الأصل والسبب لنشوء المغالطات في علم التصوف
5- الحلقة الخامسة: الأدلة على مركزية العقل في الفهم
بقلم الفقير لله تعالى: أحمد يوسف نده
طرطوس- الشيخ بدر: 17-11-2016م
…………………………………………………….
بعض أن عرضنا فكرة القوم وأدلتهم.. نأتي إلى تلك الأدلة واحدة تلو الأخرى لنرى معناها بشكل واضح.. مبتعدين عن التفسير السطحي للقرآن.. مستعينين في ذلك بالله تعالى.. عليه توكلنا وهو نعم الوكيل:
نحن نقول أن القلب ليس جهاز الفهم والتعقل بل هو قناة وأداة معرفية.. ونستدل على ذلك بنفس أدلة القوم.. فهي حجة لنا لا لهم.. ولكن خوفاً من الإطالة سنبدأ بأقوى دليل عندهم لنجيب عليه.. لأنه إذا عُرف الجواب فإن بقية الأدلة ستصبح واضحة جداً:
.
1- قوله تعالى في سورة الأعراف آية 179: ((لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعينٌ لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضلُّ سبيلاً أولئك هم الغافلون))..
فهم يقولون: هذه الآية تصرح وبشكل واضح بأن القلب هو جهاز الفهم والفقه.. وهو أسمى من العقل.. لأنَّ القرآن صرَّح بأنَّ القلب هو الذي يفقه ويفهم ويتدبَّر.. فإذا توقَّف عقلك وعجز فعليك بالقلب.. لأن القرآن يؤكد على دور القلب لا العقل..
(الجواب): للأسف هذا سببه السطحية في فهم القرآن.. وعدم تدبُّر آياته.. ولتوضيح ذلك نقول:
كلنا يعلم أن هذه الآية وأمثالها موجهة للكفار والمشركين والمنافقين..
وهنا سؤال يطرح نفسه: هل كان هؤلاء الناس عميان وطرشان أم كانوا يسمعون ويبصرون؟؟!!!
والجواب: لقد كانوا بشر سالمي الحواس يسمعون ويبصرون.. وإلا كيف يخاطب النبي شخص أطرش ولا يسمع..
.
فنقول: إذاً كيف يقول القرآن لا يسمعون ولا يبصرون؟
والجواب سهل: فقد جاء في أغلب التفاسير أنهم لا يسمعون على نحو الفهم والاتعاظ.. ولا يبصرون على جهة الاعتبار..
.
فنسألكم هنا: فهل الأذن والعين هي التي تتعظ وتعتبر؟
والجواب واضح: قطعاً مستحيل.. فالأذن والعين أداتين وقناتين تنقلان الأصوات والأنوار.. أما الفهم والاتعاظ والإدراك فهو من وظيفة العقل..
وهنا نقول لهم: وهذا ينطبق على القلب: فالقلب قناة لدخول المعارف الغيبية.. ولكنهم لم يُعملوا عقولهم في فهم تلك الحقائق والعقائد والمفاهيم والمعاني..
ودليلنا أن الآية انتهت بتشبيههم بالأنعام.. والفرق بين الإنسان والأنعام هو العقل.. فمن لا يستخدم عقله في فهم الصحيح من القول والاعتبار مما يجري في الواقع.. فهو كالحيوان والأنعام التي لها آذان وأعين وقلوب ولكن لا عقل لها كي تفهم.. بل هم أسوأ لأن الحيوانات لا عقل لها حتى تفهم.. أما هؤلاء فقد خلق الله لهم عقلاً ولكنهم لم يستخدموه..
.
2- الدليل الثاني: قوله تعالى ((أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها))
فمعناه: ((أفلا يتدبرون القرآن)) بالعقل.. ((أم على قلوب أقفالها)) بسبب وجود الهوى والوساوس والشهوات التي ملأت القلب بالشوائب والنجاسات فأصبح مقفلاً ومغلقاً في وجه تلك الإشراقات والعقائد.. فإنه لن يصل شيء للعقل.. وبالتالي لن يتدبر القرآن بشكل صحيح.. وهذا الدليل يؤيدنا لأن القفل لا يكون إلا على الباب.. فالقلب باب وممر ومنفذ كما بيَّنَّا..
.
