- This topic has 0 replies, 1 voice, and was last updated 5 months, 2 weeks ago by .
-
Topic
-
يقول الشيخ سيدي احمد بن مصطفى العلاوي رضي الله عنه في هذا المبحثين من كتابه مفتاح الشهود في مظاهر الوجود
حمدا لمن نور بصائر العارفين بالشهود والعيان حتى شاهدوا غوامض الجبروت في ظواهر الأكوان، وكشف لهم الحقّ عن حقائق ما يكون والذي كان، وكسا قلوبهم حلّة الإيمان والإيقان، أحمـده جلّ شأنه على معرفته الجامعة لنواميس العرفان، وأشهد أن لا إله إلاّ الله الواحد في أزليّته وما زال، المتصف في ذاته بالكبير المتعال، المنزّه في عظمته عن الشبيه والمثال، المتقدّس في أحديّته عن الصور والأشكال، إنّما تقع الأشكال لمن فيه الأشكال، وتضرب الأمثال لمن له مثل في ذاته ومثال، وأمّا الظاهر الذي لم يثبت مع ظهوره صورة ولا خيال. فهل يكون للحسّ معه من مجال، إذ لو كان مع ظهوره ظاهر لما اتصف بالصمدانيّة والجلال، جلّت عظمته أن تتكيّف بالكيف أو تضرب لها الأمثال، كيف تتكيف بالكيف والكيف في حقّه محال وأشهد أنّ سيدنا ومولانا (محمد) مظهر الجمال، ومنتهى المجد وذروة الكمال، شهادة عبد مخلص في حبّه صادق في ودّه، واثق ل (محمد) بعهده صلّى الله عليه وسلّم وعلى آله، وأهل نصرته ما دامت البواطن تنهل من ورده، والظواهر متمسّكة بشرعه، قائمة بأمره.
المبحث الاول :
أقول: كثرة العوالم لا تحصى وعددها لا يستقصى فهي جند الله الأعظــم (وما يعلم جنود ربّك إلاّ هو/ المدثر آية / 3 1)، إلاّ أنّه جاء في الخبر ما يدل على الحصر أنّ لله ثمانية عشر ألف عالم كعالمكم هذا قيل إنّ الدنيا والأخرى عالم واحد ولعلّ المراد بالحصر المبالغة في الكثرة، لأنّه ورد في بعض الأحاديث ما يزيد لى هذا العدد وعلى كلّ فينبغي للعاقل أن يمعن النظر ويعتبر فيما حواه الأثر قال تعالى: (فاعتبروا يا أولي الأبصار/ الحشر آية / 2)، وما مدحت الأفكار إلاّ لانتخاب الجواهر والأسرار وورد أنّ تفكّر ساعة أفضل من عبادة سنة، وقد ذكر الغزالي رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على أصحابه ذات يوم وهم يتفكّرون فقال: (ما لكم لا تتكلّمون فقالوا نتفكر في خلق الله عزّ وجلّ قال: فكذلك فافعلوا تفكّروا في خلقه ولا تتفكّروا فيه فإنّ بهذا المغرب أرضا بيضاء نورها بياضها وبياضها نورها مسيرة الشمس فيها أربعون يوما بها خلق من خلق الله عزّ وجلّ لم يعصوا الله طرفة عين، قالوا يا رسول الله: فأين الشيطان منهم ؟، فقال: لا يدرون خلق الشيطان أم لا، فقالوا: من أولاد آدم؟، قال: لا يدرون خلق آدم أم لا) ذكره الغزالي في (جواهر القرآن)، وفي هذا الحديث ما يدلّ على اتساع ملك الله عزّ وجلّ وعظيم سلطانه.
