج المختلفة لكي يحافظ عليها كما هي بدون تغيير

    الكل يرى نفسه جميل، والكل يريد أن يحافظ على أناااه كما هي، لأنه يعتقد أنه هو من رباها وأوصلها بعد جهد جهيد لما وصلت أليه، فلماذا يريد إذن أن يغيرها بعد كل ذلك التعب؟

    لو عرفت وتأكدت من أنني وحدي في الدار، بل انني أنا هو الدار وأنا هو الديار كذلك، فلماذا سألوم غيري وأختلف معه

    في لحظة الإلهام لتلك الجنود وفي لحظة الإختيار لتلك الجنود لم يكن هناك من يريد أن يؤثر علينا،

    ولم يكن هناك من يفكّر في أن يؤثر على اختياراتنا،

    ولم يطلب حينها منا احد أن نختار هذا الجندي أو أن نمتنع عن ذاك،

    فلقد عرضت علينا تلك الجنود ونحن فرادى فاخترنا لنفسنا منها ما نشاء بحرية تامة وبدون أي مؤثر خارجي،

    في لحظة الإختيار تلك كنا مجرد أشباح بلا ألوان أو ظلال، كنا كأوعية زجاجية فارغة من أية أشربة أو مواد ذات ألوان،

    كنا مجرد مظاريف حية فارغة جدرانها العلم والقدرة والحياة وأبوابها المشيئة،

    او يمكنك أن تشبهها ببرامج مبرمجة على حرية الإختيار ولكنها فارغة من أي اختيارات،

    برامج مستعدة للإنطلاق بالاختيارات ولكنها تقف في مكانها عاجزة عن الحركة والاختيار لأنها لا علم لها بأي شيء،

    وهي حينها كبرامج أو كأوعية حية يمكنها أن تختار لنفسها من الألوان ما تشاء لتتلون بها،

    ولكنها لا علم لها بالألوان ولا بماهية الألوان،

    فهي مصممة لكي تختار ولكن تنقصها الإختيارات، تنقصها المواد، أو تنقصها الألوان،

    وجنود العقل والجهل هنا هي تلك المواد، وهي تلك الألوان، وهي تلك الإختيارات، وهي تلك المعتقدات التي ستختار منها لنفسها ما تشاء

    حينها ألهمها فجورها وتقواها، فعرض عليها تلك الجنود، جنود العقل والجهل، أو عرض عليها تلك الألوان فسارعت بقلم المشيئة بكتابة ما تريده منها لنفسها على صفحة وجودها،

    وسارعت بريشة الإرادة بتلوين صورتها من تلك الألوان التي ألهمها الله إياها إلهاما، وسارعت لملئ أوعيتها بمختلف أنواع وألوان الأشربة

    ومن تلك اللحظة بدأت تلك الجنود بالصراع والقتال في ما بينها لكي تستولي على ذلك الكيان الذي اختارها بنفسه لنفسه، واختارها لكي يصبغ بها إنائه ووجوده

    هذا هو جوهر الصراع الذي نعيشه، وهذا هو جوهر الجهاد الأكبر الذي كتب علينا أن نخوضه

    فهل عرفت من عليك أن تجاهد؟

    بما أن الصراع والجهاد هنا هو صراع داخلي وجهاد داخلي فتكون النتيجة أن أصل الإنسان تتجاذبه عدة أطراف تتحارب فيما بينها من أجل السيطرة على أصل ذلك الأنسان، ومن سيغلب منها في تلك الحرب سيصطبغ ذلك الأصل الإنساني موضع النزاع والحرب بصفاته ومميزاته،

    ستقول وأي من تلك الأطراف هو أنا؟

    الجواب هو أنك لست أيّها، ولكنك منها بموضع المركز، مثلك مثل من يقف في أي مكان في الأرض، فإذا وليت وجهك للمشرق وتطلعت إليه باشتياق وتوجهت نحوه صرت توصف بأنك مشرقي الهوى، وإذا وليت وجهك للمغرب وتطلعت اليه باشتياق وتحركت إليه ستوصُف حينها بأنك مغربي الهوى،

    من المهم أن تعرف من أنت، فأنت غير من يتنازعون عليك، أنت لست الشرق، وأنت لست الغرب، وأنت لست الشمال، وأنت لست الجنوب، ولكنك من يستطيع أن يتطلع ويتوجه ويتحرك إلى كل ذلك أو الى أي منها،

    أنت بدون تلك الجهات وعلمك بوجودها مجرد طرف محايد، ولولا وجود تلك الجهات لما اتصفت بأي منها، ففي بدء خلقك كنت محايدا، لا تعلم شيئا، نعم تستطيع أن تختار، ولكنك لا تعلم أي شيء لتختاره، لقد كنت محايدا لأنك كنت جاهلا، وأصبح لزاما عليك أن تختار فقط بعد أن ألهمت العلم،

    وهذا الإلزام ليس إلزام تشريعي بل إلزام تكويني، فلقد خـُـلقت لكي تختار وأ ُلهمت العلم لكي تستطيع أن تختار، فأنت هو ذلك المحايد الجاهل الذي لا يعلم شيئا على الاطلاق وكل ما عداه هو مضاف إليك وغريب عنك، أنت هو ذلك الوعاء الشفاف الفارغ وكل ما سيصبّ بالوعاء هو غيرك ومضاف إليك،

    فإذا كان المضاف أحمر قيل أن الوعاء أحمر، وإذا كان المضاف أزرق قيل أن الوعاء أزرق، وإذا كان أخضر قيل عنه أخضر، تلك الألوان هي من تتنازع على الفضاء الفارغ بك أيها الوعاء، تريدك أن تتلون بإرادتك بلونها، وتريد أن يكون طعمك طعمها، وأن يكون ملمسك ملمسها، فبدونك لا حياة لها، وبدونك لا وجود لها،

    وبدونك أيها الوعاء ستبقى تلك الألوان مجرد مفاهيم عقلية لا وجود فعلي لها، وهي تريد أن يكون لها وجود من خلال وجودك أنت، ولا طريق لها للظهور الا من خلالك، فلذلك هي تريدك أن تصطبغ وتتلون بألوانها المختلفة

    فهل عرفت الأن من يجب عليك أن تجاهد؟

    يجب عليك أن تجاهد تلك الألوان، تلك الجنود التي تريد أن تستولي عليك، على كيانك وعلى كل وجودك

    وهل عرفت الآن لماذا يجب عليك أن تجاهد؟

    يجب عليك الجهاد لكي تحافظ على نفسك كما كنت وكما خُلقت أول مرة، شفافا لا لون لك

    يجب أن تصبح مثل نور الشمس، فرغم أن به كل الألوان لكنه لا يزال شفاف ومجرد وعاء يجمعها.

    يجب عليك أن تزكي نفسك من جنود الجهل فلا تتصف أو تتجند بها،

    وأن تزكي نفسك من جنود العقل فلا تنسبها لنفسك،

    فلست أنت الكريم ولكن كرم ربك الأعلى جرى على يديك، ولست أنت الصادق ولكن اسم الله الصادق تجلى بك، ولست أنت القوي ولكن اسم الله القوي تجلى بك، ولست ولست ولست ولست ولست، فانت مجرد طريق يتجلي به ربك العظيم بصفاته وأسمائه من خلاله، وانت مجرد كيان امتلأت أركانه بأسماء الله وصفاته

    والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    .

    وصلى الله على المصطفى المختار محمد وآله الأطهار

  • The forum ‘بحوث طالب التوحيد’ is closed to new topics and replies.