3- الدليل الثالث: قوله تعالى: ((أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوبٌ يعقلون بها))..
فهي تصبح واضحة حسب البيان الذي ذكرناه.. أي أن الله تعالى خلق لهم قلوب تنقل لهم المعارف والعبر.. ولكنهم لم يتعقَّلوا ما وصل إليهم من معارف ولم ينتفعوا بها.. كأولئك الذين لهم آذان لا يسمعون بها.. أي لا يتعقلون ولا ينتفعون بما يصل إليهم من مواعظ وكلام وأقوال..
.
4- الدليل الأخير: قوله تعالى ((إلاَّ من أتى اللهَ بقلبٍ سليم)) ((وإن من شيعتِهِ لإبراهيم *إذ جاء ربَّه بقلبٍ سليمٍ))..
ومعناه أن القلب هو العضو الذي يتعلَّق وينجذب نحو من يحب.. وسلامة القلب هي عدم انجذابه لأي شيءٍ سوى الله.. وهذا يؤكد قولنا بأن القلب بمثابة قناة ومستقبل.. فهذا المستقبل إن لم توجهه إلى المصدر الإلهي فإنه لن يستقبل شيئاً من الغيبيات.. بل سيكون موجهاً إلى الدنيا وملذاتها ومشاغلها.. فعلى الإنسان توجيه قلبه لله تعالى وحده ليكون قلبه سليماً.. ثم ينتظر تلك الإشراقات الربانية لتعرض على عقله.. فعندها يفهم عن الله العلوم الملكوتية والمعارف الربانية…
………………………..
– أما الأدلة التي تثبت أن القلب قناة معرفية وليس جهاز للفهم والتدبر:
.
1 – الدليل الأول: هو أن الله تعالى يذكر القلب دائماً مع السمع والبصر كقوله تعالى ((إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولاً)) لأن الله سيسألك عن هذه الأدوات التي أعطاك إياها.. وأنها نقلت لك وبأمانة كل المعارف الموجودة في عالم الغيب والشهادة.. فلِمَ لَمْ تتعقَّلها وتتأمل بها وتتدبرها؟؟؟!!!
.
2 – الدليل الثاني: قوله تعالى ((من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد))..
فهذا يدل على أن المنافذ هي القلب والأذن والعين.. وأفرد القلب لأنه منفرد بعالم الغيب.. أما السمع والعين فمختصَّة بعالم الشهادة (ألقى السمع وهو شهيد)..
.
3 – الدليل الثالث: قوله تعالى ((وجعلنا على قلوبهم أكنَّةً أن يفقهوه وفي آذانهم وقراً))..
فهذا من أكبر الأدلة التي تؤيد كون القلب قناة معرفية كالأذن التي فيها وقر أي ثقل.. فكأنه شخص ثقيل السمع.. فالله يطبع على القلب ويجعل عليه ران أو أكنة بمعنى الحجب التي تمنع من دخول الإشراقات إلى العقل فلا يفقهون شيئاً.. وقوله تعالى: ((وطُبع على قلوبهم فهم لا يفقهون))..
.
4 – الدليل الرابع: قوله تعالى: ((وقالوا قلوبنا غلفٌ))..
فجاء في تفسير الآية أن الغلف جمع أغلف أي أغشية.. وهذه الأغشية تمنعها عن استماع الدعوة.. يقال: غلف الشيء أي جعل له غلافاً.. وبالتالي منع من مرور المعلومات من القلب وسد طريقه..
.
وبهذا يثبت لنا أن القلب هو القناة التي توصل المعلومات.. فكما أن العين إذا علاها الغبار فإنه يمنعها عن الرؤية فلا يستطيع العقل الحكم على ما يحصل أمامه.. كذلك القلب إذا امتلأ ببخار الشهوات ودخان الأهواء وغبار العصبيات والسخافات والماديات فإن ذلك سيؤدي إلى إقفاله.. وإقفاله يعني سد هذا الباب المفتوح على عالم الغيب.. وعندها لن ترد إليه إشراقات.. وبالتالي لن يصل شيء للعقل حتى يفهم.. فيضطرب ويضل ويقع في المهالك..
أما الأدلة التي تؤيد أن العقل هو الجهاز المسؤول عن الفهم والتدبر والتفقه والتعقل.. فإلى الحلقة الآتية… والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
……………………………………..