المبحث الثاني : قوله تعالى الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن / الطلاق آيــة / 12
تعيّن بيان ما يتعلّق بالأراضي السبع وبيان مواقعها بين السّماوات لأنّ النصّ الصريح دلّ على وجودها كما دلّ على وجود السماوات السبع قال تعالى: (الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن / الطلاق آية / 12)، وإنّي لا أرى في التنزيل ما يدلّ صراحة على الارضين السبع غير هاته الآية، وإن ذكرت مجملة فهي في غاية البيان المستفاد من تشبيهها بالسّماوات ووجه الشبه بينهما هو تسلّط الخلق عليهما واستواء العدد في كلّ منهما ويستفاد أيضا من قوله تعالى: (يتنزّل الأمر بينهن / الطلاق آية / 12)، انفصال الأرضين عن بعضهما، والمعنى أنّ كلّ أرض مستقلّة بنفسها كما هو قول الجمهور من أهل السنّة بقطع النظر عمن اعتاد الجحود واتخذ معتقده قصص اليهود، فإنّه لا يكاد يفقه حديثا إنّما يذكر أولو الألباب، قال في روح البيان باختصار: إنّ ما بين كلّ أرض من الأرضين السبع كما بين السماء والأرض، وفي كلّ أرض خلق من خلق الله، وعبّر القرطبي عن هذا القول بالأصح، قلت: لأنّه المنصوص عليه في عدّة أحاديث، ومنها ما نقل في (روح البيان) أيضا من حديث طويل عن أبي هريرة رضي الله عنه آخره أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال لأصحابه: (هل اتدرون ما تحتكم؟، قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: فإنّها الأرض، ثمّ قال: فإنّ تحتها أرضا أخرى بينهما مسيرة خمس مائة سنة، ثمّ قال: والذي نفس محمد بيده لو أنّكم دليتم رجلا بحبل إلى الأرض السفلى لهبط على الله، ثمّ قرأ : هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكلّ شيء عليم / الحديد / آية / 3 ) رواه الترمذي في سننه، فاستفدنا من ذلك ما استفدناه من طباق السّماوات فكما أنّ لكلّ سماء محلا كذلك لكلّ أرض لها مستقرّ، وملكه تعالى أوسع لو كانوا يعلمون وهذا ما ذكره البخاري وغيره عن كعب أنّه حلف بالذي فلق البحر لموسى أنّ صهيبا حدّثه أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم لم ير قرية يريد دخولها إلاّ قال حين يراها: (اللّهم ربّ السّماوات السبع وما أظلت وربّ الأرضين وما أقلت الخ الحديث …) رواه الترمذي في سننه، فدلّ على أنّ كلّ أرض لها استقلال.
وإذا فهمت ما صرحت به الأذكار فاجعله سلما، لتتوصل به إلى سماء الأفكار، قال تعالى: ( فاعتبروا ياأولي الأبصار/ الحشر آية / 2)، فبطون الحقائق في الشرائع كبطون الزبدة في اللبن فبالأخص يظهر ما خفي، وإلاّ فما فائدة النقول إذا لم تصاحبها العقول وخلاصة الكلام دائرة على ما تقدّم من قوله تعالى: (الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن / الطلاق آية / 12)، والمعنى أنّ كلّ أرض تماثلها سماء لتحصل المقابلة والتزاوج بينهما لأنّ حكمته تقتضي من كلّ شيء زوجين اثنين (ومن كلّ شيء خلقنا زوجين لعلّكم تذكرون / الذاريات آية / 49)، فكما خلق سماء وسوّاها خلق منها زوجها لقوله: (والأرض بعد ذلك دحاها / النازعات آية / 30)، أي في دائرة سمائها، وهكذا كلّ أرض أرساها وأخرج منها ماءها ومرعاها متاعا لما فوقها، ولهذا قلنا كلّ أرض محتاجة لسماء ليتنزّل الأمر بينهن، وستفهم إن شاء الله ما أجملناه أن استصحب فكرا سليما مع ما سنذكره من المعارج التمثيليّة، أقول: ثبت فيما سبق أنّ السماء محيطة بالأرض من كلّ ناحية إحاطة الجوزاء بلبها، والأرض ممسوكة فيما بين ذلك والمسافة التي هي بين السماء والأرض من جهة العلو فهي كذلك من جهة الأسفل، أو نقول من الجهات الست فاستحضر هاته الهيئة في خيالك يتبدى لك أنّ جرم الأرض معلّق بين ذلك لا ممسك له إلاّ الله، ثمّ انفصل عنه وتنح إلى الأرض السفلى واستحضر كأنّك هناك مستقر، ثمّ ارجع البصر إلى المحل الذي تدليت منه، والحالة أنّ ما بينك وبينه خمسمائة عام فهل ترى فيما يصل إليه بصرك من فتور كلا (ثمّ ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير/ الملك آية / 4)، والمعنى إنّك لا ترى إلاّ الجو مستويا، ولا ترى من جرم الأرض إلاّ كما ترى الآن أحد الكواكب بسبب ما لها من الضياء، وإلاّ فلا ترى رأسا لبعد المسافة، وعليه فلا تحصل حينئذ إلاّ على رؤية السماء مرصّعة بالكواكب كعادتها والأرض جوهرة من جواهرها، لأنّ بعد المسافة يصير الأجرام مستوية المنازل، وإن اختلفت مواقعها.
