وضع النقاط على الحروف

  • Creator
    Topic
  • #1446
    Tasneem
    Keymaster
    • المشاركات: 2,176
    الأصل والسبب لنشـوء المغـالطـات فـي عـلم التصوف
    10- الحلقة العاشرة والأخيرة: وضع النقاط على الحروف
    بقلم الفقير لله تعالى: أحمد يوسف نده
    طرطوس- الشيخ بدر: 28-7-2018م
    ……………………………………………………….
            بسم الله الرحمن الرحيم
    .
    وهنا سنشير إلى أصل أصول المغالطات في علم التصوف والعرفان بل وحتى في العلوم الفلسفية.. والسبب في ذلك عدم فهم الآيات الكونية والآفاقية.. لأن العقليات والغيبيات لا يمكن الارتقاء إليها إلا من باب الحسيات.. ومرايا الأنفس لا يمكن صقلها واستخراج كنوزها إلا عن طريق العبور إليها من قنطرة الآيات الآفاقية..
    وللأسف فإن إهمال الطبيعة وعلومها من قبل الفلاسفة المحدثين والصوفية المبتدئين لهو أصل السبب في عدم بناء المنظومة الفكرية الصحيحة انطلاقاً من حجر أساس متين وراسخ.. ونحن هنا سنبين كيف تنعكس المنظومة الآفاقية الفلكية على المنظومة الأنفسية ونثبت بواسطتها ما قلناه في هذه الحلقات وما أشرنا إليه من أدلة عقلية ونقلية.. مثبتين في ذلك ما روي عن أمير المؤمنين ع:
    (وتحسب أنك جرم صغير…..وفيك انطوى العالم الأكبر):
    ………………………………
    أولاً- (عالم النفس):
    .
    من المتعارف عند الفلاسفة أن للنفس خمس حواس ظاهرة.. وخمس حواس باطنة.. تجتمع وتلتقي كلها في لوح الحس المشترك.. أما الحواس الظاهرة.. فهي السمع والبصر والشم والذوق واللمس..
    وإن لهذه القوى النفسانية مظاهر في نشأة البدن الطبيعي.. فلكل حاسة ظاهرة بيتان وأداتان.. فلحاسة السمع أذنان.. ولحاسة البصر عينان.. ولحاسة الشم فتحتان في الأنف.. ولحاسة الذوق بيتان أحدهما الفم والآخر الفرج فكلاهما بيت الشهوة.. ولحاسة اللمس يدان..
    وأما الحواس الخمس الباطنة فهي: الحس المشترك والخيال والوهم والحافظة والعاقلة…
    والروح هي التي تشرق على تلك المراتب.. داخلة فيها من غير حلول.. خارجة عنها من غير مباينة ولا أفول.. بل هي مشرقة عليها والكل قائم بها..
    والقوة العاقلة في النفس الإنسانية تنقسم إلى قسمين: العقل النظري المتعلق بالتفكير والحفظ والتأمل.. وأداته ومظهره وبيته هو الدماغ.. والعقل العملي المتعلق بالضمير والإيمان والعزيمة والإرادة والمشاعر والوجدانيات والعواطف من خوف وقلق وانجذاب وحب ونفور وكره وبغض.. له مظهر في نشأة البدن وهو القلب..
    …………………………………
    ثانياً- (التقابل بين الفلك والنفس):
    .
    وهذه الأمور الموجودة في نفس كل إنسان لها مثال في عالم الأفلاك والآفاق.. فالحواس الخمس الظاهرة هي مظاهر وانعكاسات للكواكب الخمسة السيارة..
    والحواس الخمس الباطنة كذلك: فالحس المشترك نعبر عنه بالفلك وقبة السماء الجامعة والمحيطة بكل الأجرام.. والخيال والوهم والحافظة هي الكواكب البعيدة التي لا ترى بالعين المجردة.. وهي التي اكتشفها العلم الحديث بواسطة التلسكوب وهي أورانوس ونبتون وبلوتو..
    وأما العاقلة فهي قسمان كما قلنا.. العقل النظري ويتمثل بالشمس ومن هنا جاءت تسميتها بذكاء.. فمن كان قوياً في عقله فهو ذكي أو حاد الذكاء.. والعقل العملي ويتمثل بالقمر..
    .
    ومن المتعارف في علم الفلك منذ القدم أن الكواكب والشمس والقمر تسير في دائرة البروج الاثنا عشر.. وأن لكل كوكب بيتان وبرجان كما أن لكل حاسة بيتان وأداتان.. أما الشمس والقمر فلكل منهما برج واحد.. فبيت الشمس هو برج الأسد ويقابل الدماغ في الرأس.. وبيت القمر هو برج السرطان ويقابل القلب في الصدر..
    وأما الأرض التي نعيش عليها والتي تتكون من العناصر الأربع (النار والهواء والماء والترب).. فهي تقابل البدن الطبيعي المكون من الأمزجة الأربع..
    ………………………………
    ثالثاً- (تطبيق نظريات الفلك على عالم النفس):
    .