وما من أرض إلاّ ولها فلك سّماوي، أو نقول مستقرّا علميّا بالنسبة لمن تحبّه، والله يعلم مستقرّها والراسخون في العلم وعليه فيكون مستقرّها بالنسبة لها فلكا، وبالنسبة لمن تحتها سماء حيث ترى عقدة في مستوى الآفاق ومن هنا وهكذا ما تحتها من الأرضين فكلّ أرض مدحوّة في سمائها إلى منتهى السبع سماوات، ويشهد لهذا ما تقدّم من أنّ ما بين السماء والأرض من جهة الأسفل مساو لما بينهما من جهة الأعلى إلى خمسمائة عام، وهاته المسافة هي التي ثبتت فيما بين الأرض والأرض السفلى في حديث أبي هريرة رضي الله عنه، ولمّا اتحدت المسافة لزم اتحاد الجرمين أي جرم الأرض السفلي مع جرم السماء من جهة الأسفل، وعليه فتكون الأرض ملتصقة على صفحات السماء، ولا مانع حينئذ من أن يكون هو مستقرّها، أو يكون فلكا لها، ومن المعلوم أنّ لكلّ جرم مستقرا وجاذبيّة تمنعه من السقوط وهي وظيفة الأفلاك السّماويّة والمحيطات الدوريّة، وإذا تعذّر عليك إدراك ما أشرنا إليه فدونك معراجا لتتوصل به، وذلك أنّه تقدّم لك ما يدلّ على أنّ السماء محيطة بالأرض ممّا يمنعك من أن تدرك الشق الأسفل منها، ولعلك تقول جرم الأرض، فأقول: نعم، هو الذي سدّ عليك ما يمكن إدراكه من الشق الأسفل من السماء، وعليه لو قدرنا زوال جرم الأرض من مكانه والله قادر على إزالته فمن المتعيّن أن يقع بصرك على ماهية السماء من جهة الأسفل، وإذا تعلّق بها البصر فماذا يرى منها ؟، فهل يرى أكثر ممّا يراه الآن من جهة العلو، كلا، إنّما يرى الكلّ سماء حيثما سار ولا يرى في الأرض السفلي التي هي تماثل السماء في بعد المسافة إلاّ كما يرى الآن من أحد الكواكب بالنسبة لما لها من الضياء المكتسب من مقابلة الشمس لها كما تقدّم في غيرها من الأجرام السّماويّة، وإذا كانت كذلك فلا محالة تكون مختصة بسمائها، وهكذا غيرها من الأرضين السبع باختصار.
وفيه أيضا ما يدلّ على أنّ العوالم السابقة خارجة عن عالمنا هذا، بل لا خبرة لهم به (لكلّ امريء منهم يومئذ شأن يغنيه / عبس آية / 37)، وعليه فمن اعتقد أنّ العوالم جميعها منحصرة في هاته الكرة الأرضيّة فقد عظمت في نظره عظمة صدّته عن عظمة الله حيث لم يلتفت لما عند الله في الخارج عن هذا العالم، قال عليه الصلاة والسلام: (إنّ لله ملكا لو قيل له التقم السّماوات السبع والأرضين بلقمة لفعل تسبيحة سبحانك حيث كنت) نقله في (روح البيان).
- You must be logged in to reply to this topic.