    أي تطبيق الآيات الآفاقية على ألايات الأنفسية ليتبين الحق في كيفية السلوك العرفاني والصوفي:
    فالثورة العلمية في علم الفلك التي أدت إلى انقلاب عظيم من نظرية بطليموس حول مركزية الأرض إلى نظرية كوبرنيكوس حول مركزية الشمس.. وهذا ما يجب على الإنسان أن يطبقه من خلال سلوكه العرفاني.. فالمريد والسالك عليه أن يحدث ثورة في سلوكه وغاياته وأهدافه.. لتنتقل مركزيته من البدن إلى العقل.. وتوضيح ذلك كما يلي:
    يولد الإنسان وهو يرى أن ذاته عبارة عن بدنه وجسمه فقط.. وعليه تأمين احتياجات بدنه للحفاظ على حياته.. وهنا يكون مركز اهتمام الإنسان منصباً على البدن.. كما كان الناظر للفلك بعين المراقب الأرضي فيرى بحسه الظاهر أن الأرض هي مركز الكون والفلك.. وكل شيء يدور حولها ومسخَّر لها.. فيقوم بتسخير كل حواسه وعقله وقلبه على ما يلتذ به بدنه ويؤمّن راحته ورفاهيته.. وللأسف فإن أغلب الناس عندما تكبر جسديا تتابع حياتها بنفس الطريقة الطفولية..
    .
    أما من حكَّم عقله ونظر إلى السماء بعين العلم.. فإنه سيجد أن المركز الحقيقي هو الشمس.. وأن كل شيء يدور حولها.. فعلى الإنسان العاقل المؤمن الذي يريد أن يسلك في مراتب الوجود والارتقاء أن يطابق الحركة الحقيقية للكون.. بأن يتوجَّه إلى عالم العقل ليسخّر كل قواه وحواسه بما في ذلك بدنه كي يرتقي في خدمة العقل وتطويره.. ليبلغ قرار المعرفة الحقيقية ويطلع عما جاء من غوامض العلوم والأسرار في النصوص والآيات والأحاديث التدوينية..
    .
    ولكن عليه ألا يكتفي بالمعرفة والسلوك العرفاني النظري.. بل عليه أن يشمّر ساعد الجد ويعقد العزم والمراقبة وينبّه ضميره وعاطفته وحبه وانجذابه لعالم العقل والغيب والكمال والخير والحق.. ولا يكون ذلك إلا بتوسط القلب الذي هو مظهر العقل العملي والذي يخبره بأن عليه الالتزام بالأوامر الإلهية والأفعال الصالحة..
    .
    وهنا نربط بين حركة القمر وبين عمل القلب.. فالقلب يخفق ويقبض ويبسط.. وكذا القمر يزيد وينقص.. والقمر يدور حول الأرض ويدبر شؤونها من رياح ومد وجزر ودوران يؤدي إلى ليل ونهار.. وكذا القلب يدبر شؤون البدن.. ولو اقترب القمر قليلا من الأرض لازداد المدر والجزر وحصلت العواصف المدمرة والرياح العاتية وانتهت الحياة على سطحها.. وهذا حال من وجَّه قلبه للدنيا وبدنه وأفرط في شهواته بدون ضوابط.. فإن مورده إلى الهلاك..
    وكذا إن ابتعد القمر عن الأرض انتهت الحياة على سطحه نتيجة توقف الأرض عن الدوران حول نفسها وانقطاع المد والجزر وتوقف حركات الرياح والغيوم والأمطار.. وهذا حال من يفرّط في السلوك الصوفي وينقطع عن الدنيا وعن بدنه.. فهذا مخالف لإرادة الله في عمران الأرض وبنائها ودوام الحياة الدنيوية والطبيعية والخلافة الإنسانية فيها..
    وكما أن القمر يضيء بمقابلته للشمس حتى نراه بدرا في وسط الشهر.. فعلى الإنسان أن يوجّه قلبه نحو مصدر العقل والوحي كي يصبح قلبه بدرا مكتمل النور والإيمان والعرفان والمحبة..
    .
    ومن هنا جاء العرفان النظري عن طريق إعمال العقل النظري في التعرف على صفات الجلال والقهر.. في حين أن التصوف العملي هو عبارة عن التحلي بصفات الجمال واللطف.. كي يصل الإنسان بتصوفه وتصفيته إلى رتبة الصفاء القلبي المقارن لبياض القمر وصفائه في ليلة البدر..
    .
    نسأل الله تعالى أن يرزقنا وإياكم حلاوة الإيمان.. وشهد المشاهدة.. وعسل المكاشفة.. حتى نتحقق من لبن العلم الرباني.. ونسكر بخمر المحبة الإلهية..  ونحيا بماء الحياة الأبدية.. في حضرة القدس الملكوتية.. لنحظى برؤية النبي الخاتم ووصيه العالم وأهل بيتهم الكرام في جنة السلام.. دمتم بخير والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته..
    ……………………
  • The forum ‘التعريف بعلم التصوف والعرفان – أحمد نده’ is closed to new topics and replies.